Wednesday, December 21, 2005


هل صوّت الإخوان لمرشحي الحزب الوطني ؟

أعتقد أنه من السذاجة أن نتصور أن الحرية التي تمتع بها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين منذ بداية الحملات الانتخابية وحتي إعلان نتيجة المرحلة الأولي من الانتخابات التشريعية في مصر كانت دون تنسيق واتفاق مسبق مع النظام الحاكم في مصر، فإذا رجعنا أشهر قليلة إلي الوراء عندما وجد الإخوان أنفسهم في حرج شديد بسبب خروج حركة كفاية إلي الشارع في مظاهرات دون الحصول علي إذن أو تصريح من النظام، فرأت جماعة الإخوان وقتها أنه لا بد أن تخرج هي الأخري إلي الشارع، وكيف لا تخرج وهي من يتغني أفرادها ليل نهار انها القوة الرئيسية في الشارع المصري، وفي حين كانت تمر مظاهرات كفاية تقريباً دون اعتقالات، وجدنا الأمر مختلفاً مع مظاهرة الإخوان عندما خرجوا في مظاهرات لاستعراض القوة وليوجهوا رسالة إلي من يهمه الأمر في الداخل والخارج علي السواء، إلا أن النظام وكعادته معهم لم يتهاون واعتقل ما يزيد علي ألفي شخص من أفراد الجماعة ومن بينهم د. محمود عزت الأمين العام للجماعة، ود. عصام العريان أحد أهم أقطاب الجماعة الذي لم يُفرج عنه إلا بعد أكثر من خمسة أشهر

جرت كل هذه الاعتقالات نتيجة مظاهرة أو أكثر قام بها الإخوان، فكيف بالله عليكم أن نتصور أن ما رأيناه منذ بداية الحملات الانتخابية لمرشحي الجماعة في انتخابات البرلمان من تسجيل اسم الجماعة علانية علي ملصقات ومواد الدعاية لمرشحي الإخوان في الشوارع والجرائد دون أية مشاكل، بالإضافة إلي المسيرات والمؤتمرات الشعبية في جميع محافظات مصر، أضف إلي ذلك الأحاديث الصحفية المطولة مع مرشد الإخوان في الجرائد الحكومية، فكيف نتصور أن يكون كل هذا بدون التنسيق مع النظام أو الاتفاق معه، نعم لماذا نستبعد أن يكون هناك اتفاق ما مع النظام أو أجنحة بعينها داخل الحزب الحاكم، وأمام أعيننا مؤشرات كثيرة تدل علي ذلك ومنها إخلاء جميع دوائر الوزراء وكبار رجال الحزب الوطني وعدم تقديم أي مرشحين من الإخوان في تلك الدوائر ومن المستحيل أن يكون هذا الأمر مصادفة، كما أن أغرب ما قرأته هو ما جاء في جريدة البيان الإماراتية بعد إعلان نتيجة المرحلة الأولي أن تعليمات قد صدرت لأعضاء الجماعة لتصوت لمرشحي الحزب الوطني في الدوائر التي لا يوجد فيها مرشحون للإخوان، وإذا شكك أحد في هذا الكلام فليقل لي لمن صوّت الإخوان في تلك الدوائر

وطالما أنهم يدّعون رفضهم للنظام الحاكم ويهاجمونه بكرة وأصيلا ويعلنون انحيازهم لصفوف المعارضة التي تقف في وجه هذا النظام، فلماذا لم يدعا أنصارهم للتصويت لصالح مرشحي المعارضة ضد مرشحي الحزب الحاكم في الدوائر التي ليس للإخوان مرشح فيها؟ فهل أرادت الجماعة إسقاط مرشحي جبهة المعارضة حتي يبدو للعيان أنها الممثل الوحيد القوي للمعارضة في المشهد السياسي المصري؟ وهل هذا بناء علي اتفاق مسبق مع النظام في مصر لتبادل منفعة بين الاثنين حيث يرغب الإخوان في قيادة المعارضة المصرية، بينما يريد النظام أن يُظهر للعالم أن هناك ديمقراطية في مصر أتت بالإخوان علي رأس المعارضة في البرلمان

طوال العمر المديد لنظام الحكم في مصر انفرد وحده بتحديد شكل المعارضة التي حرص أن تبقي معارضة هزيلة وشكلية لكي تكون بمثابة ديكور كرتوني حتي يقول بالفم المليان ان عندنا معارضة، فالنظام هو من يمنح أو يمنع قيام الأحزاب وبالتالي يتحكم في مصير المعارضة في مصر، وطالما أن الحزب الحاكم قد ضمن الأغلبية في البرلمان عبر ضم النواب المستقلين من المرتدين سياسياً ، ومن ثم لن تتعطل أية مشاريع قوانين يطرحها علي البرلمان، فلماذا إذن لا يجمل الصورة عن طريق السماح بتمثيل أكبر لتلك الجماعة طالما أن هذا التثميل لن يؤثر بأي حال من الأحوال علي سياسات النظام الحاكم داخل البرلمان

والآن جاء دور ورقة الإخوان لكي يستخدمها مرة أخري كفزّاعة للغرب مثلما استخدمها في الماضي، ولكن هذه المرة من تحت قبة البرلمان عبر التخويف بالدقون حسب تعبير كاتب مصري مقيم بالولايات المتحدة، فالنظام الحاكم يسمح لهم اليوم بمزيد من الحرية والحركة والتمثيل البرلماني لكي يكونوا في الإطار بصورة أكثر وضوحاً أمام الغرب عموماً وسيد البيت الأبيض خصوصاً لكي يقول لهم هذا هو البديل الذي ستتعطل مصالحكم إذا ما وصلوا إلي الحكم فيضمن دعم الأنظمة النفعية في الغرب والتي تسعي إلي مصالحها فقط، فمن السخف أن نتصور أن تلك الدول هي جمعيات خيرية تسعي لخير البشر وخاصة العالم العربي والإسلامي

No comments: