Tuesday, June 21, 2005


أماني وأحـلام

أحلم بالرخاء في بلادي وأتمنى ألا تكون أضغاث أحلام، أحلم أن يجتهد البسطاء فيجدوا ثمرة جهدهم ما يكفي لسد رمق من يعولون، أحلم لهم بحياة كريمة لا تُمتهن فيها كرامتهم ولا يصيبهم القهر الذي يقصف أعمار الرجال ويجعلهم يموتون فعلياً وهم مازالوا يسيرون على ظهر الأرض بين الخلائق، أتمنى أن يجد من درس وسهر وإجتهد له مكاناً كريماً ووضعاً يليق به داخل حدود وطنه لا أن تقهره الظروف مثل كثيرين غيره وتنكر عليه أن يعيش عيشة كريمة وسط أهله وعلى تراب وطنه فيؤثر الهروب من ذلك الواقع المرير إلى المجهول خارج حدود الوطن، أحلم بالمساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات، أحلم أن تطال التنمية المهمشين الذين لا يذكرهم أحد إلا رقماً في سجلات الوفيات بعد أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً وعندما تشاء إرادته عز وجل أن يريحهم من ذلك العناء والبؤس والحرمان، ولا يدري هؤلاء المهمشون المنسيون ما الذي يخفيه لهم القدر في طيّات الزمن، أأكثر من هذا معاناة وألم وحرمان؟ ولم لا وهم يعانون من أقدارهم هذه ليل نهار، أحلم بالحرية لكل من يُخلص في حب وطنه، أحلم أن تتاح الفرصة لكل مشعل مضيء لكي ينير الطريق أمام التائهين الضائعين اللاهثين خلف متع الدنيا وملذاتها الزائلة، لا أن يتم حجب تلك المشاعل المنيرة خلف دوائر النسيان، أحلم أن ننفض عن كاهلنا ثقافة الخوف التي توارثناها جيلاً بعد جيلاً حتى صعُب علينا التخلص منها رغم نتائجها المدمرة لنا ولمستقبلنا، أحلم بأن نتحرر من وصاية الآخرين علينا، أحلم بأن نتخلص من عقدة مراقبة قاطني الجانب الآخر من المحيط لنا وإستجداء رضاهم وطلب العفو منهم والتقرب إليهم زلفى عبر وكلاؤهم المجاورون لنا، فنحن أكرم من أن يصيبنا الذل إلى من لا قيمة لهم ومن هم أحقر أهل الأرض، أحلم أن نتمكن من أن نلقم حجراً لكل من يتجرأ ويتهجم على هويتنا ويخوض في ركائز عقيدتنا أو يطعن في ديننا فهو أعز ما نملك، أحلم أن نعود إلى تعاليم ديننا ونطبقها في جميع مناحي حياتنا، فعزتنا ونصرنا لن يأتي إلا بالتمسك بهذا المنهاج الذي يتوافق مع الفطرة السليمة ولا يتناقض معها، كلمة خالدة قالها الصحابي الجليل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عني حيث قال "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن إبتغينا العزة في غيره أذلنا الله " صدقت يا صحابي رسول الله، نعم منّا من طلب العزة في المال وتجاهل دينه فأذله الله ، ومنّا من طلب العزة في الإنغماس في الملذات فأذله الله إلى ما يسعى إليه، ومنّا..ومنّا...، حقاً إنه البعد عن طريق الله، فنحن أعزاء كرماء وعزتنا وكرامتنا تأتيان فقط من كوننا مسلمين ملتزمين بديننا ولا شيء آخر، فالتمسك بديننا وأوامر ربنا ورسوله هو طريق الخلاص وطوق النجاة من الغرق القادم لا محالة.
وأتساءل هل هذه الأحلام قابلة للتحقيق أم أنها من قبيل المعجزات التي يستحيل تحقيقها ؟ أفيدوني أفادكم الله.





Tuesday, June 14, 2005

أحـزان علي سـالم

في كثير من الأحيان يعجز الواحد منا عن تصور تلك الجرأة التي يتمتع بها البعض في الإعلان عن شذوذ غريب في الرأي يتنافى بشدة ويتعارض مع قيم ومباديء ومشاعر المجتمع الذي يعيش فيه، وتجد الواحد من هؤلاء لا يخجل من إعلان تلك الرؤى والأفكار الشاذة ويدافع عنها بإستماتة وبكل ما أوتي من قوة وكلما أتيحت له الفرصة للترويج لسلعته الرديئة والمعيبة.

من بين تلك السلع الرديئة التي يروج لها أصحابها بشدة وبجرأة يحسدون عليها هي بضاعة التطبيع الفاسدة المفسدة، فرغم ما يتعرض له إخواننا في فلسطين من تنكيل وتشريد وهدم وتجريف على أيدي العدو الصهيوني الذي يمارس أقسى أنواع العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني الشقيق؛ إلا أننا نجد نفر من أبناء جلدتنا يدعون بكل وقاحة إلى التطبيع مع هذا العدو الذي ظلم أهلنا في فلسطين وإغتصب الأرض وإنتهك العرض.

يأتي على رأس هؤلاء الكاتب على سالم المعروف بحماسه الشديد للتطبيع مع العدو الصهيوني في كافة المجالات، وقد بدأ دعوته بالتطبيع الثقافي وممارسته الفعلية له والذي نتج عنه قرار فصله من إتحاد الكتاب المصريين في مايو 2001 ، وقد إستمر في دعوته هذه رغم إستنكار الكثير من الشرفاء لهذا الموقف الشاذ، وما يزال يدافع عن تلك الدعوة المهينة على صفحات الجرائد وعبر وسائل الإعلام المختلفة،آخرها مقالاً كتبه لجريدة الراية ،في السادس والعشرين من الشهر الماضي ،يخاطب بجرأة من يدعو لمناهضة التطبيع ويستنكر ذلك الموقف المعادي للتطبيع ويدّعي زوراً أن غالبية الشعب المصري يؤيد التطبيع!!

في أواخر مايو الماضي أعلنت جامعة بن غوريون الصهيونية عن منحها شهادة الدكتوراة الفخرية للكاتب على سالم تقديراً لمواقفه المؤيدة للتطبيع من العدو الصهيوني ! فكتب مقالاً-الذي أشرنا أليه سالفاً - يؤيد فيه التطبيع ويدافع عنه ويبرره وأرسل المقال إلى جريدة الراية لينشر في اليوم التالي لسفره إلى تل أبيب وهو الخميس السادس والعشرين من الشهر الماضي موعد نشر مقاله الإسبوعي بالراية، وقد كان يتوقع أن يقرأ الناس مقاله المؤيد للتطبيع وهو في تل أبيب يتسلم شهادة الدكتوراه الفخرية،وشد الرحال يوم الأربعاء الخامس والعشرين من مايو الماضي – اليوم السابق لنشر المقال- فرحاً وطرباً لكن فرحته لم تكتمل، فقد حاول السفر إلى تل أبيب عبر منفذ طابا ولكن لم يُسمح له بذلك، فعاد إلى القاهرة وحاول أن يسافر عبر مطار القاهرة ولم يتمكن أيضاً نظراً لمنعه من السفر بسبب عدم حصوله على تصريح السفر حسب إدارة المطار، فعاد إلى بيته غضبان أسفاً.

بعد هذا الموقف طالعتنا الأنباء أنه يعيش في حالة من الكآبة بسبب عدم تمكنه من الذهاب إلى أرض الأحلام الموعودة ! وفي 7 يونيو الجاري نشرت الحياة اللندنية له مقالاً بعنوان "تعامل مع أحزانك برقّة" أعتقد أنه أول ما كتب بعد قرار منعه من السفر، ورغم أن ظاهر المقال يبدو كأنه روشتة ونصيحة لكيفية التغلب على الأحزان إستعرض فيه بعضاً من المواقف المحزنة في حياته إلا أن سطور المقال تقطر حزناً على حرمانه من "الأملة" التي كانت تنتظره في جنة المطبعين في الأرض ! فقد بدا حزيناً تعيساً لأنه يا ولداه لم يتمكن من أن يكون وسط أصدقائة وأحبائه الصهاينة الذين طالما دافع عنهم رغم كل ما يقترفون من جرائم بحق إخواننا في فلسطين، و قد طلب من "صديقه" عاموس عوز، أحد أشهر الأدباء الصهاينة، أن يتسلم بدلاً منه الدكتوراه الفخرية، بينما تفرغ هو لكي يتعامل مع أحزانه "برقّة" كما ورد في عنوان مقاله بجريدة الحياة !
أقول للكاتب على سالم إذا كانت تلك هي الأحزان بالنسبة لك فإنني أدعو الله ألا تكون آخر الأحزان.

Tuesday, June 07, 2005


فلسفة تزوير الواقع

تحدثت في مقال سابق عن فلسفة تزوير الواقع عبر تعبير برّاق زائف ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، وضربت مثالاً على ذلمك بالتعبيرات التي يطلقها وبرع في نحتها السيد صفوت الشريف وزير الإعلام السابق والرئيس الحالي لمجلس الشورى المصري.

اليوم نحن على موعد مع نوع آخر من تزوير الواقع ولكنه في هذه المرة أكثر جرأة ،ففي الوقت الذي توقف فيه مثالنا السابق عند حدود إطلاق التعبيرات فقط، إلا أن نموذجنا الذي نحن بصدده اليوم يتجاوز حدود القول ليقفز إلى حيز التنفيذ على أرض الواقع الذي يصبح مزوراً ،وهذا أكثر خطراً من النموذج السابق الذي لم يتخطى حاجز الكلام وإطلاق التعبيرات الرنّانة.

حدث في الإسكندرية وأثناء زيارة قرينة الرئيس الأمريكي السيدة لورا بوش لمجمع لمدارس البنات إسمه مجمع أم القرى وهو مدرج علي قوائم الجهات المستفيدة من المعونة‏ الأمريكية لتطوير التعليم في مصر ، فقد حدث أن تم تبديل "تزوير" طالبات وإدارة المدرسة وإستبدلهم "تزويرهم" بإدارة أخرى وطالبات أخريات "ولاد ناس" يتحدثن لغة العم والسيد الأمريكي حتى يثبت القوم لسيدة أمريكا الأولى أنهم يسيرون على الدرب وقد ورد أنه من سار على الدرب وصل !

فعلاً معهم حق ! فطالبات المدرسة الأصليين لا يصلحن للقاء السيدة لوار فهن يرتسم على وجوههن البؤس والفقر والحاجة والعوز الذي لا تعرفه السيدة لورا ولا حتى سيدة مصر الأولى التي تريد أن توهم ضيفتها أن الوضع على ما يرام وأن الصورة وردية وزي الفل، والأهم من ذلك هو أن الكثيرات من هؤلاء الطالبات يرتدين الحجاب كما أن هناك رجالاًَ من إدارة المدرسة الأصليين ملتحيين، وهذا يتنافى ويتعارض مع النظرة الأمريكية للشرق الأوسط الذي يجب أن يكون متحرراً من كل شيء حتى اللباس، وليس مجرد التحرر من الأخلاق والقيم والمباديء التي تنبع من ديننا الحنيف، فقد إستشعر القائمين على الأمر أن سيدة أمريكا الأولى لن يروق لها رؤية "التطرف" ممثلاً في هؤلاء الفتيات المحجبات وهؤلاء الرجال ذوي اللحى، لأنها تتطلع إلى رؤية أثر المعونة الأمريكية ظاهراً جلياً في شعر الفتيات المرسل وملابسهن وألسنتهن التي لابد أن ترطن بلغة ولي النعمة الذي جاد وفاض بكرمه على أبناء مصر البسطاء!

ما أثار إستغرابي حقاً في هذا الموضوع ليس عملية التزوير التي حدثت ولكنني تعجبت أن الجميع ظهروا وكأنهم قد صدمتهم المفاجأة التي في نظري ليست مفاجأة بالمرة،فمن خلال متابعتي لتداعيات الموضوع وجدت أن الجميع قد تفاجأوا بهذا الفعل لدرجة أن كاتباً أحترمه قال عن تلك الواقعة إنها " من النوع الذي يحدث ولا يكاد يصدق" ، فالجميع تناولوا الموضوع بصورة توحي كأن هذا حدث للمرة الأولى أو أنها سابقة شاذة عن المجتمع التعليمي في مصر أو كأن هذه حالة إستثنائية أقدم عليه أشخاص شاذين لا يمثلون السواد الأعظم من المجتمع التعليمي في مصر وكأن غالبية هذا المجتمع التعليمي في مصر لا يزورون الواقع ! ولكن الأمر غير ذلك تماماً وبشهادة من عاش لسنوات في الوسط التعليمي في مصر.

وكأن هؤلاء الذين صدمتهم المفاجأة لا يعلمون أنه بمجرد علم إدارة أي مدرسة أن هناك لجان مراقبة تمر على المدارس لمتابعة أدائها حتى تعلن حالة الطواريء في المدرسة وتجد المدرسة وكأنها مدرسة أخرى من حيث النظافة والنظام والإلتزام وحرص كل مدرس على تواجده في فصله بين الطلبة مع إلتزامه بتجهيز كل ما قد يطلب منه إذا ما دخل عليه الفصل أي من أفراد تلك اللجنة المنتظر وصولها ، وبمجرد أن تنتهي هذه اللجنة من عملها وتنصرف من حرم المدرسة تعود ريمة لعادتها القديمة ! وهنا وأود أن أتساءل: ما الفرق بين ما حدث في الإسكندرية وبين عمليات الغش المنهجية المنظمة التي تنتشر في الكثير من المدارس ؟ أليس كلا الأمرين تزوير فج للواقع ؟

أقول إن هذا يحدث عندما تسمع إدارة المدرسة أن هناك لجاناً قد تمر على المدارسة لمتابعة أدائها، وهذه اللجان مهما كبرت أو صغرت لن تزيد عن مجموعة موظفين يؤدون دورهم الروتيني فما بالكم بالسيدة الأولى في العالم عندما تقرر زيارة مجمع مدارس هنا أو هناك؟

وفي النهاية أود أن أتساءل: من المسؤول عن هذه النزعة البائسة إلى التجمل عبر تزوير الواقع؟ ولماذا نتهرب من مواجهة الآخرين بعوراتنا وما أكثرها ؟ وهل ما يهمنا فقط هو نظرة الآخرين لنا ؟ ولماذا نشعر بالخزي من الحالة التي وصل إليها السواد الأعظم من أبناء الوطن ونحاول جاهدين إخفائها خلف ستار شفاف مهتريء ؟ ومتى تظهر على السطح مصر الأخرى التي يعرفونها وينكرون وجودها؟