أصفـار فضائيـة

بعد غياب دام أسابيع عدة ها نحن نعد العدة لنعود بعد كل هذه المدة إلى حلقاتنا الممتدة التي نحذر فيها منذ مدة من خطر يحيط بنا وبيوتنا من جهات عدة،حيث نتناول فيها ظاهرة أشباح الإنترنت الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وقلنا من قبل إنهم ذكور من أبناء جلدتنا لا يرقبون في بناتنا إلا ولا ذمة،وقد ارتضوا لأنفسهم الدنيئة أن يعيشوا حالة عجيبة من التناقض بين سرهم وعلانيتهم فهم في الحقيقة فاسدون مفسدون وأمام الناس في العلن مصلحون ناهضون يسعون إلى نهضة أمتهم وتقدمها بينما هم في سعي دائم لاتخاذ المنتديات النافعة على الانترنت منبراً لاصطياد الفتيات الحمقاوات والإيقاع بهن في علاقات توصلهن إلى نهايات مأساوية لا ينفع بعدها أي ندم وتكون جل الخسارة من نصيب هذه الحمقاء على الأقل من سمعتها بين الناس.
ولم أرد من هذه الحلقات المتواصلة إلا أن تكون جرس إنذار لنا لكي نتنبه لهذا الخطر الحقيقي الذي يهددنا جميعاً فمن منا ليس له أختاً أو ابنة أو زوجة مضطرة للدخول إلى الشبكة العنكبوتية التي تزخر بالكثير من الفوائد لكن تفسدها مثل هذه الكائنات الضارة، وقلنا إن كل واحد من هذه الجراثيم الفضائية بمكره وخبثه ودناءة سعيه هو بمثابة حسام أو سيف في يد الشيطان يضرب به وبقوة العفة والالتزام والحياء عند بناتنا عبر أساليب شتى من الحيل الماكرة والكلام المعسول وخدماته التي يبدو للحمقاوات أنها بدون مقابل وكأن سعادته جمعية خيرية تسعى لخير البشر عامة وصنف النساء خاصة!
منذ ما يزيد عن عشر سنوات سافر زوج شقيقتي الكبرى للعمل بالمملكة العربية السعودية،ولم تكن قد انتشرت بعد الهواتف ووسائل الاتصال الأخرى كما هو الحال عليه هذه الأيام،ولم يكن من وسيلة للتواصل بين زوج قهرته ظروف المعيشة القاسية واستكثرت عليه العيش حياة كريمة مع زوجته ووسط أولاده وبين زوجة تحملت المسؤولية كاملة بعد سفر الأب ووزعت جهدها بين رعاية بيتها وأولادها وبين عملها إلا الرسائل البريدية العادية.
ثلاث سنوات أو يزيد قضاها هذا الزوج في غربته بعيداً عن زوجته وأولاده ينتظر رسالة واحدة منهم في كل شهر وأحياناً أكثر من شهر،حيث تصل رسالته لهم بعد أكثر من أسبوعين ثم يستغرق الرد أسبوعين آخرين للوصول يعني شهر كامل على الأقل إلى أن تستلم منه الزوجة رأي في أمر ما أو توصية بعمل شيء أو إرسال نقود أو غير ذلك من الأمور التي لا تستطيع الزوجة أن تقطع فيها برأي بمفردها فما عليها إلا إرسال رسالة تطلب رأي الزوج المغترب،وكثيراً ما كانت تتأخر الرسائل في الوصول فيضيع معها الوقت في الانتظار والقلق،ومن ثم تعليق البت في كثير من الأمور لحين وصول رسالة الأب وفي كثير من الأحيان كانت تضيع الرسائل في البريد ولا تصل.
تخيلت الآن كيف لو أن سفر الزوج كان في مثل هذه الأيام التي انعم الله بها علينا بنعمة الانترنت فهي نعمة عظيمة اختصرت المسافات والوقت في لحظات قليلة وجهد لا يذكر، وقد تخيلت كيف كان الوضع سيكون لو توفر لهذين الزوجين وسيلة للتواصل مثل الإنترنت كيف كان سيختلف الوضع بالنسبة لهما،فبكل تأكيد لو توفرت لهما آنذاك نعمة عظيمة مثل الانترنت لكانت حياتهما أسهل بكثير،وأنا أعلم جيداً بحكم معرفتي بهذين الزوجين أنهما كانا سيحمدان الله ويشكرانه على هذه النعمة العظيمة لأنها وفرت لهما وسيلة سهلة وسريعة للتواصل معاً والزوج بعيداً عن أسرته.
هذه هي حال الدنيا وحال البشر،بين شكر وجحود ،ليس فقط جحود النعمة وعدم شكر الله عليها بل واستخدامها فيما يغضب الله،فكثير من الناس قد أنعم الله عليهم بهذه النعمة العظيمة ولكنهم يستخدمونها فيها يغضب الله مثل هذا النموذج الذي تتناوله هذه الحلقات-حسام الشيطان- فهو لا يشكر الله على نعمة أنعمها عليه بل ويستخدمها في مبارزة الله بالمعاصي عبر التربص بالفتيات واصطياد الحمقاوات والتغرير بهن عبر كلام معسول وحديث مسجوع في السم منقوع،ويقضي الساعات الطوال متطلعاً إلى شاشة الحاسوب ينظر إلى فتاة لا يحق له النظر إليها فضلاً عن تبادل كلمات الهوى والعشق معها مع أن أسرته أولى بكل هذا الوقت الذي يضيعه في تلك الممارسات الصبيانية التافهة.
بيني وبين الرياضيات وعالم الحسابات عامة تنافر يصل إلى حد القطيعة لكني ما زلت أذكر ما كان يردده مدرس الرياضيات في الصفوف الأولى بالمرحلة الابتدائية لدرجة أني كنت أقول ليته يسكت،فقد كان يردد بلا ملل أن الصفر على يسار الرقم لا قيمة له أما إذا جاء على يمين الرقم فله قيمة كبيرة.
هذا هو صفر الحساب لكن الصفر "الفضائي" هو في كل الحالات صفر تافه لا قيمة له ولا وزن،وأراه كفيروس مدمر لنفسه ولمن حوله،فهو صفر ينبغي استئصاله حتى لا يستشرى خطره وينتشر سمه وتتعالى حرفته وتزدهر تجارته ويعلو صوته، فهو صفر لأنه لا يفعل ذلك إلا أصفار البشر وهي أيضاً صفر مثله لأنها سمحت لأحمق،صفر، أن يسرح بها ويستغلها لكي يشبع نزواته الصبيانية.
فيا ترى متى سننجح في محو مثل هذه الأصفار المدمرة من حياتنا؟
رابط المقال بجريدة الراية القطرية
رابط المقال بجريدة المصريون