مرحباً بكم في دبي الأخـرى
اعتدت أن أمكث بعد صلاة الفجر ساعة على الأقل قبل أن أذهب للنوم مرة أخرى،ساعة أو أكثر أقضيها غالباً في القراءة في هذا الوقت الذي أعشقه، فما أجمل أن تكون مستيقظاً والناس نيام،بالنسبة لي أجده شعوراً لا يوصف خاصة عندما تتابع بزوغ أول ضوء ليوم جديد ثم شروق شمس هذا اليوم وأنت مستيقظ وغيرك نائم غافل فاتته هذه اللحظات الفارقة من عمر هذا الوافد الجديد.
في هذه المرة جلست أنظر من شرفة غرفتي بالفندق الذي أقمت به خلال رحلة عمل إلى مدينة دبي التي ملأت شهرتها الآفاق،وتأملت من هذا الارتفاع الشاهق الهدوء الرهيب الذي يخيم على شوارع هذه المدينة وهو الهدوء الذي يسبق يوماً جديداً من الحركة والبيزنس والنشاط الذي تعج به هذه المدينة ذائعة الصيت.
وأنا أتجول بناظري على المباني العديدة متوسطة الارتفاع والتي تحيط بالفندق أذهلني منظر غريب وأصابني بالإحباط حزناً على هؤلاء الذين أحسب أنهم هم مَنْ تحدث عنهم المنفلوطي رحمه الله في مقدمة كتابه العبرات الذي أهداه إليهم قائلاً "الأشقياء في الدنيا كثير وليس في استطاعة بائس مثلي أن يمحو شيئاً من بؤسهم إلا أن أسكب بين أيديهم هذه العبرات عليها استطاعة بائس مثلي أن يمحو من بؤسهم وشقائهم،فلا أقل من أن أسكب بين أيديهم هذه العبرات علهم يجدون في بكائي عليهم تعزية وسلوى".
وها أنا ذا أيضاً أسكب بين أيديهم هذه العَبَرة التي أرجو لها أن تكون صرخة مدوية علّها تخترق الحُجب لتصل إلى كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
فقد رأيت العديد من الأشخاص،لم أهتم بمعرفة جنسياتهم أو هل هم من العرب أو العجم،المهم أنهم مجموعة من بني البشر نائمون،فقد رأيتهم نياماً على أسطح هذه البنايات يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في هذه الحرارة المرتفعة والرطوبة التي لا تطاق.
هذا الأمر لا يحتاج مني ولا من غيري إلى تفكير عميق عن سبب "تفضيل" هؤلاء الأشخاص النوم فوق أسطح هذه البنايات في هذا الجو القاس والإجابة هي أنهم من المقيمين الأجانب في هذه المدينة القاسية، ومن المعلوم أن إيجارات المساكن قد ارتفعت بصورة لا يمكن لأمثال هؤلاء تحملها لدرجة أن الكثيرين منهم لا يجدون ما يكفي لسداد قيمة مكان متر في متر بغرفة في أي بقعة من هذه المدينة.
في حواري مع الكثير من الزملاء المقيمين هناك علمت أنه وبعد الارتفاع الهائل في إيجارات المساكن لاذ الكثير من المقيمين في دبي بالفرار من غلاء الإيجارات ولجأوا إلى السكنى في الإمارات الأخرى القريبة مثل الشارقة مع أن مقار عملهم في دبي لدرجة أن طريق الشارقة دبي الذي يستغرق أقل من عشرين دقيقة في الأوقات العادية يقطعه المسافرون في الصباح من أماكن سكنهم في الشارقة إلى مقار عملهم بمدينة دبي في ساعتين أو أكثر.
وقد نتج عن هذا الغلاء غير المبرر استغلال أصحاب العقارات للمستأجرين في ظل غياب القوانين الرادعة التي تحكم العلاقة بين المالك والمستأجر،وقد انتعش سوق تأجير العقارات بصورة لم يسبق لها مثيل وهو ما تبعه زيادة معاناة محدودي الدخل،ويكفي أن أقول أن هناك من قال لي أنه من الناس من يستأجر البناية ثم يقوم بإغلاق موقف السيارات المخصص أسفل البناية ويقوم بتقسيمه وإعادة تصميمه إلى شقق صغيرة ليجني من ورائها أرباحاً طائلة..حقاً إنه فن استغلال مواقف السيارات!!
لأنني مصري أعتز بمصريتي وأشعر وأتألم بمعاناة الناس عامة وخاصة من أبناء بلدي فقد قفزت إلى ذهني صورتان تكونان مع هذه الحالة ما يمكننا أن نطلق عليه "التسطيح على هامش الحياة" ففي مصر يلجأ الفقراء البؤساء من أبناء بلدي الذين لا يطيقون تحمل تكاليف السفر من مكان إلى آخر داخل مصر إلى "التسطيح" فوق أسطح القطارات وهو موقف يتشابه مع "تسطيح" هؤلاء المقيمين فوق أسطح بنايات دبي،ولكنهما يشتركان في أن كلا النموذجين "تسطيح على هامش الحياة" في هذه الدنيا الظالم أهلها.
الصورة الثالثة قرأت عنها في رواية عمارة يعقوبيان لعلاء الأسواني،والتي تحدث فيها عن مجموعة -من بني البشر أيضاً- يسكنون سطح بناية فخمة وسط القاهرة وهي لا تختلف عن تسطيح المقيمين بهذه الإمارة الخليجية فوق بنايات دبي مدينة البيزنس والصفقات.
لا أستطيع أبداً أن أنسى مقولة "بثينة" خطيبة طه الشاذلي في هذه الرواية الرائعة عندما قالت له: "البلد دي مش بلدنا يا طه.دي بلد اللي معاه فلوس.اعمل فلوس يا طه تكسب كل حاجة أما لو فضلت فقير هتندهس دهس.."،وأعتقد أن مقولة بثينة هذه تصلح للنماذج الثلاثة للتسطيح التي تحدثنا عنها.
أن يحدث هذا في مدينة غربية تحكمها المادة ويغلب على حركة المجتمع فيها مذهب البراجماتية أو المنفعاتية فهذا أمر لا غرابة فيه، ولكن أن نرى هذا في مجتمع عربي مسلم فهذا شيء عجيب،أن تعاني شريحة كبيرة من المقيمين في بلد عربي مسلم بغض النظر عن دياناتهم أو جنسهم وتضطرهم قسوة الظروف إلى المبيت فوق أسطح البنايات فهذا أمر لا يقبله شرع ولا دين ولا مروءة.نحن مسلمون والرحمة من صفات الله عز وجل التي ينبغي أن يتحلى بها البشر جميعاً وخاصة نحن الذين قال فينا الله عز وجل "كنتم خير أمة أخرجت للناس"،فهؤلاء المساكين قد قهرتهم قسوة الظروف في بلدانهم الأصلية واستكثرت عليهم العيش حياة كريمة بين أهلهم وذويهم فآثروا الهروب من ذاك الواقع التعيس في بلدانهم علهم يجدون في بلادنا العربية المسلمة ما افتقدوه هناك في بلدانهم، فهل يعقل أن يلحق بهم البؤس والتعاسة أينما ذهبوا؟! هل كتب عليهم الشقاء هنا وهناك ؟ألا يكفي معاناتهم جراء غربتهم التي تدوم لسنوات بعيداً عن أهلهم وأحبتهم؟ يا قوم ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
في هذه المرة جلست أنظر من شرفة غرفتي بالفندق الذي أقمت به خلال رحلة عمل إلى مدينة دبي التي ملأت شهرتها الآفاق،وتأملت من هذا الارتفاع الشاهق الهدوء الرهيب الذي يخيم على شوارع هذه المدينة وهو الهدوء الذي يسبق يوماً جديداً من الحركة والبيزنس والنشاط الذي تعج به هذه المدينة ذائعة الصيت.
وأنا أتجول بناظري على المباني العديدة متوسطة الارتفاع والتي تحيط بالفندق أذهلني منظر غريب وأصابني بالإحباط حزناً على هؤلاء الذين أحسب أنهم هم مَنْ تحدث عنهم المنفلوطي رحمه الله في مقدمة كتابه العبرات الذي أهداه إليهم قائلاً "الأشقياء في الدنيا كثير وليس في استطاعة بائس مثلي أن يمحو شيئاً من بؤسهم إلا أن أسكب بين أيديهم هذه العبرات عليها استطاعة بائس مثلي أن يمحو من بؤسهم وشقائهم،فلا أقل من أن أسكب بين أيديهم هذه العبرات علهم يجدون في بكائي عليهم تعزية وسلوى".
وها أنا ذا أيضاً أسكب بين أيديهم هذه العَبَرة التي أرجو لها أن تكون صرخة مدوية علّها تخترق الحُجب لتصل إلى كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
فقد رأيت العديد من الأشخاص،لم أهتم بمعرفة جنسياتهم أو هل هم من العرب أو العجم،المهم أنهم مجموعة من بني البشر نائمون،فقد رأيتهم نياماً على أسطح هذه البنايات يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في هذه الحرارة المرتفعة والرطوبة التي لا تطاق.
هذا الأمر لا يحتاج مني ولا من غيري إلى تفكير عميق عن سبب "تفضيل" هؤلاء الأشخاص النوم فوق أسطح هذه البنايات في هذا الجو القاس والإجابة هي أنهم من المقيمين الأجانب في هذه المدينة القاسية، ومن المعلوم أن إيجارات المساكن قد ارتفعت بصورة لا يمكن لأمثال هؤلاء تحملها لدرجة أن الكثيرين منهم لا يجدون ما يكفي لسداد قيمة مكان متر في متر بغرفة في أي بقعة من هذه المدينة.
في حواري مع الكثير من الزملاء المقيمين هناك علمت أنه وبعد الارتفاع الهائل في إيجارات المساكن لاذ الكثير من المقيمين في دبي بالفرار من غلاء الإيجارات ولجأوا إلى السكنى في الإمارات الأخرى القريبة مثل الشارقة مع أن مقار عملهم في دبي لدرجة أن طريق الشارقة دبي الذي يستغرق أقل من عشرين دقيقة في الأوقات العادية يقطعه المسافرون في الصباح من أماكن سكنهم في الشارقة إلى مقار عملهم بمدينة دبي في ساعتين أو أكثر.
وقد نتج عن هذا الغلاء غير المبرر استغلال أصحاب العقارات للمستأجرين في ظل غياب القوانين الرادعة التي تحكم العلاقة بين المالك والمستأجر،وقد انتعش سوق تأجير العقارات بصورة لم يسبق لها مثيل وهو ما تبعه زيادة معاناة محدودي الدخل،ويكفي أن أقول أن هناك من قال لي أنه من الناس من يستأجر البناية ثم يقوم بإغلاق موقف السيارات المخصص أسفل البناية ويقوم بتقسيمه وإعادة تصميمه إلى شقق صغيرة ليجني من ورائها أرباحاً طائلة..حقاً إنه فن استغلال مواقف السيارات!!
لأنني مصري أعتز بمصريتي وأشعر وأتألم بمعاناة الناس عامة وخاصة من أبناء بلدي فقد قفزت إلى ذهني صورتان تكونان مع هذه الحالة ما يمكننا أن نطلق عليه "التسطيح على هامش الحياة" ففي مصر يلجأ الفقراء البؤساء من أبناء بلدي الذين لا يطيقون تحمل تكاليف السفر من مكان إلى آخر داخل مصر إلى "التسطيح" فوق أسطح القطارات وهو موقف يتشابه مع "تسطيح" هؤلاء المقيمين فوق أسطح بنايات دبي،ولكنهما يشتركان في أن كلا النموذجين "تسطيح على هامش الحياة" في هذه الدنيا الظالم أهلها.
الصورة الثالثة قرأت عنها في رواية عمارة يعقوبيان لعلاء الأسواني،والتي تحدث فيها عن مجموعة -من بني البشر أيضاً- يسكنون سطح بناية فخمة وسط القاهرة وهي لا تختلف عن تسطيح المقيمين بهذه الإمارة الخليجية فوق بنايات دبي مدينة البيزنس والصفقات.
لا أستطيع أبداً أن أنسى مقولة "بثينة" خطيبة طه الشاذلي في هذه الرواية الرائعة عندما قالت له: "البلد دي مش بلدنا يا طه.دي بلد اللي معاه فلوس.اعمل فلوس يا طه تكسب كل حاجة أما لو فضلت فقير هتندهس دهس.."،وأعتقد أن مقولة بثينة هذه تصلح للنماذج الثلاثة للتسطيح التي تحدثنا عنها.
أن يحدث هذا في مدينة غربية تحكمها المادة ويغلب على حركة المجتمع فيها مذهب البراجماتية أو المنفعاتية فهذا أمر لا غرابة فيه، ولكن أن نرى هذا في مجتمع عربي مسلم فهذا شيء عجيب،أن تعاني شريحة كبيرة من المقيمين في بلد عربي مسلم بغض النظر عن دياناتهم أو جنسهم وتضطرهم قسوة الظروف إلى المبيت فوق أسطح البنايات فهذا أمر لا يقبله شرع ولا دين ولا مروءة.نحن مسلمون والرحمة من صفات الله عز وجل التي ينبغي أن يتحلى بها البشر جميعاً وخاصة نحن الذين قال فينا الله عز وجل "كنتم خير أمة أخرجت للناس"،فهؤلاء المساكين قد قهرتهم قسوة الظروف في بلدانهم الأصلية واستكثرت عليهم العيش حياة كريمة بين أهلهم وذويهم فآثروا الهروب من ذاك الواقع التعيس في بلدانهم علهم يجدون في بلادنا العربية المسلمة ما افتقدوه هناك في بلدانهم، فهل يعقل أن يلحق بهم البؤس والتعاسة أينما ذهبوا؟! هل كتب عليهم الشقاء هنا وهناك ؟ألا يكفي معاناتهم جراء غربتهم التي تدوم لسنوات بعيداً عن أهلهم وأحبتهم؟ يا قوم ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
رابط المقال بجريدة المصريون