Wednesday, September 27, 2006

الحُجة والتبيان حول ازدواجية جماعة الإخوان


لعل من أخطر ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر (نوفمبر 2005) أنها جعلت الحليم حيراناً، فقد أفرزت نتائج الانتخابات صورة مزيفة لممثلي الشعب المصري لا تعبر بأي حال من الأحوال عن الواقع، ووضعت المرء أمام خيارين أحلاهما مر، فقد أنتجت الانتخابات فريقين(فسطاطين) لا ثالث لهما، ففي حين حقق الحزب الوطني الحاكم –كالعادة- الأغلبية الساحقة احتلت جماعة الإخوان المسلمين المرتبة الثانية بعدد مقاعد بلغ 88 مقعداً في مفاجأة لم يكن يتوقعها حتى أكثر أعضاء الجماعة تفاؤلاً.

ومن المسلّم به - عدا في الإعلام الحكومي- أن الحزب الحاكم لا يحظى بشعبية تذكر باستثناء أعضاؤه والمستفيدين من الكعكة وهذا أمر طبيعي، لأنه على رأي سكرتير تحرير الراية "قد بات مؤكداً أنه سبب نكبات مصر، وطالما هو موجود في الحكم بأي ثمن فإن النكبات ستزداد وتتفاقم إلى نهاية لا يعلمها إلا الله وحده"، وربما يكون من الأنسب في رأيي أن يُسمّى حزب النكبات والقطارات والعبّارات والسرطانات والسرقات والمعتقلات وتزوير الانتخابات...الخ

قرأت كثيراً من النقد بحق الإخوان وشاهدت برامج تليفزيونية تقطر حقداً على الجماعة، وهي حفلات كراهية تسمى زورا وبهتانا برامج تلفزيونية يسعى القوم من خلالها منافسة القنوات الإخبارية المحترمة التي بينهم وبين الوصول لمستواها أمداً بعيداً، ورغم كل هذا لم أتأثر بأي وجهة نظر مدفوعة بغرض شخصي أو منفعة دنيوية زائلة، ولا أعتقد أن هناك عاقلاً قد تأثر بتلك الحملات الموجهة بل على العكس ربما ساهم هذا النقد المنظم في تعاطف الناس والتفافهم حول الجماعة، وفي هذه الأجواء المشحونة بالنقد المبرر وغير المبرر للجماعة لدرجة أننا نستطيع أن نميز بوضوح موجات متتابعة منظمة ومنسقة لانتقاد الجماعة وتبدو وكأنها مواسم للهجوم على الإخوان، يجد المرء نفسه يتردد دائماً في توجيه النقد لهم فهو إن انتقدهم فالتهمة جاهزة فهو محسوب على الجانب الآخر "أصحاب الفكر الجديد والانطلاقات البائسة المتعددة نحو ما يسمى بالمستقبل" وبئس الفريق هو، وإن أثنى عليهم قالوا إنه "اخوانجي" لا قدّر الله !ولهذا يتردد المرء ألف مرة رغم أنه هناك الكثير الذي يستحق النقد في المسيرة المِعوجّة للجماعة.

مساء الأحد 17 سبتمبر الجاري وفي طريق عودتي للمنزل سمعت عبر البث الإذاعي لقناة الجزيرة نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين معلقاً على كلمة بابا الفاتيكان في العِظة الأسبوعية والتي قال فيها إنه قد أسف لردة الفعل في العالم الإسلامي وأنه ما اقتبسه من كلام الإمبراطور لا يعبر عن رأيه، المهم قال نائب المرشد إن هذا لا يكفي وأنه لا يعتبر اعتذارا بالمرة ويجب على المسلمين عدم قبوله لأنه لا يعتبر بأي حال من الأحوال اعتذارا، وهذا كلام جميل ينسجم مع التوجه العام في الشارع الإسلامي ويتوافق مع رأي كبار علماء المسلمين وعلى رأسهم فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

ولكن في اليوم التالي وأنا أقرأ تغطية وكالة الصحافة الفرنسية لنفس الموضوع فوجئت بتصريح آخر لنفس الشخص وهو السيد محمد حبيب يقول كلاماً آخر – والترجمة للكاتب- "وقال محمد حبيب العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين المصرية المعارضة، قال لوكالة الصحافة الفرنسية أن الجماعة تعتبر اعتذار البابا تراجعاً عن تصريحاته السابقة أي كأنه سحب تصريحاته"

إذن فالقوم يمارسون لعبة البيضة الحجر.. يعزفون ما يُطرب مستمعيهم، فهم يخاطبوننا نحن العرب عبر الجزيرة بلغة مختلفة عن تلك التي يخاطبون بها الفرنجة في الغرب! ففي حديثه للجزيرة يبدو ممثل الجماعة وكأنهم مع الثائرين الغاضبين من أبناء جلدتهم من المسلمين، فهم معنا في نفس الخندق يذودون عن حياض الدين بالغالي والرخيص، ولكنهم في تصريحاتهم لوسائل إعلام الغرب يفصحون عن الوجه الآخر "المتسامح" لكي يظهروا في صورة مَنْ يعفو عمن ظلمه!وذلك في سبيل كسب تعاطف الغرب، وإنه لمكرٌ لو تعلمون عظيم !

هؤلاء هم الإخوان وهذا هو الحزب الوطني ونحن بين مطرقة هذا وسندان هؤلاء لا حول لنا ولا قوة، فمن المؤسف أنه يُراد لنا بطريقة أو بأخرى أن نؤمن أنه لا يوجد في مصر من بديل للحزب الوطني الحاكم إلا جماعة الإخوان المسلمين، وهذا في رأيي استخفاف بعقولنا، فبين هذا وتلك مسافة كبيرة وأطياف عديدة، وإذا خُيّرت أنا شخصياً أيهما أختار فسأرفضهما معاً وأبقى دون اختيار، وحتى لا أضطر أنا أو غيري إلى تفضيل "ثلاثة أرباع العمى على العمى كله" ولكي لا أوضع أنا أو غيري أمام هذا الاختيار الصعب وغير المنصف؛ أدعو الله أن أغمض عيناي وأفتحهما فلا أجد لهذين الفريقين أي وجود في بر مصر، قادر يا كريم..


Monday, September 11, 2006

طه الشاذلي في عمارة يعقوبيان

"رجعي" أنا في مسألة مشاهدة الأفلام ! وعندما حدثت الضجة التي صاحبت عرض فيلم عمارة يعقوبيان، بطولة الممثل المصري العجوز المتصابي عادل إمام، دفعني الفضول لمعرفة سبب كل هذه الضجة التي أثيرت حوله، ولأنني كما ذكرت في البداية "رجعي" أي لا أشاهد الأفلام؛ فقد كانت رواية علاء الأسواني "عمارة يعقوبيان" ضمن قائمة الكتب التي أوصيت صديقي المسافر للإسكندرية في أجازة سنوية بإحضارها معه عند عودته إلى الدوحة، لكي أقرأها لأقف على سبب ذاك الجدل الكبير الذي صاحب نشر الرواية وعرض الفيلم، وقد كنت قد قرأت كثيراً عن الرواية واشترك كل من قرأتهم في إعجابهم بالرواية حتى أن الأستاذ طه خليفة، سكرتير تحرير الراية، قال أنه قد قرأها في جِلسة واحدة(الرواية 348 صفحة)!

عندما انتهيت من قراءة الرواية أيقنت أن لا أحد ممن قرأت تعليقاتهم عن الرواية قد أوفاها حقها، فالرواية يطغى عليها البعد الإنساني للروائي الإنسان الذي يقترب من حياة البؤساء وليس لدي أدنى شك في أن كاتب الرواية قد عاصر عن قرب أناساً من البؤساء الذين تحدث عنهم في روايته الرائعة، وهذه هي وظيفة المبدع وكل صاحب قلم، فيجب عليه ألا ينسلخ من هموم الناس ومعاناتهم فقيمة نجاحه مرتبطة دائماً بالتعبير عن آلام وآمال هؤلاء الأشقياء الذين لا حصر لهم كما يقول عنهم "المنفلوطي"، رحمه الله، في مقدمة كتابه العبرات" الأشقياء في الدنيا كثير" نعم إنهم كثر ولكن من يحس بهم ومن يشعر بمعاناتهم ومن يعرف مرارة الأيام وقسوة السنين التي يعيشونها؟

يتناول الكاتب في روايته نموذج مصغر للشعب المصري المكلوم، وعندما تقرأ الرواية تجد نفسك تعرف الكثيرين من أشخاص هذه الرواية، ولكنني أجد نفسي منجذباً للحديث عن إحدى الشخصيات الرئيسة في الرواية وهو طه الشاذلي ذلك الشاب المتفوق المكافح الذي اجتهد وصبر وكافح وجمع بين استذكار دروسه ومساعدة والده في عمله، ورغم حصوله على مجموع كبير في الثانوية العامة إلا أن أمنيته كانت أن يلتحق بكلية الشرطة ولكنه فشل، أتدري لماذا؟ لأنه غير لائق اجتماعيا !فجريمته هي أن والده بواب عمارة !

عندما وصلت إلى هذه النقطة في الرواية تذكرت على الفور واقعة حدثت مع شاب مصري منذ ثلاث سنوات تقريباً، وهو عبد الحميد شتا خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ويتقن الإنجليزية والفرنسية، وتقدم لوظيفة بسلك التمثيل التجاري التابع لقطاع التجارة الخارجية بوزارة الخارجية المصرية، وبعد أن جاء ترتيبه الأول في إختبارت القبول للوظيفة فوجيء بعدم إدراج اسمه بين المرشحين للوظيفة ! أتدري لماذا ؟ فقد تم استبعاده بتأشيرة عنصرية تقول " غير لائق اجتماعيا، هذه الملعونة حالت بينه وبين تحقيق حلمه، لأن والده فلاح مصري بسيط من عامة الشعب كل جريمته انه أصر علي تعليم أبنائه المتفوقين، وإلحاقهم بكليات مرموقة، لم يحتمل عبد الحميد شتا الصدمة فتوجه إلى كوبري قصر النيل بوسط القاهرة، ثم أخرج ما في جيبه من وثائق شخصية وجنيهات معدودة ثم ألقى بنفسه في النهر، وكأنه وسط أجواء الصخب والفساد والظلم يطلق صرخة مدوية علّها تخترق الحُجب لتصل إلى كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

لا فرق بين طه الشاذلي وعبد الحميد شتا في شيء فقد اشتركا في المعاناة والشقاء والحرمان في حياتهما واشتركا أيضاً في الظلم الذي وقع عليهما مما دفعهما للتخلص من الحياة سعياً إلى الراحة هناك في دار العدل وقد اختار كل منهما طريقته في الخلاص ففي حين ألقى عبد الحميد الشاذلي بنفسه من فوق كوبري قصر النيل فقد انتحر طه الشاذلي بطريقة أخرى حيث انخرط في أحد الجماعات المتطرفة واشترك في عملية اغتيال أحد مقاولي التعذيب في المعتقلات، ضابط أمن الدولة العقيد صالح رشوان، الذي عانى طه على يديه الأمرّين وأهينت كرامته فكأنه يثأر لنفسه ولرفاقه وقد قتل طه في هذه العملية.

"البلد دي مش بلدنا يا طه.دي بلد اللي معه فلوس.لو كان معك عشرين ألف جنيه ودفعتهم رشوة كان حد سألك عن شغلة أبوك ؟!اعمل فلوس يا طه تكسب كل حاجة أما لو فضلت فقير هتندهس دهس.."، كانت هذه الكلمات التي ألقتها بثينة –التي حال الفقر بين طه الشاذلي وبين الارتباط بها- على مسامعه وكأنها تلقي بجردل من الماء البارد على رأسه لكي تفيقه مما كان يحلم به، فقد ثبت له بالتجربة أنه لا مكان لفقير بائس مثله في هذه البلدة الظالم أهلها، وهي نفس الكلمات التي – حسب ظني- رددها عبد الحميد شتا خريج الاقتصاد والعلوم السياسية قبل أن يلقي بنفسه في النهر "البلد دي مش بلدنا دي بلد اللي معاه فلوس"

وأختم مع نموذج آخر من هؤلاء البؤساء تعبر عنه شاعرة العامية المصرية سهير متولي في قصيدتها رقم قومي:

بسكن هنا وخلاص
بسكن مع الساكنين
مع ام محمد اللي تدق على بابي
توريني الورم ف الرقبه وتدّاري
دموعها ف طرف طرحتها
مهيش فاضيه عشان تعيا
ولا معاها عشان تعيا
لكن ويّاها زيي تمام
رقم قومي