حسـام الشيطـان الهنـدي
تحدثنا في مقال سابق حمل عنوان "حسـام الشيطـان" عن نموذج خطير من الذين يطلقون على أنفسهم مثقفين ولكنهم ارتضوا لأنفسهم أن يعيشوا حياة غريبة من التناقض بين سرهم وجهرهم، ويتخذون من المنتديات النافعة على الانترنت منبراً لاصطياد الفتيات الحمقاوات والإيقاع بهن في علاقات توصلهن إلى نهايات مأساوية لا ينفع معها أي ندم، وقلنا إن الواحد من هؤلاء بمكره وخبثه ودناءة سعيه هو بمثابة حسام أو سيف في يد الشيطان يضرب به وبقوة العفة والالتزام والحياء عند بناتنا عبر أساليب شتى من الحيل الماكرة والكلام المعسول، حتى تطمئن إليه هذه الساذجة أو تلك الحمقاء التي تنقصها الخبرة في الحياة أو تلك التي تنخدع بما لديها من خبرة وتعتقد أنها تكفيها وتحصنها ضد أمثال تلك المخاطر.
في حوار مع صديقي الهندي "رافيتشاندران" الذي يعمل كاتباً ومحرراً بالوكالة الإعلامية التي أعمل بها، حدثته عن هذا المقال وما صاحبه من جدل واسع مع كل مَنْ رأى أن على رأسه "بطحة" أو مع مَنْ رأى أن له صديق على رأسه بطحة وسعى لتغطيتها بالنيابة عنه أو مع ذيل تافه تولى الدفاع عن آخر بالوكالة؛فانهمك صديقي في الضحك حتى ظننت أنه سيلفظ أنفاسه الأخيرة خاصة وأنه قد بلغ من الكبر عتياً حتى أني أناديه "يا عجوز" وهو يعرف معناها ويسر جداً بأن يناديه أحد بكلمة عربية، صديقي وبعد أن أنقذته العناية الإلهية من موجة الضحك المفاجئة التي كادت تودي بحياته قال لي بالإنجليزية "لدينا نسخة هندية من حسام الشيطان"، واقترح عليّ أن أترجم هذا المقال لينشره في عدة صحف هندية على اتصال بها.
"رافيتشاندران" بنظرته الفلسفية للأمور قال لي إن فساد حسام الشيطان العربي أو الهندي يكمن في إساءة استخدام الثقة التي تمنحها إياه الفتيات الحمقاوات الساذجات فيستغل هذه الثقة في أن يسعى في الأرض ليفسد فيها دون رادع من ضمير، وقارن بين إساءة استخدم الثقة في هذه الحالة وبين إساءة استخدام السلطة في الأنظمة المستبدة وقال كما أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة فإن الثقة المطلقة خراب محقق ودمار واقع لا محالة مؤكداً أن المصدر الأساسي للكثير من الصدمات ينبع من الثقة الزائدة فيمن لا يستحقونها،وهذه أم الخدع.
حضرتي في هذه الأيام بصدد إعداد دراسة عن أوجه الشبه بين الحكام والشعوب في العالم العربي وعندما بحثت وفكرت كثيراً في هذا الموضوع وجدت أن الحكام والشعوب من عجينة واحدة، وإذا أخذنا حسام الشيطان نموذجاً لإسقاطه على الواقع أو إسقاط الواقع عليه، فسنرى العجب العجاب من تقارب أوجه الشبه بينه وبين الحكام العرب الذين لا يمل من انتقادهم ليل نهار، فتجده مثلاً ينادي في البرية أنه ينوى الانسحاب أو الاستقالة من ذاك الوسط الذي بذل فيه كل جهده ليرسم له في خيالهم صورة ناصعة لذاك المثقف الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى نهضة الأمة، وباتفاق مع تابعين له ينطلق حملة المباخر في البكاء والنحيب على هذا الذي ينوي الانسحاب أو الاستقالة مرددين نفس الاسطوانة المشروخة التي تتغنى بها الجماهير العربية الغفيرة التي تنشق عنها الأرض فجأة بعد إعلان الزعيم الضرورة التنحي أو عدم الترشح مرة، ثم ما يلبث أن يقرر سعادته-كلا النموذجين- النزول عند رغبة الجماهير ويعود عن قراره الوهمي.
وفي الوقت الذي تجده يكيل المديح والنفاق الرخيص لرئيس المنتدى المخدوع نجده في نفس الوقت ومن وراء ظهره يحيك ضده المؤامرات ويتفق بليل مع غيره لخلعه أي الانقلاب عليه وهذا ليس بغريب في عالمنا العربي،وهذه ازدواجية قبيحة ونفاق مدمر ومؤامرات مهلكة استنفذت قوانا وجعلت من يصل منهم إلى الكرسي يعمل جاهداً على تسخير كل إمكانيات الدولة لحماية نظامه وتصير أجهزة أمن الوطن أجهزة لأمن النظام حتى وصل عدد أفراد قوات الأمن المركزي في مصر مثلاً أكبر من عدد أفراد القوات المسلحة، وهو ما نتج عنه تكريس النظرة الأمنية في التعامل مع كل القضايا وهو ما جعلنا نتخلف عن ركب الأمم، وها هم يحتفلون في هذه الأيام بذكرى أحد هذه الانقلابات التي يسعى حسام الشيطان للسير على دربها.
حسام الشيطان متناقض مع نفسه ومع مجتمعه، والكثير من حكامنا تناقض تصرفاتهم أقولهم فمثلاً في الوقت الذي يلقي أحدهم بالآلاف من المسلمين في معتقلاته وفي الوقت الذي يقوم نظامه بتعذيب إخوانه المسلمين بالوكالة تجده يرعى مسابقات القرآن الكريم ويسلم جوائزها بنفسه،وعلى نفس النهج نجد حسام الشيطان يبدأ حديثه بآية أو حديث ويستميت في الدفاع عن الدين ومبادئه، هذا أمام الناس ولكن في الخفاء تجده إنساناً آخر يرتع في نزواته الصبيانية مع هذه أو تلك ثم يأتي في الصباح يحدثك عن نهضة الأمة!
هذا بعض من كثير من أوجه الشبه بين حسام الشيطان وحكامه الذين ينتقدهم ليل نهار،وبالطبع هناك فرق كبير بين حسام الشيطان العربي ونظيره الهندي وهذا ما سنتطرق إليه بإذن الله في الحلقة القادمة من هذه السلسلة الشيقة..انتظرونا.
رابط المقال بجريدة الراية القطرية
No comments:
Post a Comment