...وهل متابعة كسوف الشمس أهم من حضور القمة العربية ؟!
"في المنعطفات الحرجة والظروف المصيرية في تاريخ الأمم يكون أي تبرير لعدم مشاركة زعيم ما في قمة تعقد عملاً غير مبرر" (افتتاحية الراية 29 مارس الماضي)، أتفق تماماً مع هذا الكلام المنطقي الذي قبل أن يتوجه إلى العقول فإنه يخاطب الضمائر والتي لم يبقى منها ما يحمل صفة الحياة إلا القليل.
من المعلوم أن حضور أو مشاركة أي زعيم اجتماعا أو قمة ما لا يكون ممثلاً لذاته وإنما تمثيلاً لشعبه، ويتجلى احترام الزعيم لشعبه في حرصه على التواجد في مثل هذه اللقاءات حتى لو كان يعلم مسبقاً أنه لن يتم فيها شيء، فإنه حينها يكون قد قام بما يتوجب عليه القيام به، خاصة أن الشعوب العربية ومنذ سنوات مضت بدأت أسقف طموحاتها في زعمائها تنهار عاماً بعد آخر حتى وصل هذا السقف إلى مجرد الحضور أو الاجتماع مرة في السنة للتباحث والتشاور في شؤون تلك الشعوب المغلوب على أمرها، ولكن عندما يتجاهل زعيم ما هذا الاجتماع السنوي متذرعاً بحجج واهية فإن ذلك يُبرز وبوضوح استخفافه بشعبه وأنه لا يقيم لهم وزناً.
ومما لا شك فيه أن عالمنا العربي يواجه مخططات طويلة الأمد تهدف إلى بقائه تِرساً يعمل ضمن ماكينة الهيمنة الغربية والأمريكية على وجه الخصوص، ونحن إزاء هذه المكائد المتتالية التي تسعى إلى تركيع وسحق كل من يحيا في هذه المنطقة تحت أقدام الهجمة الإمبريالية الشرسة نجد العجب العجاب، حقاً أقل ما يوصف به هذا الزمن أنه زمن عجيب وغريب.
الغرابة في الأمر بالطبع لا تتعلق بشعوبه الواعية الذكية والتي تستشعر كل هذه الخطى وتحسها بما لديها من ذكاء فطري ويقظة متقدة، ولكن الغرابة تكمن في زعماء هذه المنطقة والذين في مجملهم تجدهم يرفعون شعار "لا أريكم إلا ما أرى"، وكأننا قطعان من الماشية تُساق أو ممتلكات تورّث.
حتى في الأزمات التي تواجه الامة تجدهم يستغلون تلك المواقف لصالحهم، ويبدو ذلك واضحاً جلياً، عندما نفاجأ بدولة عربية لا تعرف شيئاً اسمه "تظاهر" ولا يوجد في قاموسها السياسي كلمة مظاهرات نجدها بين عشية وضحاها تُسيّر المظاهرات الغاضبة ! أليس من حقنا أن نعجب عندما نجد المظاهرات تخرج وتحرق السفارات والقنصليات ؟ أيريدون لنا أن نقتنع أن هذه هي عفوية الشعب المقهور الذي فجأة ودون مقدمات نفض عن كاهله أكوام الاضطهاد والذل والقمع والاحتقار وقرر الخروج للشارع تعبيراً عن رأيه، وكيف نفهم أن هذه التصرف طبيعياً وليس مُستنسخاً ونحن نعلم أنهم لم يتظاهروا للمطالبة بفك أسر الآلاف أو استنكار خطف صحفي وقطع أصابعه وقتله منذ شهور ؟
هذه العينة من الحكام لا يضيعون أي فرصة لتحقيق مآربهم فتجده على مدى تاريخه الطويل جداً يملأ السجون والمعتقلات بكل مخالف له في الرأي ويضطهد كل ملتزم بدينه، فهل نصدقه عندما نجده فجأة ينتفض ويقطع العلاقات ويغلق السفارات وكأنه حامي حمى الإسلام وهو الذي نعرفه ويعرفه شعبه أنه على مدى عقود يضطهد ويقمع ويذيب كل من له رأي مُخالف خاصة ذوي التوجه الإسلامي؟ أليس هذا استخفافا بعقولنا ؟
كيف لي أن أصدق أن نظاماً عربياً آخر لا يسمح بتجمهر ثلاثة أشخاص في الشارع فجأة وبلا مقدمات تخرج الجماهير المقموعة المضطهدة على مدى سنوات حكمه وعقود حكم سابقه ويحرقون السفارات والقنصليات ؟ وهو ذات النظام الملوثة يداه بدماء الآلاف وإبادة أحياء بأكملها، يقمع ويضطهد والآن يثور للإسلام ؟ يا للعجب !
إذن نحن أمام شعوب تقاوم وتمانع كل مخططات الهيمنة وفي الجانب الآخر زعماء في واد آخر وكأن الأمر لا يعنيهم، ولا يتذكرون أن لهم شعوباً إلا لاستغلالهم لتحقيق أهدافهم فقط، ولكن السؤال هو: هل تستمر صحوة هذه الشعوب وممانعتها وهي التي تقف في الساحة وحيدة بعد أن تخلى عنها حكامها، هل تستمر هذه الموجة من الممانعة واليقظة والتوحّد بين طموحات وآمال هذه الشعوب وهل يُكتب لها البقاء في ظل حكاماً يرى أحدهم أن متابعة كسوف الشمس أهم من حضور القمة العربية ؟!
No comments:
Post a Comment