الحُجة والتبيان حول ازدواجية جماعة الإخوان
لعل من أخطر ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر (نوفمبر 2005) أنها جعلت الحليم حيراناً، فقد أفرزت نتائج الانتخابات صورة مزيفة لممثلي الشعب المصري لا تعبر بأي حال من الأحوال عن الواقع، ووضعت المرء أمام خيارين أحلاهما مر، فقد أنتجت الانتخابات فريقين(فسطاطين) لا ثالث لهما، ففي حين حقق الحزب الوطني الحاكم –كالعادة- الأغلبية الساحقة احتلت جماعة الإخوان المسلمين المرتبة الثانية بعدد مقاعد بلغ 88 مقعداً في مفاجأة لم يكن يتوقعها حتى أكثر أعضاء الجماعة تفاؤلاً.
ومن المسلّم به - عدا في الإعلام الحكومي- أن الحزب الحاكم لا يحظى بشعبية تذكر باستثناء أعضاؤه والمستفيدين من الكعكة وهذا أمر طبيعي، لأنه على رأي سكرتير تحرير الراية "قد بات مؤكداً أنه سبب نكبات مصر، وطالما هو موجود في الحكم بأي ثمن فإن النكبات ستزداد وتتفاقم إلى نهاية لا يعلمها إلا الله وحده"، وربما يكون من الأنسب في رأيي أن يُسمّى حزب النكبات والقطارات والعبّارات والسرطانات والسرقات والمعتقلات وتزوير الانتخابات...الخ
قرأت كثيراً من النقد بحق الإخوان وشاهدت برامج تليفزيونية تقطر حقداً على الجماعة، وهي حفلات كراهية تسمى زورا وبهتانا برامج تلفزيونية يسعى القوم من خلالها منافسة القنوات الإخبارية المحترمة التي بينهم وبين الوصول لمستواها أمداً بعيداً، ورغم كل هذا لم أتأثر بأي وجهة نظر مدفوعة بغرض شخصي أو منفعة دنيوية زائلة، ولا أعتقد أن هناك عاقلاً قد تأثر بتلك الحملات الموجهة بل على العكس ربما ساهم هذا النقد المنظم في تعاطف الناس والتفافهم حول الجماعة، وفي هذه الأجواء المشحونة بالنقد المبرر وغير المبرر للجماعة لدرجة أننا نستطيع أن نميز بوضوح موجات متتابعة منظمة ومنسقة لانتقاد الجماعة وتبدو وكأنها مواسم للهجوم على الإخوان، يجد المرء نفسه يتردد دائماً في توجيه النقد لهم فهو إن انتقدهم فالتهمة جاهزة فهو محسوب على الجانب الآخر "أصحاب الفكر الجديد والانطلاقات البائسة المتعددة نحو ما يسمى بالمستقبل" وبئس الفريق هو، وإن أثنى عليهم قالوا إنه "اخوانجي" لا قدّر الله !ولهذا يتردد المرء ألف مرة رغم أنه هناك الكثير الذي يستحق النقد في المسيرة المِعوجّة للجماعة.
مساء الأحد 17 سبتمبر الجاري وفي طريق عودتي للمنزل سمعت عبر البث الإذاعي لقناة الجزيرة نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين معلقاً على كلمة بابا الفاتيكان في العِظة الأسبوعية والتي قال فيها إنه قد أسف لردة الفعل في العالم الإسلامي وأنه ما اقتبسه من كلام الإمبراطور لا يعبر عن رأيه، المهم قال نائب المرشد إن هذا لا يكفي وأنه لا يعتبر اعتذارا بالمرة ويجب على المسلمين عدم قبوله لأنه لا يعتبر بأي حال من الأحوال اعتذارا، وهذا كلام جميل ينسجم مع التوجه العام في الشارع الإسلامي ويتوافق مع رأي كبار علماء المسلمين وعلى رأسهم فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
ولكن في اليوم التالي وأنا أقرأ تغطية وكالة الصحافة الفرنسية لنفس الموضوع فوجئت بتصريح آخر لنفس الشخص وهو السيد محمد حبيب يقول كلاماً آخر – والترجمة للكاتب- "وقال محمد حبيب العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين المصرية المعارضة، قال لوكالة الصحافة الفرنسية أن الجماعة تعتبر اعتذار البابا تراجعاً عن تصريحاته السابقة أي كأنه سحب تصريحاته"
إذن فالقوم يمارسون لعبة البيضة الحجر.. يعزفون ما يُطرب مستمعيهم، فهم يخاطبوننا نحن العرب عبر الجزيرة بلغة مختلفة عن تلك التي يخاطبون بها الفرنجة في الغرب! ففي حديثه للجزيرة يبدو ممثل الجماعة وكأنهم مع الثائرين الغاضبين من أبناء جلدتهم من المسلمين، فهم معنا في نفس الخندق يذودون عن حياض الدين بالغالي والرخيص، ولكنهم في تصريحاتهم لوسائل إعلام الغرب يفصحون عن الوجه الآخر "المتسامح" لكي يظهروا في صورة مَنْ يعفو عمن ظلمه!وذلك في سبيل كسب تعاطف الغرب، وإنه لمكرٌ لو تعلمون عظيم !
هؤلاء هم الإخوان وهذا هو الحزب الوطني ونحن بين مطرقة هذا وسندان هؤلاء لا حول لنا ولا قوة، فمن المؤسف أنه يُراد لنا بطريقة أو بأخرى أن نؤمن أنه لا يوجد في مصر من بديل للحزب الوطني الحاكم إلا جماعة الإخوان المسلمين، وهذا في رأيي استخفاف بعقولنا، فبين هذا وتلك مسافة كبيرة وأطياف عديدة، وإذا خُيّرت أنا شخصياً أيهما أختار فسأرفضهما معاً وأبقى دون اختيار، وحتى لا أضطر أنا أو غيري إلى تفضيل "ثلاثة أرباع العمى على العمى كله" ولكي لا أوضع أنا أو غيري أمام هذا الاختيار الصعب وغير المنصف؛ أدعو الله أن أغمض عيناي وأفتحهما فلا أجد لهذين الفريقين أي وجود في بر مصر، قادر يا كريم..
No comments:
Post a Comment