مَرَضْ شارون وأماني العاجزين
تابعت تداعيات مَرَضْ رئيس الوزراء الإسرائيلي "شارون" بطل مذبحة صبرا وشاتيلا وغيرها من المذابح الكثيرة بحق العرب والمسلمين والذي أشرف بنفسه على إغتيال الشهيد أحمد يس مؤسس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في مارس 2004 ، فقد أقام خبر مَرَضْ شارون الدنيا ولم يقعدها حتى أنه تصدّر وسائل الإعلام العربية وإستحوذ على إهتمامها وتحليلاتها رغم وفاة أكثر منن سبعين حاجاً في إنهيار فندق بمكة المكرمة ومقتل عشرات العراقيين في تفجيرات إنتحارية في مدن عراقية مختلفة في نفس اليوم الذي ورد فيه نبأ مرض شارون.
الإنفعال الوقتي نتيجة أي حدث في رأيي هو أكثر الإنفعالات الإنسانية صدقاً وهو ما يمكن أن نطلق عليه "إنفعال اللحظة" وهو يعبر عن مكنونات النفس البشرية وما تحتويه هذه النفس من مشاعر مختلفة تجاه الآخرين، وهذا ما تابعته بمجرد الإعلان يوم الخميس الماضي عن إصابة شارون بجلطة دماغية بالغة وأن حالته جدّ خطيرة وإنه إن تعافى منها فلن يعود مرة أخرى لحلبة السياسة، تلك التعليقات التي قرأتها بإهتمام من على موقع فضائية إخبارية عربية على الإنترنت كانت تعليقات على الخبر موضوع حديثنا، فقد كانت معظم هذه التعليقات تصب في إتجاه واحد فقط وهو التشفي والشماتة وتمني هلاك هذا الرجل وذهابه إلى حهنم وبئس المصير، وهذا ما أسميه أماني العاجزين، فهذه شعوب عربية لها الحق في كل هذا الكره والبغض لهذا الرجل الذي يعتبرونه –وأنا منهم – عدوهم الأول لأسباب معلومة وحقيقة ويعرفها القاصي والداني، فالرجل تاريخه ملطخ بدماء الأبرياء من العرب والمسلمين، ورغم هذا لم تجد هذه الشعوب المقهورة مسلوبة الإرادة متنفساً لتفريغ تلك الشحنات الهائلة من الكراهية تجاه هذا الرجل إلا عند مرضه، ويزيد من هذا الضغط النفسي والمعنوي على هذه الشعوب هو موقف حكوماتها من هذا "الشارون" وهو الموقف الذي يجدونه مناقضاً لما يجب أن يكون عليه، ولا يخفى على أحد أن رئيس أهم دولة عربية وصف شارون بأنه رجل سلام !
لكن الذي يتناساه الكثيرون من العرب أن شارون لم يجيء إلى الحكم في إسرائيل خلفاً لوالده أو عبر تعديل الدستور ليناسب مقاسه، ولم يصل إلى كرسي الحكم عبر إنتخابات مزوّرة، ولم يستغل وجوده في الحكم في إعداد نجله "عمري" أو "جلعاد" لكي يخلفه في الحكم عبر تأسيس كيان سياسي شيطاني خاص به، كل هذا لم يحدث فكلنا يعلم أن شارون جاء إلى الحكم عبر إنتخابات تنافسية حرة ونزيهة حصل فيها على بضع وخمسين في المائة من عدد الأصوات وليس على الأربع تسعات الشهيرة أو على النسخة المعدّلة موديل 2005 وهي بضع وثمانين في المائة، وهذا يدل على أن غالبية المجتمع الإسرائيلي يؤيد توجهات شارون الدموية، وما يزيد الطين بلة أن شارون في الفترة الأخيرة قد لاقى معارضة شديدة داخل حزبه وحكومته وداخل إسرائيل ليس لسياساته الدموية أو تطرفه تجاه الفلسطينيين ولكن لأنهم يعتبرونه متساهلاً ويفرّط في الأرض المقدسة حسب زعمهم ! وهو ما جعله يترك زعامة حزب "الليكود" ويتجه لتأسيس حزب جديد تحت إسم "كاديما" الذي يمثل تيار الوسط المعتدل!
توقفت طويلاً عند تعبير لمراسل تليفزيون "بي بي سي وورلد" في القدس والذي وصف شارون في تقرير له أنه "أهم دبلوماسي في منطقة الشرق الأوسط"، وللعلم هذه المنطقة التي يعتبرون شارون أهم سياسي فيها تضم أيضاً إلى جانب إسرائيل 22 دولة عربية تشكّل كيان بائس إسمه جامعة الدول العربية ، فما هو رأي زعماء بلاد أمجاد يا عرب أمجاد إزاء هذا الوصف وهل هو وصف دقيق فعلاً؟ ولماذا وصلت حالة الإنحدار في هذه المنطقة إلى أن أصبح زعيم يهودي هو أهم سياسي في المنطقة؟ ولماذا صار هذا "الشارون" في هذا الوضع وهذه المكانة عالمياً؟ وهل هذا هو ما يفسر لنا هذه الضجة التي أحدثها مرض شارون "رجل السلام "!
هناك نقطة أخرى ينبغي ألا تغيب على أذهاننا نحن العرب والمسلمين وهي أن إسرائيل لم تكن لتمارس كل هذه الغطرسة والإستكبار والفساد في الأرض لولا "العائل" الأساسي والراعي الرئيسي لها والدعامة التي تقوم عليها وهي الولايات المتحدة الأمريكية، دولة الإستكبار العالمي، والتي يحكمها الآن مجموعة من الغلاة المتطرفين يُعرفون بالمحافظين الجدد والذين خطفوا السياسة الأمريكية ووجهوها لخدمة إسرائيل ومصالحها ولو حتى على حساب مصالح الولايات المتحدة نفسها، لدرجة أن "الكونجرس" الأمريكي صار أكثر تشدداً تجاه قضايا العرب والمسلمين من "الكنيست" الإسرائيلي نفسه،نعني هنا أن المشكلة بالدرجة الأولى ليست في مَنْ يحكم إسرائيل ولكن تكمن المشكلة في مَنْ يدعمها ويقف وراءها ويُسخّر "الفيتو" الأمريكي لإجهاض أي قرار يقترب من رحاب إسرائيل ولو حتى بمجرد الإدانة.
على هامش جلطة شارون
- وصف موقع 'إسرائيل نيوز' 5/1/2006 - حالة شارون الصحية بأنها أشبه تماماً بنفس الحالة التي مرت بالرئيس الفلسطيني 'ياسر عرفات' قبل وفاته، حيث عانى لعدة أيام من غيبوبة تامة مع حالات إفاقة من الحين للآخر، لكن الموقع العبري أكد أن شارون لم يمر حتى هذه اللحظة بحالة إفاقة واحدة.
-"الصلاة لأجل هذه الأرض التي ربما تعرف السلام.السلام الذي لم يرغب فيه أبداً" الكاتب "برادلي بوسطن" في مقال له على موقع صحيفة هاآرتس باللغة الإنجليزية 5/1/2006 تحت عنوان "الصلاة من أجل رئيس الوزراء "
- "أطلب من السياسيين في إسرائيل الاهتمام بصحة شارون"..عباس أبو مازن نقلاً عن وكالة "رويترز" 5/1/2006
- "نأمل ان يكون مجرم صبرا وشاتيلا انضم الى اجداده، واذا اراد الله سينضم اليه الاخرون قريبا" ..الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد
بعيداً عن شارون وجلطته
أجمل الأمنيات القلبية لكم جميعاً ولجميع المسلمين والعرب بمناسبة عيد الأضحى المبارك، داعياً الله عز وجل أن تتحق أحلامكم وكل ما تتطلعون إليه.
No comments:
Post a Comment