Tuesday, September 11, 2007

مرحباً بكم في دبي الأخـرى



اعتدت أن أمكث بعد صلاة الفجر ساعة على الأقل قبل أن أذهب للنوم مرة أخرى،ساعة أو أكثر أقضيها غالباً في القراءة في هذا الوقت الذي أعشقه، فما أجمل أن تكون مستيقظاً والناس نيام،بالنسبة لي أجده شعوراً لا يوصف خاصة عندما تتابع بزوغ أول ضوء ليوم جديد ثم شروق شمس هذا اليوم وأنت مستيقظ وغيرك نائم غافل فاتته هذه اللحظات الفارقة من عمر هذا الوافد الجديد.
في هذه المرة جلست أنظر من شرفة غرفتي بالفندق الذي أقمت به خلال رحلة عمل إلى مدينة دبي التي ملأت شهرتها الآفاق،وتأملت من هذا الارتفاع الشاهق الهدوء الرهيب الذي يخيم على شوارع هذه المدينة وهو الهدوء الذي يسبق يوماً جديداً من الحركة والبيزنس والنشاط الذي تعج به هذه المدينة ذائعة الصيت.
وأنا أتجول بناظري على المباني العديدة متوسطة الارتفاع والتي تحيط بالفندق أذهلني منظر غريب وأصابني بالإحباط حزناً على هؤلاء الذين أحسب أنهم هم مَنْ تحدث عنهم المنفلوطي رحمه الله في مقدمة كتابه العبرات الذي أهداه إليهم قائلاً "الأشقياء في الدنيا كثير وليس في استطاعة بائس مثلي أن يمحو شيئاً من بؤسهم إلا أن أسكب بين أيديهم هذه العبرات عليها استطاعة بائس مثلي أن يمحو من بؤسهم وشقائهم،فلا أقل من أن أسكب بين أيديهم هذه العبرات علهم يجدون في بكائي عليهم تعزية وسلوى".
وها أنا ذا أيضاً أسكب بين أيديهم هذه العَبَرة التي أرجو لها أن تكون صرخة مدوية علّها تخترق الحُجب لتصل إلى كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
فقد رأيت العديد من الأشخاص،لم أهتم بمعرفة جنسياتهم أو هل هم من العرب أو العجم،المهم أنهم مجموعة من بني البشر نائمون،فقد رأيتهم نياماً على أسطح هذه البنايات يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في هذه الحرارة المرتفعة والرطوبة التي لا تطاق.
هذا الأمر لا يحتاج مني ولا من غيري إلى تفكير عميق عن سبب "تفضيل" هؤلاء الأشخاص النوم فوق أسطح هذه البنايات في هذا الجو القاس والإجابة هي أنهم من المقيمين الأجانب في هذه المدينة القاسية، ومن المعلوم أن إيجارات المساكن قد ارتفعت بصورة لا يمكن لأمثال هؤلاء تحملها لدرجة أن الكثيرين منهم لا يجدون ما يكفي لسداد قيمة مكان متر في متر بغرفة في أي بقعة من هذه المدينة.
في حواري مع الكثير من الزملاء المقيمين هناك علمت أنه وبعد الارتفاع الهائل في إيجارات المساكن لاذ الكثير من المقيمين في دبي بالفرار من غلاء الإيجارات ولجأوا إلى السكنى في الإمارات الأخرى القريبة مثل الشارقة مع أن مقار عملهم في دبي لدرجة أن طريق الشارقة دبي الذي يستغرق أقل من عشرين دقيقة في الأوقات العادية يقطعه المسافرون في الصباح من أماكن سكنهم في الشارقة إلى مقار عملهم بمدينة دبي في ساعتين أو أكثر.
وقد نتج عن هذا الغلاء غير المبرر استغلال أصحاب العقارات للمستأجرين في ظل غياب القوانين الرادعة التي تحكم العلاقة بين المالك والمستأجر،وقد انتعش سوق تأجير العقارات بصورة لم يسبق لها مثيل وهو ما تبعه زيادة معاناة محدودي الدخل،ويكفي أن أقول أن هناك من قال لي أنه من الناس من يستأجر البناية ثم يقوم بإغلاق موقف السيارات المخصص أسفل البناية ويقوم بتقسيمه وإعادة تصميمه إلى شقق صغيرة ليجني من ورائها أرباحاً طائلة..حقاً إنه فن استغلال مواقف السيارات!!
لأنني مصري أعتز بمصريتي وأشعر وأتألم بمعاناة الناس عامة وخاصة من أبناء بلدي فقد قفزت إلى ذهني صورتان تكونان مع هذه الحالة ما يمكننا أن نطلق عليه "التسطيح على هامش الحياة" ففي مصر يلجأ الفقراء البؤساء من أبناء بلدي الذين لا يطيقون تحمل تكاليف السفر من مكان إلى آخر داخل مصر إلى "التسطيح" فوق أسطح القطارات وهو موقف يتشابه مع "تسطيح" هؤلاء المقيمين فوق أسطح بنايات دبي،ولكنهما يشتركان في أن كلا النموذجين "تسطيح على هامش الحياة" في هذه الدنيا الظالم أهلها.
الصورة الثالثة قرأت عنها في رواية عمارة يعقوبيان لعلاء الأسواني،والتي تحدث فيها عن مجموعة -من بني البشر أيضاً- يسكنون سطح بناية فخمة وسط القاهرة وهي لا تختلف عن تسطيح المقيمين بهذه الإمارة الخليجية فوق بنايات دبي مدينة البيزنس والصفقات.
لا أستطيع أبداً أن أنسى مقولة
"بثينة" خطيبة طه الشاذلي في هذه الرواية الرائعة عندما قالت له: "البلد دي مش بلدنا يا طه.دي بلد اللي معاه فلوس.اعمل فلوس يا طه تكسب كل حاجة أما لو فضلت فقير هتندهس دهس.."،وأعتقد أن مقولة بثينة هذه تصلح للنماذج الثلاثة للتسطيح التي تحدثنا عنها.
أن يحدث هذا في مدينة غربية تحكمها المادة ويغلب على حركة المجتمع فيها مذهب البراجماتية أو المنفعاتية فهذا أمر لا غرابة فيه، ولكن أن نرى هذا في مجتمع عربي مسلم فهذا شيء عجيب،أن تعاني شريحة كبيرة من المقيمين في بلد عربي مسلم بغض النظر عن دياناتهم أو جنسهم وتضطرهم قسوة الظروف إلى المبيت فوق أسطح البنايات فهذا أمر لا يقبله شرع ولا دين ولا مروءة.نحن مسلمون والرحمة من صفات الله عز وجل التي ينبغي أن يتحلى بها البشر جميعاً وخاصة نحن الذين قال فينا الله عز وجل "كنتم خير أمة أخرجت للناس"،فهؤلاء المساكين قد قهرتهم قسوة الظروف في بلدانهم الأصلية واستكثرت عليهم العيش حياة كريمة بين أهلهم وذويهم فآثروا الهروب من ذاك الواقع التعيس في بلدانهم علهم يجدون في بلادنا العربية المسلمة ما افتقدوه هناك في بلدانهم، فهل يعقل أن يلحق بهم البؤس والتعاسة أينما ذهبوا؟! هل كتب عليهم الشقاء هنا وهناك ؟ألا يكفي معاناتهم جراء غربتهم التي تدوم لسنوات بعيداً عن أهلهم وأحبتهم؟ يا قوم ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.



