Monday, March 20, 2006

ضـلال المعارضـة
جبهة الخلاص الوطني السورية نموذجـاً

في خِضَم الأهوال والمحن التي تواجه عالمنا العربي نسمع ونقرأ ونتابع الكثير من الأخبار المحزنة عن مستقبل وطننا العربي نستقبلها أحياناً بحزن وأسف وأحياناً أخرى بشعور من الإحباط، ولكن في الأسبوع الماضي تلقيت خبراً أزعجني وأحزنني للغاية ولعله من أكثر تلك الأخبار المؤسفة وقعاً، وهو نبأ الإعلان في "بروكسيل" عن تشكيل جبهة معارضة سورية في الخارج تحت مسمى"جبهة الخلاص الوطني".

من المعلوم أنه في أي نظام ديمقراطي من المفترض أن تكون المعارضة بمثابة المرآة التي يرى فيها النظام الحاكم عيوبه وأخطاؤه ودورها مكمّل ولا غنى عنه، ولكن إذا لم تتصف تلك المعارضة بالعقلانية والاتزان فسوف تنحرف إلى واحد من طريقين كلاهما مر، الأول أن يتم "ترويض" تلك المعارضة من قِبل النظام الحاكم في مقابل مكاسب ضيقة وتصبح ديكوراً لهذا النظام أو ذاك حتى تتغنى السلطة وتقول بالفم المليان إن لدينا معارضة مع إنها في الحقيقية تسير في فلك النظام وتنفذ تعليماته بحذافيرها وهذه هي أم المفاسد، والثاني هو أن تتنصل تلك المعارضة من وطنيتها وتتجرد من مبادئها وتتحرك وفق أجندة خارجية وتستجدي التدخل الأجنبي في شؤون بلدها وذلك هو الضلال المبين، فعندما تفقد تلك المعارضة بوصلة الانتماء والوطنية فإنها تضل الطريق وتسعى إلى تحقيق مكاسب دنيوية زائلة ومصالح شخصية ضيقة على حساب وطنها وتستخدم في سبيل تحقيق ذلك "كل" السبل المتاحة أمامها، وهذا ما ينطبق في رأيي على تلك الجبهة المزعومة.

نعلم جيداً أن سوريا ليست واحة للديمقراطية وأن هناك الكثير ينبغي إنجازه فيما يتعلق بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي لا تختلف كثيراً في هذه الناحية عن بقية الأنظمة العربية المتحجرة، وتلك هي مسؤولية النظام الحاكم في سوريا والذي يجب عليه ألا يعطي الفرصة لأمثال هؤلاء للصيد في الماء العكر، لكن الذي نرفضه جملة وتفصيلاً هو ذلك الأسلوب الانتهازي في المعارضة ، فالشرفاء من أبناء هذا الشعب مهما بلغت درجة معارضتهم لنظام الحكم فليس في حسبانهم أبداً الأجندة الخارجية ولا يراهنون على أي تدخل أجنبي في بلدهم ويبقى خيارهم في النهاية هو المعارضة السلمية للسلطة، فهناك الكثير من المناضلين في الداخل قد ضحّوا من أجل سوريا بحريتهم وأحياناً بأكثر من ذلك، ولكنهم شرفاء ووطنيين بحق ولا يسعون إلى مكاسب شخصية ولم يلجأوا يوماً إلى الإستقواء بالغرب أو مغازلته رغم ما كل يتعرضون له.

وهنا نتساءل:لماذا لا يعود هؤلاء إلى سوريا ويعيشوا بين البسطاء من أبناء الشعب السوري وينضموا إلى المعارضة في الداخل، فجميعنا يعرف أن النظام في سوريا لا يقيم المشانق للمعارضين، كل ما في الأمر بعض المضايقات التي لابد أن يصبروا عليها طالما أنهم يدّعون أنهم سوريين حقاً ويعملون لصالح سوريا.

نيرانجان صديق هندي فاجأني بقلقه الزائد من زيارة بوش إلى الهند رغم توقيع
إتفاقية نووية هامة جداً بالنسبة للهند، وعندما استفسرت منه عن أسباب قلقه قال "إن الهند غير مرتبطة اقتصاديا ولا تعتمد على الولايات المتحدة حالياً، ولكن أمريكا هي رمز الشر في العالم وهي مثل الإخطبوط تلقي للفريسة أو الدولة بالطعم ثم ما تلبث أن تصير تلك الفريسة تابعة لها وتتحكم في قرارها واستقلالها وتنفذ سياساتها وهذا ما أخاف منه"، فكرت في كلام صديقي الهندي ونظرت من حولي فوجدت أن هناك أمثلة عديدة في محيطنا العربي وقعت فريسة لذلك الإخطبوط الشرير حتى أصبح من العسير التخلص من نفوذ الولايات المتحدة وتحكمها في استقلالية قرار وسيادة تلك الدول.

أشرت إلى وجهة نظر صديقي الهندي لكي أبيّن أنه يكفي سوريا أنها ليست مثل دول عربية عديدة ارتضت لنفسها أن تقبع رهينة أصفاد الهيمنة الأمريكية ففقدت تأثيرها واستقلالية قرارها ثم ما لبثت أن فقدت كرامتها، فالوضع في سوريا يختلف عن هذه الأمثلة المُخزية فهي ليست تابعة للغرب والولايات المتحدة وغير مقيدة بأصفادها، وهي تمثل رمز الممانعة الوحيد في وطننا العربي، ولعل هذا ما يفسر تربّص الولايات المتحدة وسعيها إلى محاصرة سوريا والضغط عليها لكي تنتهج- كغيرها- سياسة الانبطاح والاستسلام لإملاءات هذه الدولة المتغطرسة وأولها التخلي عن دعم رموز المقاومة الفلسطينية وطرد زعمائها من أراضيها خدمة لإسرائيل.

الشرفاء من أبناء سوريا في الداخل هم فقط الذين يشعرون بالشعب السوري وبمعاناته ويعيشون همومه وآلامه وآماله ويدركون تطلعاته وليس أولئك الذين يعيشون في رغد من العيش في أوروبا ويراهنون على واشنطن أو باريس أو لندن أو غيرها فهم حتماً سيخسرون الرهان، ثم يأتوا الآن ليتحدثوا باسم الشعب السوري الذي لا يعرفون عنه شيئاً ولا عن ظروفه وأحواله.

نقول لهؤلاء انعموا برغد العيش في أوروبا واتركوا سوريا للسوريين لأن استجداء التدخل الأجنبي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لن يجلب إلا الدمار والخراب وسيكون الخاسر الأول هو الشعب السوري، وما النموذج العراقي منكم ببعيد.

خـدّام !!
"..أهداف هذا التحرك هو تحرير سوريا وإنقاذها من هذا النظام الذي أفقر البلاد ونشر الفقر والجوع والحرمان والفساد بالإضافة الى مصادرته للحريات العامة " (موقع إيلاف 19 مارس الجاري)
هل تصدق أن قائل هذا الكلام هو السيد خدام الذي بقى في قمة السلطة في سوريا على مدى أكثر من ثلاثين عاماً!!

Monday, March 06, 2006

فيصـل القاسـم وضيـوفه.. والهـوى

أعتقد أنه من الطبيعي جداً أن تتبدّل قناعات الإنسان مع مرور السنوات وتراكم الخبرات، ومن ثم فليس غريباً أن تتغير آراؤه إزاء الكثير من الأمور التي تدور من حوله، والعبد لله كان فيما مضى من أشد المتحمسين لبرنامج الإتجاه المعاكس الذي يقدمه د.فيصل القاسم على شاشة قناة الجزيرة، فقد كنت من المغرمين صبابة بهذا البرنامج ولم تكن تفوتني حلقة منه إلا نادراً.

مع مرور الوقت إكتشفت أن ما كان يدفعني لمتابعة هذا البرنامج هو رغبة كامنة في داخلي مرتبطة بعادة قديمة إعتقدت أنني قد تخلصت منها، فقد كنت من هواة مشاهدة حلقات المصارعة الحرة، ولكن حدث أن أهملت هذه العادة ولم أعد أهتم بها ولا أدري لماذا، ويبدو أن هذا البرنامج قد جاء ليوقظ هذه الرغبة الكامنة الخاملة بداخلي، فوجَدت تلك الرغبة "الشيطانية" ضالتها في هذا البرنامج المثير!

لا أعتبر نفسي –لا سمح الله- من جهابذة الإعلام أو غير ذلك ولكني متابع عادي أعبر عما أراه وما أؤمن به، وأرى أن لهذا البرنامج الكثير من المخرجات السلبية التي لا تسمن ولا تفيد، ولعل أهمها هو إطلاع العالم وعلى الهواء مباشرة على أسلوبنا نحن العرب في الحوار وطريقتنا في الإختلاف الذي هو في جوهره قائم على التلويح باليدين وقرع الطاولة وإشارات الإزدراء وتحقير الطرف الآخر وكثيرا بالألفاظ الخارجة، وفي هذا النوع من الحوارات تكون الغلبة ليس لقوة الحجة وثبات الدليل وإنما لإرتفاع الصوت وقوة الحنجرة عملاً بالمثل القائل "خدوهم بالصوت ليغلبوكم"

ثاني هذه المخرجات السلبية هو تعميق وتوسيع مدى الخلاف في الرأي بين المتصارعين - عفواً المتحاورين، فلو دخل الضيفان ومسافة الخلاف بينهما شبراً خرجا مع نهاية الحلقة وبينهما بُعد المشرقين ويود أحدهما لو أن بينه وبين نظيره أمداً بعيداً، حتى يتمنى أن تنشق الأرض وتبتلع هذا الذي جاء ليحاوره، ففي كل حلقة تابعتها كنت أدعو الله أن تنتقل كاميرا البث المباشر بعيداً قبل أن يشرع د.فيصل القاسم عند نهاية الحلقة في مصافحتهما خشية أن يحجم أحد الضيفين عن مصافحة الآخر وهو ما حدث أكثر من مرة حيث يمد أحدهما يده ليصافح محاوره ولكن الآخر يرفض في غرور وكأنه يسعى لتسجيل نقطة إضافية حتى بعد إنتهاء الحلقة!

هذه هي المشكلة، أننا نرى الحوار فائز ومهزوم فلابد أن يخرج أحد المتحاورين مهزوماً منكسراً بينما يظفر الآخر بالنصر على "عدوه"، مع إن المفروض غير ذلك تماماً، فالحوار الحقيقي ليس فيه منتصر ومهزوم فكلا الطرفين فائز لأنه أولاً سعى إلى توضيح وجهة نظره وثانياً ربما تتضح له بعض النقاط التي كانت غائبة عنه فيستفيد منها بعد حواره من من خالفه الرأي، فالحوار يهدف في الأساس إلى تقريب وجهات النظر وليس تعميق الخلاف، ولكن لابد لنا ألا نغفل أبداً الدور الجوهري الذي يلعبه د.فيصل القاسم وبجدارة في إزكاء هذا الخلاف وتعميقه بأسلوب يبدو لكل ذي عينين أنه تحريضي، وكم كنت أتمنى أن يأتي ضيفان يخيبان ظنه ويشعرانه أنه فشل في مهمته التحريضية.

ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو أمر هام وغريب وهو تكرار إستضافة بعض الأشخاص بعينهم في هذا البرنامج وعلى فترات زمنية متقاربة، ولا أدري ألا يوجد في عالمنا العربي غير هؤلاء أم أن الأمر يتعلق بأمر آخر لا نعلمه الله يعلمه.

من بين هذه الشخصيات المولع بها د. فيصل القاسم "كائن" اسمه وفاء سلطان، فمنذ عدة شهور رأيتها على شاشة الجزيرة في هذا البرنامج
(28 يوليو 2005) وهي تنفث سمومها وتتحدث بجهل وافتراء عن الإسلام وقرآنه ونبيه، واستغربت حينها كيف يتم إستضافة "كائنات" كهذه على شاشاتنا لكي تطعن في ديننا وعقيدتنا وقرآننا ونبينا بأسلوب ماكر خبيث.

وفي مساء الثلاثاء 21/2/2006 ساقني حظي العاثر أن أتابع الحلقة التي كان موضوعها
"صراع الحضارات" ، فقد فوجئت بهذا "الكائن" مرة أخرى في نفس البرنامج!، هذا الكائن الغريب لا أدري من أين أتت ولا كيف جاءت ومن أي البقاع تنحدر!، فهي تتحدث عن جهل بيّن وتشكك وتطعن في عقيدة المسلمين ودينهم، وقد استضاف البرنامج في نفس الحلقة عالم فاضل هو الأستاذ الدكتور إبراهيم الخولي الأستاذ في جامعة الأزهر، وقد أشفقت على هذا العالم الجليل وتذكرت مقولة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه "لو خاطبني عالم لغلبته ولو خاطبني جاهل لغلبني"

لا أستغرب ما تقوله وما ستقوله فقد قرأت لها تقول " نعم أنا أمريكيّة أكثر من الأمريكيّ نفسه"! ولم تنس الاعتراف بالجميل الذي أسداه لها د.فيصل القاسم باستضافتها، فلم تكن تحلم بالظهور على شاشة أي قناة عربية فما بالها أن يكون أول ظهور لها على شاشة أهم قناة عربية على الإطلاق، شاشة الجزيرة التي يلتف حولها ملايين العرب في كل بقاع الأرض، واعترافا بهذا الجميل تقول في إحدى مقالاتها تعليقاً على أول استضافة لها في يوليو 2005 " استضافني الدكتور فيصل القاسم مشكورا من الأعماق في برنامجه وكان نعم المضيف!" ثم تقول" لكن ليس بوسعي إلاّ أن أشكره من أعماقي فلقد منحني فرصة ذهبيّة كي أنقل رسالتي وأعرّف العالم العربي على امرأة ستغيّره، اسمها وفاء سلطان!" (جريدة
الحوار المتمدن - العدد: 1282 – 10/8/2005)، ولكن د.فيصل أسبغ عليها نعمه وقرر استضافتها مرة أخرى في حلقة حملت عنوان "صراع الحضارات" 21/2/2006، ولا أدري ما علاقة هذا "الكائن" بالحضارات أو حتى بأي حوار؟ وهل هذه هي الشخص المناسب للحديث في هذا الموضوع والتحاور مع عالم فاضل من علماء الأزهر؟!

لقد ثار المسلمون بسبب إساءة صحيفة دنمركية للرسول الكريم بينما أعتقد أن إساءة هذه "المخلوقة" في برنامج الاتجاه المعاكس إلى الإسلام لا يقل بأي حال من الأحوال عن إساءة الصحيفة الدنمركية، فقد أساءت تلك الصحيفة للرسول الكريم بينما أساءت تلك "المخلوقة" إلى الإسلام وتعاليمه وقرآنه ونبيه أيضاً، ويمكنك الإطلاع على
نص الحلقتين بالصوت والنص على موقع الجزيرة نت.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ألا يوجد من بين المثقفين العرب أو غيرهم من يتبنى وجهة نظر مخالفة لكن بأسلوب لا ينفي الآخر ولا يشكك ويطعن في دين وعقيدة وقرآن ونبي ملايين المشاهدين إلا هذا "الكائن" الذي أدمن د.فيصل القاسم استضافتها؟ ولكننا مللنا النظر إلى أمثال تلك الكائنات الغريبة، ونتساءل: ألا يوجد غيرها أم للأمر علاقة ما بالهوى، وقديما قالوا "الهوى غلاب".