Sunday, January 28, 2007

أنصاف المحجبات

لم أكن أتمنى أن يطول بي العمر لأعيش في زمن يدور فيه جدل لا داع له حول فريضة إسلامية ثابتة بالنص القرآني، فمن المعلوم أنه لا اجتهاد مع نص والنص واضح في سورة النور التي تبدأ بـ "سورة أنزلناها وفرضناها"، ومن أنكر آية من القرآن فقد أنكر القرآن كله، ورغم ذلك ذهبت حُمرة الخجل من وجوه البعض ليثيروا ذاك الجدل العقيم حول فريضة حجاب المرأة المسلمة، ولعل ليس آخرهم معالي الوزير الدائم، "دلّوعة هانم مصر الأولى"، وزير ثقافة مصر، الذي يرى بحسه "الفني المرهف جداً" أن شعر المرأة كالورود لا يجب أن تُحجب عن الناس ولكن يجب أن تكشف ليشتمها سعادته، ولا أدري لماذ لا يكمل سيادته نصف دينه لكي تكون لديه مجموعة من تلك الزهور يشتمها متى يشاء!

وفي تقرير التنمية الإنسانية العربـية 2005 الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ديسمبر الماضي تحت عنوان "نحو نهوض المرأة في الوطن العربي" يُطرح موضوع الحجاب للاستفتاء في أربع دول عربية حيث تم طرح السؤال التالي على العينات المختارة:أي المواقف التالية يعبر عن رأيك في الحجاب ؟1- لا أوافق أن تتحجب المرأة،2- أوافق فقط إن قررت هي ذلك،3- يجب فرض الحجاب على المرأة (ص 237 ملحق 2 : استطلاع الرأي حول نهوض المرأة في العالم العربي) ولا أدري ما علاقة الحجاب بنهوض المرأة من عدمه وهل الحجاب عقبة أمام نهوضها ؟!! وإذا كان الحال كذلك فربما في المرة القادمة يُطرح موضوع الصلاة أو الصيام أو الحج للاستفتاء بين الناس أيضاً !!

لا شأن لي بالوزير المدلل وأشياعه أو بالتقرير وأتباعه، ولكني سأوجه حديثي إلى كل مسلمة التزمت بأمر ربها في مسألة الحجاب، سأتحدث عن الموضوع من زاوية أخرى ينبغي ألا تغيب عن الكثيرين خاصة النساء اللاتي يعتقدن خطأ أنهن محجبات، حتى لا يظللن في هذا التيه إعتقاداً منهن أنهن والحمد لله محجبات، وحتى لا يكن من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

جاء في تفسير ابن كثر لقول الله عز وجل في سورة النور آية 31 (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)
"..قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر " وَلْيَضْرِبْنَ " وَلْيَشْدُدْنَ " بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ " يَعْنِي عَلَى النَّحْر وَالصَّدْر فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْء، وفي تفسير الجلالين "وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ" أَيْ يَسْتُرْنَ الرُّءُوس وَالْأَعْنَاق وَالصُّدُور بِالْمَقَانِعِ"، وفي تفسير الطبري "..وَقَوْله: { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره: وَلْيُلْقِينَ خُمُرهنَّ, وَهِيَ جَمْع خِمَار , عَلَى جُيُوبهنَّ , لِيَسْتُرْنَ بِذَلِكَ شُعُورهنَّ وَأَعْنَاقهنَّ وَقُرْطهنَّ"، وفي تفسير القرطبي "قَرَأَ الْجُمْهُور بِسُكُونِ اللَّام الَّتِي هِيَ لِلْأَمْرِ،وَقَالَ مُقَاتِل : " عَلَى جُيُوبهنَّ " أَيْ عَلَى صُدُورهنَّ ; يَعْنِي عَلَى مَوَاضِع جُيُوبهنَّ .فِي هَذِهِ الْآيَة دَلِيل عَلَى أَنَّ الْجَيْب إِنَّمَا يَكُون فِي الثَّوْب مَوْضِع الصَّدْر. وَكَذَلِكَ كَانَتْ الْجُيُوب فِي ثِيَاب السَّلَف رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ ; عَلَى مَا يَصْنَعهُ النِّسَاء عِنْدنَا بِالْأَنْدَلُسِ وَأَهْل الدِّيَار الْمِصْرِيَّة مِنْ الرِّجَال وَالصِّبْيَان وَغَيْرهمْ".

وجاء في التفسير الميسر لقوله تعالى في سورة الأحزاب آية 59 ".يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً"، " يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يرخين على رؤوسهن ووجوههن من أرديتهن وملاحفهن؛ لستر وجوههن وصدورهن ورؤوسهن".

صفة الحجاب الشرعي هو "أن يكون حجاب المرأة ساتراً لجميع بدنها، ثخيناً لا يشفّ عما تحته، فضفاضاً غير ضيق،غير مزيّن يستدعي أنظار الرجال وغير مطيّب وألا يكون لباس شهرة وأن لا يشبه لباس الرجل والكافرات وألا يكون فيه تصاليب ولا تصاوير .الحجاب الشرعي واجب على كل مسلمة بالغة وهو أن تحجب المرأة كل ما يفتن الرجال بنظرهم إليه كالوجه والكفين والشعر والعنق والقدم والساق والذراع ونحو ذلك."(مختصر الفقه الإسلامي، محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري، ص 829).

ومع ذلك يتم، للأسف الشديد، محاولة اختزال الحجاب في فكر الكثيرين على أنه مجرد خرقة تداري رأس المرأة أو بعض رأسها، وأستغرب حقاً عندما تقام الاحتفالات والتبريكات لمذيعة أخبار أو ممثلة قالوا إنها ارتدت الحجاب وعندما تنظر للحجاب الذي يهلل له المهللون ويطبل له المطبلون لا تملك إلا مصمصة الشفاه .. يا الله هل هذا هو الحجاب؟؟

وتجد الواحدة منهن تدافع عن الحجاب باستماتة وهي ترتدي هذه الخرقة على رأسها وتعتقد أنها بذلك محجبة، هل يعقل ان ترتدي هذه الخرقة التي تغطي بالكاد شعرها ثم ترتدي من الثياب ما يُظهر ولا يخفي
هل هذه محجبة؟ أو تلك الممثلة التي، يا حرام، انفصلت عن زوجها بسبب إصرارها على ارتداء الحجاب وعندما تنظر إلى تسميه هي الحجاب لا تملك إلا أن تقول لا حول ولا قوة إلا بالله، ناهيك عن باقي ما ترتديه وكيف يتناقض تناقضاً بيناً مع فكرة الالتزام بالحجاب الشرعي.

الخوف كل الخوف من إختلاط المفاهيم لأن معها تضيع الحقيقة ويحدث التشويش في أذهان النشء، فعندما تشاهد ابنتي أو ابنتك مثلاً هذا التطبيل والتذمير لهذه المذيعة أو تلك الممثلة لأنها ارتدت "الحجاب" سوف يستقر في يقين طفلتي وطفلتك أن هذا هو الحجاب الشرعي الذي أمر به ربنا في كتابه الكريم.
ما أردته هو طرح الموضوع، الذي أراه خطيرا للغاية للمناقشة، لعلنا نساهم ولو باليسير في تصحيح هذه المفاهيم حتى لا يختلط الأمر علينا وتشوه الحقيقة في الأذهان.

هناك فئة أخرى أستغرب لها حقاً وهي الأكثر انتشاراً هذه الأيام وهي تلك التي تضع على رأسها حجاباً أو نصف حجاب ثم تُظهر خصلة شعر من مقدمة رأسها !! في الحقيقة حاولت كثيراً أن أفهم هذا التصرف وما الهدف منه وما مغزاه الاستراتيجي(!) ؟ هل لتري الناس أن لديك شعر يداعبه الهواء فتهتز له القلوب؟ مع إننا نعلم جيداً أن مصففة الشعر ربما قد ضجرت منك وبذلت جهداً جهيداً ولبثت أمداً طويلاًحتى وصلت إلى هذه النتيجة مع هذه الخصلة العنيدة لكي تتكرمي وتظهريها على العطشى في العمل أو الجامعة أو في مراكز التسوق الذين ينتظرون بشوق للتطلع إلى خصلة شعرك الظاهرة !! أم هل هو صراع نفسي في داخل من تفعل ذلك أم ماذا ؟؟

ربما يكون أقرب تفسير هو مبدأ "الرقص على السلالم"، فهي لا تستطيع كشف شعرها كاملاً لاعتبارات ليس الالتزام الديني من بينها، ومن جهة أخرى تحاول أن تفتح لنفسها هذه النافذة الصغيرة لتشبع به رغبتها الجامحة في تقليد الأخريات من حولها، وهي لا تدري أنها بذلك قد تفتح على نفسها نافذة ليس إلى التحضر والتمدن كما تتوهم، ولكن إلى نافذة ربما تقودها إلى ردهات جهنم وبئس المصير.

Sunday, January 14, 2007

خُبــز السيد بوش
استمعت إلى خطاب الرئيس بوش إلى الأمة الأمريكية عبر موقع البيت الأبيض على الإنترنت، ثم قرأت نص الخطاب كاملاً لعلي أجد على النار هدى فلم أجد إلا مكابرة ومعاندة ولف ودوران في حلقة مفرغة وكلاماً مكرراً لا جديد فيه ربما باستثناء قراره بإرسال أكثر من عشرين ألف جندي إلى العراق، وحتى هذا أيضاً لا يعتبر شيئاً جديداً إذا علمنا أنه كان في وقت سابق بالعراق أكثر من مائة وخمسين ألف جندي أمريكي ولم يفعلوا شيئاً في وقت لم تكن المقاومة العراقية بالكفاءة والخبرة الكبيرة التي وصلت إليها اليوم، وهذا يعني أنه بارسال المزيد من الجنود ستزيد عدد الأهداف التي يهاجمها أفراد المقاومة العراقية الباسلة.

منذ أكثر من عام وفي30 نوفمبر 2005، أجهد السيد بوش نفسه وقطع 32 ميلاً من البيت الأبيض إلى مقر الأكاديمية البحرية ليعلن من هناك ومن وراء منصة مكتوباً عليها بخط واضح كبير "خطة للنصرPlan For Victory " عن الخطة التي أعدها البيت الأبيض في نحو 35 صفحة حملت عنوان "الإستراتيجية الوطنية للنصر في العراق"، وكتبنا في ذلك الوقت تحت نفس العنوان "خبز السيد بوش" ، تصديقاً للمثل الشعبي الذي مفاده أن "الجوعان دائماً يحلم بسوق الخبز" والنصر في العراق هو خبز السيد بوش الذي أثبت فعلاً أنه يحلم به كثيراً، ففي خطابه بالأكاديمية البحرية منذ أكثر من عام وردت كلمة "النصر Victory " خمس عشرة مرة !

لكن في خطابه المتلفز الأربعاء الماضي 10 يناير 2007 لم يكرر كلمة النصر كما في العام الماضي إلا ثلاث مرات فقط، ولكنه ركز حديثه هذه المرة عن الفشل والإخفاق والأخطاء، وإليكم هذه المقتطفات من خطابه؛ "الفشل في العراق سوف يكون كارثة على الولايات المتحدة.لقد فشلت جهودنا السابقة لتأمين بغداد. نتفق جميعاً أنه لا توجد معادلة سحرية للنصر في العراق. لقد ارتُبكت أخطاء في العراق وأتحمل كامل المسؤولية. إنه لمن الواضح أننا بحاجة إلى تغيير استراتيجيتنا في العراق. إن دولاً مثل السعودية ومصر والأردن دول الخليج بحاجة إلى أن تعي أن هزيمة أمريكا في العراق سوف تخلق ملاذاً جديداً للمتطرفين كما أنها ستمثل تهديداً استراتيجيا لبقائها. عواقب الفشل واضحة؛ سوف تقوى شوكة الإسلاميين المتطرفين وسوف يجندون أعضاءً جدد. لن يكون النصر مماثلاً لما حققه أسلافنا،فلن يكون هناك مراسم إستسلام تقام على ظهر سفينة حربية. سوف يتطلب هذا العام مزيداً من الصبر والتضحيات والعزم".

لم أجد تعليقاً على تعنت ومكابرة هذا الرجل أبلغ من النقد اللاذع الذي جاء في إفتتاحية صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في اليوم التالي لإلقاء الخطاب 11 يناير 2007، فقد جاء في الإفتتاحية التي حملت عنوان "الكارثة الحقيقية"؛ "أخبر الرئيس بوش الأمريكيين في الليلة الماضية أن الفشل في العراق سوف يكون كارثة.إن الكارثة هي حرب السيد بوش والتي فشل فيها بالفعل، وفي الليلة الماضية كانت فرصته للتوقف عن إثارة المزيد من الضبابية ويكون أميناً مع أمته ولكنه لم يستغل هذه الفرصة التي اتيحت له.إن الأمريكيين بحاجة إلى خطة واضحة لتخليص القوات الأمريكية من الكارثة التي تسبب فيها السيد بوش، ولكن ما استمعوا إليه هو كلام مرسل عن الحرب على الإرهاب وتأسيس "ديمقراطية فتيّة" في العراق، إن هذه هي طريقة الرئيس لكسب المزيد من الوقت وترك هذا المأزق لمن سيخلفه.لقد قال إنه حذر العراقيين من أنهم إذا لم يبدوا التزاماً فإنهم سيفقدون ثقة الأمريكيين،ألم يلاحظ السيد بوش أن الأمريكيين قد فقدوا ومنذ مدة طويلة ثقتهم في الحكومة العراقية وفي بوش نفسه؟ فالأمريكيين يعرفون أن الحكومة العراقية أسيرة الميليشيات الشيعية التي لا تهتم بمسألة الوحدة والمصالحة والديمقراطية التي يريدها السيد بوش.لقد وصلت هذه الحرب إلى نقطة إذا طال أمدها أكثر فإن النهاية ستكون أكثر سوءاً، وبدون خطة حقيقية لوضع نهاية لهذه الحرب؛ يكون الحديث عن برامج الوظائف والعمليات العسكرية لا فائدة منه، ولن يكون هناك شيئاً منظوراً إلا كارثة أكبر في العراق"

بوش وأركان إدارته في ورطة حقيقية في العراق، ففي العراق مقاومين شرفاء على أيديهم سينكسر المحتل وينسحب يجر أذيال الذل والهزيمة وسوف يندحر مثلما اندحر سابقيه من الغزاة على مر العصور، فهذا هو قانون البشرية الخالد الذي سوف يدوم ما دام هناك شرفاء يزودون عن أرضهم وعرضهم بأرواحهم وأموالهم وكل ما يملكون في سبيل تحرير الأرض وصيانة العرض رغم كل هذا الحديث عن استراتيجة جديدة أو قديمة، ولا أدري لماذا كل هذه الدعاية البائسة ؟ فإذا كانت لديك إستراتيجية للنصر فتفضل بتنفيذها على الأرض ودعنا نرى، ولكن الحقيقة أنه يأمل في إيجاد أي مخرج من هذا النفق المظلم الذي وضع نفسه فيه بغطرسته وتفرده بقرار غزو العراق متحدياً العالم كله على طريقة " مَنْ أشد منّا قوة ؟"، حتماً سينكسر بوش وجنده رغم الدعم المعلن لاستراتيجيته الجديدة في العراق من أنظمة عربية بالية شاخت في مواقعها ولم يعد لها مكان إلا على رفوف المتاحف.