Wednesday, May 24, 2006

! في أصول المسألة التونسية
كان هذا هو عنوان مقال نشرته الراية القطرية منذ أكثر من عام ونصف (27 أكتوبر 2004) للكاتب المصري سليم عزوز، تحدث فيه بإطناب عن التجربة التونسية "الرائدة" في الديمقراطية التي ترفل فيها تونس الشقيقة، ولم يخف الكاتب انبهاره بها لدرجة أني شعرت حينها أنه يتحدث عن إحدى الدول الإسكندنافية وليس عن تونس التي لا تشذّ عن مثيلاتها العربية في سجل الحرية وحقوق الإنسان التي يجب أن تُحترم قبل أي حديث عن الديمقراطية، وعندما نتحدث عن انتخابات فهي مظهر من مظاهر الديمقراطية تأتي بعد الحرية وليس قبلها وإلا فإن القوم يفعلون كمن يضع العربة أمام الحصان.

غرام الكاتب وشغفه وولعه وإعجابه بطعامة وحلاوة ورقة ونزاهة الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس جعلته يقول كلاماً تصورت حينها أنه قد حدث خطأ في كتابة اسم الكاتب، وأنه لا يمكن أن يكون هذا الذي يحرص الكثيرون على قراءته وأنا منهم أن يقول هذا الكلام الذي لا يصدر إلا من نوعية من الكتّاب ليس منهم سليم عزوز في شيء، وهو ما جعل زميله على صفحات الراية الأستاذ منتصر الزيات عُرضة لوساوس الشيطان، فيعلّق على كلامه بعد ثلاثة أيام فقط في الراية (30 أكتوبر 2004) فيقول "...سليم عزوز الذي راح يحدثنا عن ديمقراطية تونس وجمالها وعفتها بل وعذريتها وكأنه وحده الذي يراها بتلك العين فعزوز لم ير في المعارضة كيانا حقيقيا ولم يستسغ أصواتاً من المعارضة اعترضت علي ما جري واستنكر عليهم أن يقارنوا بين تلك النسب المئوية الرهيبة في الولايات الثلاث السابقة ذات التسعات المقفلة وبين النتيجة الأخيرة، أنا أقدر دائما ما يكتبه عزوز وأثق في نزاهة ما يكتبه لأنه ليس من نوعية الكتاب الذين يسهل شراء قلمهم ولهذا أحاوره حتي من منطلق حبنا المشترك لتونس فالمؤكد أنها كغيرها من بلادنا العربية تحتاج إلي جرعات متزايدة من الإصلاح السياسي الحقيقي دون الإطناب في تعليمنا ضرورة تبني سياسة الجرعات فسليم عزوز يري في تلك الخطوات البطيئة المتثاقلة التي اتخذها النظام في تونس نقلة حضارية".

ونحن نتحدث عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان لا يجب أن نغفل تقرير منظمة العفو الدولية الصادر قبل أيام (الثلاثاء 23 مايو 2006) وهي أهم منظمة غير حكومية تعنى بحقوق الإنسان، ونشير هنا فقط إلى لمحات سريعة من التقرير في الجزء المتعلق بالدولة موضوع النقاش -تونس- حيث يقول التقرير " ظلت حرية التعبير تخضع لقيود مشددة. استمر تعرض المدافعين عن حقوق الإنسان للمضايقة كما تعرض بعضهم للعنف الجسدي. وخضع كثير من المدافعين عن حقوق الإنسان، هم وأفراد أسرهم وأصدقاءهم، للمراقبة من جانب السلطات، كما فُرضت عليهم قيود تحد من أنشطتهم بشدة. ظل الأفراد عرضة لخطر السجن والمضايقة والترهيب بسبب معتقداتهم التي لا تنطوي على العنف. حُكم على عشرات الأشخاص بالسجن لمدد طويلة بعد محاكمات جائرة بتهم ذات صلة بأنشطة الإرهاب. واستمر ورود أنباء عن التعذيب وسوء المعاملة. وظل مئات من السجناء السياسيين، وبعضهم من سجناء الرأي، يرزحون في السجون، وما برح كثير منهم محتجزين منذ ما يزيد على 10 سنوات. واستمر ورود أنباء عن احتجاز سجناء رهن الحبس الانفرادي وحرمان بعضهم من الرعاية الطبية في السجون، برغم وعود الحكومة بوضع حد للحبس الانفرادي لفترات مطولة. وما برحت حرية التعبير وتكوين الجمعيات والانضمام إليها تخضع لقيود مشددة."

ما جعلني أتذكر هذا المقال العجيب هو خبر غريب نشرته (مفكرة الإسلام) نقلاً صحيفة صوت الحق والحرية التونسية 16 مايو الجاري عن إعلان وزير الداخلية التونسي الهادي مهنِّي في مؤتمر صحفي أنه سيتم عمل بطاقة مغناطيسية لكل مصلٍّ لتنظيم الصلوات في المساجد.! وأن مصالح وزارة الداخلية ستقوم بتسليم كل مَنْ يتقدم بطلبها بطاقةً تمكّنه من ارتياد أقرب مسجد من محل سكناه أو من مقرِّ عمله إذا اقتضت الحاجة.وستحمل البطاقة صورة المصلي وعنوانه واسم المسجد الذي ينوي ارتياده, ويجب على المصلي اختيار أقرب مسجد لمكان إقامته أو لمركز عمله، أما إذا كان المسجد المختار غير جامع فيجب على المصلي التقدم بطلب بطاقة خاصة بصلاة الجمعة، كما أنه يجب على أئمة المساجد أن يتأكدوا من أن جميع المصلين داخل قاعة الصلاة حاملون لبطاقاتهم, كما يتعيَّن على كل إمام طَرْدُ كل مصلٍّ لا يحمل بطاقةً أو على بطاقته اسم مسجد آخر غير الذي يصلي فيه، وأضاف الوزير أنه يمكن للسيَّاح المسلمين أن يطلبوا بطاقةَ مصلٍّ عند نقاط شرطة الحدود، وأشار إلى أنه سيتم تزويد كل المساجد بآلات مغناطيسية لتسجيل الحضور؛ حيث يتعيَّن على كل مصلٍّ تسجيل حضوره عند الدخول إلى المسجد وعند خروجه منه، ويقوم الإمام بجمع أوراق تسجيل الحضور وتقديمها شهريًّا إلى الدائرة الحكومية التي يتبع لها المسجد.

عندما يتحدث أحد عن الديمقراطية والحرية في بلد ما بطريقة "خدوا عيني شوفوا بيها " فله كل الحق في ذلك على أساس أن للناس فيما يعشقون مذاهب، ولكن يجب ألا يعميه هذا العشق عن زوايا أخرى قاتمة من الصورة ربما يكون قد أهملها عن عمد نظراً لتطابق وجهة نظره فيها مع التوجه السائد لدى مَنْ امتدح عظمة ديمقراطيته وشعبيته التي لا وجود لها وسياسة تجفيف المنابع التي يتبناها، وما يجب التأكيد عليه هو أن حرية ممارسة الشعائر الدينية يجب أن تأتي على رأس كل الحريات فلا يُضطهد إنسان بسبب تدينه ولا يتم التضييق عليه لالتزامه بشعائر دينه، وهذا ما جعل أوروبا والغرب في فترة ماضية قِبلة المضطهدين من الدول العربية، حيث نال هؤلاء في بلاد الغرب حرية دينية لم يجدوها في بلدانهم الأصلية.

ولا أدري لماذا تخاف بعض الأنظمة العربية من التزام شعوبها دينياً ؟الملتزم بصحيح الدين في وجهة نظري سوف يعمل على صلاح المجتمع الذي ينتمي إليه، فالشاب الملتزم لن يسرق أو ينهب أو يُفسد في الأرض، كما أنه لن "يلهف" أموال البنوك ويهرب بها للخارج، ولن يقف في الطرقات لمضايقة الفتيات ولن يعتدي على أحد، وسوف يسعى في خدمة المجتمع الذي يعيش فيه لا إلى هدمه وتقويضه، فالإنسان الصالح هو لبنة في بناء متكامل هو المجتمع وإن صلحت هذه اللبنة صلح المجتمع كله،والالتزام بصحيح الدين يوفّر قوة إيمانية تدفع الإنسان في الاتجاه السليم الذي يقود إلى نهضة المجتمع ورفعته، إذن لماذا تخاف بعض الأنظمة من عودة الناس إلى دينهم؟ولماذا كل هذه الحلقات المتتابعة في مسلسل تجفيف منابع التدين ؟

No comments: