تعلّموا من إيران أصلحكم الله
رغم إخفاقاتنا المتتالية -التي لا تبدو لها نهاية- ما نزال نحن العرب نغرق في الوهم الذي أغرقتنا فيه التبعية البائسة لكل ما هو غربي والكثير من المواقف والآراء تشير إلى ذلك بوضوح، فقد وجدنا مِن الحكام العرب مَنْ يحذر من مثلث شيعي، وقد صوّر لنا إيران وكأنها خطر محتمل مبدياً قلقاً بالغاً من البرنامج النووي الإيراني الوليد بينما إسرائيل التي هي على مرمى حجر منه تمتلك أكثر من مائتي قنبلة نووية، عجباً لهذا الزمن العجيب الذي صارت إسرائيل المغتصبة هي الصديق الودود بينما إيران المسلمة هي العدو اللدود!
زعيم عربي آخر ليته سكت فأراح وإستراح حتى يريحنا الله من كل هم وغم حينما يقضي الله أمراً كان مفعولاً، أقام الدنيا ولم يقعدها بتصريحات لا مبرر لها ولا يمكن تفسيرها إلا في نطاق تفسير التصريح السابق لنظيره العربي الذي حذر من مثلث شيعي، فهؤلاء كل ما يهمهم هو نيل الرضا السامي الأمريكي عبر بوابة تل أبيب وتجدهم في كل حين يعزفون ما يطرب سادة البيت الأبيض،هذا هو حال تلك العينة من الحكام وتلك هي مآربهم ومقاصدهم والتي هي معلومة للجميع فلا شيء يعنيهم سوى التشبث بذلك الكرسي اللعين وتوريثه لبنيه من بعده، لكن المؤسف حقاً أن ننخدع نحن الشعوب في تلك المناورات التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
بمجرد إعلان إيران عن نجاحها في تخصيب اليورانيوم لإستخدامه في إنتاج الوقود النووي حتى إنطلقت الحملة الإعلامية الضخمة غربياً وعربياً تحت عنوان واحد هو "التخويف من إيران والتحريض عليها" وللأسف نجد الكثيرين يرددون نفس اللحن الغربي الخبيث فصحيفة "الشرق الأوسط" في تناولها لخبر إعلان إيران نجاحها في تحصيب اليورانيوم وصفت الإعلان بأنه "خطوة تشكل تحدياً كبيراً للعالم" ولا أدري أي عالم هذا الذي ينكر على أي دولة حقها في إمتلاك التقنية النووية للأغراض السلمية وهو حق مشروع لا يتعارض مع إتفاقية منع إنتشار الأسلحة النووية التي وقعت عليها إيران وإمتنعت إسرائيل عن التوقيع عليها.
أضحكني وشر البلية ما يضحك تعليق قاريء من السعودية على خبر آخر يتناول نفس الموضوع ((موقع صحيفة الشرق الأوسط 13 أبريل الجاري) يقول " أصبح من الضروري حصول السعودية على سلاح نووي لموازنة القوى في هذه المنطقة الملتهبة من العالم" ! علامة التعجب من عندي مع إن هذا التعليق يستحق مئات علامات التعجب، فالسعودية لم تسعى للحصول على التقنية النووية عندما إمتلكتها إسرائيل ولكنها الآن يا ولداه شعرت بالخطر بعد أن إمتكلتها إيران المسلمة!!عجيب يا زمن !!
إنهالت التعليقات والتحليلات التي تسبح في نفس الإتجاه وتحت عنوان واحد كما أسلفنا وهو "التخويف من إيران والتحريض عليها" ففي حين إنطلق جنود الإعلام الغربي المواليين لإسرائيل والغرب العنصري لتخويف الغرب من خطر إيران على الغرب وإسرائيل فإن نظرائهم في الإعلام العربي بالتبعية انطلقوا لتخويف العرب وخاصة دول الخليج العربية من إيران وتصوير الأمر أنه تهديد موجه بالدرجة الأولى للدول العربية وخاصة الخليجية وسأعرض لثلاثة نماذج إطلعت عليها في يوم واحد(13 إبريل 20006) وبعد يومين فقط من إعلان إيران أنها نجحت في تخصيب اليورانيوم، وأستطيع أن أقول إن وجهات نظرهم لم تخرج عن نطاق التخويف من إيران والتحريض عليها.
في 13 ابريل الجاري نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقالاً تحت عنوان"بعد فشل الدبلوماسية" للكاتب "مارك هيلبرين" وهو روائي وصحفي خدم في سلاح الجو الإسرائيلي يقول "...مع قدرة نووية إستراتيجية متوسطة تستطيع إيران إعاقة تدخل أمريكا وهيمنتها على منطقة الخليج، وستعمل من ناحية أخرى على فصل أوروبا عن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ،وربما تقود إلى توحّد العالم الإسلامي ومن ثم خلق الفرصة لإنهاء الهيمنة الغربية على منطقة الشرق الأوسط و/أو تدمير إسرائيل بضربة واحدة،..إن إدعاء إيران أن برنامجها النووي هو للأغراض السلمية ينسجم مع عقيدة أو مذهب إسلامي يسمى "التقية" ومعناه أن الحقيقة لا ينبغي أن تصل واضحة للكفار، وهو جزء من إسراتيجية الخداع والتسوية الزائفة والتي تهدف إلى كسب الوقت،..وكأسلافه صلاح الدين ومهدي السودان وناصر؛ فإن الرئيس الإيراني ربما يكون في ذهنه التخطيط لتدمير أي هجوم أمريكي بما لديه من آلاف الصواريخ الأرض جو والمدافع المضادة للطائرات وكذلك يستطيع القيام بهجوم جوي وبحري مكثف لإغراق واحدة أو أكثر من السفن الحربية الأمريكية، وتحريض ودعم شيعة العراق للقيام بإنتفاضة شاملة بمساعدة تسلل الحرس الثوري الإيراني وهو ما سوف يهدد القوات الأمريكية في العراق ويقطع خطوط الإمداد عنها وهذا سيكون في حد ذاته نصراً لأولئك الذين يؤمنون بفكرة الشهادة ،..إن الخيار الواضح هو حملة جوية لتجريد إيران من قدراتها النووية المحتملة وتطهير الخليج من القوات البحرية الإيرانية وكذلك تمشيط الساحل وإزاحة الصوايخ المضادة للطائرات وفتح ممرات جوية آمنة إلى كل هدف،.. والولايات المتحدة بأسلحتها الجديدة على إستعداد لتنفيذ هذه المهمة"
وفي صحيفة الشرق الأوسط (13/4/2006) الشرق الأوسط(13/4/2006) كتب طارق الحميد يقول"..أم أن دول الخليج تريد أن تعزل مواقفها عن الموقف الأميركي تجاه إيران؟ وهنا يكون الخطر. والسؤال هل أميركا على حدود إيران أم حدودنا نحن؟"، ثم يقول"..مشكلة إيران أنها خطرة دون طاقة نووية! إيران أكبر من أن يتجاهلها السياسي، وأخطر من أن يركن لها مريدو الاستقرار. والمؤسف أن طهران تجيد لعبة التصعيد. وإيران دائما تلعب على خلط الأوراق. وحديثها عكس أفعاله"،..ثم لا أدري أين حُمرة الخجل عندما يكتب قائلا "طهران فتحت الأجواء للأميركيين في الحرب على افغانستان، ومارست الصمت الإيجابي في حرب العراق"ثم يقول "هذه هي إيران بكل بساطة. يضاف لها اليوم طهران النووية"
وتحت عنوان غريب مثير هو "رداً على إيران:قنبلتان سعودية ومصرية" " كتب عبد الرحمن الراشد (الشرق الأوسط 13/4/2006) يقول "بعد ان اصبح الايرانيون قاب قوسين من امتلاك سلاح ذري، لا بد ان نسأل ان كان الوقت قد حان للاعلان عن تبني توازن ردع كسياسة لدول المنطقة، أي نصب سلاح نووي آخر يواجه السلاح النووي الايراني،لكن نحن نعرف انه لا خيار للتعامل مع ايران المسلحة نوويا إلا بتوازن الرعب نفسه،..في معادلة التوازن تلك، هل لو نصبت الرياض سلاحا نوويا قبالة ايران، ممثلة عن منطقة الخليج، يكون ذلك كافيا؟ هنا مصر ايضا ستطالب بالشيء نفسه، كونها دولة مركزية اقليميا،..ورغم نفيها الجديد سنرى القنبلة الذرية الايرانية،وعندما تستخدمها ستستهدف على الارجح دول الخليج، كما جرت العادة خلال ثلاثين سنة".
إذن تلك هي عينة بسيطة تمثل الحملة الإعلامية الشرسة المنظمة ضد إيران رأينا فيها كيف تطابقت وجهة نظر كاتبين عربيين مسلمين مع وجهة نظر مجند سابق في سلاح الجو الإسرائيلي فيما يتعلق بحق دولة مسلمة في إمتلاك التقنية النووية، ولكن رغم كل تلك الحملات المنظمة فإنه ينبغي الإعتراف أن النظام الإيراني يستحق كل الاحترام والتقدير لأنه نظام يحتذى به، فهو نظام سعى ويسعى إلى استقلالية قراره وسيادته عبر امتلاك أسباب ووسائل التقدم العلمي، وهذا هو ما يزعج الغرب الذي يريدها أن تنضم لقوافل الزاحفين تحت أقدام الهيمنة الغربية البغيضة، ولكن إيران لم ترضخ للابتزاز الغربي وسارت في الطريق خطوات وقطعت شوطاً في مسيرة العلم الذي تجاهلناه نحن العرب حتى هربت العقول خارج الحدود ليستفيد منها غيرنا ويحاربنا بخلاصة أفكارهم وجهدهم وأصبحنا نردد قول الشاعر " أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس؟
لابد لنا أن نتعلم من إيران إعتمادها على النفس ورفضها التبعية له وإبحارها ضد إحتكار الغرب للتقنية الحديثة، لا أن نصير مثل الببغاوات نردد ما تقوله أمريكا أو غيرها، فإيران أعلنتها صراحة أنها تريد أن توقع إتفاقية عدم إعتداء مع دول الخليج، أي أنها تمد لنا غصن الزيتون ولا أجد أي مبرر للبعد عن إيران والخوف أو التخويف منها، فلماذا لا تسارع الدول العربية إلى توطيد علاقاتها مع إيران وتكوين جبهة موحدة ضد الطغيان الغربي الذي يدعم إسرائيل بكل الوسائل ولا يكف عن توجيه الصفعة تلو الأخرى لكل ما هو عربي وإسلامي وما تجويع الفلسطينيين ومحاصرتهم ومنع المساعدات عنهم منكم ببعيد.
No comments:
Post a Comment