Thursday, December 29, 2005

على أعتاب عام هجري جديـد
1427 هـ

يقول المولى عز وجل "إلاَّ تنصروه فقد نصَره اللهُ إذْ أخرجَه الذين كفروا ثانيَ اثنينِ إذْ هُمَا في الغارِ إذ يَقولُ لصاحِبِه لا تحزنْ إنَّ اللهَ معَنا، فأنزلَ اللهُ سكينَته عليه وأيَّدَهُ بجنودٍ لمْ ترَوْهَا وجعلَ كلمةَ الذينَ كفروا السفلى وكلمةُ اللهِ هيَ العُليا، واللهُ عزيزٌ حكيمٌ) صدق الله العظيم.(التوبة: 40).

كلما قرأت هذه الآية أستحضر عظمة هذا الخالق الذي أيّد بنصره فردين ضعيفين مُطاردين من ظلم وجبروت طغاة عصرهما، ولك أن تتصور تلك الحالة التي كان فيها الرسول الكريم وصاحبه مطاردين في رحلتهما من مكة إلى المدينة في مسافة يبلغ طولها حوالي 450 كم ،ثم ضع بجانب تلك الصورة بلوغ هذا الدين مشارق الأرض ومغاربها، فمن ذلك الضعف والهوان إلى العزة والانتصار، نعم إنها قدرة الله ومشيئته التي أرادت أن يظهر هذا الدين ولو كره الكافرون، فلو قِيل لأحد هؤلاء الكفار وقتها أن هذا الدين سيصل إلى كل بقاع الأرض وسيكون له شأن عظيم لاستلقى على ظهره من الضحك والسخرية، ولكن كانت هناك مشيئة الله التي هي فوق كل إرادة.

لقد شاء الله أن يتربي جيلاً من المؤمنين بحق، جيلاً من الذين إستمعوا القول فإتبعوا أحسنه، وآمنوا وعملوا بما سمعوا فبلغوا مشارق الأرض ومغاربها وصاروا سادةً للأرض ورعاة للأمم، فلك أن تتصور مدي إيمان هؤلاء الصفوة برسالة نبيهم وإتباعهم لأوامر الله ورسوله فتجدهم مثلاً ومنذ أربعة عشر قرنا ينزل القرآن على نبيهم قائلاً " وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ "النمل:88 فيؤمنوا بما سمعوا دون جدال ويقولوا سمعنا وصدق ربنا ورسوله، مع أنهم نشأوا ومن قبلهم آباؤهم وأجدادهم ولم يروا الجبال تتحرك أو تنتقل من مكانها، ولكنهم كذّبوا حواسهم وصدّقوا كلام الله، فإذا أمعنا النظر في هذا الموقف وغيره من جانب الصحابة وطاعتهم لأوامر ربهم وتسليمهم بكلام بارئهم نعرف جيداً لماذا كتب الله النصر لهؤلاء بينما كتب علينا الهزيمة والذل والإنكسار أمام أحقر أهل الأرض.

هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها الكثير من العبر والدروس وينبغي ألا تمر علينا مرور الكرام فالإنسلاخ من هوينا وجذورنا قد بلغ فينا مبلغه لدرجة أننا لا نشعر بإنقضاء العام الهجري وبداية آخر وربما تجد الكثيرين من المسلمين لا يعرفون في أي عام هجري نحن، في حين نجد الكثير من مظاهر "الاحتفال " ببداية عام ميلادي جديد مع علمنا أن كل هذه الأمور التي طرأت على مجتمعاتنا الإسلامية ليست من الإسلام في شيء، فلابد أن نعي أن الإسلام يختلف عن كل ما سواه ولابد أن يكون المسلم متفرداً متميزاً عن غيره من غير المسلمين، ومن ثم فإن استقبالنا للعام الهجري الجديد لا يجب أن يكون من خلال المظاهر الاحتفالية فقط مع اعتقادي بأهميتها في أن نُظهر للعالم تمسكنا بهويتنا الإسلامية ولكن الأهم هو مراجعة النفس وتصحيح المسار حتى ننهض بهذه الأمة التي طالت غفوتها.

ومع نهاية عام وقدوم آخر يُطلق كل منا العنان لأحلامه وتطلعاته للعام الجديد، فتعالوا نحلم معاً بغدٍ يُعلي فيه الله كلمته على أيدينا حتى يمكننا ربنا من أن نلقم حجراً لكل من يتجرأ على هويتنا ويخوض في ركائز عقيدتنا أو يطعن في ديننا فهو أعز ما نملك، وهذا لن يكون إلا بالعودة إلى تعاليم ديننا وتطبيقها في جميع مناحي حياتنا، فعزتنا ونصرنا لن يأتي إلا بالتمسك بهذا المنهاج الذي يتوافق مع الفطرة البشرية ولا يتناقض معها لأنه بإختصار منهاج مَنْ خلق هذه النفس وسوّاها.

كلمة خالدة قالها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن إبتغينا العزة في غيره أذلنا الله " صدقت يا صحابي رسول الله، نعم منّا من طلب العزة في المال وتجاهل دينه فأذله الله، ومنّا من طلب العزة في الإنغماس في الملذات فأذله الله إلى ما يسعى إليه، ومنّا من سعى إلى جاه أو سلطان فأذله الله لممن هو أدنى منه، ومنّا..ومنّا...، حقاً إنه البعد عن طريق الله، فنحن أعزاء كرماء وعزتنا وكرامتنا تأتيان فقط من كوننا مسلمين ملتزمين بديننا ولا شيء آخر، فالتمسك بديننا وأوامر ربنا ورسوله هو طريق الخلاص وطوق النجاة من الغرق القادم لا محالة.

وأختم بقول الشاعر الذي يخاطب ضمائرنا قائلاً:

يكفي البكاء على تراب ضائعٍ
يكفي الفخار بذاهب متنقلِ
والمجد لا يُشرى بقول كاذبٍ
إن كنت تبغي المجد يوماً فافعلِ

No comments: