Sunday, August 14, 2005

(1) المعارضة المصرية وتجميل الوجه العكر

بين الترويض الاختياري وإبرام الصفقات


مما لا شك فيه أن المأساة التي تعيشها الحياة السياسية في مصر هذه الأيام ليست وليدة اليوم أو الأمس وإنما هي نتيجة تراكمات لأوضاع سيئة دامت لسنوات طويلة بعيدة إلى أن وصلنا إلى ذلك الوضع المتردّي الذي نعيشه الآن، ويرجع ذلك لأسباب عدة يصعب الإلمام بها في مقالة أو حتى في عشر إلا أن غالبية مَنْ يتحدث عن الأسباب تجدهم يتوجهون مباشرة بأصابع الإتهام إلى النظام الذي يحكم البلاد منذ ما يقرب من ربع قرن، ويحملونه هو "فقط" كامل المسؤولية عن تردّي الأوضاع إلى هذه الدرجة من السوء، ولا أختلف معهم في أن السبب الرئيس يعود إلى أسلوب تعامل ذلك النظام مع المسائل السياسية من منطق "ما أريكم إلا ما أرى"، ولكنه على أي حال ليس السبب الوحيد في تلك المأساة لأنني في نفس الوقت أرى أن هناك لاعب أساسي لا أعفيه أبداً من مسؤولية وصول الأوضاع إلى ما هي عليه الآن، ألا وهي المعارضة المصرية.

ولعله يكون من المفيد هنا التذكير بالحقيقة العلمية التي تقول إن "التعميم من أهم أسباب الوقوع في الخطأ"، فإنني هنا ومن باب التذكير أقول إنني أتحدث عن معظم أطياف المعارضة وليس الكل لأنه بالطبع هناك أُناساً كالملائكة ترفّعوا عن مصالحهم الشخصية ونظرتهم ومصالحهم الفئوية الضيقة في سبيل رفعة الوطن الذي هو هدفهم وطموحهم وأملهم وغايتهم وهؤلاء نُكنّ لهم كل احترام وتقدير، فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن حزب العمل قد كافح بشرف من أجل القضايا الوطنية وهو ما نتج عنه تجميد الحزب ومنع جريدته "الشعب" من الصدور، وهو ما جعل الجريدة تخوض معركة قضائية شرسة حصلت فيها على أربعة عشر حكماً قضائياً للصدور ولكنها لم تنفذ، ولعل أبرز معارك جريدة الشعب وأشهرها هي قضية الفساد في وزارة الزراعية وقد تعرض مجدي أحمد حسين الأمين العام لحزب العمل للسجن في عامي 1999-2000 بسبب حملة الجريدة على د/ يوسف والى نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة بسبب السياسات الزراعية التي اتبعها وجلبت الأوبئة للشعب المصري، وأبرزها قضية المبيدات المسرطنة التي أدين فيها يوسف عبد الرحمن مستشار د/يوسف والي والذي حكم عليه بالسجن عشر سنوات وقد أوصت المحكمة في نفس القضية بالتحقيق مع د/يوسف والي ،وهو الأمر الذي يثبت لكل ذي عينين أن جريدة الشعب كانت على حق في تلك المعركة التي خاضتها بشرف ولم تبتغْ إلا رضا الله ومصلحة الوطن، ولكن من يرد الاعتبار لمن تعرض للسجن ظلماً في سبيل قضية عادلة لم يبتغْ منها كسباً ولا مغنماً ؟؟

لكن المعارضة المصرية في معظمها ساهمت بشكل أو بآخر في تجميل الوجه العكر عبر الظهور في شكل كيانات كرتونية أو "ديكور" ساهم بشكل أو بآخر في تجميل الصورة القبيحة أو العمل كـ برواز برّاق لامع يخفي وراءه حقيقة دميمة لذلك الوضع المزدري، وقد ظهر جلياً أن هذه "المعارضة" لا تمثل أدنى قيمة ولا تعدو أكثر من كونها "دمُى" في يد السلطة تحركها كيفما ووقتما تشاء، وتجدها في حقيقتها تمثل الوجه الآخر لتلك العملة الزائفة الكاسدة المعروضة والتي لم تلق رواجاً لدى الإنسان المصري البسيط بعد أن ضاق ذرعاً بالوعود الزائفة وفلسفة تزوير الواقع عبر تصريح براق زائف ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قِبله العذاب، وقد تنوعت وتعددت في ذلك أساليب المعارضة وأغراضها، فمنها من سعى إلى مصالح شخصية ضيقة ومآرب دنيوية زائلة ورضي بالحياة الدنيا على الآخرة، ومنهم من آثر بقاء "جماعته" على أي هدف آخر ولو حتى على حساب مصلحة الوطن، وتجدهم يرفعون الشعارات الحماسية التي يسوقون بها قطعان الغوغاء لكي يظهروا أنهم كُثر ولكي يقوي موقفهم وقت إبرام الصفقات مع الحكومة.

وقبل أقل من عام تقريباً كانت المعارضة المصرية وعلى مدى سنوات تنقسم إلى ثلاثة فئات أولها جماعة الإخوان المسلمين وثانيها أحزاب المعارضة الرئيسية وهي الآن (وبعد تجميد حزبي العمل والأحرار) تتألف من الوفد والناصري والتجمع وثالثها الأحزاب المجهولة التي لا يعلم بها أحداً إلا أقارب ومعارف رؤساء تلك الأحزاب وأصدقاء أبنائهم ومن باب التباهي إن والده أو والدها يمتلك حزباً بمنافعه، وسوف يتركز حديثنا هنا عن الفئتين الأولى والثانية (الإخوان – أحزاب المعارضة الرئيسية) وسنتجاهل الثالثة (الأحزاب المجهولة) لأنه قد رُفع القلم عن النائم حتى يستيقظ.

وطوال تلك السنوات تقريباً كنت تشعر وكأن هذين الصنفين من الأطياف المعارضة تعزف سيمفونية متناسقة متناغمة مع الحكومة وتعيش حالة من الوداعة والترويض الاختياري كل حسب الأسلوب الذي يناسبه في السر أو العلن، إلا أنه وإحقاقاً للحق فإن جريدة العربي الناصري لسان حال الحزب الناصري قد سبقت كل هؤلاء مبكراً إلى حد ما في رفع سقف توجيه النقد للنظام وتخطّت خطوطاً حمراء كانت في السابق تعتبر من المحرمات وكان الاقتراب منها كأنه رجز من عمل الشيطان، إلا أن معارضة السلطة في كل الأحوال لم تزد عن توجيه النقد على صفحات الجرائد ولم تحاول أي فئة ن هاتين الفئتين الخروج إلى الشارع مثلاً، ولم يحدث ذلك إلا بالاتفاق مع الحكومة وفي مكان مغلق مثل المظاهرة التي قام بها الإخوان في إستاد القاهرة بمباركة السلطة احتجاجا على الحرب على العراق.
وبمجرد ظهور حركة كفاية على الساحة السياسية بقوة منذ أقل من عام وخروجها للشارع في تحد صريح للنظام الحاكم وقانون الطواريء الذي يجرم المظاهرات حتى شعرت تلك الأطياف الثلاثة(الإخوان والأحزاب الثلاثة) بأن البساط المهترىء الذي بالكاد يقفون عليه بدأ ينسحب بقوة من تحت أقدامهم المرتعشة أو المشتاقة إلى رضا من يعارضونه "ظاهرياً" فبدأت وكأنها قد استيقظت من ثبات عميق وخرجوا يزيحون عن كاهلهم تراكمات من السلبية والدوران على مدى سنوات طويلة في فلك النظام الحاكم الذي من المفترض أنهم يعارضونه وشرعوا في رفع سقف نقدهم للنظام في محاولة منهم جميعاً الاستفادة من تلك الموجة الجارفة والأجواء الخارجية والداخلية المطالبة بالإصلاح، وما أن نجحت حركة كفاية في كسر حاجز منع المظاهرات وخرجت للتظاهر بالشارع في جرأة تحسب لها حتى سعت حركة الإخوان المسلمين - وكعادتهم دائماً في الاستفادة من جهد الآخرين - لاستغلال هذا المغنم فخرجت الجماعة إلى الشارع في مظاهرات استعراض القوة بعد طول بقاء خلف الأبواب المغلقة، فالفضل يرجع إلى الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية" في تمهيد الطريق أمام المرتعشين الخائفين المترددين المشتاقين.
وفي المرة القادمة بإذن الله تعالى نتحدث عن الدور "الكرتوني" الريادي البارز لجماعة الإخوان المسلمين في تجميل وتلميع تلك الصورة القاتمة.



No comments: