! خُبـز السيد بوش
يتصرف سيد البيت الأبيض دائماً وكأنه في عمل سينمائي هوليودي ضخم، فالسيد بوش سبقته حملة إعلامية ضخمة تبشر بخطة عبقرية لتحقيق النصر في العراق تحت اسم "الإستراتيجية الوطنية للنصر في العراق"!، ثم أجهد نفسه وقطع 32 ميلاً من البيت الأبيض إلى مقر الأكاديمية البحرية ليعلن من هناك ومن وراء منصة مكتوباً عليها بخط واضح كبير خطة للنصرPlan For Victory عن الخطة التي أعدها البيت الأبيض في نحو 35 صفحة ويقف وراءه في خلفيه المشهد السينمائي أفراد بزيهم العسكري لتكتمل حبكة الفيلم على الطريقة الأمريكية.
هناك أحد الأمثال الشعبية مفاده أن "الجوعان دائماً يحلم بسوق الخبز" والنصر في العراق هو خبز السيد بوش الذي أثبت فعلاً أنه يحلم به كثيراً، ففي خطابه بالأكاديمية البحرية في 30 نوفمبر الماضي وردت كلمة النصر Victory خمس عشرة مرة، كما أن هذه الكلمة التي صارت الحلم المفضل بالنسبة للسيد بوش وأركان إدارته قد وردت كثيراً في هذه الوثيقة ذات الخمس وثلاثين صفحة منها 6 مرات في الفهرس فقط بما فيها أقساماً من الخطة اشتملت عناوينها على هذه الكلمة الحُلم مثل: " فوائد تحقيق النصر في العراق"، "تحقيق النصر سيحتاج إلى وقت"، "النصر في العراق ذو أهمية حيوية بالنسبة للولايات المتحدة"...إلخ، وإن دل هذا فإنما يدل على هوس هذا الرجل بشيء إسمه النصر ولكنه لا يستطيع إلى تحقيقه سبيلاً، فمنذ أن دخل عش الدبابير – العراق- والمقاومة العراقية تزداد حدتها يوماً بعد يوم، ورغم التعتيم الإعلامي الشديد على ما يجري هناك خاصة بعد إغلاق مكتب قناة الجزيرة في بغداد؛ إلا أن عناصر المقاومة إستغلت تقنية الإنترنت في إيصال جانب ضئيل مما يحدث هناك للعالم عبر الشبكة المعلوماتية الدولية، وقد برهنت هذه المقاومة الباسلة للعالم وبسرعة "نجاح" خطة بوش عندما تمكنت من قتل أربعة عشر جندياً أمريكياً في خلال يومين فقط من إعلان السيد بوش عن خطته العجيبة لتحقيق النصر ليتضح لكل ذي عقل أن تلك الخطة قد بدأت بالفعل تؤتي ثمارها !
السيد بوش وأركان إدارته في ورطة حقيقية في العراق، ولا أدري لماذا كل هذه الحبكة السينمائية ؟ فإذا كانت لديك إستراتيجية للنصر فتفضل بتنفيذها على الأرض ودعنا نرى، ولكن الحقيقة أنه يأمل في إيجاد مخرج من هذا النفق المظلم الذي وضع نفسه فيه بغطرسته وتفرده بقرار غزو العراق متحدياً العالم والشرعية الدولية متخذاً شعار " مَنْ أشد منا قوة ؟"، فقد إتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن حُجة غزو العراق كانت كذبة كبيرة أو قل سلسلة طويلة من الأكاذيب ما لبثت أن إلتفت حول عنق سيد البيت الأبيض الذي روج لأكاذيب عديدة بداية بأسلحة الدمار الشامل والأسلحة الكيمياوية التي إدعى أن العراق يمتلكها وإنتهاءاً بالفيلم الهابط عن علاقة صدام حسين بتنظيم القاعدة !
القوات الأمريكية المحتلة استنفذت كل ما لديها من وسائل بالعراق بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً (منها الفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية) ولكن رغم كل هذا لم تستطع أن تخفف من حدة هجمات المقاومة العراقية، ولهذا يسعى السيد بوش في إيجاد أي مخرج، فهذه الخطة التي ينبغي تسميتها "الإستراتيجية الوطنية للهروب من العراق" يسعى من خلالها للهروب من العراق لكن مع حفظ ماء الوجه ولعل الحديث في تلك الخطة والاعتراف بضرورة وجود "مسار سياسي" وعدم الاكتفاء بالنهج العسكري يشير إلى ذلك، وليته يعلم أنه حتى هذه الفرصة قد فات أوانها وذهبت هي الأخرى مع الريح، فلن تستطيع القوات الأمريكية الخروج من العراق إلا منكسرة مهزومة طالما أن السيد بوش كابر وعاند وأصر على البقاء رغم الخسائر التي تعرضت لها قواته التي غزت واحتلت ودمرت دولة مستقلة ذات سيادة.
أختم بملاحظة هامة وهي إختفاء الكثير من كُتّاب المقالات والأعمدة الذين يروجون لمشروع الهيمنة الأمريكية والذين إصطُلح على تسميتهم "مثقفو المارينز"، وأتساءل أين ذهب هؤلاء ؟ أعلم أنهم ما زالوا مستمرين في الكتابة ولكنهم يتحدثون هذه الأيام في موضوعات أخرى مختلفة بعدما صدّعوا رؤوسنا بالنموذج العراقي وأمطار الحرية التي تصوّر أحدهم أو حلُمَ ذات مرة أنها تنهمر بشدة على بلاد الرافدين، نعم لقد حان الوقت ليتقهقر هؤلاء وهؤلاء إلى الوراء خجلاً أو انكسارا فقد جاء دور الشرفاء الذين على أيديهم سينكسر المحتل وينسحب يجر أذيال الذل والهزيمة وسوف يندحر مثلما اندحر سابقيه من الغزاة على مر العصور، فهذا هو قانون البشرية الخالد الذي سوف يدوم ما دام هناك شرفاء يزودون عن أرضهم وعرضهم بأرواحهم وأموالهم وكل ما يملكون في سبيل تحرير الأرض وصيانة العرض رغم أنف دعاة الاستسلام والذين يروجون لثقافة الانبطاح والرضوخ للهيمنة الأمريكية وعندها سوف نغني طرباً وفرحاً وابتهاجا "وأمطري يا حرية في العراق".
No comments:
Post a Comment