اعتـذار تاريخي
من "حـزب الثـلاثة" إلى حـزب الله
من "حـزب الثـلاثة" إلى حـزب الله
بعد مرور عام على حرب لبنان، وبعد أن تأكد للجميع،باعتراف العدو قبل الصديق، النصر الذي حققه حزب الله،وبعد أن قطع تقرير "فينوجراد" عن الفشل الاسرائيلي في الحرب حديث كل متشكك في هذا النصر التاريخي، لكي يسمع مثقفو المارينز من أبناء جلدتنا الذين لا يصدقون إلا ما يصدر عن آلهتم في واشنطن وتل أبيب، وبعد أن تبين لكل ذي عينين النصر المؤزّر الذي حققته المقاومة الإسلامية، وما سطرته من بطولات مذهلة فاجأت الأعداء والأصدقاء على حد سواء، وبعد أن انهارت تلك الأسطورة الوهمية للجيش الصهيوني والذي تبين أن قوته تكمن فقط في قتل النساء والأطفال، وبعد أن انهزم الصهاينة شر هزيمة أمام مجاهدي حزب الله، وبعد أن عمّت مشاعر المحبة والتلاحم بين جميع أبناء هذا الوطن العربي الكبير والإسلامي الأكبر، وتوارت الخلافات والاختلافات المذهبية المصطنعة بين المسلمين مما جعل كل هؤلاء يعتبرون هذا النصر ليس لحزب الله ولا للبنان فقط وإنما لكل عربي ومسلم يرفض الذل والمهانة والانكسار، بل اتسعت هذه الفرحة والغبطة لتشمل كل مضطهد ورافض للهيمنة الأمريكية والغطرسة الصهيونية، وبعد أن ظهر جلياً انحياز الإدارة الأمريكية إلى جانب إسرائيل بداية من عرقلة مشاورات مجلس الأمن لوقف الحرب في بدايتها ثم منحها إسرائيل أكثر من شهر لتنفيذ أهدافها التي فشلت في تحقيقها بفضل المقاومة الباسلة ثم سعيها إلى إنقاذ ماء وجه الكيان الصهيوني عبر محاولة تحقيق نصر دبلوماسي لتعويض الفشل العسكري، وبعد أن أُعلن أن الإدارة الأمريكية متورطة في التخطيط للحرب على لبنان قبل عملية الوعد الصادق وهو ما نشره الصحفي الأمريكي المتألق "سيمور هيرش" في مجلة نيويوركر 14 أغسطس الماضي.
كل هذه الأسباب وغيرها هو ما دفعنا نحن "حزب الثلاثة" إلى تحرير وإصدار هذا الاعتذار العلني، وقد يستغرب كثيرون من هذا الفعل، ولكن الحقيقة أن ما جعلنا ننزل من أبراجنا العاجيّة هو يقيننا أن التاريخ لن يرحمنا، والأجيال القادمة لن تغفر لنا لو تمادينا في موقفنا المتخاذل الذي اتخذناه في بداية الحرب عندما وصفنا عملية حزب الله "الوعد الصادق" بالمغامرة، ولهذا رأينا أن نلحق بركب العزة والكرامة قبل فوات الأوان وعندها لن ينفع الندم، خاصة بعد أن اتسعت الهوة والفجوة بيننا كحكام وبين شعوبنا التي أجمعت على وجوب نصرة المقاومة ودعمها بشتى السبل.
الآن سيقول كل منا كلمته وليتفضل أكبرنا سناً زعيم الدولة النفطية الكبرى وأول من أطلق شرارة هذا الموقف المتخاذل عندما وصفت إدارته المقاومة بالمغامرة:"ليقبل الشعب اللبناني والمقاومة الشريفة هذا الاعتذار مني على موقف قد بدر في لحظة لم أزن الأمور فيها جيداً، فعلى الجبهة الداخلية عندما اتخذت هذا الموقف المتخاذل لم أراع مشاعر الملايين من أبناء شعبي من الشيعة ولم ألتفت إلى ما قد ينتج عنه من مشاعر الغضب والحزن والإحباط، وهم مواطنون من بين نسيج الوطن الذي يمر بظروف صعبة ينبغي التكاتف بين كافة أبنائه لمواجهة الخطر المحدق متمثلاً في العنف الداخلي الذي يهدد أمن البلاد، إضافة إلى المخططات الغربية الصهيوأمريكية لتقسيم البلاد، ولهذا ما كان ينبغي أن أتخذ ذلك الموقف، وما كان ينبغي أن تصدر تلك الفتاوى التي حرّمت دعم حزب الله ولا حتى الدعاء له وهي فتاوى أصدرها أناس أعلن أني بريء منهم إلى يوم القيامة، فالمقاومة في لبنان هي وسام على صدر كل عربي ومسلم، وليسامحني كل عربي ومسلم تسبب موقفي السابق في أي إحباط أو حزن أو خيبة أمل شعر بها وليغفر لي كل لبناني فقد عزيز عليه أو دُمّر منزله أو أتلفت ممتلكاته جراء التمادي الصهيوني في العدوان نتيجة موقفي السابق في بداية الحرب على لبنان، فنحن وإخواننا الشيعة قرآننا واحد ورسولنا واحد ومصيرنا واحد".
أما أنا صاحب مذهب "العقلانية" وزعيم الدولة التي من المفترض أن تكون أهم دولة عربية لما لها من ثقل تاريخي وإرث حضاري، أعبّر هنا عن تنصّلي التام من ذلك الموقف الذي لا يليق بسمعة ومكانة البلد الذي أجلس على مقعد الزعامة فيه، وأعترف أن هذه الدولة العظيمة قد تحولت في عهدي من دولة رائدة إلى دولة تابعة لا وزن لها ولا قيمة في ساحة السياسية الخارجية، لقد تبين لي من بسالة مقاتلي حزب الله أن قوة إسرائيل ومن ورائها أمريكا هي وهم لا أكثر، فقد بدّد رجال حزب الله ذلك الوهم الذي عشش في أذهاننا لعقود طويلة، لقد كانت مفاجأة لنا صمود حزب الله وهو ما جعلنا نغيّر هذا الموقف، ففي مقابلة مع وكالة رويترز 14 أغسطس الماضي قال وزير خارجيتنا "إن حزب الله قد قاتل بشرف"، فقد أدركنا جميعاً هذه الحقيقة، وأنا كرجل عسكري أقول إن ما حدث يعتبر إنجازاً غير مسبوق في تاريخ الصراعات العربية الإسرائيلية، فقد تعوّدنا أن نبكي ونصرخ ونُهجّر نحن العرب فقط، لكن حزب الله أحدث التوازن الذي رأينا فيه الإسرائيليين يهجرون منازلهم ويلجأون للملاجيء تحت الأرض كالديدان، رأيناهم وهم يرتجفون ويُضربون في العمق وهو ما لم يحدث من قبل، وهنا أعلن عن اعتذاري لأبطال حزب الله ولكل مسلم وعربي عن ذلك الموقف المتخاذل، ومعلوم للجميع أن ما دفعني لاتخاذ كل موقف يُرضي سادة البيت الأبيض هو رغبتي الشديدة -بعد أن بلغت من العمر أرذله- في تسليم زمام الأمور إلى ذريتي من بعدي،ولكن بعد اليوم لن أطلب المدد من أحد خارج حدود وطني، ولكني سألجأ إلى شعبي الذي فشل نظامي الحاكم مؤخراً في أن يوفر له كوباً من ماء الشرب مع أنه يجري على أرضه أطول أنهار العالم، سأترك لشعبي حرية الاختيار لأنه لا قيمة لحكم دون رضا الشعب وتوافقه واتفاقه على مَنْ سيحكمه في المستقبل سواء كان ذلك الشاب أو غيره.
أما أنا فقد تأخرت في الحديث لأني أصغركم سناً وربما هذا ما يحتفظ لي بقليل من العذر على ذلك الموقف، فقد وجدت اثنتين من أهم الدولة العربية تتخذان موقفاً كهذا فتسرعت كعادتي وأيدت موقفهما، وهو الموقف الذي يصب في مسيرة سعيي الدائم لنيل رضا السادة في البيت الأبيض غير عابيء بمشاعر شعبي وهذا خطأ جسيم، هذا الشعب الذي رأيت حجم الهوة والفجوة بيني وبينه عندما وجدته يخرج في مظاهرات حاشدة مؤيداً لموقف مجاهدي حزب الله، ويعلم الجميع أنني كنت قد حذرت في السابق من هلال شيعي على أساس أن إخواننا الشيعة خطرٌ علينا في المنطقة، ولكني أدركت الآن أن هؤلاء الشيعة الذين يمثلهم حزب الله لم يجلبوا للمسلمين والعرب في هذه الحرب إلا العزة والكرامة فهم ليسوا خطراً ولا حتى خطراً محتملاً وإنما الخطر والعدو الحقيقي هو القابع على حدودي الغربية، أحكم دولة مصادر الدخل فيها محدودة وربما هذا هو ما يجعلني أسعى للحصول على الدعم من هنا أو هناك في مقابل مواقف تؤثر سلباً على وحدة أمتنا العربية والإسلامية، ولكني أعلنها من اليوم أن هذا لن يحدث مرة أخرى فالحرة تموت ولا تأكل بثدييها.
No comments:
Post a Comment