Sunday, January 14, 2007

خُبــز السيد بوش
استمعت إلى خطاب الرئيس بوش إلى الأمة الأمريكية عبر موقع البيت الأبيض على الإنترنت، ثم قرأت نص الخطاب كاملاً لعلي أجد على النار هدى فلم أجد إلا مكابرة ومعاندة ولف ودوران في حلقة مفرغة وكلاماً مكرراً لا جديد فيه ربما باستثناء قراره بإرسال أكثر من عشرين ألف جندي إلى العراق، وحتى هذا أيضاً لا يعتبر شيئاً جديداً إذا علمنا أنه كان في وقت سابق بالعراق أكثر من مائة وخمسين ألف جندي أمريكي ولم يفعلوا شيئاً في وقت لم تكن المقاومة العراقية بالكفاءة والخبرة الكبيرة التي وصلت إليها اليوم، وهذا يعني أنه بارسال المزيد من الجنود ستزيد عدد الأهداف التي يهاجمها أفراد المقاومة العراقية الباسلة.

منذ أكثر من عام وفي30 نوفمبر 2005، أجهد السيد بوش نفسه وقطع 32 ميلاً من البيت الأبيض إلى مقر الأكاديمية البحرية ليعلن من هناك ومن وراء منصة مكتوباً عليها بخط واضح كبير "خطة للنصرPlan For Victory " عن الخطة التي أعدها البيت الأبيض في نحو 35 صفحة حملت عنوان "الإستراتيجية الوطنية للنصر في العراق"، وكتبنا في ذلك الوقت تحت نفس العنوان "خبز السيد بوش" ، تصديقاً للمثل الشعبي الذي مفاده أن "الجوعان دائماً يحلم بسوق الخبز" والنصر في العراق هو خبز السيد بوش الذي أثبت فعلاً أنه يحلم به كثيراً، ففي خطابه بالأكاديمية البحرية منذ أكثر من عام وردت كلمة "النصر Victory " خمس عشرة مرة !

لكن في خطابه المتلفز الأربعاء الماضي 10 يناير 2007 لم يكرر كلمة النصر كما في العام الماضي إلا ثلاث مرات فقط، ولكنه ركز حديثه هذه المرة عن الفشل والإخفاق والأخطاء، وإليكم هذه المقتطفات من خطابه؛ "الفشل في العراق سوف يكون كارثة على الولايات المتحدة.لقد فشلت جهودنا السابقة لتأمين بغداد. نتفق جميعاً أنه لا توجد معادلة سحرية للنصر في العراق. لقد ارتُبكت أخطاء في العراق وأتحمل كامل المسؤولية. إنه لمن الواضح أننا بحاجة إلى تغيير استراتيجيتنا في العراق. إن دولاً مثل السعودية ومصر والأردن دول الخليج بحاجة إلى أن تعي أن هزيمة أمريكا في العراق سوف تخلق ملاذاً جديداً للمتطرفين كما أنها ستمثل تهديداً استراتيجيا لبقائها. عواقب الفشل واضحة؛ سوف تقوى شوكة الإسلاميين المتطرفين وسوف يجندون أعضاءً جدد. لن يكون النصر مماثلاً لما حققه أسلافنا،فلن يكون هناك مراسم إستسلام تقام على ظهر سفينة حربية. سوف يتطلب هذا العام مزيداً من الصبر والتضحيات والعزم".

لم أجد تعليقاً على تعنت ومكابرة هذا الرجل أبلغ من النقد اللاذع الذي جاء في إفتتاحية صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في اليوم التالي لإلقاء الخطاب 11 يناير 2007، فقد جاء في الإفتتاحية التي حملت عنوان "الكارثة الحقيقية"؛ "أخبر الرئيس بوش الأمريكيين في الليلة الماضية أن الفشل في العراق سوف يكون كارثة.إن الكارثة هي حرب السيد بوش والتي فشل فيها بالفعل، وفي الليلة الماضية كانت فرصته للتوقف عن إثارة المزيد من الضبابية ويكون أميناً مع أمته ولكنه لم يستغل هذه الفرصة التي اتيحت له.إن الأمريكيين بحاجة إلى خطة واضحة لتخليص القوات الأمريكية من الكارثة التي تسبب فيها السيد بوش، ولكن ما استمعوا إليه هو كلام مرسل عن الحرب على الإرهاب وتأسيس "ديمقراطية فتيّة" في العراق، إن هذه هي طريقة الرئيس لكسب المزيد من الوقت وترك هذا المأزق لمن سيخلفه.لقد قال إنه حذر العراقيين من أنهم إذا لم يبدوا التزاماً فإنهم سيفقدون ثقة الأمريكيين،ألم يلاحظ السيد بوش أن الأمريكيين قد فقدوا ومنذ مدة طويلة ثقتهم في الحكومة العراقية وفي بوش نفسه؟ فالأمريكيين يعرفون أن الحكومة العراقية أسيرة الميليشيات الشيعية التي لا تهتم بمسألة الوحدة والمصالحة والديمقراطية التي يريدها السيد بوش.لقد وصلت هذه الحرب إلى نقطة إذا طال أمدها أكثر فإن النهاية ستكون أكثر سوءاً، وبدون خطة حقيقية لوضع نهاية لهذه الحرب؛ يكون الحديث عن برامج الوظائف والعمليات العسكرية لا فائدة منه، ولن يكون هناك شيئاً منظوراً إلا كارثة أكبر في العراق"

بوش وأركان إدارته في ورطة حقيقية في العراق، ففي العراق مقاومين شرفاء على أيديهم سينكسر المحتل وينسحب يجر أذيال الذل والهزيمة وسوف يندحر مثلما اندحر سابقيه من الغزاة على مر العصور، فهذا هو قانون البشرية الخالد الذي سوف يدوم ما دام هناك شرفاء يزودون عن أرضهم وعرضهم بأرواحهم وأموالهم وكل ما يملكون في سبيل تحرير الأرض وصيانة العرض رغم كل هذا الحديث عن استراتيجة جديدة أو قديمة، ولا أدري لماذا كل هذه الدعاية البائسة ؟ فإذا كانت لديك إستراتيجية للنصر فتفضل بتنفيذها على الأرض ودعنا نرى، ولكن الحقيقة أنه يأمل في إيجاد أي مخرج من هذا النفق المظلم الذي وضع نفسه فيه بغطرسته وتفرده بقرار غزو العراق متحدياً العالم كله على طريقة " مَنْ أشد منّا قوة ؟"، حتماً سينكسر بوش وجنده رغم الدعم المعلن لاستراتيجيته الجديدة في العراق من أنظمة عربية بالية شاخت في مواقعها ولم يعد لها مكان إلا على رفوف المتاحف.

No comments: