Tuesday, August 30, 2005

(2)المعارضة المصرية وتجميل الوجه العكر
الإخوان المسلمون

يقول البعض عن جماعة الإخوان المسلمين أنها كبرى جبهات المعارضة المصرية وأكبر الكتل السياسية في الشارع المصري، ولكنني أرى أن هذا الأمر يحتاج إلى توضيح وربما إلى تصحيح، حيث أجد تلك المعلومة تفتقر إلى الدقة لأن هذا الطرح يعتبر حقيقة في حالة واحدة وهي أن يكون أن كل إنسان متدين في مصر يعتبر من الإخوان كما يحاول الإخوان تصوير ذلك، فهم يفترضون أن أي إنسان متدين لابد وأن يكون من الإخوان، وهم بذلك يستغلون حقيقة أن الشعب المصري متدين بطبعه من قديم الأزل ومنذ آلاف السنين وتشهد على ذلك جدران المعابد الفرعونية التي ما تزال قائمة تروي هذه الحقيقة وتؤكدها.

وفي هذا الوسط الذي يغلب عليه التدين نجد أنه من الطبيعي جداً أنه إذا وقف أي إنسان ونادى في البرّية يا قوم: "الإسلام هو الحل" سيلتف حوله المسلمون البسطاء من أبناء مصر مباشرة دون نقاش وهذا هو سر قدرة الإخوان على الحشد الجماهيري، وقد لمست ذلك بنفسي وخاصة بين عموم الناس من البسطاء، وهو ما يجعل البعض يتوهم أن الإخوان هم أكبر الكتل السياسية شعبية في الشارع المصري، وأرى أن الحكومة هي التي جعلت من القزم عملاقاً، فالممنوع مرغوب وبمجرد أن تجد الأمن يُضيّق على أحد المرشحين من الإخوان تجده يحصد أصوات الغوغاء الذين يجذبهم ذلك الشعار البرّاق، وهذا شيء طبيعي ومتوقع من بسطاء الناس الذين يزحفون خلف من يطلق تلك الشعارات الحماسية التي تلهب مشاعرهم دون أن يناقشوا من يحمل هذا الشعار وينادي به وهل من ثمة مؤشرات على صدق نيته في تطبيق المباديء التي يحمها هذا الشعار، ولولا ذلك التضييق الأمني الساذج على مرشحي الجماعة في إنتخابات عام 2000 ما حصلوا على السبعة عشر مقعداً في مجلس الشعب (البرلمان) وقد شاهدت بنفسي كيف أن البسطاء من أبناء وطني ينساقون بشدة وراء عواطفهم التي يشكلها الدين في الغالب الأعم وذلك بطبيعتهم البسيطة النقية التي لا يشوبها خبث أو مكر وبالتالي لا يتوقعونه من أحد خاصة المرشح الذي يحمل شعار الدين ويبدو وكأنه منقذ البشرية من الضلال المبين.

وهنا أدعو حكومتنا الرشيدة إلى تجربة أسلوب آخر جديد "للفكر الجديد" في التعامل مع تلك الجماعة وأن تترك لهم الحبل على الغارب وأن تمنحهم الحرية في لقاء الجماهير لأن الناس تسمع عنهم الأساطير وهي في نفس الوقت لا تستطيع لقاء هؤلاء الأبطال "المؤمنين" الذي يريدون أن يطبقوا شرع الله وبالتالي يُصدّق الناس ما يسمعونه فقط، كما أن هناك أشكالاً أخرى من العمل الإسلامي الدعوي إذا تم السماح لهم بالعمل في مجال الدعوة بحرية فسوف يكون ذلك إيذاناً بدّق أول مسمار في نعش هذه الجماعة ونهاية تلك الأسطورة التي يروج لها البعض، وأقصد هنا تشجيع وإتاحة الفرصة للجماعات الإسلامية التي تمارس أنشطة الدعوة والتي لم تتخذ العنف أسلوباً ولم تتبناه منهجاً، لأن من يمارس العنف كوسيلة للتغيير ليس له مكاناً بيننا.

ومن المعلوم أن تلك الشعارات التي يطلقها الإخوان هي فقط لكسب أصوات البسطاء الذين تحدثت عنهم فالبراجماتية(المذهب العملي المبني على المنفعة) هي سياسة الإخوان في كل خطاهم وسعيهم الدائم لتحقيق مآربهم التي ليست إلا أهدافاً سياسية بالدرجة الأولى، فهم يستخدمون الدين كسلاح ذو حدين لترهيب المعارضين لهم وإشهاره في وجه كل منتقديهم من ناحية ومن ناحية أخرى تبرير توجهاتهم وحشد الغوغاء خلفهم، فالجماعة بالنسبة لهم فوق كل شيء وقبل كل غاية، ولن أستشهد بكلام أحد من خارج الجماعة وإنما هنا أستشهد بتصريح لأحد أهم أقطاب الجماعة وعضو مكتب الارشاد الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح التي أكد فيها أن شعار الاخوان الشهير «القرآن دستورنا» شعار عاطفي لا يعبر عن المنهج السياسي للجماعة (الشرق الأوسط 19 يوليو الماضي).

أضف إلى ذلك الانتهازية واستغلال المواقف لتحقيق مآربهم مهما كان الثمن، فهم يستفيدون من جهد الآخرين لكن لا يستفيد من جهدهم أحداً غيرهم، فقد قطفوا ثمرة كسر حاجز منع المظاهرات مستفيدين بذلك من جهد حركة "كفاية" التي نجحت في ذلك رغم حداثة عهدها، ووجدنا الإخوان يخرجون إلى الشارع "وحدهم" حتى يثبتوا للجميع أنهم "كُثر" وحتى يقوى موقفهم في "الصفقات" التي يبرمونها مع النظام الذي يهاجمونه بكرة وأصيلا !

ولعل آخر مواقفهم "الوطنية" كانت يوم الخميس 14 يوليو الماضي في مظاهرة حركة كفاية ضد البطالة أمام قصر عابدين، فقد أعلن الإخوان قبلها أنهم قد قرروا تأجيل مظاهرة كانوا قد قرروا تنظيمها - في اليوم السابق لمظاهرة كفاية - تحت لواء التحالف الوطني الذي يتزعمونه، فهم لا يعملون تحت زعامة أحد غيرهم فهم يرون أنهم وكلاء الله في الأرض وهم فقط الجديرون بالزعامة وكيف يطمع أحد في الزعامة والمُلك وهم أحق بالمُلك منه !! وقد أعلنوا أن هذا التأجيل هو للتضامن مع حركة كفاية وأعلنوا أنهم سيشاركون في هذه المظاهرة، ولكن عندما جاء يوم المظاهرة كانت مفاجأة للكثيرين – ولست منهم – وهي عدم مشاركة الإخوان فيها، فعدم مشاركتهم في مظاهرة دعت لها كفاية لم تكن مفاجأة بالنسبة لي ولكن المفاجأة كانت ستكون إذا شاركوا فيها لأنهم كما قلت يستفيدون ولا يفيدون.

ولا يبرز على السطح أمام أعين الناس تلك المواقف الماكرة من قِبل الجماعة عبر النقد الواضح في وقت أصبح فيه انتقاد الإخوان من المحرمات وتوجيه أي نقد إلى "كبيرهم" يعتبر رجس من عمل الشيطان! فنحن إذن أمام زمرة من الناس يؤثرون جماعتهم وبقائها وإستمرارها على أي مصلحة أخرى ولو كانت مصلحة الوطن الذي طالما عانى من مناوراتهم وصفقاتهم مع النظام، وهي إن تحالفت مع أحد يكون من منطق الإستفادة ممن يتحالفون معهم.

فكيف بالله عليكم نثق في أمثال هؤلاء ؟ وكيف نحسب أمثال هؤلاء على المعارضة؟ فالمعارضة الحقيقية هي تلك التي تطرح نفسها كبديل عن السلطة الحاكمة وتُسخّر كل جهدها في سبيل تحقيق ذلك وتُظهر بوضوح أمام جموع الشعب مبادئها ومواقفها دون لبس أو مواربة، وأن لا تتوانى في نقد وكشف وفضح نقاط الضعف والقصور في سياسة النظام الذي يحكم، لا أن تساهم بشكل أو بآخر في ستر تلك العيوب والعورات عبر لعب دور "كرتوني" "ديكوري" يساهم في تجميل تلك الصورة القاتمة في مقابل مكاسب دنيوية زائلة في إطار صفقات سرية أو علنية تدهس تحت أقدامها الثقيلة آمال وطموحات وتطلعات الشعوب، وهذا هو الدور الذي أجد تلك الجماعة تقوم به على أكمل وجه.

No comments: