Thursday, December 29, 2005

على أعتاب عام هجري جديـد
1427 هـ

يقول المولى عز وجل "إلاَّ تنصروه فقد نصَره اللهُ إذْ أخرجَه الذين كفروا ثانيَ اثنينِ إذْ هُمَا في الغارِ إذ يَقولُ لصاحِبِه لا تحزنْ إنَّ اللهَ معَنا، فأنزلَ اللهُ سكينَته عليه وأيَّدَهُ بجنودٍ لمْ ترَوْهَا وجعلَ كلمةَ الذينَ كفروا السفلى وكلمةُ اللهِ هيَ العُليا، واللهُ عزيزٌ حكيمٌ) صدق الله العظيم.(التوبة: 40).

كلما قرأت هذه الآية أستحضر عظمة هذا الخالق الذي أيّد بنصره فردين ضعيفين مُطاردين من ظلم وجبروت طغاة عصرهما، ولك أن تتصور تلك الحالة التي كان فيها الرسول الكريم وصاحبه مطاردين في رحلتهما من مكة إلى المدينة في مسافة يبلغ طولها حوالي 450 كم ،ثم ضع بجانب تلك الصورة بلوغ هذا الدين مشارق الأرض ومغاربها، فمن ذلك الضعف والهوان إلى العزة والانتصار، نعم إنها قدرة الله ومشيئته التي أرادت أن يظهر هذا الدين ولو كره الكافرون، فلو قِيل لأحد هؤلاء الكفار وقتها أن هذا الدين سيصل إلى كل بقاع الأرض وسيكون له شأن عظيم لاستلقى على ظهره من الضحك والسخرية، ولكن كانت هناك مشيئة الله التي هي فوق كل إرادة.

لقد شاء الله أن يتربي جيلاً من المؤمنين بحق، جيلاً من الذين إستمعوا القول فإتبعوا أحسنه، وآمنوا وعملوا بما سمعوا فبلغوا مشارق الأرض ومغاربها وصاروا سادةً للأرض ورعاة للأمم، فلك أن تتصور مدي إيمان هؤلاء الصفوة برسالة نبيهم وإتباعهم لأوامر الله ورسوله فتجدهم مثلاً ومنذ أربعة عشر قرنا ينزل القرآن على نبيهم قائلاً " وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ "النمل:88 فيؤمنوا بما سمعوا دون جدال ويقولوا سمعنا وصدق ربنا ورسوله، مع أنهم نشأوا ومن قبلهم آباؤهم وأجدادهم ولم يروا الجبال تتحرك أو تنتقل من مكانها، ولكنهم كذّبوا حواسهم وصدّقوا كلام الله، فإذا أمعنا النظر في هذا الموقف وغيره من جانب الصحابة وطاعتهم لأوامر ربهم وتسليمهم بكلام بارئهم نعرف جيداً لماذا كتب الله النصر لهؤلاء بينما كتب علينا الهزيمة والذل والإنكسار أمام أحقر أهل الأرض.

هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها الكثير من العبر والدروس وينبغي ألا تمر علينا مرور الكرام فالإنسلاخ من هوينا وجذورنا قد بلغ فينا مبلغه لدرجة أننا لا نشعر بإنقضاء العام الهجري وبداية آخر وربما تجد الكثيرين من المسلمين لا يعرفون في أي عام هجري نحن، في حين نجد الكثير من مظاهر "الاحتفال " ببداية عام ميلادي جديد مع علمنا أن كل هذه الأمور التي طرأت على مجتمعاتنا الإسلامية ليست من الإسلام في شيء، فلابد أن نعي أن الإسلام يختلف عن كل ما سواه ولابد أن يكون المسلم متفرداً متميزاً عن غيره من غير المسلمين، ومن ثم فإن استقبالنا للعام الهجري الجديد لا يجب أن يكون من خلال المظاهر الاحتفالية فقط مع اعتقادي بأهميتها في أن نُظهر للعالم تمسكنا بهويتنا الإسلامية ولكن الأهم هو مراجعة النفس وتصحيح المسار حتى ننهض بهذه الأمة التي طالت غفوتها.

ومع نهاية عام وقدوم آخر يُطلق كل منا العنان لأحلامه وتطلعاته للعام الجديد، فتعالوا نحلم معاً بغدٍ يُعلي فيه الله كلمته على أيدينا حتى يمكننا ربنا من أن نلقم حجراً لكل من يتجرأ على هويتنا ويخوض في ركائز عقيدتنا أو يطعن في ديننا فهو أعز ما نملك، وهذا لن يكون إلا بالعودة إلى تعاليم ديننا وتطبيقها في جميع مناحي حياتنا، فعزتنا ونصرنا لن يأتي إلا بالتمسك بهذا المنهاج الذي يتوافق مع الفطرة البشرية ولا يتناقض معها لأنه بإختصار منهاج مَنْ خلق هذه النفس وسوّاها.

كلمة خالدة قالها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن إبتغينا العزة في غيره أذلنا الله " صدقت يا صحابي رسول الله، نعم منّا من طلب العزة في المال وتجاهل دينه فأذله الله، ومنّا من طلب العزة في الإنغماس في الملذات فأذله الله إلى ما يسعى إليه، ومنّا من سعى إلى جاه أو سلطان فأذله الله لممن هو أدنى منه، ومنّا..ومنّا...، حقاً إنه البعد عن طريق الله، فنحن أعزاء كرماء وعزتنا وكرامتنا تأتيان فقط من كوننا مسلمين ملتزمين بديننا ولا شيء آخر، فالتمسك بديننا وأوامر ربنا ورسوله هو طريق الخلاص وطوق النجاة من الغرق القادم لا محالة.

وأختم بقول الشاعر الذي يخاطب ضمائرنا قائلاً:

يكفي البكاء على تراب ضائعٍ
يكفي الفخار بذاهب متنقلِ
والمجد لا يُشرى بقول كاذبٍ
إن كنت تبغي المجد يوماً فافعلِ

Sunday, December 25, 2005

! نشـرة جويـة نفسيـة

في صباح يوم الخميس قبل الماضي إستيقظ من نومه ونظر إلى السماء وقد غطت صفحتها سحب كثيفة تحجب خلفها أشعة الشمس مع نسمة هواء تحمل برودة خفيفة تكتنف هذا الجو الرائع، فقفز إلى ذهنه على الفور مدى إرتباط هذا الجو بالذات بذكرى ما أو قل بحلقة من تلك السلسة التي لا تنتهي من الذكريات والتي لا حيلة له معها، فقد كان صاحبنا في الماضي يعشق هذا الجو الذي كان دائماً يراه مُفعماً بالعواطف والمشاعر الفياضة، ولطالما تمنى أن يكون العام كله هكذا.

ولا أدري لماذا ارتبط عنده هذا الجو بالذات بالإفراط السخي في مشاعره تجاه مَنْ كان يشاطرهم أنبل وأسمى وأرقى وأعلى وأنقى المشاعر الإنسانية، فكان بمجرد أن يستيقظ من نومه في السادسة والنصف صباحاً لكي يستعد لبدء يوم جديد يستهله بالذهاب إلى عمله بالمدرسة القريبة من منزله؛ ويجد يومه وقد كساه هذا الجو الرائع بثوبه الأنيق، كان يشعر بقدر هائل من الصفاء والتسامح خاصة تجاه هؤلاء، وحتى إن كان الجو بينهما في ذلك الوقت مُلبّداً بالغيوم أو يشوب علاقتهما بعض الخلافات البسيطة والتي كان يسعى كلاهما أن تكبر لأنها كانت بمثابة نكهة خاصة تعطي للتواصل بينهما معنىً آخر؛ فكان على الفور يسارع بالسؤال عنهم وتصفية ما بينهما من خلاف بسيط، وحينها كان ينتابه شعور لا يمكن وصفه، شعور بالرضا التام عن كل شيء حوله، شعور يُضفي على الأشياء من حوله سحراً خاصاً، لدرجة أنه كلما نظر إلى إنسان أو شيء شعر وكأنه يبتسم له، فالأشجار والنخيل وصفحات الماء كانت تبدو له في صورة جميلة رائعة غير معتادة...حتى مفتش الأقسام بالإدارة التعليمية التابع لها والذي كان دائماً لا يطيق لقاءه لكونه روتيناً يمشي على الأرض كان يراه حينها إنساناً لطيفاً خفيف الظل مع إن الواقع غير ذلك تماماً.

هل هناك من صلة ما بين حالة الجو وحالة الإنسان النفسية؟ وهل ما كان يمر به صاحبنا هي حالة نفسية عابرة؟ ربما ولكنها صادقة وذات مذاق لا يمكن وصفه كما أنها يصعب أن تتكرر لندرة وربما لانعدام وجود ذلك النموذج الفريد الذي صادفه في مصادفة كانت هي الأجمل على الإطلاق، ولكن الآن ما قيمة جمال الأشياء والأوقات إذا غُيّب عنّا من تمنينا أن يشاركنا حلو اللحظات ومرها؟


Wednesday, December 21, 2005


هل صوّت الإخوان لمرشحي الحزب الوطني ؟

أعتقد أنه من السذاجة أن نتصور أن الحرية التي تمتع بها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين منذ بداية الحملات الانتخابية وحتي إعلان نتيجة المرحلة الأولي من الانتخابات التشريعية في مصر كانت دون تنسيق واتفاق مسبق مع النظام الحاكم في مصر، فإذا رجعنا أشهر قليلة إلي الوراء عندما وجد الإخوان أنفسهم في حرج شديد بسبب خروج حركة كفاية إلي الشارع في مظاهرات دون الحصول علي إذن أو تصريح من النظام، فرأت جماعة الإخوان وقتها أنه لا بد أن تخرج هي الأخري إلي الشارع، وكيف لا تخرج وهي من يتغني أفرادها ليل نهار انها القوة الرئيسية في الشارع المصري، وفي حين كانت تمر مظاهرات كفاية تقريباً دون اعتقالات، وجدنا الأمر مختلفاً مع مظاهرة الإخوان عندما خرجوا في مظاهرات لاستعراض القوة وليوجهوا رسالة إلي من يهمه الأمر في الداخل والخارج علي السواء، إلا أن النظام وكعادته معهم لم يتهاون واعتقل ما يزيد علي ألفي شخص من أفراد الجماعة ومن بينهم د. محمود عزت الأمين العام للجماعة، ود. عصام العريان أحد أهم أقطاب الجماعة الذي لم يُفرج عنه إلا بعد أكثر من خمسة أشهر

جرت كل هذه الاعتقالات نتيجة مظاهرة أو أكثر قام بها الإخوان، فكيف بالله عليكم أن نتصور أن ما رأيناه منذ بداية الحملات الانتخابية لمرشحي الجماعة في انتخابات البرلمان من تسجيل اسم الجماعة علانية علي ملصقات ومواد الدعاية لمرشحي الإخوان في الشوارع والجرائد دون أية مشاكل، بالإضافة إلي المسيرات والمؤتمرات الشعبية في جميع محافظات مصر، أضف إلي ذلك الأحاديث الصحفية المطولة مع مرشد الإخوان في الجرائد الحكومية، فكيف نتصور أن يكون كل هذا بدون التنسيق مع النظام أو الاتفاق معه، نعم لماذا نستبعد أن يكون هناك اتفاق ما مع النظام أو أجنحة بعينها داخل الحزب الحاكم، وأمام أعيننا مؤشرات كثيرة تدل علي ذلك ومنها إخلاء جميع دوائر الوزراء وكبار رجال الحزب الوطني وعدم تقديم أي مرشحين من الإخوان في تلك الدوائر ومن المستحيل أن يكون هذا الأمر مصادفة، كما أن أغرب ما قرأته هو ما جاء في جريدة البيان الإماراتية بعد إعلان نتيجة المرحلة الأولي أن تعليمات قد صدرت لأعضاء الجماعة لتصوت لمرشحي الحزب الوطني في الدوائر التي لا يوجد فيها مرشحون للإخوان، وإذا شكك أحد في هذا الكلام فليقل لي لمن صوّت الإخوان في تلك الدوائر

وطالما أنهم يدّعون رفضهم للنظام الحاكم ويهاجمونه بكرة وأصيلا ويعلنون انحيازهم لصفوف المعارضة التي تقف في وجه هذا النظام، فلماذا لم يدعا أنصارهم للتصويت لصالح مرشحي المعارضة ضد مرشحي الحزب الحاكم في الدوائر التي ليس للإخوان مرشح فيها؟ فهل أرادت الجماعة إسقاط مرشحي جبهة المعارضة حتي يبدو للعيان أنها الممثل الوحيد القوي للمعارضة في المشهد السياسي المصري؟ وهل هذا بناء علي اتفاق مسبق مع النظام في مصر لتبادل منفعة بين الاثنين حيث يرغب الإخوان في قيادة المعارضة المصرية، بينما يريد النظام أن يُظهر للعالم أن هناك ديمقراطية في مصر أتت بالإخوان علي رأس المعارضة في البرلمان

طوال العمر المديد لنظام الحكم في مصر انفرد وحده بتحديد شكل المعارضة التي حرص أن تبقي معارضة هزيلة وشكلية لكي تكون بمثابة ديكور كرتوني حتي يقول بالفم المليان ان عندنا معارضة، فالنظام هو من يمنح أو يمنع قيام الأحزاب وبالتالي يتحكم في مصير المعارضة في مصر، وطالما أن الحزب الحاكم قد ضمن الأغلبية في البرلمان عبر ضم النواب المستقلين من المرتدين سياسياً ، ومن ثم لن تتعطل أية مشاريع قوانين يطرحها علي البرلمان، فلماذا إذن لا يجمل الصورة عن طريق السماح بتمثيل أكبر لتلك الجماعة طالما أن هذا التثميل لن يؤثر بأي حال من الأحوال علي سياسات النظام الحاكم داخل البرلمان

والآن جاء دور ورقة الإخوان لكي يستخدمها مرة أخري كفزّاعة للغرب مثلما استخدمها في الماضي، ولكن هذه المرة من تحت قبة البرلمان عبر التخويف بالدقون حسب تعبير كاتب مصري مقيم بالولايات المتحدة، فالنظام الحاكم يسمح لهم اليوم بمزيد من الحرية والحركة والتمثيل البرلماني لكي يكونوا في الإطار بصورة أكثر وضوحاً أمام الغرب عموماً وسيد البيت الأبيض خصوصاً لكي يقول لهم هذا هو البديل الذي ستتعطل مصالحكم إذا ما وصلوا إلي الحكم فيضمن دعم الأنظمة النفعية في الغرب والتي تسعي إلي مصالحها فقط، فمن السخف أن نتصور أن تلك الدول هي جمعيات خيرية تسعي لخير البشر وخاصة العالم العربي والإسلامي

Monday, December 12, 2005


! خُبـز السيد بوش

يتصرف سيد البيت الأبيض دائماً وكأنه في عمل سينمائي هوليودي ضخم، فالسيد بوش سبقته حملة إعلامية ضخمة تبشر بخطة عبقرية لتحقيق النصر في العراق تحت اسم "الإستراتيجية الوطنية للنصر في العراق"!، ثم أجهد نفسه وقطع 32 ميلاً من البيت الأبيض إلى مقر الأكاديمية البحرية ليعلن من هناك ومن وراء منصة مكتوباً عليها بخط واضح كبير خطة للنصرPlan For Victory عن الخطة التي أعدها البيت الأبيض في نحو 35 صفحة ويقف وراءه في خلفيه المشهد السينمائي أفراد بزيهم العسكري لتكتمل حبكة الفيلم على الطريقة الأمريكية.

هناك أحد الأمثال الشعبية مفاده أن "الجوعان دائماً يحلم بسوق الخبز" والنصر في العراق هو خبز السيد بوش الذي أثبت فعلاً أنه يحلم به كثيراً، ففي خطابه بالأكاديمية البحرية في 30 نوفمبر الماضي وردت كلمة النصر Victory خمس عشرة مرة، كما أن هذه الكلمة التي صارت الحلم المفضل بالنسبة للسيد بوش وأركان إدارته قد وردت كثيراً في هذه الوثيقة ذات الخمس وثلاثين صفحة منها 6 مرات في الفهرس فقط بما فيها أقساماً من الخطة اشتملت عناوينها على هذه الكلمة الحُلم مثل: " فوائد تحقيق النصر في العراق"، "تحقيق النصر سيحتاج إلى وقت"، "النصر في العراق ذو أهمية حيوية بالنسبة للولايات المتحدة"...إلخ، وإن دل هذا فإنما يدل على هوس هذا الرجل بشيء إسمه النصر ولكنه لا يستطيع إلى تحقيقه سبيلاً، فمنذ أن دخل عش الدبابير – العراق- والمقاومة العراقية تزداد حدتها يوماً بعد يوم، ورغم التعتيم الإعلامي الشديد على ما يجري هناك خاصة بعد إغلاق مكتب قناة الجزيرة في بغداد؛ إلا أن عناصر المقاومة إستغلت تقنية الإنترنت في إيصال جانب ضئيل مما يحدث هناك للعالم عبر الشبكة المعلوماتية الدولية، وقد برهنت هذه المقاومة الباسلة للعالم وبسرعة "نجاح" خطة بوش عندما تمكنت من قتل أربعة عشر جندياً أمريكياً في خلال يومين فقط من إعلان السيد بوش عن خطته العجيبة لتحقيق النصر ليتضح لكل ذي عقل أن تلك الخطة قد بدأت بالفعل تؤتي ثمارها !

السيد بوش وأركان إدارته في ورطة حقيقية في العراق، ولا أدري لماذا كل هذه الحبكة السينمائية ؟ فإذا كانت لديك إستراتيجية للنصر فتفضل بتنفيذها على الأرض ودعنا نرى، ولكن الحقيقة أنه يأمل في إيجاد مخرج من هذا النفق المظلم الذي وضع نفسه فيه بغطرسته وتفرده بقرار غزو العراق متحدياً العالم والشرعية الدولية متخذاً شعار " مَنْ أشد منا قوة ؟"، فقد إتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن حُجة غزو العراق كانت كذبة كبيرة أو قل سلسلة طويلة من الأكاذيب ما لبثت أن إلتفت حول عنق سيد البيت الأبيض الذي روج لأكاذيب عديدة بداية بأسلحة الدمار الشامل والأسلحة الكيمياوية التي إدعى أن العراق يمتلكها وإنتهاءاً بالفيلم الهابط عن علاقة صدام حسين بتنظيم القاعدة !

القوات الأمريكية المحتلة استنفذت كل ما لديها من وسائل بالعراق بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً (منها الفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية) ولكن رغم كل هذا لم تستطع أن تخفف من حدة هجمات المقاومة العراقية، ولهذا يسعى السيد بوش في إيجاد أي مخرج، فهذه الخطة التي ينبغي تسميتها "الإستراتيجية الوطنية للهروب من العراق" يسعى من خلالها للهروب من العراق لكن مع حفظ ماء الوجه ولعل الحديث في تلك الخطة والاعتراف بضرورة وجود "مسار سياسي" وعدم الاكتفاء بالنهج العسكري يشير إلى ذلك، وليته يعلم أنه حتى هذه الفرصة قد فات أوانها وذهبت هي الأخرى مع الريح، فلن تستطيع القوات الأمريكية الخروج من العراق إلا منكسرة مهزومة طالما أن السيد بوش كابر وعاند وأصر على البقاء رغم الخسائر التي تعرضت لها قواته التي غزت واحتلت ودمرت دولة مستقلة ذات سيادة.

أختم بملاحظة هامة وهي إختفاء الكثير من كُتّاب المقالات والأعمدة الذين يروجون لمشروع الهيمنة الأمريكية والذين إصطُلح على تسميتهم "مثقفو المارينز"، وأتساءل أين ذهب هؤلاء ؟ أعلم أنهم ما زالوا مستمرين في الكتابة ولكنهم يتحدثون هذه الأيام في موضوعات أخرى مختلفة بعدما صدّعوا رؤوسنا بالنموذج العراقي وأمطار الحرية التي تصوّر أحدهم أو حلُمَ ذات مرة أنها تنهمر بشدة على بلاد الرافدين، نعم لقد حان الوقت ليتقهقر هؤلاء وهؤلاء إلى الوراء خجلاً أو انكسارا فقد جاء دور الشرفاء الذين على أيديهم سينكسر المحتل وينسحب يجر أذيال الذل والهزيمة وسوف يندحر مثلما اندحر سابقيه من الغزاة على مر العصور، فهذا هو قانون البشرية الخالد الذي سوف يدوم ما دام هناك شرفاء يزودون عن أرضهم وعرضهم بأرواحهم وأموالهم وكل ما يملكون في سبيل تحرير الأرض وصيانة العرض رغم أنف دعاة الاستسلام والذين يروجون لثقافة الانبطاح والرضوخ للهيمنة الأمريكية وعندها سوف نغني طرباً وفرحاً وابتهاجا "وأمطري يا حرية في العراق".

Monday, December 05, 2005

بين مطرقة الوطني وسندان الإخـوان

أبْلَغ ما سمعت عن نتيجة المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات التشريعية المصرية هو ما قاله الدكتور عبد الحليم قنديل رئيس التحرير التنفيذي لجريدة العربي الناصرية في تعليقه على تلك النتيجة التي أوصلت الإخوان لذلك العدد غير المتوقع من المقاعد التي حققوها فوصف التصويت في الانتخابات بأنه تصويت "احتجاجي" بمعنى أن غالبية الناخبين حرص على أن يصوت لأي مرشح غير مرشح الحزب الوطني الحاكم ليس حباً في سواد عيون الإخوان أو غيرهم وإنما نكاية وإنتقاماً من ذاك الحزب الذي جثم على صدور الناس وسامهم سوء العذاب لما يقرب من ربع قرن، وأكبر دليل على ذلك هو ما حدث في أحد دوائر وسط القاهرة عندما صوّت الناخبون لمرشح مستقل فحصل على أعلى الأصوات مكنته من دخول الإعادة أمام مرشح مستقل آخر ولكنه أعلن انضمامه للحزب الوطني قبل جولة الإعادة فما كان من الناخبين إلا أن أسقطوه في جولة الإعادة عندما صوتوا للمرشح المستقل المنافس له.

الحزب الوطني الحاكم في أضعف حالاته، وقد رأينا كيف تساقط مرشحوه أمام مرشحي الإخوان والمستقلين مثل أوراق الشجر في الخريف، فليس لدى الحزب ما يقدمه للناس فقد كانت بضاعة التصريحات الزائفة وخداع الناس عبر تعبير براق زائف ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب كانت في الماضي ولسنوات عديدة تنطلي على الناس في ذلك الزمان الذي صُكّت فيه تعبيرات برّاقة ظلت تخدع الناس وتوهمهم بأن من تسببوا في تعاستهم قد يغيروا مسارهم ويعودوا عن فسقهم وفسادهم بين عشية وضحاها، وأتفق تماماً مع ما قاله الأستاذ طه خليفة في الراية الأحد الماضي، فقد كتب متحدثاً عن الحزب الوطني قائلاً: ".. وقد بات مؤكداً أنه سبب نكبات مصر، وطالما هو موجود في الحكم بأي ثمن فإن النكبات ستزداد وتتفاقم إلى نهاية لا يعلمها إلا الله وحده".

في الماضي قد كنت أشعر بالغيظ وارتفاع في ضغط الدم عندما كنت أجد مسؤولاً في ذاك الحزب يحاول بكلماته وتعبيراته المزخرفة تجميل الصورة القاتمة عبر تصريح برّاق زائف ولكن ذاك عهد مضى، أما في هذه الأيام والله إنني أشفق على كل من يشارك في مداخلة أو برنامج تليفزيوني ممثلاً لهذا الحزب، فماذا يقول وبماذا يعد وقد بدا للعيان أن الناس ضجرت ونفد صبرها ولم تعد تقبل الزيف واللعب بمستقبلهم عبر سفسطة بائسة يضحدها ويدمغها الواقع على الأرض المتمثل في أحوال الناس ومعيشتهم التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

نتيجة المرحلة الأولى والثانية من الإنتخابات التشريعية تشير أهم ملامحها إلى أن الحزب الوطني كعادته دائماً سيكون له أغلبية الثلثين في البرلمان الجديد وذلك بعد أن يتمكن من ضم المستقلين "المرتدين سياسياً" ،وستكون جماعة الإخوان المسلمين هي زعيمة المعارضة تحت قبة البرلمان مع تمثيل ضعيف جداً لأحزاب المعارضة الأساسية، ومن المتوقع أننا سنعاني كثيراً في السنوات الخمس القادمة من الصفقات العلنية والسرية بين الفريقين – الحزب الوطني والإخوان- وربما يشهد هذا البرلمان "الخطيئة الكبرى" المنتظرة في خلال عامين أو أكثر، وأدعو من الآن ألا يُفاجأ أحد بموقف نواب جماعة الإخوان وقتها.

ومن المؤسف أنه يُراد لنا بطريقة أو بأخرى أن نؤمن أنه لا يوجد في مصر من بديل للحزب الوطني الحاكم إلا جماعة الإخوان المسلمين، وهذا في رأيي استخفاف بعقولنا، فبين هذا وتلك مسافة كبيرة وأطياف عديدة، وإذا خُيّرت أنا شخصياً أيهما أختار فسأرفضهما معاً وأبقى دون اختيار، وحتى لا أضطر أنا أو غيري إلى تفضيل "ثلاثة أرباع العمى على العمى كله" ولكي لا أوضع أنا أو غيري أمام هذا الاختيار الصعب وغير المنصف؛ أدعو الله أن أغمض عيناي وأفتحهما فلا أجد لهذين الفريقين أي وجود في بر مصر، قادر يا كريم..

شكر واجب
في صباي كنت أسمع عن أداة تستخدم في حسم المشاجرات بين البلطجية تسمى "السنجة" ولكن لم أتشرف برؤيتها لأنني كنت وما زلت مُسالماً أنأى بنفسي دائماً عن المشاجرات امتثالاً لنصيحة أمي متعها الله بالصحة والعافية، ولكن خلال متابعتي للإنتخابات التشريعية في مصر تمكنت من رؤية هذه الأداة على شاشات الفضائيات التي كانت تغطي الغزوات الإنتخابية لأنصار السادة المرشحين الذي من المفترض أنهم سيمثلون الشعب الذي يمثل البلطجية فيه نسبة قليلة للغاية، وهنا يجدر بي أن أتوجه بخالص الشكر والإمتنان لنواب برلمان المستقبل على إتاحة الفرصة لي وللكثيرين غيري لرؤية تلك الأداة الحاسمة "السنجة" وأعتقد أن هذه هي أولى الخدمات التي قدّمها هؤلاء النواب للمواطنين وهي نشر ثقافة السنجة والسيف ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة!