Alas ! يـا خســـــــــــــارة
مساء الخميس جلست الأم ذات الستة وعشرين ربيعاً مع أبنائها الست حول كومة من النيران تلتهم متعلقات الأب من أوراق وصور وأشياء أخرى كثيرة، وقتها لم يكن يدرك ذاك الصبي الصغير، الذي لم يكن يتجاوز عمره آنذاك أربعة أعوام، ولم يكن يعي لماذا يحدث كل هذا، لماذا تُحرق متعلقات الوالد الذي لم يعد يأتي إلى البيت منذ مدة، لماذا انقطع عن المجيء إلى البيت لرعاية أسرته، فقط كان يراقب ما يحدث بعينين حزينتين تأثراً بالحزن الذي كان يكسو ملامح الأم وابنتها الكبرى التي كانت في العاشرة من عمرها، وهي الوحيدة بين جميع الأبناء التي كان يسمح لها سنها إلى حد ما أن تعي وتدرك سبب ما يحدث وتتأثر به وتتفاعل معه، إلا أن هذا الصبي حزن وتأثر لحزن أمه دون أن يعرف السبب.
لمّا كبُر الصبي وبدأ في إدارك ما حوله علم أن تلك الليلة كانت ليلة زفاف والده على فتاة في مقتبل العمر، فتاة كانت تعلم أنه أب لستة أبناء أكبرهم طفلة في العاشرة من عمرها، فقد تزوج الأب أم الأبناء الست قبل إحدى عشر سنة بالتمام والكمال أنجب فيها ستة أبناء أوسطهم ذاك الصبي الذي نتحدث عنه والذي لم تستطع السنوات أن تمحو ذاك المشهد من ذاكرته.
تعرّف الوالد على هذه الفتاة التي لم يسبق لها الزواج من قبل وقد تمسكت به بغرابة شديدة وأصرت على الزواج منه رغم علمها بأنها ستتسبب بذلك في انهيار كيان أسرة سعيدة هادئة، وعندما نصحها أقاربها بأن تترك الرجل وشأنه فهي ما تزال في مقتبل العمر وغير مضطرة للارتباط برجل متزوج ولديه من الأبناء ست؛ هددت بالانتحار إن لم تتزوج هذا الأب وقد كان، وفوق كل هذا كان شرطها العجيب أن يطلّق الأب أم أبنائه الست قبل الارتباط بها.
استفاقت الأم من الصدمة وبدأت في التصدي لكل محاولات التفريق بينها وبين أبنائها، فقد ألقيت على عاتقها مسؤولية كبيرة وعبء ثقيل وهي ما تزال في ريعان شبابها ولا يؤهلها سنها ولا خبرتها للتعامل مع هذه الصدمة المفاجئة، وقعت الأم الشابة بين سندان أهلها ومطرقة أهل زوجها، فأهلها يرون أنها ما تزال في مقتبل العمر وينبغي أن تتزوج من شخص آخر وتترك هؤلاء الأبناء الست لأبيهم الذي تزوج، فهؤلاء الأبناء -حسب رأي أهلها- ليسوا أبناءنا لكي نربيهم ونرعاهم، فكيف نربي من ليسوا لنا؟! وأهل زوجها لم يرق لهم تمسكها بالأبناء فقد أرادوا أن ترحل إلى بيت أهلها وتترك لهم الأبناء لكي يواجهوا مصيراً مجهولاً في خدمة أهل الزوج وزوجة الأب، ولكنها رفضت بشدة وأصرت على التمسك بالأبناء وتربيتهم.
قاطعها الجميع؛ فقد قاطعها أهلها لما رفضت نصيحتهم بأن تتزوج من شخص آخر وتترك الأبناء لأهل أبيهم، وعندما قام أخوها برفع دعوى قضائية ضد طليقها، سألها القاضي هل حصلت على مستحقاتك منه فأجابت بالايجاب بالرغم من أنها لم تأخذ منه شيئاً وكانت تستطيع بكلمة منها أن تلقي به في السجن سنين عدداً.
كافحت الأم وصبرت وثابرت وخرجت للعمل وبذلت أقصى ما لديها لتربية أبنائها الستة وتوفير حياة كريمة لهذه الأسرة التي تعاني مقاطعة من الجميع إلى أن وفقها الله في تربية وتعليم جميع أبنائها واستحقت أن تكون أماً مثالية بكل ما تحمل الكلمة من معان.
كبر هذا الصبي ولم تمح من ذهنه هذه الصورة للفتاة "خَطّافِة الرِجّالَة" التي خطفت والده من أسرته السعيدة الهانئة وتركتهم يعيشون حياة صعبة مريرة، وكان كل ما يهمه مثل باقي إخوانه أن ينتهي من تعليمه لكي يساعد والدته ولكي تستريح هي بعد رحلة طويلة من المعاناة والكد والتعب.
بعد عدة سنوات من العمل بعد تخرجه الجامعة شعر بأنه قد حان الوقت لكي يبدأ حياته الخاصة، وبدأ رحلة البحث عن زوجة مناسبة بعد كبوة تعرض لها، وفجأة ألقى الله بها في طريقه، دون تعب أو بحث طويل، فقد أحبها بصدق ووجد فيها كل ما يمناه، فقد لمس فيها توافقاً قلما وجده في أحد عرفه من قبل، وكثيراً ما أدهشه حرصها الشديد عليه، واستقر به اليقين أنها هي ما كان يبحث عنه، فقد وجد فيها كل ما يحتاجه المرء في شريكة حياته واتفق معها على الارتباط في خلال أشهر قليلة عندما تتاح له الفرصة.
ولكن حدث ما لم يكن يتوقعه ولا يتمناه، فجأة علم شيئاً ما أصابه بالإحباط وخيبة الأمل وشعر أن أحلامه قد أصبحت سراباً بقيعة، فقد علم بما لا يدع مجالاً للشك أن الفتاة التي اختارها عرفت شخصاً آخر غيره، وربما يرى البعض أن لا غرابة في هذا فهي غير مسؤولة أمامه عما مضى وولّى ولكن عن حاضرها الذي ارتبط به ومستقبلها الذي سيكون معه، ولكن المعضلة التي أقضت مضجعه هي أن ذاك الشخص الذي عرفته هو رجل متزوج وأب لعدد من الأبناء أكبرهم في نفس العمر تقريباً الذي كان فيه صاحبنا عندما حدث ذاك الموقف الذي لن ينساه، وعلى الفور حضر إلى ذهنه صورة الفتاة " خَطّافِة الرِجّالَة" وكيف أن الفتاة التي أحبها كادت أن تقوم بنفس دور الفتاة التي تسببت في شقاء أسرته، فسئمت منها نفسه وأيقن أنه لا ينبغي أبداً أن يربط مستقبله بنموذج آخر لـ " خَطّافِة الرِجّالَة" موديل 2007.
رابط المقال بجريدة الراية القطرية
http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=254419&version=1&template_id=27&parent_id=23
لمّا كبُر الصبي وبدأ في إدارك ما حوله علم أن تلك الليلة كانت ليلة زفاف والده على فتاة في مقتبل العمر، فتاة كانت تعلم أنه أب لستة أبناء أكبرهم طفلة في العاشرة من عمرها، فقد تزوج الأب أم الأبناء الست قبل إحدى عشر سنة بالتمام والكمال أنجب فيها ستة أبناء أوسطهم ذاك الصبي الذي نتحدث عنه والذي لم تستطع السنوات أن تمحو ذاك المشهد من ذاكرته.
تعرّف الوالد على هذه الفتاة التي لم يسبق لها الزواج من قبل وقد تمسكت به بغرابة شديدة وأصرت على الزواج منه رغم علمها بأنها ستتسبب بذلك في انهيار كيان أسرة سعيدة هادئة، وعندما نصحها أقاربها بأن تترك الرجل وشأنه فهي ما تزال في مقتبل العمر وغير مضطرة للارتباط برجل متزوج ولديه من الأبناء ست؛ هددت بالانتحار إن لم تتزوج هذا الأب وقد كان، وفوق كل هذا كان شرطها العجيب أن يطلّق الأب أم أبنائه الست قبل الارتباط بها.
استفاقت الأم من الصدمة وبدأت في التصدي لكل محاولات التفريق بينها وبين أبنائها، فقد ألقيت على عاتقها مسؤولية كبيرة وعبء ثقيل وهي ما تزال في ريعان شبابها ولا يؤهلها سنها ولا خبرتها للتعامل مع هذه الصدمة المفاجئة، وقعت الأم الشابة بين سندان أهلها ومطرقة أهل زوجها، فأهلها يرون أنها ما تزال في مقتبل العمر وينبغي أن تتزوج من شخص آخر وتترك هؤلاء الأبناء الست لأبيهم الذي تزوج، فهؤلاء الأبناء -حسب رأي أهلها- ليسوا أبناءنا لكي نربيهم ونرعاهم، فكيف نربي من ليسوا لنا؟! وأهل زوجها لم يرق لهم تمسكها بالأبناء فقد أرادوا أن ترحل إلى بيت أهلها وتترك لهم الأبناء لكي يواجهوا مصيراً مجهولاً في خدمة أهل الزوج وزوجة الأب، ولكنها رفضت بشدة وأصرت على التمسك بالأبناء وتربيتهم.
قاطعها الجميع؛ فقد قاطعها أهلها لما رفضت نصيحتهم بأن تتزوج من شخص آخر وتترك الأبناء لأهل أبيهم، وعندما قام أخوها برفع دعوى قضائية ضد طليقها، سألها القاضي هل حصلت على مستحقاتك منه فأجابت بالايجاب بالرغم من أنها لم تأخذ منه شيئاً وكانت تستطيع بكلمة منها أن تلقي به في السجن سنين عدداً.
كافحت الأم وصبرت وثابرت وخرجت للعمل وبذلت أقصى ما لديها لتربية أبنائها الستة وتوفير حياة كريمة لهذه الأسرة التي تعاني مقاطعة من الجميع إلى أن وفقها الله في تربية وتعليم جميع أبنائها واستحقت أن تكون أماً مثالية بكل ما تحمل الكلمة من معان.
كبر هذا الصبي ولم تمح من ذهنه هذه الصورة للفتاة "خَطّافِة الرِجّالَة" التي خطفت والده من أسرته السعيدة الهانئة وتركتهم يعيشون حياة صعبة مريرة، وكان كل ما يهمه مثل باقي إخوانه أن ينتهي من تعليمه لكي يساعد والدته ولكي تستريح هي بعد رحلة طويلة من المعاناة والكد والتعب.
بعد عدة سنوات من العمل بعد تخرجه الجامعة شعر بأنه قد حان الوقت لكي يبدأ حياته الخاصة، وبدأ رحلة البحث عن زوجة مناسبة بعد كبوة تعرض لها، وفجأة ألقى الله بها في طريقه، دون تعب أو بحث طويل، فقد أحبها بصدق ووجد فيها كل ما يمناه، فقد لمس فيها توافقاً قلما وجده في أحد عرفه من قبل، وكثيراً ما أدهشه حرصها الشديد عليه، واستقر به اليقين أنها هي ما كان يبحث عنه، فقد وجد فيها كل ما يحتاجه المرء في شريكة حياته واتفق معها على الارتباط في خلال أشهر قليلة عندما تتاح له الفرصة.
ولكن حدث ما لم يكن يتوقعه ولا يتمناه، فجأة علم شيئاً ما أصابه بالإحباط وخيبة الأمل وشعر أن أحلامه قد أصبحت سراباً بقيعة، فقد علم بما لا يدع مجالاً للشك أن الفتاة التي اختارها عرفت شخصاً آخر غيره، وربما يرى البعض أن لا غرابة في هذا فهي غير مسؤولة أمامه عما مضى وولّى ولكن عن حاضرها الذي ارتبط به ومستقبلها الذي سيكون معه، ولكن المعضلة التي أقضت مضجعه هي أن ذاك الشخص الذي عرفته هو رجل متزوج وأب لعدد من الأبناء أكبرهم في نفس العمر تقريباً الذي كان فيه صاحبنا عندما حدث ذاك الموقف الذي لن ينساه، وعلى الفور حضر إلى ذهنه صورة الفتاة " خَطّافِة الرِجّالَة" وكيف أن الفتاة التي أحبها كادت أن تقوم بنفس دور الفتاة التي تسببت في شقاء أسرته، فسئمت منها نفسه وأيقن أنه لا ينبغي أبداً أن يربط مستقبله بنموذج آخر لـ " خَطّافِة الرِجّالَة" موديل 2007.
رابط المقال بجريدة الراية القطرية
http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=254419&version=1&template_id=27&parent_id=23