Tuesday, June 27, 2006

فقه الدفاع عن ثقافة الحذاء

عندما يتوارى القانون وينزوي جانباً تحل محله ثقافة القوة وشعار أخذ الحق "بالذراع" وفي الحال إذا لزم الأمر، وهو ما يعود بنا إلى عصر الظلمات، وهذا ما نجده واقعاً في مصر هذه الأيام، فالكثيرون يحصلون على أحكام قضائية لا يتم تنفيذها، خذ على سبيل المثال جريدة الشعب
وحزب العمل حصلا على أكثر من أربعة عشر حكماً - في عين العدو - ولم ينفّذ حكماً واحدا !

هذا التجاهل المتعمد وعدم الاكتراث بأحكام القانون والالتزام بها من قِبل الدولة التي يجب أن تكون القدوة في تنفيذ القانون؛ نتج عنه بروز ثقافة أخرى بديلة وهي "ثقافة الحذاء".

اللجوء إلى الحذاء أو "الجزمة" في حسم الخلافات هي وسيلة ليست جديدة في أوساط العامة في قيعان المجتمعات بين الغوغاء الذين لا عتب لنا عليهم، وفيه تستخدم تلك الأداة للإيذاء المعنوي والنفسي قبل الإيلام البدني، ولكن في الفترة الأخيرة ظهرت هذه السنّة السيئة في أوساط الصفوة التي من المفترض أنها "كريمة" المجتمع المصري.

بدأها المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الذي قال " في حال وصول الإخوان إلى السلطة وحصولهم على الرئاسة، فإن جزاء من يعارضهم هو الضرب بالجزمة!! هكذا نشرت كل من جريدة الخميس والمصور وروزاليوسف وذلك في حوار أجراه معه الطالب طارق مصطفى في السنة الرابعة بكلية الإعلام والحوار جزء من مشروع تخرجه.

وفي 24/4/2006 وأثناء اعتصام القضاة بناديهم وسط القاهرة قام أحد رجال الشرطة بالتعدي بالحذاء على المستشار محمود عبد اللطيف حمزة رئيس محكمة شمال القاهرة أثناء محاولته تصوير اعتداء رجال الشرطة على المتظاهرين المتضامنين مع القضاة، ويتبين من هذه الواقعة أن استخدام هذه الوسيلة لم يعد حكراً على الأفراد العاديين فيما بينهم، لأن السلطة التنفيذية ممثلة في رجل الشرطة تلجأ إليها أيضاً، وهو ما يؤكد جاذبية هذه الوسيلة ونجاعتها !!

وفي مبنى البرلمان المصري حيث يجتمع ممثلي الشعب وفي جلسة 30 مايو 2006 همّ النائب طلعت السادات بضرب أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني الحاكم بالحذاء عندما رد الأخير عليه باستخفاف وهو يسأله عن ثروته التي تقدر بأربعين مليار جنيه فقط لا غير !!

وبما أن الشيء بالشيء يُذكر أقول إنه عندما شاهدت النائب طلعت السادات على قناة دريم يصرح أنه وبالمستندات يستطيع إثبات أن أحمد عز كوّن هذه الثروة الطائلة (40 مليار جنيه) في أربعة سنوات فقط؛ تحسّرت على نفسي واتهمتها بالفشل الذريع، لأنني أعمل منذ أن تخرجت من الجامعة يعني تقريباً ضعف عدد السنوات التي أنجز فيها هذا الشاب المعجزة هذا المبلغ الكبير، ورغم كل هذه السنوات من العمل إلا أنني لم أتمكن حتى من تدبير قيمة منزل متواضع في أحد أقاليم الصعيد البائسة علاوة على أنني لا أعرف كم صفراً على يمين هذا الرقم المهول!!

نعود إلى موضوعنا "ثقافة الجزمة" ومثال آخر حدث مؤخراً في نهائي كأس مصر لكرة القدم 16/6/2006 في مقصورة إستاد القاهرة وبطل القصة هذه المرة هو رئيس محكمة سابق ورئيس ثاني أكبر الأندية الرياضية في مصر، نادي الزمالك، المستشار مرتضى منصور الذي خلع الحذاء وهدد به أمين صندوق نادي الأهلي في الشوط الأول من المباراة التي انتهت بفوز الأهلي ثلاثة صفر بس !!

أعتقد أن الغالبية الساحقة من بني البشر تستهجن وتستنكر ولا تقبل أبداً هذا السلوك غير الحضاري وغير الأخلاقي بالمرة، ولهذا كان غريباً ومُلفتاً أن نجد من بيننا من يدافع عن هذا السلوك الوضيع، هل يتصور أحد أن هناك من يدافع عن شخص استخدم حذاءه أو "جزمته" في حسم الخلاف أو الحوار مع الآخرين ؟ نعم حدث عندما قرأت في الراية القطرية مقالاً للأستاذ سالم المراغي(22 /6/2006) يقول فيه " ...كان طبيعياً أن ترتفع الأحذية يوم الجمعة الماضي في المقصورة الرئيسية" ثم وجدته يبرر لرئيس نادي الزمالك فعلته غير الأخلاقية فيقول " ثار مرتضي منصور وعنده كل الحق" ! علامة التعجب من عندي لأني لا أدري أي حق هذا الذي يسمح له أن يرفع الحذاء في وجه زميله ممثل النادي المنافس وفي حضور مندوب رئيس الجمهورية ؟!!


No comments: