إخفاقات ديمقراطية ونجاحات كروية
متابعة الجولة الأولى في انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) المصري أصابتني بالإحباط وخيبة الأمل، فقد كنت أعوّل كثيراً على هذه الانتخابات التي جاءت في ظروف داخلية وإقليمية ودولية مختلفة، وهو ما جعلني أتوهم أن نسائم الديمقراطية والحرية التي هبت على ربوع العالم - حتى سمعنا عن دول مثل توجو وليبيريا- قد قابت قوسين أو أدنى من أرض الكنانة وأننا قد صرنا نحن معشر المصريين أقرب إلى الديمقراطية والحرية أكثر من أي وقت مضى، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد بدأت الانتخابات وبرزت على السطح الكثير من السلبيات ولعل أهمها وأخطرها هو ما اصطلح على تسميته المال السياسي أو الرشاوى الانتخابية، فقد كان من الملاحظ في أسماء المرشحين لهذه الإنتخابات أن الكثيرين منهم من رجال الأعمال، منهم من أنعم عليه الحزب الحاكم ورشحه على قوائمه ومنهم من دخل الانتخابات بصفة مستقل ومعلوم أن هؤلاء المستقلين بمجرد نجاحهم يعلنون انضمامهم للحزب الحاكم في ردة سياسية وخيانة لإرادة الناخب الذي منحهم ثقته على أنهم مستقلين وليسوا من الحزب الحاكم، ولكن لا يخفى على أحد أن أمثال هؤلاء من رجال الأعمال لا مصلحة لهم بعيداً عن حزب السلطة.
وقد استغل الكثير من المرشحين من رجال الأعمال الظروف المعيشة للمواطن المصري الغير مكترث أصلاً بما يجري لانشغاله بهموم بأمور أخرى أهم بالنسبة له وعلى رأسها توفير لقمة العيش لمن يعولهم في ظروف اقتصادية طاحنة، فلجأ هؤلاء الأثرياء إلى مداعبة هذا البائس بورقة المال لشراء الأصوات وهم على يقين أنهم لو نجحوا فسوف يعوضون تلك الأموال التي أنفقوها أضعافاً مضاعفة، وتشير تقديرات بعض الخبراء إلى احتمال وصول ما يقارب 200 رجال الأعمال إلى البرلمان القادم وهذا في رأيي مؤشر خطير لأن نواب مجلس الشعب من المفترض أنهم يمثلون الشعب وإذا حصل رجال الأعمال على ما يقارب نصف مقاعد البرلمان المجلس فهذا يعني أن نصف سكان مصر من رجال الأعمال وهذا غير صحيح بالمرة، ومن المعلوم أن هؤلاء في الغالب الأعم لا يمثلون إلا أنفسهم ومصالحهم فقط وإلا ما أضاعوا أوقاتهم الثمينة وأموالهم الكثيرة في محاولة الوصول لهذا الكرسي فهم يتعاملون مع كل شيء بمنطق البيع والشراء وهو الأسلوب الذي إتبعوه في التعامل مع أصوات الناخبين كأنها سلعة تباع وتشترى ولن يغيروا هذا المنطق عندما يحجزون مقاعدهم تحت قبة البرلمان وويل للبسطاء فالأغنياء قادمون.
وفي ظل هذا الإخفاق في المسار الديمقراطي الذي لم يبدأ بعد، وما صاحبه من شعور بالإحباط وخيبة الأمل ويأس من إمكانية تغير ذلك الواقع المظلم، أسعدنا فريق الأهلي المصري بفوزه كأس بطولة الأندية الإفريقية إثر تغلبه باقتدار في مباراة الإياب على فريق النجم الساحلي التونسي الشقيق بثلاثة أهداف دون مقابل، فقد رسم الأهلي الفرحة على وجوهنا بعد أن كساها الحزن على أحوالنا التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
قوة وتماسك وتناغم وبراعة لاعبي فريق الأهلي جعلت المدير الفني للنجم الساحلي التونسي يلعب بمبدأ "رحم الله إمرىء عرف قدر نفسه " حتى وهو يلعب على أرضه وبين أكثر من خمسة وعشرين ألف متفرج في مدينة سوسة التونسية في مباراة الذهاب التي تعادل فيها سلبياً مع الأهلي، ثم جاء إلى القاهرة ولم يغير قناعته وتمسك أكثر بهذا الشعار، فهو يعلم أنه لو حاول مجاراة "الأهلي" وفتح خطوطه ولعِب مباراة هجومية مفتوحة فسيكون ذلك إيذاناً بإنضامه إلى "نادي الستة" وهو لمن لا يعلم نادي يتشرف بالانضمام إليه كل فريق يُهزم من "الأهلي" بستة أهداف ومن بين أبرز أعضاء هذا النادي فريقا الزمالك الإسماعيلي المصريين، وكلاهما يتنافسان في كل عام على بطاقة المركز الثاني في الدوري المصري بعد أن قرر "الأهلي" الإنفراد بالمركز الأول إلى أجل غير مسمى وإلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً.
يبقى أن أقول أن النادي الأهلي المصري ليس لاعبين فقط وإنما هم لبنة في بناء متكامل ومتناغم ويكمّل بعضه بعضاً، حيث يجمع الحب والتفاهم كل من ينتمي إلى هذا النادي العريق الذي حصل على لقب نادي القرن في أفريقيا بجدارة، الأهلي هو صرح للمباديء والقيم التي أرساها الراحل صالح سليم ويدير النادي اليوم أحد تلامذته وهو الأستاذ حسن حمدي رئيس نادي الأهلي وهو شخص لا يعرف الصراخ والصياح والوعيد ولا تستهويه كاميرات الفضائيات ولا أعمال البلطجة مثل الكثيرين لأنه يسعى فقط إلى تحقيق المجد لناديه عن طريق إحراز المزيد من البطولات مترسماً خطى سلفه المايسترو صالح سليم.
وأعتقد أن هذا الفوز الغالي وهذا النصر الثمين قد أسعد كل المصريين بما فيهم مشجعي نادي الزمالك وعلى رأسهم أخي الأستاذ سالم المراغي الذي إلى الآن لم يرسل لي بطاقة تهنئة بمناسبة فوز الأهلي بهذه البطولة الغالية التي فتحت الطريق لهذا الفريق العريق لتمثيل مصر والكرة الإفريقية في بطولة العالم للأندية التي ستقام باليابان الشهر القادم، مع تمنياتي بكل التوفيق لبطل القرن في أفريقيا وقلعة البطولات النادي الأهلي المصري.
No comments:
Post a Comment