ضـلال المعارضـة
جبهة الخلاص الوطني السورية نموذجـاً
جبهة الخلاص الوطني السورية نموذجـاً
في خِضَم الأهوال والمحن التي تواجه عالمنا العربي نسمع ونقرأ ونتابع الكثير من الأخبار المحزنة عن مستقبل وطننا العربي نستقبلها أحياناً بحزن وأسف وأحياناً أخرى بشعور من الإحباط، ولكن في الأسبوع الماضي تلقيت خبراً أزعجني وأحزنني للغاية ولعله من أكثر تلك الأخبار المؤسفة وقعاً، وهو نبأ الإعلان في "بروكسيل" عن تشكيل جبهة معارضة سورية في الخارج تحت مسمى"جبهة الخلاص الوطني".
من المعلوم أنه في أي نظام ديمقراطي من المفترض أن تكون المعارضة بمثابة المرآة التي يرى فيها النظام الحاكم عيوبه وأخطاؤه ودورها مكمّل ولا غنى عنه، ولكن إذا لم تتصف تلك المعارضة بالعقلانية والاتزان فسوف تنحرف إلى واحد من طريقين كلاهما مر، الأول أن يتم "ترويض" تلك المعارضة من قِبل النظام الحاكم في مقابل مكاسب ضيقة وتصبح ديكوراً لهذا النظام أو ذاك حتى تتغنى السلطة وتقول بالفم المليان إن لدينا معارضة مع إنها في الحقيقية تسير في فلك النظام وتنفذ تعليماته بحذافيرها وهذه هي أم المفاسد، والثاني هو أن تتنصل تلك المعارضة من وطنيتها وتتجرد من مبادئها وتتحرك وفق أجندة خارجية وتستجدي التدخل الأجنبي في شؤون بلدها وذلك هو الضلال المبين، فعندما تفقد تلك المعارضة بوصلة الانتماء والوطنية فإنها تضل الطريق وتسعى إلى تحقيق مكاسب دنيوية زائلة ومصالح شخصية ضيقة على حساب وطنها وتستخدم في سبيل تحقيق ذلك "كل" السبل المتاحة أمامها، وهذا ما ينطبق في رأيي على تلك الجبهة المزعومة.
نعلم جيداً أن سوريا ليست واحة للديمقراطية وأن هناك الكثير ينبغي إنجازه فيما يتعلق بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي لا تختلف كثيراً في هذه الناحية عن بقية الأنظمة العربية المتحجرة، وتلك هي مسؤولية النظام الحاكم في سوريا والذي يجب عليه ألا يعطي الفرصة لأمثال هؤلاء للصيد في الماء العكر، لكن الذي نرفضه جملة وتفصيلاً هو ذلك الأسلوب الانتهازي في المعارضة ، فالشرفاء من أبناء هذا الشعب مهما بلغت درجة معارضتهم لنظام الحكم فليس في حسبانهم أبداً الأجندة الخارجية ولا يراهنون على أي تدخل أجنبي في بلدهم ويبقى خيارهم في النهاية هو المعارضة السلمية للسلطة، فهناك الكثير من المناضلين في الداخل قد ضحّوا من أجل سوريا بحريتهم وأحياناً بأكثر من ذلك، ولكنهم شرفاء ووطنيين بحق ولا يسعون إلى مكاسب شخصية ولم يلجأوا يوماً إلى الإستقواء بالغرب أو مغازلته رغم ما كل يتعرضون له.
وهنا نتساءل:لماذا لا يعود هؤلاء إلى سوريا ويعيشوا بين البسطاء من أبناء الشعب السوري وينضموا إلى المعارضة في الداخل، فجميعنا يعرف أن النظام في سوريا لا يقيم المشانق للمعارضين، كل ما في الأمر بعض المضايقات التي لابد أن يصبروا عليها طالما أنهم يدّعون أنهم سوريين حقاً ويعملون لصالح سوريا.
نيرانجان صديق هندي فاجأني بقلقه الزائد من زيارة بوش إلى الهند رغم توقيع إتفاقية نووية هامة جداً بالنسبة للهند، وعندما استفسرت منه عن أسباب قلقه قال "إن الهند غير مرتبطة اقتصاديا ولا تعتمد على الولايات المتحدة حالياً، ولكن أمريكا هي رمز الشر في العالم وهي مثل الإخطبوط تلقي للفريسة أو الدولة بالطعم ثم ما تلبث أن تصير تلك الفريسة تابعة لها وتتحكم في قرارها واستقلالها وتنفذ سياساتها وهذا ما أخاف منه"، فكرت في كلام صديقي الهندي ونظرت من حولي فوجدت أن هناك أمثلة عديدة في محيطنا العربي وقعت فريسة لذلك الإخطبوط الشرير حتى أصبح من العسير التخلص من نفوذ الولايات المتحدة وتحكمها في استقلالية قرار وسيادة تلك الدول.
أشرت إلى وجهة نظر صديقي الهندي لكي أبيّن أنه يكفي سوريا أنها ليست مثل دول عربية عديدة ارتضت لنفسها أن تقبع رهينة أصفاد الهيمنة الأمريكية ففقدت تأثيرها واستقلالية قرارها ثم ما لبثت أن فقدت كرامتها، فالوضع في سوريا يختلف عن هذه الأمثلة المُخزية فهي ليست تابعة للغرب والولايات المتحدة وغير مقيدة بأصفادها، وهي تمثل رمز الممانعة الوحيد في وطننا العربي، ولعل هذا ما يفسر تربّص الولايات المتحدة وسعيها إلى محاصرة سوريا والضغط عليها لكي تنتهج- كغيرها- سياسة الانبطاح والاستسلام لإملاءات هذه الدولة المتغطرسة وأولها التخلي عن دعم رموز المقاومة الفلسطينية وطرد زعمائها من أراضيها خدمة لإسرائيل.
الشرفاء من أبناء سوريا في الداخل هم فقط الذين يشعرون بالشعب السوري وبمعاناته ويعيشون همومه وآلامه وآماله ويدركون تطلعاته وليس أولئك الذين يعيشون في رغد من العيش في أوروبا ويراهنون على واشنطن أو باريس أو لندن أو غيرها فهم حتماً سيخسرون الرهان، ثم يأتوا الآن ليتحدثوا باسم الشعب السوري الذي لا يعرفون عنه شيئاً ولا عن ظروفه وأحواله.
نقول لهؤلاء انعموا برغد العيش في أوروبا واتركوا سوريا للسوريين لأن استجداء التدخل الأجنبي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لن يجلب إلا الدمار والخراب وسيكون الخاسر الأول هو الشعب السوري، وما النموذج العراقي منكم ببعيد.
خـدّام !!
"..أهداف هذا التحرك هو تحرير سوريا وإنقاذها من هذا النظام الذي أفقر البلاد ونشر الفقر والجوع والحرمان والفساد بالإضافة الى مصادرته للحريات العامة " (موقع إيلاف 19 مارس الجاري)
هل تصدق أن قائل هذا الكلام هو السيد خدام الذي بقى في قمة السلطة في سوريا على مدى أكثر من ثلاثين عاماً!!
هل تصدق أن قائل هذا الكلام هو السيد خدام الذي بقى في قمة السلطة في سوريا على مدى أكثر من ثلاثين عاماً!!
No comments:
Post a Comment