بين مطرقة الوطني وسندان الإخـوان
أبْلَغ ما سمعت عن نتيجة المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات التشريعية المصرية هو ما قاله الدكتور عبد الحليم قنديل رئيس التحرير التنفيذي لجريدة العربي الناصرية في تعليقه على تلك النتيجة التي أوصلت الإخوان لذلك العدد غير المتوقع من المقاعد التي حققوها فوصف التصويت في الانتخابات بأنه تصويت "احتجاجي" بمعنى أن غالبية الناخبين حرص على أن يصوت لأي مرشح غير مرشح الحزب الوطني الحاكم ليس حباً في سواد عيون الإخوان أو غيرهم وإنما نكاية وإنتقاماً من ذاك الحزب الذي جثم على صدور الناس وسامهم سوء العذاب لما يقرب من ربع قرن، وأكبر دليل على ذلك هو ما حدث في أحد دوائر وسط القاهرة عندما صوّت الناخبون لمرشح مستقل فحصل على أعلى الأصوات مكنته من دخول الإعادة أمام مرشح مستقل آخر ولكنه أعلن انضمامه للحزب الوطني قبل جولة الإعادة فما كان من الناخبين إلا أن أسقطوه في جولة الإعادة عندما صوتوا للمرشح المستقل المنافس له.
الحزب الوطني الحاكم في أضعف حالاته، وقد رأينا كيف تساقط مرشحوه أمام مرشحي الإخوان والمستقلين مثل أوراق الشجر في الخريف، فليس لدى الحزب ما يقدمه للناس فقد كانت بضاعة التصريحات الزائفة وخداع الناس عبر تعبير براق زائف ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب كانت في الماضي ولسنوات عديدة تنطلي على الناس في ذلك الزمان الذي صُكّت فيه تعبيرات برّاقة ظلت تخدع الناس وتوهمهم بأن من تسببوا في تعاستهم قد يغيروا مسارهم ويعودوا عن فسقهم وفسادهم بين عشية وضحاها، وأتفق تماماً مع ما قاله الأستاذ طه خليفة في الراية الأحد الماضي، فقد كتب متحدثاً عن الحزب الوطني قائلاً: ".. وقد بات مؤكداً أنه سبب نكبات مصر، وطالما هو موجود في الحكم بأي ثمن فإن النكبات ستزداد وتتفاقم إلى نهاية لا يعلمها إلا الله وحده".
في الماضي قد كنت أشعر بالغيظ وارتفاع في ضغط الدم عندما كنت أجد مسؤولاً في ذاك الحزب يحاول بكلماته وتعبيراته المزخرفة تجميل الصورة القاتمة عبر تصريح برّاق زائف ولكن ذاك عهد مضى، أما في هذه الأيام والله إنني أشفق على كل من يشارك في مداخلة أو برنامج تليفزيوني ممثلاً لهذا الحزب، فماذا يقول وبماذا يعد وقد بدا للعيان أن الناس ضجرت ونفد صبرها ولم تعد تقبل الزيف واللعب بمستقبلهم عبر سفسطة بائسة يضحدها ويدمغها الواقع على الأرض المتمثل في أحوال الناس ومعيشتهم التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
نتيجة المرحلة الأولى والثانية من الإنتخابات التشريعية تشير أهم ملامحها إلى أن الحزب الوطني كعادته دائماً سيكون له أغلبية الثلثين في البرلمان الجديد وذلك بعد أن يتمكن من ضم المستقلين "المرتدين سياسياً" ،وستكون جماعة الإخوان المسلمين هي زعيمة المعارضة تحت قبة البرلمان مع تمثيل ضعيف جداً لأحزاب المعارضة الأساسية، ومن المتوقع أننا سنعاني كثيراً في السنوات الخمس القادمة من الصفقات العلنية والسرية بين الفريقين – الحزب الوطني والإخوان- وربما يشهد هذا البرلمان "الخطيئة الكبرى" المنتظرة في خلال عامين أو أكثر، وأدعو من الآن ألا يُفاجأ أحد بموقف نواب جماعة الإخوان وقتها.
ومن المؤسف أنه يُراد لنا بطريقة أو بأخرى أن نؤمن أنه لا يوجد في مصر من بديل للحزب الوطني الحاكم إلا جماعة الإخوان المسلمين، وهذا في رأيي استخفاف بعقولنا، فبين هذا وتلك مسافة كبيرة وأطياف عديدة، وإذا خُيّرت أنا شخصياً أيهما أختار فسأرفضهما معاً وأبقى دون اختيار، وحتى لا أضطر أنا أو غيري إلى تفضيل "ثلاثة أرباع العمى على العمى كله" ولكي لا أوضع أنا أو غيري أمام هذا الاختيار الصعب وغير المنصف؛ أدعو الله أن أغمض عيناي وأفتحهما فلا أجد لهذين الفريقين أي وجود في بر مصر، قادر يا كريم..
شكر واجب
في صباي كنت أسمع عن أداة تستخدم في حسم المشاجرات بين البلطجية تسمى "السنجة" ولكن لم أتشرف برؤيتها لأنني كنت وما زلت مُسالماً أنأى بنفسي دائماً عن المشاجرات امتثالاً لنصيحة أمي متعها الله بالصحة والعافية، ولكن خلال متابعتي للإنتخابات التشريعية في مصر تمكنت من رؤية هذه الأداة على شاشات الفضائيات التي كانت تغطي الغزوات الإنتخابية لأنصار السادة المرشحين الذي من المفترض أنهم سيمثلون الشعب الذي يمثل البلطجية فيه نسبة قليلة للغاية، وهنا يجدر بي أن أتوجه بخالص الشكر والإمتنان لنواب برلمان المستقبل على إتاحة الفرصة لي وللكثيرين غيري لرؤية تلك الأداة الحاسمة "السنجة" وأعتقد أن هذه هي أولى الخدمات التي قدّمها هؤلاء النواب للمواطنين وهي نشر ثقافة السنجة والسيف ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة!
No comments:
Post a Comment