رغم مرور كل هذه السنوات؛ إلا أن ذكراها ما تزال حاضرة بقوة في ذاكرته التي أتعبته لقدرتها الغريبة على الاحتفاظ حتى بأبسط المواقف، حتى في الأيام التي يرى الكثيرون أنها تستحق الاحتفال والفرح يجد نفسه ينتابه شعور بإحساس مختلف خاصة مع طيفها الذي يحضر بقوة في مثل تلك المناسبات، وربما يجدها مناسبة لا للحديث عن المناسبة، لكونها في رأيه لا تستحق، ولكنها من يستحق الحديث عنها ومعها، لأن كلما مر عليه يوم وصادف غيرها يتأكد له حجم الهوة بينها وبين غيرها ..فعلاً إنها متفردة ولن تتكرر !!
لكن الغريب في الأمر والذي لا أتفق معه فيه هو أنه تحت ذاك التأثير المحزن لتواتر تلك الذكريات أجده يقدم على تصرفات يغلب عليها الإنفعال فبمجرد أن تلوح أمامه في الأفق إشارات ربما تؤدي به إلى السير في نفس الطريق الذي لم تندمل جراحه إلى اليوم، أجده يتصرف بإندفاع وإنفعال وخوف من تكرار ما حدث، وفي الغالب يكون ذلك التصرف على حساب أناس آخرين جديدين لا ذنب لهم فيما حدث له وكل ما فعلوه هو محاولة الإقتراب من عالمه الغامض وربما المتناقض، ولكنني عرفت لماذا يفعل ذلك وقد صارحته بحقيقة الأمر وهو أنه يتصرف بهذه الطريقة التي يراها نقطة دفاع متقدم حتى يجنّب نفسه ما قد يواجهه إذا هو سلك نفس الطريق الذي ذاق فيه ما ذاق.
وكثيراً ما نصحته أن يتحرر من ذلك الوهم الذي يصوره لنفسه بأنه غير قادر على طرح تلك الذكريات جانباً، فأنا على يقين بأنه يقدر على ذلك، ولابد أن يعلم جيداً أن الأهم في الأمر ألا يؤثر ذلك بأي حال من الأحوال على من حوله خاصة من هم حديثي المعرفة به حتى لا يخسر هؤلاء أيضاً كما تعوّد أن يخسر، وقد وجدته دائماً يتهرب من سؤال طالما طرحته عليه وهو: لماذا يا عزيزي تتسبب بيديك النظيفتين في شقائك؟ لماذا تتفنن في تذكير نفسك بما لا تحب أن تتذكره ؟ فأنت تعلم مثلي أنه قد ولّى زمن الممكن فقد قُضي الأمر وأُسدل الستار وربما لا يستحق هذا الذي عانيت من أجله ولم تجده عوناً وسنداً لك في سبيل تحقيق ما حلمتما به معاً، فهو في رأيي لا يستحق كل هذه المعاناة التي تستسلم لها بإرادتك، فجأة وجدته قد قطع صمته الطويل وقاطعني بشدة مُلقياً في وجهي بحقائق علمها وتأكد من صدقيتها، حقائق وتفسيرات تبرىء ساحة صاحبه، ثم أخذ يردد قول الشاعر
أساحرتي ظلمتك في تصاويري وتدويني
وخُنتك في خيالاتي وأنك لم تخونيني
وصفتك بالذي أكره وعشت لمن يوسوس لي
فإن جادت لك الأيام عن ثمني فبيعيني
وصفتك ما تلا قلبي على كبدي توسله
فصرت النهب للأحزان تأسرني وتسبيني
أعز الناس، أغلى الناس، أرحم منْ رأت عيني
ملاك مِتُّ أعشقه وصمت الموت يحييني
فقد ألقاك في سِنتي وقد ألقاك في الدنيا
وقد ألقاك في الجنة وهذا العز يكفيني