Monday, November 28, 2005


! شباب ضائـع وآخـر جائـع

في تغطية خاصة بالتليفزيون المصري لبرنامج يقدمه رئيس قطاع الأخبار عبد اللطيف المناوي المنطلق بسرعة الصاروخ بعدما رأى أهل العقد والحل في مصر منه ما يسرهم وسمعوا منه ما يطربهم؛ تناول البرنامج موضوع الرشاوى الانتخابية وعمليات بيع وشراء الأصوات في المرحلة الأولى من انتخابات البرلمان المصري في جرأة تُحسب للتليفزيون المصري، فقد تحدث مراسل البرنامج مع شباب يعلنون صراحة أنهم يبيعون أصواتهم وقال أحدهم أمام الكاميرا إنه قد حصل على ثمن صوته أكثر من مرة، وقد عرض البرنامج أكثر من مثال بالصوت والصورة في مشاهد تمثل مأساة وصل إليها شريحة من الشباب في مصر وتسبب فيها ثنائي الجهل والفقر، فهذا الشباب بجهله لا يعي أن صوته أمانة ويحاسب عليه أمام الله وقد يتسبب هذا الصوت الذي باعه وقبض ثمنه في وصول شخص فاسد إلى كرسي بالبرلمان يستخدمه فقط لمصلحته الشخصية وليذهب حينها المواطن البسيط إلى الجحيم، كما أن هذا الشباب بجهله لا يعي أنه يتوجّب عليه التصويت لمن يراه الأصلح في رأيه لا لمن يدفع أكثر، هذا من ناحية وفي الجانب الآخر نجد عامل الفقر الذي دفع هؤلاء إلى الإقدام على هذا الفعل الشنيع، فلو كان لدى هؤلاء الشباب ما يكفيهم ما سعوا لبيع أصواتهم لمن يدفع لهم وكأنها سلعة تباع وتشترى، فالجهل في البداية ثم يأتي بعده الفقر الذي يذل أعناق الرجال، ولا أعتقد أن هؤلاء النواب الذي سعوا للوصول لكرسي البرلمان بالمال سيلقون بالاً لهذا الثنائي الخطير الذي يعاني منه شريحة كبيرة من الشباب في مصر.

وأنا أتابع تلك الصور المُخزية على شاشة التليفزيون المصري لا أدري لماذا قفزت إلى ذهني فجأة صور شبان وشابات نراهم دائماً يحجزون المقاعد الأمامية في البرامج التافهة التي تبثها الفضائيات وحفلات المطربين الراقصين والمطربات المائلات، فعندما تقع عيناك بالصدفة على صورهم في هذه البرامج وغيرها من حفلات المغنين والمغنيات أعتقد أنك تسأل نفسك مثلي: ما هذه الوجوه الغريبة؟ وأين يعيش هؤلاء الشبان والفتيات ؟ هل من المعقول أن هؤلاء مصريين يعيشون معنا في نفس البلد؟ ولماذا لا نراهم؟ فطريقة ملابسهم وأسلوب كلامهم وحتى ربما أسماءهم توحي إليك أنهم ليسوا منا ولسنا منهم، والله إنني أشعر بالحسرة عندما أسمع أو أقرأ أن فلان أو فلانة من المطربين الراقصين أو المطربات التافهات الأحياء منهم والأموات حضر له في حلفته الغائية الآلاف من هؤلاء الشباب ذوي العقول البيضاء التي لا تحوي إلا الغناء والرقص وأخبار المغنيين والمغنيات.

هذان نموذجان سلبيان من الشباب ينبغي علينا التفكير في كيفية معالجة الخلل في كلا النموذجين فالفريق الأول الذي تسبب الفقر والجهل في سعيه لأن يبيع رأيه "صوته" إذا وفرنا له قسطاً من التعليم الجيد والمعرفة والتوعية والتثقيف الديني إضافة إلى توفير حياة كريمة له ولغيره لا تُمهن فيها كرامته، لا أعتقد حينها أنه سيسعى إلى ما أقدم عليه، وهي مهمة في رأيي ليست صعبة، فقط من يريد أن يفعل وفي يده زمام الأمر سيفعل، أما الفريق الثاني فأعتقد أن المهمة ستكون أصعب لأننا أمام شباب تربي على هذا الأسلوب التافه في الحياة دون هدف يُذكر سوى ثلة من الاهتمامات السطحية التافهة في غياب ولي الأمر وانشغاله بـ "البزنس" وغيره، ولكن ليس هناك استحالة أما الرغبة والإرادة، فمع مزيد من العلم الصحيح والتثقيف الديني والتوعية بهدف الإنسان في الحياة سيتحول هؤلاء الشباب من مصفقين وراقصين في هذا البرنامج التافه أو أمام هذا المطرب الراقص إلى أفراد فاعلين في المجتمع يحملون همومه ويسعون لرفعة هذا الوطن الذي لا يستحق أبداً هذه المكانة المتدنية بين الشعوب، الغالبية العظمى من الشباب المصري على درجة عالية من الوعي والمسؤولية ونتمنى أن نتمكن من ضم هذين النموذجين السلبيين الذين تعرضنا لهما إلى الشباب المصري المجتهد الحريص على رفعة وطنه لكي نساهم معاً في إيقاظ هذا البلد من غفوته التي طالت.

Saturday, November 26, 2005


! جورج جالاوي العربي

"تخيلوا لو أن أكثر من 300 مليون عربي من المحيط إلى الخليج مع كل هذا النفط والغاز والماء ويتحدثون نفس اللغة ويدينون تقريباً نفس الدين وأقاموا وحدة عربية واحدة ماذا سيكون حالهم؟"
التساؤل السابق بكل تأكيد ليس لزعيم أو مسؤول عربي لأننا على يقين أنهم لا يتحملون ما لا طاقة لهم به فظروفهم واهتماماتهم ومصالحهم ونظرتهم وسياستهم تمنعهم من الخوض في مثل هذا الأمر لأنه سيكون إيذاناً بخروجهم من جنة الراعي الأمريكي وانضمامهم إلى المارقين الشاردين خارج السرب الأمريكي وسيعلن عليهم العم والأب والوصي "سام" حرباً شرسة على كافة الجبهات، فهم لا يرغبون في الانضمام إلى جبهة "شافيز" المتهور أو "كاسترو" المتعجرف.
عضو مجلس العموم البريطاني جورج جالاوي هو منْ طرح هذا التساؤل في محاضرة ألقاها في جامعة دمشق في الثالث عشر من الشهر الجاري، الرجل معروف بتعاطفه مع القضايا العربية لدرجة تعرضه الدائم لسهام اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وغيرها والذين حاولوا تشويه صورته أمام العالم بأن إتهموه أنه قد تلقى أموالاً من الرئيس العراقي صدام حسين فما كان منه إلا أن دافع عن نفسه بقوة وجرأة أحرجت من وجهوا له الاتهام وهو في عقر دارهم.
جورج جالاوي "الاسكتلندي" قال الكثير في محاضرته بجامعة دمشق التي نقلتها "الجزيرة مباشر" ولا أدري هل كان يحاول إيقاظنا مما نحن فيه أم أنه حاول تأنيبنا على ما لا حيلة لنا فيه، لكن ما لمسته أني وجدته يصدع بصوت المواطن العربي المقهور والمغلوب على أمره والذي ليس بإمكانه أن يغير شيئاً في حين تُحاك المؤامرات حوله في كل مكان للنيل من حريته واستقلاله وطمعاً في ثرواته ومقدراته، ولا أدري أيُعقل أن نظل هكذا مكتوفي الأيدي والألسن أمام ما يُخطط لدولة شقيقة عربية مسلمة هي سوريا التي يراد لها أن تركع كما ركع سابقيها؟ أنظل هكذا نشاهد ونتحسّر ونحن في مقاعد المتفرجين كما فعلنا وانتظرنا إلى أن ضاع العراق؟


Tuesday, November 22, 2005

سعد الغامدي وعمرو دياب

أشعر بعد الإرتياح لأني جمعت في عنواني السابق ما لا يجتمعا ولكن عذري مقصدي من هذا الجمع وهو أني أريد أن أضع بين أيديكم تجربة شخصية مع كليهما بدأت مع الثاني وإنتهت والحمد لله مع الأول، فكلاهما يشتركان في شيء ما وهي نعمة أنعم الله بها عليهما وهذا الشيء ربما يكون الوحيد الذي يجمع بينهما وهي نعمة جمال الصوت وعذوبته ولكن شتان الفرق بينهما في توظيف تلك النعمة وإستخدامها في السعي لنيل دعوات العباد ورضا رب العباد.
للأسف الشديد لا أعتقد أن هناك من بين قراء هذه السطور من لا يعرف من هو "عمرو دياب" في حين أنني يقين أن الكثيرين لا يعلمون من هو "سعد الغامدي"، ولهؤلاء أقول إنه إنسان مسلم منحه الله عذوبة الصوت وجماله فعلم كيف يؤدي شكر هذه النعمة فراح يحمد الله عليها فتوجه بذلك الصوت الملائكي إلى تلاوة كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بورع وتقوى وخشوع حتى تشعر معه أنه صوت يؤثر فيك، صوت يفتح أمامك آفاقاً روحانية لا حدود لها تقودك إلى تدبر معاني هذا القرآن العظيم.
وعندما أتحدث عن "عمرو دياب" أدرك جيداً وأجزم أنني على دراية كبيرة بإمكانات صوته، ففي الماضي عندما كنت أتخبط في الظلمات لاهثاً وراء هذا المعني أو ذاك وخاصة هذا الذي أتحدث عنه كنت مولعاً بما يردده هذا المغني الراقص لدرجة أنني كنت بمجرد سماع ثوان معدودة من مقدمة موسيقى أي أغنية له كنت أستطيع وقتها أن أقول لك إسم الأغنية وكلماتها كاملة وفي أي ألبوم جاءت، وكنت وقتها أتوهم أنني أتلذذ وأستمتع بهذا الصوت وذاك الغناء الذي يردده هذا المغني كالببغاء، إلى أن أنعم الله عليّ بإدراك حقيقة هامة وهي أن الله قد وهب لكل إنسان قلب واحد ومن المستحيل لهذا القلب أن يطرب ويستمتع بهذا الهراء الذي يطلقون عليه طرباً وفي نفس الوقت يكون في هذا القلب مكاناً لكلام الله المنزل من السماء ،وأيقنت أن من يخشع قلبه وتتأثر مشاعره من جراء الإستماع لهذا المغني أو تلك المغنية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخشع أو يرتجف أو يلين لسماع كلام الله وما نزل من الحق لأنهما لا يجتمعان في مكان واحد، فكلام الله أعلى وأسمى وأرفع وأرقى من أن تجده في قلب إنسان لاهث مردد ومتلذذ بهراء يؤديه هذا المغني أو ذاك.
ولن أدخل في جدل حول رأي ديننا الحنيف في مسألة الغناء لقناعتي أنني غير مؤهل لذلك، ولكنني أود أن أسألك ببساطة وأستحلفك بالله أن تسأل نفسك ولو للحظة واحدة :هل من الممكن أن يُحل الرحمن الذي أنزل القرآن هذا الكلام الذي يطلقون عليه غناء هذه الأيام؟ فالسواد الأعظم مما نسمعه هذه الأيام والذي يطلقون عليه طرب ينحصر في موضوع واحد متكرر : فهو يحبها ولا ينساها وقد حاول ولكنه وفشل ونظرت إليه ونظر هو إليها..إلخ ثم نجدها هي تردد نفس الكلام تقريباً إلى أخر تلك التفاهات التي أعترف أنني كنت يوماً أحد المرددين لها بحرارة .
وتكمن الخطورة في أن إنتشار تلك الأغنيات بين الشباب أنها تكرس سلوكيات وأفعال وتوجهات سلبية تجد طريقها بسرعة لكي تترسخ في شخصية الشاب أو الفتاة وتساهم بقدر أو بآخر في إثراء التفكير السلبي والسعي إلى الإرتباط اللاأخلاقي ولو حتى في خيال الشاب أو الفتاة.
لكن على الجانب الآخر المضيء بنور الله وكلامه تجد أن القرآن كله خير ورحمة وهو شفاء لما في الصدور والقلوب مما قد يعلق بها من همزات الشيطان وهوى النفس الذي أجده أخطر من الشيطان لأن الشيطان ضعيف بمجرد أن تقرأ عليه آية من كتاب الله يكفيك الله شره، ولكن النفس هي عدو داخلي وقد قيل من إتبع الهوى غوى، والإستسلام لهذا المغني أو تلك المغنية ما هو إلا إتباع لهوى النفس الذي من إتبعه ضل، فكن على يقين أن القرآن والغناء لا يجتمعان، ولكي تستمتع بكلام ربك وتشعر بحلاوته لابد أن تقلع عن الإستماع للغناء، وسوف تجد أن الله قد ملأ قلبك بنور كلامه الذي سوف تجد فيه الطمأنينة والسكينة والراحة وصفاء النفس والذهن وعندها سوف تجد نفسك تلقائياً ترفض قبول سماع ذاك المغني الراقص أو تلك المغنية المائلة المتمائلة.
أتحدث إليك من واقع تجربة شخصية دامت سنوات طويلة في ظلمات التيه والوهم وراء صوت هذا المغني الراقص أو تلك المغنية، إلى أن شاء ربي وأذاقني حلاوة الإنصات إلى كلامه المنزل من السماء بصوت العديد من شيوخنا الأجلاء وعلى رأسهم صاحب الصوت الملائكي سعد الغامدي فوجدته صوت مختلف صوت يخترق جدران قلبي المتحجر وإنتقلت بفضل الله وعونه من الهيام واللهث وراء ما يردده عمرو دياب وغيره إلى الإستمتاع بكلام ربي أسمعه بصوت عذب رقراق جزى الله صاحبه كل الخير عني وعن جميع المسلمين خير الجزاء.
وأؤكد لك أنه مهما كان تعلقك بأي مطرب فلن تكون مثلما كنت أنا في تعلقي بالكثير من المطربين الراقصين وعلى رأسهم عمرو دياب، وليس هناك في رأيي أدنى صعوبة في الأمر فقط إمتلك الإرادة والإيمان والرغبة في الرجوع إلى النبع الصافي الذي لم ولن تشوبه أي شائبة، نبع الكتاب المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإذا رأى الله منك الإصرار والعزم على تنقية قلبك من الشوائب والتفاهات لكي تهيء هذا القلب وتجهزه لساكن واحد ولا شيء غيره وهو دستورنا المنزل من السماء فسوف تجد المدد من الله لكي تستمر وتثبت على قناعتك مهما حاول معك شياطين الإنس وهوى النفس، وإبدأ من الآن وتوقف نهائياً عن الإستماع إلى ذاك الهراء وسوف تنتقل بإذن الله من حزب "عمرو دياب" وغيره من المطربين الراقصين إلى حزب الله الذين إذا قرأ القرآن يستمعون إليه ويتدبرون معانيه ويعملون به، وفي النهاية أردد معكم قول ربي عز وجل "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق" الحديد 16

Tuesday, November 15, 2005

إخفاقات ديمقراطية ونجاحات كروية


متابعة الجولة الأولى في انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) المصري أصابتني بالإحباط وخيبة الأمل، فقد كنت أعوّل كثيراً على هذه الانتخابات التي جاءت في ظروف داخلية وإقليمية ودولية مختلفة، وهو ما جعلني أتوهم أن نسائم الديمقراطية والحرية التي هبت على ربوع العالم - حتى سمعنا عن دول مثل توجو وليبيريا- قد قابت قوسين أو أدنى من أرض الكنانة وأننا قد صرنا نحن معشر المصريين أقرب إلى الديمقراطية والحرية أكثر من أي وقت مضى، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد بدأت الانتخابات وبرزت على السطح الكثير من السلبيات ولعل أهمها وأخطرها هو ما اصطلح على تسميته المال السياسي أو الرشاوى الانتخابية، فقد كان من الملاحظ في أسماء المرشحين لهذه الإنتخابات أن الكثيرين منهم من رجال الأعمال، منهم من أنعم عليه الحزب الحاكم ورشحه على قوائمه ومنهم من دخل الانتخابات بصفة مستقل ومعلوم أن هؤلاء المستقلين بمجرد نجاحهم يعلنون انضمامهم للحزب الحاكم في ردة سياسية وخيانة لإرادة الناخب الذي منحهم ثقته على أنهم مستقلين وليسوا من الحزب الحاكم، ولكن لا يخفى على أحد أن أمثال هؤلاء من رجال الأعمال لا مصلحة لهم بعيداً عن حزب السلطة.

وقد استغل الكثير من المرشحين من رجال الأعمال الظروف المعيشة للمواطن المصري الغير مكترث أصلاً بما يجري لانشغاله بهموم بأمور أخرى أهم بالنسبة له وعلى رأسها توفير لقمة العيش لمن يعولهم في ظروف اقتصادية طاحنة، فلجأ هؤلاء الأثرياء إلى مداعبة هذا البائس بورقة المال لشراء الأصوات وهم على يقين أنهم لو نجحوا فسوف يعوضون تلك الأموال التي أنفقوها أضعافاً مضاعفة، وتشير تقديرات بعض الخبراء إلى احتمال وصول ما يقارب 200 رجال الأعمال إلى البرلمان القادم وهذا في رأيي مؤشر خطير لأن نواب مجلس الشعب من المفترض أنهم يمثلون الشعب وإذا حصل رجال الأعمال على ما يقارب نصف مقاعد البرلمان المجلس فهذا يعني أن نصف سكان مصر من رجال الأعمال وهذا غير صحيح بالمرة، ومن المعلوم أن هؤلاء في الغالب الأعم لا يمثلون إلا أنفسهم ومصالحهم فقط وإلا ما أضاعوا أوقاتهم الثمينة وأموالهم الكثيرة في محاولة الوصول لهذا الكرسي فهم يتعاملون مع كل شيء بمنطق البيع والشراء وهو الأسلوب الذي إتبعوه في التعامل مع أصوات الناخبين كأنها سلعة تباع وتشترى ولن يغيروا هذا المنطق عندما يحجزون مقاعدهم تحت قبة البرلمان وويل للبسطاء فالأغنياء قادمون.

وفي ظل هذا الإخفاق في المسار الديمقراطي الذي لم يبدأ بعد، وما صاحبه من شعور بالإحباط وخيبة الأمل ويأس من إمكانية تغير ذلك الواقع المظلم، أسعدنا فريق الأهلي المصري بفوزه كأس بطولة الأندية الإفريقية إثر تغلبه باقتدار في مباراة الإياب على فريق النجم الساحلي التونسي الشقيق بثلاثة أهداف دون مقابل، فقد رسم الأهلي الفرحة على وجوهنا بعد أن كساها الحزن على أحوالنا التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

قوة وتماسك وتناغم وبراعة لاعبي فريق الأهلي جعلت المدير الفني للنجم الساحلي التونسي يلعب بمبدأ "رحم الله إمرىء عرف قدر نفسه " حتى وهو يلعب على أرضه وبين أكثر من خمسة وعشرين ألف متفرج في مدينة سوسة التونسية في مباراة الذهاب التي تعادل فيها سلبياً مع الأهلي، ثم جاء إلى القاهرة ولم يغير قناعته وتمسك أكثر بهذا الشعار، فهو يعلم أنه لو حاول مجاراة "الأهلي" وفتح خطوطه ولعِب مباراة هجومية مفتوحة فسيكون ذلك إيذاناً بإنضامه إلى "نادي الستة" وهو لمن لا يعلم نادي يتشرف بالانضمام إليه كل فريق يُهزم من "الأهلي" بستة أهداف ومن بين أبرز أعضاء هذا النادي فريقا الزمالك الإسماعيلي المصريين، وكلاهما يتنافسان في كل عام على بطاقة المركز الثاني في الدوري المصري بعد أن قرر "الأهلي" الإنفراد بالمركز الأول إلى أجل غير مسمى وإلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً.

يبقى أن أقول أن النادي الأهلي المصري ليس لاعبين فقط وإنما هم لبنة في بناء متكامل ومتناغم ويكمّل بعضه بعضاً، حيث يجمع الحب والتفاهم كل من ينتمي إلى هذا النادي العريق الذي حصل على لقب نادي القرن في أفريقيا بجدارة، الأهلي هو صرح للمباديء والقيم التي أرساها الراحل صالح سليم ويدير النادي اليوم أحد تلامذته وهو الأستاذ حسن حمدي رئيس نادي الأهلي وهو شخص لا يعرف الصراخ والصياح والوعيد ولا تستهويه كاميرات الفضائيات ولا أعمال البلطجة مثل الكثيرين لأنه يسعى فقط إلى تحقيق المجد لناديه عن طريق إحراز المزيد من البطولات مترسماً خطى سلفه المايسترو صالح سليم.

وأعتقد أن هذا الفوز الغالي وهذا النصر الثمين قد أسعد كل المصريين بما فيهم مشجعي نادي الزمالك وعلى رأسهم أخي الأستاذ سالم المراغي الذي إلى الآن لم يرسل لي بطاقة تهنئة بمناسبة فوز الأهلي بهذه البطولة الغالية التي فتحت الطريق لهذا الفريق العريق لتمثيل مصر والكرة الإفريقية في بطولة العالم للأندية التي ستقام باليابان الشهر القادم، مع تمنياتي بكل التوفيق لبطل القرن في أفريقيا وقلعة البطولات النادي الأهلي المصري.


Wednesday, November 09, 2005

سلطان الذكرى مجدداً

كم هو غريب أمر هذا الإنسان ! أجده ينتقل من الشيء إلى نقيضه، فقد رأيته في الماضي كيف تردد وفكر وخاف إلى أن أقدم على ما فكر فيه وناله ما ناله وقتها، وفي خضم ذاك التأثير الموجع وجدته وقد قطع عهداً على نفسه ألا يقترب من ذاك الحمى مرة أخرى أو قل مرة ثانية، وقد نجح في ذلك بعض الوقت وإعتقد وقتها أنه قد حِيز له ما كان يحلم به، ولكنني تابعته بإستغراب وهو يتفنن في تذكير نفسه بما لا يود أن يتذكره ويسلّم ناصيته لشراع الذكرى ليبحر به في خضم أمواجها العاتية، ثم يأتي بعد ذلك ويشكو من مرارة الذكرى وقسوتها وعدم رغبته في تذكّر تلك المواقف والأحداث لأن إسترجاعها يأتي محملاً بصنوف من المرارة والحزن واللوعة على ما قد كان، وقد سجّل من قبل تجربته تلك في هذا المكان وسمّاها "سلطان الذكرى" مع إنه يعلم جيداً كما أقول له دائماً إنه هو نفسه من قام بتنصيب ذلك السلطان الجائر على فكره وعقله وهو الذي جعلها تسيطر عليه فلا يمر يوم إلا ووجدته ينسج خيطاً دقيقاً يعيده إلى تذكر حدث أو موقف أو لقاء أو علامة فارقة في ذلك الطريق الذي كان يأمل أن يصل به إلى بلوغ هدفه ومراده ولكنه في النهاية وجده سراباً بقيعة.

وأنا على يقين وكذلك هو أنه عندما أقدم على تسليم نفسه لذلك السلطان الجائر كان مثل الذي أخرج المارد من قمقمه ولم يستطع التحكم فيه أو السيطرة عليه، فقد وجدناه كيف صوّر لنا شهر "آب" وكأنه مأساته الوحيدة وما أن يمر هذا الشهر حتى تمر ذكراه التي لم يكن يود أن يتذكرها ولكن ما أن أفاق من صدمة ذكرى "آب" حتى داهمته ذكرى أخرى محفورة هي أيضاً في جدران ذلك القلب الذي صبر وندم، وليته يدرك ويعي أن تلك السلسلة الطويلة من الذكريات لا تنتهي.

لكن الغريب في الأمر والذي لا أتفق معه فيه هو أنه تحت ذاك التأثير المحزن لتواتر تلك الذكريات أجده يقدم على تصرفات يغلب عليها الإنفعال فبمجرد أن تلوح أمامه في الأفق إشارات ربما تؤدي به إلى السير في نفس الطريق الذي لم تندمل جراحه إلى اليوم، أجده يتصرف بإندفاع وإنفعال وخوف من تكرار ما حدث، وفي الغالب يكون ذلك التصرف على حساب أناس آخرين جديدين لا ذنب لهم فيما حدث له وكل ما فعلوه هو محاولة الإقتراب من عالمه الغامض وربما المتناقض، ولكنني عرفت لماذا يفعل ذلك وقد صارحته بحقيقة الأمر وهو أنه يتصرف بهذه الطريقة التي يراها نقطة دفاع متقدم حتى يجنّب نفسه ما قد يواجهه إذا هو سلك نفس الطريق الذي ذاق فيه ما ذاق.

وكثيراً ما نصحته أن يتحرر من ذلك الوهم الذي يصوره لنفسه بأنه غير قادر على طرح تلك الذكريات جانباً، فأنا على يقين بأنه يقدر على ذلك، ولابد أن يعلم جيداً أن الأهم في الأمر ألا يؤثر ذلك بأي حال من الأحوال على من حوله خاصة من هم حديثي المعرفة به حتى لا يخسر هؤلاء أيضاً كما تعوّد أن يخسر، وقد وجدته دائماً يتهرب من سؤال طالما طرحته عليه وهو: لماذا يا عزيزي تتسبب بيديك النظيفتين في شقائك؟ لماذا تتفنن في تذكير نفسك بما لا تحب أن تتذكره ؟ فأنت تعلم مثلي أنه قد ولّى زمن الممكن فقد قُضي الأمر وأُسدل الستار وربما لا يستحق هذا الذي عانيت من أجله ولم تجده عوناً وسنداً لك في سبيل تحقيق ما حلمتما به معاً، فهو في رأيي لا يستحق كل هذه المعاناة التي تستسلم لها بإرادتك، فجأة وجدته قد قطع صمته الطويل وقاطعني بشدة مُلقياً في وجهي بحقائق علمها وتأكد من صدقيتها، حقائق وتفسيرات تبرىء ساحة صاحبه، ثم أخذ يردد قول الشاعر:

أساحرتي ظلمتك في تصاويري وتدويني
وخُنتك في خيالاتي وأنك لم تخونيني

وصفتك بالذي أكره وعشت لمن يوسوس لي
فإن جادت لك الأيام عن ثمني فبيعيني

وصفتك ما تلا قلبي على كبدي توسله
فصرت النهب للأحزان تأسرني وتسبيني

أعز الناس، أغلى الناس، أرحم منْ رأت عيني
ملاك مِتُّ أعشقه وصمت الموت يحييني

فقد ألقك في سِنتي وقد ألقاك في الدنيا
وقد ألقاك في الجنة وهذا العز يكفيني