حســــام الشيطان
تسبح في فضاء الإنترنت الواسع كائنات عنكبوتية سامة هي أخطر من الشيطان نفسه، فالإنسان بإمكانه التخلص من وساوس الشيطان وكيده بمجرد الاستعاذة بالله من شره أو قراءة آية الكرسي، ولكن شياطين الإنس في عصرنا قد ابتكروا من الحيل والأساليب الملتوية والخدّاعة ما إن لو اجتمع إبليس "وربعه" لن يجدوا إليها سبيلاً، ولفتح إبليس فمه من الدهشة لما لدى هؤلاء من حيل ماكرة، ولخلع على هؤلاء الشرذمة من شياطين الإنس رداء النبوغ الابليسي والتفوق الشيطاني من الدرجة الدنيا.
هم أناس من أبناء جلدتنا ارتضوا لأنفسهم -الدنيئة أصلاً - أن يعيشوا حالة شاذة من التناقض بين سرهم وجهرهم، بين صورتهم وسلوكهم في العلن وبين ما يقترفونه في الخفاء بعيداً عن أعين الناس، ورحمة الله على الشيخ محمد الغزالي الذي يقول في كتابه القيّم، خُلُق المسلم، " ..على أن الإنسان ينبغي أن يخجل من نفسه كما يخجل من الناس،فإذا كره أن يروه على نقيصة فليكره أن يرى نفسه على مثلها،إلا إذا حسب نفسه أحقر من أن يستحي منها. وقد قيل : من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر".
لا أصف هؤلاء بالرجولة بل بالذكورة، لأن الرجولة رجاحة عقل واتزان خلق، ولكن الواحد من هؤلاء بمكره وخبثه ودناءة سعيه هو بمثابة حسام (سيف) في يد الشيطان يضرب به وبقوة العفة والالتزام والحياء عند بناتنا عبر أساليب شتى من الحيل الماكرة والكلام المعسول، حتى تطمئن إليه هذه الساذجة أو تلك الحمقاء التي تنقصها الخبرة في الحياة أو تلك التي تنخدع بما لديها من خبرة وتعتقد أنها تكفيها وتحصنها ضد أمثال تلك المخاطر، ففي كثير من الأحيان يكون للتكرار مفعول السحر خاصة مع كل مَنْ "خدعوها بقولهم حسناء".
لكن كيف تكون البداية؟ الاجابة على هذا السؤال هي بمثابة فضح وتبيان لكل حسام (سيف) في يد الشيطان لكي تنتبه كل فتاة مضطرة لاستخدام شبكة الإنترنت،ولكي تحتاط من أمثال هؤلاء وتسلم من مكرهم،حتى لا تقع فريسة لخبثهم وخداعهم وعندها لن ينفع الندم.
تزدحم شبكة الإنترنت بالكثير من المنتديات النافعة وكذلك التافهة، وحسام (سيف) الشيطان يجد مرتعه ليس في الثانية بل في الأولى، فتجده يجتهد في إظهار بلاغته وثقافته وسعيه لإفادة المنتدى حتى يجذب إليه الأنظار، مما يدفع برئيس المنتدى المخدوع إلى أن يخلع عليه الألقاب تلو الألقاب كأن يعينه مثلاً سفيراً للمنتدى في بلده، ثم تتوالى رسائل المديح والثناء لهذا الشخص على جهده ومساهماته "المفيدة" في المنتدى، وبما أن المشاركة في هذه المنتديات هي من وراء حجاب أي عبر الإنترنت؛ فإن حسام الشيطان يساهم هو أيضاً في تسليط الضوء على نفسه وعلى مساهماته عبر الايعاز لآخرين من مساعديه بالمشاركة في حفلة المديح والشكر لمجهوداته كمثقف حر يسعى لنهضة الأمة!
هنا يبدأ حسام الشيطان أولى خطوات الإيقاع بفريسته، فبعد أن كان التواصل مع الجميع فقط عبر المنتدى؛ ينفرد هو بهذه الحمقاء الساذجة في تواصل عبر الانترنت بينهما فقط، ثم تتوالي اللقاءات لساعات طويلة، حيث يجلب عليها بخيله ورجله، ومكمن الخطورة هنا أنه في الغالب يدخل لفريسته من مدخل الدين فتجده كثيراً ما يبدأ كلامه بآية أو حديث أو قول مأثور، ثم يبذل كل طاقته في طمأنتها تجاهه عبر تقديم المساعدة أو الخدمات العديدة التي يبدو ظاهرياً أنه لا ينتظر لها أي مقابل، ثم يجيء دور الشيطان في مساعدة رفيقه من بني الإنس في سعيه الدنيء فيمهد له الخطوة تلو الخطوة إلى يتبادل مع هذه الحمقاء الساذجة أرقام الهواتف والصور الشخصية وخلافه وهنا تبدأ المأساة.
وهنا أود أن أهمس في أذن كل فتاة قُدّر لها أن تتعامل مع أحد من هؤلاء أن تسأل نفسها دائماً هذه الأسئلة الهامة:لماذا يتقرّب إليّ أنا بالذات؟ ولماذا يقدم لي المساعدة أو يعرض عليّ خدماته؟ وما هو المقابل، أي ماذا يريد مني؟ نعم؛ فمن السذاجة أن تتوقعي أو تفترضي أن "سعادته" هو جمعية خيرية تسعى لخير البشر هكذا بدون مقابل، فليس من العيب أبداً -من باب الاحتياط- أن تفترضي السوء في كل من تتعاملين معهم في مثل تلك المنتديات إلى أن يثبت العكس.
وبما أننا نتحدث عن نموذج من الذين ينتشرون في المنتديات التي من المفترض أنها نافعة والتي تجمع في قوائمها آلاف المثقفين؛ فإنني أوجه حديثي هنا إلى كل مثقف أو مدعي الثقافة من هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بالمثقفين الأحرار، فالمثقف الذي يدّعي أنه يسعى إلى الحرية وإلى التخلص من سطوة الأنظمة المستبدة الجاثمة على صدورنا ينبغي عليه أولاً أن يتحرر من عبوديته لنفسه واستبداد شهواته ونزواته الصبيانية،ولا أدري كيف ينادي الواحد من هؤلاء بدعاوى التحرر والحرية وهو نفسه جزء من نظام فاسد!فالمثقف الحر واضح مع نفسه ومع مجتمعه، ولا يتناقض سلوكه في الخفاء مع ما يتبناه في العلن أمام الناس، وكيف يدعو هذا الرويبضة إلى نهضة الأمة ويدّعي تزعمه لإحدى كتائب نهضتها واستعادة شرفها وكرامتها في حين أنه قد افتقد كل هذه المفردات بسلوكياته وتصرفاته الصبيانية تلك؟!
وأختم مع رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيما معناه "لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً فيجعلها الله-عز وجل- هباء منثورا ....أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها"...
رابط المقال بجريدة الراية القطرية
No comments:
Post a Comment