رابط المقال بجريدة المصريون






Wednesday, September 05, 2007

حسـام الشيطان إنترناشونال


جميل جداً أن يحظى هذا الموضوع بكل هذا الاهتمام الذي هو بالفعل يستحقه،وأجمل من ذلك أن يصير هذا المسمى "حسام الشيطان" بمثابة أيقونة تحمل كل صفات تلك الشخصية الفضائية غير السوية التي تعيش بيننا ولكنها تغرق في بحر من الازدواجية والتناقض بين ما تدعيه وتنادي به في العلن وبين ما تقترفه في الخفاء بعيداً عن أعين الناس،ونذكر هنا مرة أخرى بقول الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه في كتابه الماتع، خُلُق المسلم، " ..على أن الإنسان ينبغي أن يخجل من نفسه كما يخجل من الناس، فإذا كره أن يروه على نقيصة فليكره أن يرى نفسه على مثلها، إلا إذا حسب نفسه أحقر من أن يستحي منها. وقد قيل : من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر".

وهذه السلسلة المتواصلة من الحلقات ما هي إلا جرس إنذار لكل فتاة أو سيدة مضطرة للتعامل مع شبكة الانترنت لكي تأخذ حذرها من مثل هذه الكائنات العنكبوتية السامة التي تسبح في فضاء الانترنت الواسع وقد قلنا في مرات سابقة إن الواحد من هؤلاء بمكره وخبثه ودناءة سعيه هو بمثابة حسام أو سيف في يد الشيطان يضرب به وبقوة العفة والالتزام والحياء عند بناتنا عبر أساليب شتى من الحيل الماكرة والكلام المعسول والخدمات التي يبدو أنها بدون مقابل إلى أن تطمئن إليه هذه الساذجة إلى أن "تقع الفأس في الرأس" ثم يهرب هذا الثعلب الماكر ليستعد للإجهاز على ضحية أخرى..عفواً ساذجة أخرى، وتكون جل الخسارة من نصيب هذه الحمقاء على الأقل من سمعتها بين الناس وقد كنت أسمع أمي،بارك الله في عمرها، تقول لأخواتي "إن سمعة الفتاة مثل الثوب الأبيض الناصع يظهر فيه أي غبار ولو قلّ".

ما يجعلني أشعر بالسعادة أيضاً هو ذلك التفاعل من إخواني وأخواتي من القراء الذين لولا تعليقاتهم القيّمة لما استمرت هذه الحلقات،ولكني استغرب حقاً مما يصلني من هجوم بعض الأشخاص الفضائيين بسبب هذه السلسة المتواصلة التي أنتقد فيها نموذجاً سيئاً يهددنا جميعاً فمَنْ منا ليس له أختاً أو ابنة أو زوجة مضطرة لاستخدام شبكة الانترنت، ولم أجد تفسيراً لكل هذا الغضب والهجوم على شخصي الكريم إلا بسبب ألم "البطحة" التي على رأس كل منتقد شرس،وقديماً قالوا إللي على رأسه "بطحة" يبحث لها عن علاج نفساني بعيداً عني، فأنا لست طبيباً وإنما مترجماً أتعامل مع الجمل والكلمات وليس مع الأمراض والعاهات.

وقد بت أحاول جاهداً كبح جماح تطلعاتي وطموحاتي خشية أن ينطلق العنان من بين يدي فأسبح في أحلامي المشروعة بمستقبل حافل بالأيام المزهرة والليالي الهانئة نتيجة استمرار هذه الحلقات التي صور لي خيالي الواسع أن المستقبل يحمل لها الكثير فربما تُجمع ذات يوم في كتاب أو أنسج من هذه الحلقات رواية تطبق شهرتها الآفاق وينتظر الناس في كل بقاع المعمورة كل سلسلة جديدة منها كما ينتظر القراء في جميع أنحاء العالم –إلا في العالم العربي- كل جديد من رواية هاري بوتر الشهيرة،وهو ما سينتج عنه بكل تأكيد تكدس الأموال في حساباتي المصرفية الخاوية وعندها سأرشف من النعيم رشفاً وأنغمس في الهناء غمساً وأنتقل إلى عالم الصفوة ورجال البيزنس والبورصة وأودع عالم الفقراء البؤساء التعساء الأجراء قائلاً :وداعاً رفاق الأمس فقد لبثت فيكم عمراً قبل هذا.
أفادني أحد القراء الذي رفض الكشف عن اسمه ربما خوفاً من المادة 179 من الدستور المصري،بأنه يعرف شخصاً ذا مركز مرموق في المجتمع يمثل أحد تنويعات حسام الشيطان مع إضافة ميزة شيطانية أخرى وهي أنه mobile يعني متنقل أي لا يكتفي بقضاء الساعات الطوال في الحديث مع الفتيات عبر برامج الدردشة المصورة وغيرها وممارسة هوايته الصبيانية عبر تزيين الكلام لتهيم بكلماته المسمومة كل حمقاء ساذجة أو الحديث معها عبر الهاتف في مرحلة لاحقة؛ ولكنه وبحكم طبيعة عمله تتاح له فرص السفر للخارج باستمرار متنقلاً بين الدول العربية من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر حاملاً لواء الوحدة العربية أمة عربية واحدة ذات رسالة مش عارف إيه.
التنويعة التي تحدثنا عنها في السابق لم يصلنا أنه قد التقي بضحاياه إلا نادراً لكونه قابع في كهفه الذي سيأتي يوم وينهار عليه السقف من فوقه وهو ممسك بالماوس وينظر عبر شاشة الحاسوب إلى فتاة لا يحق له النظر إليها فضلاً عن الحديث معها وتبادل كلمات العشق والهوى معها وعندما ينهار سقف هذا الكهف ستأتي إحدى ابنتيه وترى أباها على هذه الحالة المشينة،أي أن التنويعة التي تحدثنا عنها في السابق قابع في مكمنه ولا يلتقي بضحاياه إلا إذا تحركت إحدى الحمقاوات وأخذت زمام المبادرة.
لكن هذه التنويعة الجديدة من حسام الشيطان تمكنه طبيعة عمله في السفر من دولة إلى أخرى وبهذا تتاح له الفرص لأن يلتقي بضحاياه في كل بلد يسافر إليه الباقي لا يحتاج إلى توضيح،ولا أستطيع أن أتصور كم الحماقة والسذاجة التي تتصف بها كل من تسمح لنفسها أن تقع في شراك جرثومة من هذه الجراثيم الفضائية، وما هو تصورها لهدفه من العلاقة معها وخدماته التي يقدمها لها ولمثيلاتها،وإذا كانت تعتقد -كما أوهما- أن هدفه هو النهاية الوحيدة المشروعة لأي علاقة بين رجل وامرأة فلها أن تسأل نفسها:لماذا يتسور البيوت ويقتحم حرماتها عبر شاشة الحاسوب؟!ألا يتفضل سعادته ويأتي البيوت من أبوابها بدلاً من التسلل عبر شاشات حواسيبها؟!
ما يصيبني بالدهشة في كل هذه التنويعات من هذه الشخصية العجيبة هو التناقض الغريب الذي تحمله مثل هذه الجراثيم الفضائية،ولا أدري كيف يستطيع هذا الإنسان المفسد أن يدعي الإصلاح ويدعو إلى إحداث نهضة شاملة وهو نفسه من أهم معوقات أي تقدم وقد شبهناه في المرة السابقة بكيس من الرمل يغل أقدام هذه الأمة يعوق كل تقدم ويعرقل أي نهضة،فكيف لواحد من هؤلاء أن ينادي في البرية ويدعو إلى الفضيلة وهو من أشد المفسدين في الأرض، ثم كيف يغمض له جفن وهو يعلم أنه كما تدين تدان،ألا يخاف الواحد من هؤلاء على بناته أن يتربص بهن ذئب شرس مثل أبيهن الفضائي؟؟
للأسف الشديد نجد أن جل هؤلاء متزوجون وقد رزقهم الله زهرات من زينة الحياة الدنيا ورغم ذلك لا يتورعون عن اقتراف ما هم مقترفون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون؟؟!!


رابط المقال بجريدة الراية القطرية
الجزء الأول

الجزء الثاني
الحلقات السابقة من هذه السلسلة المتواصلة

خلّي بالك من بناتك
حسـام الشيطان
حسام الشيطان الهندي