Monday, March 06, 2006

فيصـل القاسـم وضيـوفه.. والهـوى

أعتقد أنه من الطبيعي جداً أن تتبدّل قناعات الإنسان مع مرور السنوات وتراكم الخبرات، ومن ثم فليس غريباً أن تتغير آراؤه إزاء الكثير من الأمور التي تدور من حوله، والعبد لله كان فيما مضى من أشد المتحمسين لبرنامج الإتجاه المعاكس الذي يقدمه د.فيصل القاسم على شاشة قناة الجزيرة، فقد كنت من المغرمين صبابة بهذا البرنامج ولم تكن تفوتني حلقة منه إلا نادراً.

مع مرور الوقت إكتشفت أن ما كان يدفعني لمتابعة هذا البرنامج هو رغبة كامنة في داخلي مرتبطة بعادة قديمة إعتقدت أنني قد تخلصت منها، فقد كنت من هواة مشاهدة حلقات المصارعة الحرة، ولكن حدث أن أهملت هذه العادة ولم أعد أهتم بها ولا أدري لماذا، ويبدو أن هذا البرنامج قد جاء ليوقظ هذه الرغبة الكامنة الخاملة بداخلي، فوجَدت تلك الرغبة "الشيطانية" ضالتها في هذا البرنامج المثير!

لا أعتبر نفسي –لا سمح الله- من جهابذة الإعلام أو غير ذلك ولكني متابع عادي أعبر عما أراه وما أؤمن به، وأرى أن لهذا البرنامج الكثير من المخرجات السلبية التي لا تسمن ولا تفيد، ولعل أهمها هو إطلاع العالم وعلى الهواء مباشرة على أسلوبنا نحن العرب في الحوار وطريقتنا في الإختلاف الذي هو في جوهره قائم على التلويح باليدين وقرع الطاولة وإشارات الإزدراء وتحقير الطرف الآخر وكثيرا بالألفاظ الخارجة، وفي هذا النوع من الحوارات تكون الغلبة ليس لقوة الحجة وثبات الدليل وإنما لإرتفاع الصوت وقوة الحنجرة عملاً بالمثل القائل "خدوهم بالصوت ليغلبوكم"

ثاني هذه المخرجات السلبية هو تعميق وتوسيع مدى الخلاف في الرأي بين المتصارعين - عفواً المتحاورين، فلو دخل الضيفان ومسافة الخلاف بينهما شبراً خرجا مع نهاية الحلقة وبينهما بُعد المشرقين ويود أحدهما لو أن بينه وبين نظيره أمداً بعيداً، حتى يتمنى أن تنشق الأرض وتبتلع هذا الذي جاء ليحاوره، ففي كل حلقة تابعتها كنت أدعو الله أن تنتقل كاميرا البث المباشر بعيداً قبل أن يشرع د.فيصل القاسم عند نهاية الحلقة في مصافحتهما خشية أن يحجم أحد الضيفين عن مصافحة الآخر وهو ما حدث أكثر من مرة حيث يمد أحدهما يده ليصافح محاوره ولكن الآخر يرفض في غرور وكأنه يسعى لتسجيل نقطة إضافية حتى بعد إنتهاء الحلقة!

هذه هي المشكلة، أننا نرى الحوار فائز ومهزوم فلابد أن يخرج أحد المتحاورين مهزوماً منكسراً بينما يظفر الآخر بالنصر على "عدوه"، مع إن المفروض غير ذلك تماماً، فالحوار الحقيقي ليس فيه منتصر ومهزوم فكلا الطرفين فائز لأنه أولاً سعى إلى توضيح وجهة نظره وثانياً ربما تتضح له بعض النقاط التي كانت غائبة عنه فيستفيد منها بعد حواره من من خالفه الرأي، فالحوار يهدف في الأساس إلى تقريب وجهات النظر وليس تعميق الخلاف، ولكن لابد لنا ألا نغفل أبداً الدور الجوهري الذي يلعبه د.فيصل القاسم وبجدارة في إزكاء هذا الخلاف وتعميقه بأسلوب يبدو لكل ذي عينين أنه تحريضي، وكم كنت أتمنى أن يأتي ضيفان يخيبان ظنه ويشعرانه أنه فشل في مهمته التحريضية.

ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو أمر هام وغريب وهو تكرار إستضافة بعض الأشخاص بعينهم في هذا البرنامج وعلى فترات زمنية متقاربة، ولا أدري ألا يوجد في عالمنا العربي غير هؤلاء أم أن الأمر يتعلق بأمر آخر لا نعلمه الله يعلمه.

من بين هذه الشخصيات المولع بها د. فيصل القاسم "كائن" اسمه وفاء سلطان، فمنذ عدة شهور رأيتها على شاشة الجزيرة في هذا البرنامج
(28 يوليو 2005) وهي تنفث سمومها وتتحدث بجهل وافتراء عن الإسلام وقرآنه ونبيه، واستغربت حينها كيف يتم إستضافة "كائنات" كهذه على شاشاتنا لكي تطعن في ديننا وعقيدتنا وقرآننا ونبينا بأسلوب ماكر خبيث.

وفي مساء الثلاثاء 21/2/2006 ساقني حظي العاثر أن أتابع الحلقة التي كان موضوعها
"صراع الحضارات" ، فقد فوجئت بهذا "الكائن" مرة أخرى في نفس البرنامج!، هذا الكائن الغريب لا أدري من أين أتت ولا كيف جاءت ومن أي البقاع تنحدر!، فهي تتحدث عن جهل بيّن وتشكك وتطعن في عقيدة المسلمين ودينهم، وقد استضاف البرنامج في نفس الحلقة عالم فاضل هو الأستاذ الدكتور إبراهيم الخولي الأستاذ في جامعة الأزهر، وقد أشفقت على هذا العالم الجليل وتذكرت مقولة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه "لو خاطبني عالم لغلبته ولو خاطبني جاهل لغلبني"

لا أستغرب ما تقوله وما ستقوله فقد قرأت لها تقول " نعم أنا أمريكيّة أكثر من الأمريكيّ نفسه"! ولم تنس الاعتراف بالجميل الذي أسداه لها د.فيصل القاسم باستضافتها، فلم تكن تحلم بالظهور على شاشة أي قناة عربية فما بالها أن يكون أول ظهور لها على شاشة أهم قناة عربية على الإطلاق، شاشة الجزيرة التي يلتف حولها ملايين العرب في كل بقاع الأرض، واعترافا بهذا الجميل تقول في إحدى مقالاتها تعليقاً على أول استضافة لها في يوليو 2005 " استضافني الدكتور فيصل القاسم مشكورا من الأعماق في برنامجه وكان نعم المضيف!" ثم تقول" لكن ليس بوسعي إلاّ أن أشكره من أعماقي فلقد منحني فرصة ذهبيّة كي أنقل رسالتي وأعرّف العالم العربي على امرأة ستغيّره، اسمها وفاء سلطان!" (جريدة
الحوار المتمدن - العدد: 1282 – 10/8/2005)، ولكن د.فيصل أسبغ عليها نعمه وقرر استضافتها مرة أخرى في حلقة حملت عنوان "صراع الحضارات" 21/2/2006، ولا أدري ما علاقة هذا "الكائن" بالحضارات أو حتى بأي حوار؟ وهل هذه هي الشخص المناسب للحديث في هذا الموضوع والتحاور مع عالم فاضل من علماء الأزهر؟!

لقد ثار المسلمون بسبب إساءة صحيفة دنمركية للرسول الكريم بينما أعتقد أن إساءة هذه "المخلوقة" في برنامج الاتجاه المعاكس إلى الإسلام لا يقل بأي حال من الأحوال عن إساءة الصحيفة الدنمركية، فقد أساءت تلك الصحيفة للرسول الكريم بينما أساءت تلك "المخلوقة" إلى الإسلام وتعاليمه وقرآنه ونبيه أيضاً، ويمكنك الإطلاع على
نص الحلقتين بالصوت والنص على موقع الجزيرة نت.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ألا يوجد من بين المثقفين العرب أو غيرهم من يتبنى وجهة نظر مخالفة لكن بأسلوب لا ينفي الآخر ولا يشكك ويطعن في دين وعقيدة وقرآن ونبي ملايين المشاهدين إلا هذا "الكائن" الذي أدمن د.فيصل القاسم استضافتها؟ ولكننا مللنا النظر إلى أمثال تلك الكائنات الغريبة، ونتساءل: ألا يوجد غيرها أم للأمر علاقة ما بالهوى، وقديما قالوا "الهوى غلاب".

No comments: