خيال حشيش وأمطار الحرية في العراق
يبدو لي أن الأستاذ عبدالكريم حشيش قد صار بين عشيه وضحاها من أولياء الله الصالحين ، فالرجل يرى مالا نراه فقد صوّر له خياله الخصب أنه يرى أمطار الحرية تهطل بغزارة على بلاد الرافدين المحتلة ، حقاً إنها كرامات يختص الله بها عباده الصالحين !!
في الأول من فبراير الماضي وفي عموده اليومي "خارج الإطار" بجريدة الراية - إسم الزاوية ومضمونها يعبران عن توجهات الكاتب - عَنْون عموده بـ"وامطري ياحرية في العراق" فالكاتب يرى أن الحرية والديمقراطية قد عمت أرجاء العراق ويهلل طرباً لها وبدا لي أنه يحسد أهل العراق على ما ينعمون به في أزهى عصور الديمقراطية والحرية،ولكنه لم يخبرنا كيف يتسنى لنا رؤية هذه الأمطار وهي تنهمر بتلك الصورة التي رآها حتى نتغنى بها كما فعل هو ولكنه تركنا في حيرة من أمرنا ولسان حاله يقول "ما أريكم إلا ما أرى" !!
فكل ذو بصيرة يرى ويشهد كيف أن تلك الحرية المزعومة قد كلفت الشعب العراقي أكثر من مائة ألف قتيل بالإضافة إلى خراب الديار وتدمير البنية التحتية وضياع الأمن في سبيل شيء لا نراه يتحقق ولو قيد أنمله ولا يلمسه أي من أهل العراق حتى قاطني المنطقة الخضراء .
ولا أدري كيف يمكن أن يجتمع النقيضين الإحتلال والحرية ، فإذا كان كل ما نتطلع إليه هو الشكليات الزائفة كما هو حال معظم الأنظمة العربية التي تهتم بالشكل على حساب المضمون فذلك هو الضلال المبين ، نعم قد رأينا في العراق صناديق إقتراع شفافة ولجان إنتخابية ومراقبين ولكنها إنتخابات منقوصة الشرعية لأنها بإختصار جرت تحت الإحتلال ولم يتوفر الأمن ولا الحرية ويكفي أن الناخبين إنتخبوا "أرقاماً" لقوائم لم يعرف أسماء مرشحيها ويأتي من يدّعي أن هناك حرية في العراق ويتغنى طرباً للديمقراطية التي تنعم بها بلاد الرافدين التي صارت بقدرة قادر واحة الديمقراطية في المنطقة العربية !!
نعم سوف تهطل أمطار الحرية على بلاد الرافدين لكن بعد إنكسار المحتل وإنسحابه يجر أذيال الهزيمة والذل وسوف يندحر مثلما إندحر كل الغزاة على مر العصور فهذا هو قانون البشرية الخالد الذي سوف يدوم ما دام هناك شرفاء يزودون عن أرضهم وعرضهم بأرواحهم وأموالهم وكل ما يملكون في سبيل تحرير الأرض وصيانة العرض رغم أنف دعاة الإستسلام والذين يروجون لثقافة الإنبطاح والرضوخ للهيمنة الأمريكية وعندها سوف نغني طرباً وفرحاً وإبتهاجاً "وامطري ياحرية في العراق" .

No comments:
Post a Comment