Tuesday, May 02, 2006


عبقـرية الفكـرة وبراعة التنفيذ

مَنْ مِن الزعماء والمسؤولين وصانعي القرار العرب فكّر في جمع شمل العلماء العرب النابغين المغتربين للإستفادة منهم؟ مَن منهم فكر في قيمة هؤلاء ومدى إمكانية الإستفادة من خبراتهم وعلمهم في تحقيق نهضة عربية شاملة؟ مَنْ منهم أدرك أن الغرب المتغطرس والذي لا يكلّ من توجيه الصفعات لنا لا يفعل ذلك إلا أنه متفوق علينا علمياً وسبقنا بمراحل وتركنا في بحور من ظلمات الجهل والتخلف؟ ومَنْ منهم أيضاً من إنتبه أن تلك النهضة التي حققها الغرب ساهمت فيها جهود عقول عربية هجرت أوطانها أو هُجّرت منها لأسباب لا تخفى على أحد منها الظلم والإضطهاد وقلة الإمكانات وعدم تقدير العلم والعلماء في حين يتركز الاهتمام بالفن والرياضة بصورة مبالغ فيها؟ مَنْ منهم مَنْ قرأ وفكر في الدراسات التي أنجزتها الجامعة العربية ومنظمة العمل العربية واليونيسكو والتي تؤكد أن الدول العربية تساهم بثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية وأن 54 بالمائة من الطلاب العرب الذين يدرسون بالخارج لا يعودون إلى بلدانهم وأن الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة العقول في عقد السبعينيات بلغت حوالي 11 مليار دولار؟

ربما يكون هناك من فكر في كل ذلك، لكن هل دخل ذلك التفكير حيز التنفيذ؟ وهل وتجاوز حدود الكلام؟ فمن المعلوم أن الكلام "ليس عليه جمارك"،فما أسهل التصريحات البراقة التي يتشدق بها هذا الزعيم أو ذاك والتي تجدها تحتل مانشيتات الصحف السيارة في اليوم التالي لإلقاء الزعيم الملهم لخطابه المحشو بالوعود الزائفة والتصريحات التي لا طائل منها من قبيل "إستراتيجية طموحة للإهتمام بالعلم والعلماء...تهيئة البيئة المناسبة للإبداع ..تشجيع البحث العلمي على رأس أولوياتنا...إلخ.

ولكن على النقيض من ذلك وجدنا مؤخراً مَنْ سبق فعله كلامه، هنا على أرض قطر إنبثق شعاع مضيئ في زمن الهزائم والإنكسارات شعاع أمل يبعث التفاؤل في أجيال متعاقبة كبّلها وقهرها مسلسل الإحباط العربي.

تجسّد ذلك الأمل في مؤتمر عالمي شهدته العاصمة القطرية الدوحة في الفترة من 24 إلى 26 أبريل الماضي، وهو
المؤتمر التأسيسي للعلماء العرب المغتربين تحت رعاية صاحبة الفكرة سموالشيخة موزة بنت ناصر المسند الشيخة موزة بنت ناصر المسند رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع التي حرصت على أن تُنسب الانطلاقة العلمية القطرية إلى العقل العربي وعبّرت عن ثقتها في قدرة العلماء العرب على تغيير الواقع العلمي العربي.

من بديهيات مجابهة المشاكل هو الاعتراف بوجودها وعدم تبني إستراتيجية النعام ودفن الرؤوس في الرمال على أساس أن "كله تمام يا فندم" وهذا ما تحدثت عنه سمو الشيخة موزة في
كلمتها في إفتتاح المؤتمر حيث قالت "ظاهرة هجرة العقول العربية خير دليل على أننا فعلاً نعاني من أزمة حقيقة.فالمطلوب إذن ليس تشخيص ظاهرة وإنما إيجاد الحلول الواقعية لها"، ثم تضع يدها على جوهر التنمية ووقود أي نهضة حقيقية وهو الإنسان فتقول سموها "إن الإنسان هو المنتج للحضارة والتاريخ" ثم تشير إلى أن الإبداع لا يأتي إلا في بيئة مناسبة وجو من الحرية فتضيف " إن الارتقاء بالبحث العلمي وتلبية تطلعاتنا المشروعة إلى التنمية يقتضي إيجاد بيئة مناسبة تسمح بالمبادرة والنقد البناء والتفكير الحر".

عنصر آخر غاية في الأهمية وهو توفير الإمكانات وعن ذلك تقول سمو الشيخة موزة ""ثم تأتي قضية تسخير كل الإمكانات التي تتيح فرص انطلاق البحث العلمي إذ لا يمكن أن نتصور بحثاً علمياً قادراً على قيادة التنمية البشرية في غياب استثمار رشيد وغير ظرفي"، وفي نفس السياق يتحدث د.فاروق الباز العالم العربي المعروف عن وجوب "توفر الإرادة السياسية والدعم المالي والمعنوي واحترام العلم والمعرفة وهذا كله متوفر في المبادرة القطرية".

وينبغي الإشارة إلى "إن مشاريع البحث العلمي لا تحتسب بالأيام والشهور بل بالسنين والعقود، هذا ما يجمع عليه العلماء وهذا ما تؤمن به قطر"(افتتاحية الوطن القطرية 27 أبريل الماضي)، ضع إلى جانب ذلك ما بشّرنا به د.فاروق الباز "قطر ستحقق في عشر سنوات ما عجزت عن تحقيقه الدول العربية"(نادي الجسرة 25 أبريل الماضي)، وما نتج عن المؤتمر من تأسيس الشراكة بين مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع والعلماء العرب هي خطوة هامة في الاتجاه الصحيح لاستعادة التقدير للعلم والعلماء في مجتمعاتنا العربية بعد عقود من الإهمال أوصلنا إلى ما نحن فيه من جهل وتخلف.

يبقى أن نقول أن كل من يعيش في هذا البلد يرقب بعينيه ثورة عمرانية هائلة ونهضة شاملة في جميع المجالات، والآن نرى صانعي القرار في قطر يولون اهتماما عظيماً بالعلم على أساس أنه مفتاح نهضة الأمم، ويحرصون على تسخير كافة الموارد اللازمة لتحقيق نهضة علمية شاملة، وفي حديثي عن كل هذا مع صديق عربي مهموم بشؤون أمته العربية بدا مُعجباً ومقدراً لهذه المبادرة القطرية الفريدة، ثم سمعته في نهاية كلامه يتمتم قائلاً "ناس بتحب بلدها"، صدقت أيها الإنسان العربي المُحبط، حقاً إنها كلمة السر!

No comments: