! شباب ضائـع وآخـر جائـع
في تغطية خاصة بالتليفزيون المصري لبرنامج يقدمه رئيس قطاع الأخبار عبد اللطيف المناوي المنطلق بسرعة الصاروخ بعدما رأى أهل العقد والحل في مصر منه ما يسرهم وسمعوا منه ما يطربهم؛ تناول البرنامج موضوع الرشاوى الانتخابية وعمليات بيع وشراء الأصوات في المرحلة الأولى من انتخابات البرلمان المصري في جرأة تُحسب للتليفزيون المصري، فقد تحدث مراسل البرنامج مع شباب يعلنون صراحة أنهم يبيعون أصواتهم وقال أحدهم أمام الكاميرا إنه قد حصل على ثمن صوته أكثر من مرة، وقد عرض البرنامج أكثر من مثال بالصوت والصورة في مشاهد تمثل مأساة وصل إليها شريحة من الشباب في مصر وتسبب فيها ثنائي الجهل والفقر، فهذا الشباب بجهله لا يعي أن صوته أمانة ويحاسب عليه أمام الله وقد يتسبب هذا الصوت الذي باعه وقبض ثمنه في وصول شخص فاسد إلى كرسي بالبرلمان يستخدمه فقط لمصلحته الشخصية وليذهب حينها المواطن البسيط إلى الجحيم، كما أن هذا الشباب بجهله لا يعي أنه يتوجّب عليه التصويت لمن يراه الأصلح في رأيه لا لمن يدفع أكثر، هذا من ناحية وفي الجانب الآخر نجد عامل الفقر الذي دفع هؤلاء إلى الإقدام على هذا الفعل الشنيع، فلو كان لدى هؤلاء الشباب ما يكفيهم ما سعوا لبيع أصواتهم لمن يدفع لهم وكأنها سلعة تباع وتشترى، فالجهل في البداية ثم يأتي بعده الفقر الذي يذل أعناق الرجال، ولا أعتقد أن هؤلاء النواب الذي سعوا للوصول لكرسي البرلمان بالمال سيلقون بالاً لهذا الثنائي الخطير الذي يعاني منه شريحة كبيرة من الشباب في مصر.
وأنا أتابع تلك الصور المُخزية على شاشة التليفزيون المصري لا أدري لماذا قفزت إلى ذهني فجأة صور شبان وشابات نراهم دائماً يحجزون المقاعد الأمامية في البرامج التافهة التي تبثها الفضائيات وحفلات المطربين الراقصين والمطربات المائلات، فعندما تقع عيناك بالصدفة على صورهم في هذه البرامج وغيرها من حفلات المغنين والمغنيات أعتقد أنك تسأل نفسك مثلي: ما هذه الوجوه الغريبة؟ وأين يعيش هؤلاء الشبان والفتيات ؟ هل من المعقول أن هؤلاء مصريين يعيشون معنا في نفس البلد؟ ولماذا لا نراهم؟ فطريقة ملابسهم وأسلوب كلامهم وحتى ربما أسماءهم توحي إليك أنهم ليسوا منا ولسنا منهم، والله إنني أشعر بالحسرة عندما أسمع أو أقرأ أن فلان أو فلانة من المطربين الراقصين أو المطربات التافهات الأحياء منهم والأموات حضر له في حلفته الغائية الآلاف من هؤلاء الشباب ذوي العقول البيضاء التي لا تحوي إلا الغناء والرقص وأخبار المغنيين والمغنيات.
هذان نموذجان سلبيان من الشباب ينبغي علينا التفكير في كيفية معالجة الخلل في كلا النموذجين فالفريق الأول الذي تسبب الفقر والجهل في سعيه لأن يبيع رأيه "صوته" إذا وفرنا له قسطاً من التعليم الجيد والمعرفة والتوعية والتثقيف الديني إضافة إلى توفير حياة كريمة له ولغيره لا تُمهن فيها كرامته، لا أعتقد حينها أنه سيسعى إلى ما أقدم عليه، وهي مهمة في رأيي ليست صعبة، فقط من يريد أن يفعل وفي يده زمام الأمر سيفعل، أما الفريق الثاني فأعتقد أن المهمة ستكون أصعب لأننا أمام شباب تربي على هذا الأسلوب التافه في الحياة دون هدف يُذكر سوى ثلة من الاهتمامات السطحية التافهة في غياب ولي الأمر وانشغاله بـ "البزنس" وغيره، ولكن ليس هناك استحالة أما الرغبة والإرادة، فمع مزيد من العلم الصحيح والتثقيف الديني والتوعية بهدف الإنسان في الحياة سيتحول هؤلاء الشباب من مصفقين وراقصين في هذا البرنامج التافه أو أمام هذا المطرب الراقص إلى أفراد فاعلين في المجتمع يحملون همومه ويسعون لرفعة هذا الوطن الذي لا يستحق أبداً هذه المكانة المتدنية بين الشعوب، الغالبية العظمى من الشباب المصري على درجة عالية من الوعي والمسؤولية ونتمنى أن نتمكن من ضم هذين النموذجين السلبيين الذين تعرضنا لهما إلى الشباب المصري المجتهد الحريص على رفعة وطنه لكي نساهم معاً في إيقاظ هذا البلد من غفوته التي طالت.
No comments:
Post a Comment