إنتخابات فلسطين صفعة للنفاق الغربي
وللديمقراطيات العربية المزيفة
وللديمقراطيات العربية المزيفة
قفزت من مكاني فرحاً عندما تم الإعلان في مساء الأربعاء(25 يناير الماضي) عن إغلاق صناديق الإقتراع في الانتخابات التشريعية الفلسطينية دون حدوث أية تجاوزات وفي جو من الهدوء والنظام والنزاهة وتحت رقابة محلية ودولية, وبدون تزوير أو بلطجة أو تدخل أمني،وقد أعتبر هذا الانضباط أهم ما ميّز العملية الإنتخابية في إنجاز غير مسبوق في بلاد العرب وهو الأمر الذي عبر عنه نائب مدير المخابرات الفلسطينية بالضفة الغربية على شاشة "الجزيرة" أن يوم الانتخاب قد مرّ دون أن "يُضرب كفّ واحد" في إشارة إلى خلو العملية الانتخابية من أية شوائب أو أحداث عنف قد تعكر صفو عملية الانتخاب، فقد أثبت الشعب الفلسطيني "المحتل" أنه جدير بإحترام العالم أجمع على إنضباطه وتحمله مسؤولية الخروج بهذه العملية الديمقراطية إلى بر الأمان دون أية أحداث قد يستغلها أعداءهم وأعداؤنا في التشهير بأننا العرب لا نستحق ولا ندرك معنى ومغزي الديمقراطية.
أثبت محمود عباس "أبو مازن" أنه بالفعل رئيساً لكل الفلسطينيين وهو جدير بذلك فلم يحاول أبداً إقصاء المنافسين له مثلما يفعل الكثير من الرؤساء والزعماء العرب بل على العكس فقد حاول بشتى الطرق إقناع حماس وإحتوائها وتشجيعها على المشاركة في العملية السياسية رغم علمه أنها ستكون منافساً قوياً لحركة فتح التي ينتمي إليها، عباس يفعل ذلك لأنه رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية وربما يكون الوحيد بين الزعماء العرب الذي يحظى بهذه الميزة لذلك فهو يحترم إرادة هذا الشعب الذي إختاره وولاه هذه المسؤولية، وبما أن هذا الشعب يرفض إقصاء حماس عن الساحة فقد سعى الرئيس الديمقراطي إلى تشجيع حماس وغيرها على المشاركة السياسية ووفر كل الدعم لنجاح هذه المسيرة الديمقراطية المشرفة فهو بالفعل "عرس ديمقراطي بإمتياز" كما أطلقت عليه جريدة الراية في تغطيتها للإنتخابات، فكل الشكر لهذا الرئيس الديمقراطي الذي يستحق منا كل التقدير والاحترام لكونه اللاعب الأول وراء هذا النجاح المبهر.
جاء فوز حماس بمثابة صفعة قوية للغرب الذي يكيل بخمسمائة مكيال تجاه قضايانا العربية وينحاز دائماً إلى جانب إسرائيل وهو الآن في ورطة حقيقة، فالولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي يعتبران حماس منظمة إرهابية والشعب الفلسطيني إختار حماس وعليهم أن يضموا الآن الشعب الفلسطيني الذي إختار حماس إلى القائمة أيضاً، هذا الغرب النفعي لا يسعى إلا وراء مصالحه وهذه المصالح تتطلب التحالف مع الشيطان إسرائيل ومن هنا يجب علينا إدراك ذلك جيداً ، فهذا الغرب المتحضر الذي صدّع رؤسنا بضرورة دعم الديمقراطية في العالم العربي هو الآن يناقض نفسه وهو أمام الفوز الكاسح لحماس فبدلاً من إحترام إرادة الشعب الذي إختار تجدهم يهددون بقطع المعونات عن السلطة الفلسطينية، فلابد أن نكون حاسمين إزاء هذا التهديد وليذهبوا إلى الجحيم بمعوناتهم فهذه هي البداية لإستقلال القرار ولكن الغرب يتخبط كما أن هذه المساعدات هي حق للشعب الفلسطيني على الغرب الذي تسبب في وجود هذا النبت الشيطاني المسمى "إسرائيل" على حساب الشعب الفلسطيني.
في متابعتي لتغطية بعض وكالات الأنباء الغربية لنبأ فوز حماس استفزني ذلك الخوف غير المبرر من فوز حماس وهذا الخوف عبرت عنه عناوين عدة أحدها لوكالة رويترز للأنباء (الخميس 26 يناير الماضي) Hamas wins upset victory " حماس تحرز فوزاً مقلقاً"، إضافة إلى كثرة العزف على نغمة "عملية السلام" ومشاعر "عملية السلام" والعواطف الجيّاشة لعملية السلام، لدرجة أنني شعرت بالملل من قراءة وسماع هذه الكلمة "Peace Process "عملية السلام" والتي هي غير موجودة أصلاً على أرض الواقع منذ سنوات ،وبينما كنت أتأهب للرد على هذا التزييف والخداع المنظم تطوّع "توني كارون" الكاتب بمجلة "تايم" البريطانية (الجمعة 27 يناير الماضي) للرد نيابة عني وعن كل إنسان ارتفع ضغطه من هذا "الإستغباء" المتعمد من تلك الوكالات الموجهة فيقول الكاتب في مقاله " هؤلاء الذين يتخوفون من الفوز الساحق الذي حققته حماس وتأثيره المباشر على "عملية السلام" يغيب عنهم أنه لا توجد حالياً عملية سلام بين إسرائيل والفلسطينيين كما أنها لم تكن كذلك موجودة طوال الخمس سنوات الماضية، فإسرائيل تقول إنها لن تتفاوض مع "منظمة إرهابية مسلحة" تدعو إلى تدمير إسرائيل لكنها في الحقيقة لم تتفاوض أيضاً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل انتخابات الأربعاء الماضي، فلم تُعقد أية مفاوضات سياسية حقيقة بين الجانبين منذ يناير 2001 قبل وقت قليل من انتخاب شارون رئيساً للوزراء والذي وعد بالقضاء على اتفاقية أوسلو للسلام.. إن فوز حماس ما هو إلا أحد مؤشرات فشل عملية السلام.."
إكتمال العرس الديمقراطي الفلسطيني بنجاح مبهر ودون أي خروقات جعلني أشعر بالإعجاب أمام هذا الإنجاز الذي حققه الفلسطينيون الذين أثبتوا أنهم شعب متحضر حقاً، فقد تابعنا مناظرات قبل الإنتخابات ثم عملية إنتخابية نزيهة وشاهدنا فرز الأصوات على الهواء مباشرة وفي نفس الوقت لم تكن هناك أية شكوى بخصوص نزاهة العملية الانتخابية، يحدث كل هذا في بلد ما يزال تحت الاحتلال بينما في بلدان عربية أخرى تنادي ليل نهار بالديمقراطية وتدعي أنها تتبنى "فكر جديد" نشاهد الغزوات الإنتخابية بالأسلحة البيضاء وغيرها وتزوير فاضح ومئات الطعون في النتائج، وهذا هو الفرق بين الكلام والفعل فالكلام ليس عليه ضرائب فقد تجد من يُدمن الدندنة بكلمات من عينة "نزيهة" وأختها "شفافية" لكن الواقع على الأرض يُكذّب ذلك التزييف الفاضح للأمور عبر تعبير براق ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، وأتفق مع الكاتب المصري سلامة أحمد سلامة في قوله " "وحق للفلسطينيين أن يضربوا بذلك المثل لشعوب عربية ــ مثلنا ــ عجزت عن ممارسة حقها في انتخابات نزيهة." (الأهرام 29 يناير الماضي)،ونتساءل:هل رأى القوم وتابعوا ذلك النموذج الفلسطيني الرائع أم ينطبق عليهم قول ربنا"... لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ" الأعراف 179
No comments:
Post a Comment