ضـلال المعارضـة
جبهة "أنقذوا مصر" نموذجـاً
جبهة "أنقذوا مصر" نموذجـاً
منذ أن سافرت وتركت بلدي الحبيب مصر منذ عدة سنوات وأنا أتابع أخبار أرض الكنانة بلهفة وشوق لا يمكن وصفه، ومنذ ذلك الحين سمعت أذناي وقرأت عيناي الكثير من الأخبار المحزنة عن الشأن المصري إستقبلتها أحياناً بحزن وأسف وأحياناً أخرى بشعور من الإحباط، ولكن في الأسابيع القليلة الماضية تلقيت خبراً أزعجني وأحزنني للغاية وهو بلا شك أكثرها وقعاً، وهو نبأ الإعلان في لندن عن تشكيل جبهة معارضة مصرية في الخارج تحت مسمى "أنقذوا مصر".
من المعلوم أنه في أي نظام ديمقراطي من المفترض أن تكون المعارضة بمثابة المرآة التي يرى فيها النظام الحاكم عيوبه وأخطاؤه ودورها مكمّل ولا غنى عنه، ولكن إذا لم تتصف تلك المعارضة بالعقلانية والإتزان فسوف تنحرف إلى واحد من طريقين كلاهما مر، الأول أن يتم "ترويض" تلك المعارضة من قِبل النظام الحاكم في مقابل مكاسب ضيقة وتصبح ديكوراً لهذا النظام أو ذاك حتى تتغنى السلطة وتقول بالفم المليان إن لدينا معارضة مع إنها في الحقيقية تسير في فلك النظام وتنفذ تعليماته بحذافيرها وهذه هي أم المفاسد، والثاني هو أن تتنصل تلك المعارضة من وطنيتها ووتتجرد من مبادئها وتتحرك وفق أجندة خارجية وتستجدي التدخل الأجنبي في شؤون بلدها وذلك هو الضلال المبين،فعندما تفقد تلك المعارضة بوصلة الإنتماء والوطنية فإنها تضل الطريق وتسعى إلى تحقيق مكاسب دنيوية زائلة ومصالح شخصية ضيقة على حساب وطنها وتستخدم في سبيل تحقيق ذلك "كل" السبل المتاحة أمامها ، وهذا ماينطبق في رأيي على تلك الجبهة المزعومة.
فقد علمنا أن مؤسسي تلك الجبهة قد قرروا عقد مؤتمرهم الأول في نفس القاعة التي عقدت فيها المعارضة العراقية من قبل إجتماعها الأول!! وهي إشارة ذات مغزى ولكنها تؤكد جهلهم بالشعب المصري الذين يدّعون أنهم يتحدثون بإسمه، وقد ظهر جلياً من أحاديثهم الأولى لوسائل الإعلام ما هي قبلتهم التي ليست بالطبع الشعب المصري فهو بريء من أمثال هؤلاء ولكن القوم يولون وجوههم شطر البيت الأبيض، وقد أدركوا هم أيضاً حقيقة أن أقصر طريق إلى واشنطن يمر عبر تل أبيب فقام أحدهم بمغازلة الكيان الصهيوني ومنتقداً النظام المصري قائلاً أن الحكومة المصرية تشجع على معاداة السامية !! وذلك بعد زيارة له إلى تل أبيب وعاد بعدها يدعو إلى التعلم من الديمقراطية الإسرائيلية كما دعا ايضاً إلى تنظيم رحلات للشباب المصري لزيارة تل أبيب لكي يتعلموا من ديمقراطية الكيان الصهيوني !! (جريدة الأسبوع المصرية 11 إبريل 2005).
فإذا كان هؤلاء يتحدثون بإسم شعب ما فهو بالتأكيد ليس الشعب المصري الذي يرفض هذا الأسلوب الإنتهازي في المعارضة جملة وتفصيلاً ، فهم يتحدثون بإسم مصالحهم الشخصية فقط ، فالشرفاء من أبناء هذا الشعب مهما بلغت درجة معارضتهم لنظام الحكم فليس في حسبانهم أبداً الأجندة الخارجية ولا يراهنون على أي تدخل أجنبي في بلدهم ويبقى خيارهم في النهاية هو المعارضة السلمية للسلطة، فهناك الكثير من المناضلين في الداخل قد ضحّوا من أجل مصر بحريتهم وأحياناً بأكثر من ذلك، فمنهم من دخل السجن ومنهم من تم تجريده من ملابسه وسحله في الشوارع في ظلام الليل ومنهم من ينتظر،ولكنهم شرفاء ووطنيين بحق ولا يسعون إلى مكاسب شخصية ولم يلجأوا يوماً إلى الإستقواء بالغرب رغم ما كل يتعرضون له.
ولا ينكر أحد أن في مصر هامش لا بأس به من الحرية – مع كونه ضيقاً حرجاً – وتؤكد الشواهد أنها لم تُمنح من النظام ولكنها إنتزعت منه عنوة لأن الحرية لا تُمنح، وما المظاهرات التي تحدث في محافظات مصر رغم قانون الطواريء الجائر الذي يجرمها إلا دليلاً على ذلك، ولكن دعنا نتساءل : من الذي ناضل وكافح من أجل الوصول إلى هذا الحيز من الحرية؟؟ أليسوا هم الشرفاء من المعارضة المصرية في الداخل؟ أليس للحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية" الفضل الأكبر في كسر حاجز منع المظاهرات رغم كل ما تعرض له أعضاؤها ؟ فقد فتحت "كفاية" الطريق أمام الجميع وتبعها في هذا النهج المترددين المرتجفين الخائفين الذين لم يخرجوا إلى الشارع منذ عقود فوجدناهم قد ساروا على نفس الدرب ورأيناهم وقد تشجعوا فجأة وتظاهروا في الشارع بعدما طال بقاؤهم خلف الأبواب، إذن أين كان أعضاء تلك الجبهة المزعومة عندما ناضل معارضو الداخل وكافحوا حتى إنتزعوا حق التظاهر؟ فإذا كان هناك من ثمة إنجاز تحقق على صعيد الحرية فهو ثمرة جهد هؤلاء الشرفاء في الداخل، وهنا أتساءل في براءة لماذا لا يعود هؤلاء إلى مصر ويعيشوا بين البسطاء من أبناء الشعب المصري وينضموا إلى المعارضة في الداخل،وليس هناك خوف على الإطلاق فجميعنا يعرف أن النظام في مصر لا يقيم المشانق للمعارضين،كل ما في الأمر بعض المضايقات التي لابد أن يصبروا عليها طالما أنهم يدّعون أنهم مصريين حقاً ويعملون لصالح مصر.
الشرفاء من أبناء مصر في الداخل هم فقط الذين يشعرون بالشعب المصري وبمعاناته ويعيشون همومه وآلامه وآماله ويدركون تطلعاته وليس أولئك الذين يعيشون في رغد من العيش في أوروبا ويراهنون على واشنطن أو لندن أو باريس أو غيرها فهم حتماً سيخسرون الرهان، ثم يأتوا الآن ليتحدثوا بإسم الشعب المصري الذي لا يعرفون عنه شيئاً ولا عن ظروفه وأحواله، مصر التي لا يعرفونها "مصر الصابرة" كما سمّاها كاتبنا الكبير الأستاذ فهمي هويدي ، نقول لهؤلاء إنعموا برغد العيش في أوروبا وإتركوا مصر للمصريين وكفاية مراهنة على الخارج.

No comments:
Post a Comment