Tuesday, December 26, 2006

No Celebrations!! It doesn't deserve !

رغم مرور كل هذه السنوات؛ إلا أن ذكراها ما تزال حاضرة بقوة في ذاكرته التي أتعبته لقدرتها الغريبة على الاحتفاظ حتى بأبسط المواقف، حتى في الأيام التي يرى الكثيرون أنها تستحق الاحتفال والفرح يجد نفسه ينتابه شعور بإحساس مختلف خاصة مع طيفها الذي يحضر بقوة في مثل تلك المناسبات، وربما يجدها مناسبة لا للحديث عن المناسبة، لكونها في رأيه لا تستحق، ولكنها من يستحق الحديث عنها ومعها، لأن كلما مر عليه يوم وصادف غيرها يتأكد له حجم الهوة بينها وبين غيرها ..فعلاً إنها متفردة ولن تتكرر !!
لكن الغريب في الأمر والذي لا أتفق معه فيه هو أنه تحت ذاك التأثير المحزن لتواتر تلك الذكريات أجده يقدم على تصرفات يغلب عليها الإنفعال فبمجرد أن تلوح أمامه في الأفق إشارات ربما تؤدي به إلى السير في نفس الطريق الذي لم تندمل جراحه إلى اليوم، أجده يتصرف بإندفاع وإنفعال وخوف من تكرار ما حدث، وفي الغالب يكون ذلك التصرف على حساب أناس آخرين جديدين لا ذنب لهم فيما حدث له وكل ما فعلوه هو محاولة الإقتراب من عالمه الغامض وربما المتناقض، ولكنني عرفت لماذا يفعل ذلك وقد صارحته بحقيقة الأمر وهو أنه يتصرف بهذه الطريقة التي يراها نقطة دفاع متقدم حتى يجنّب نفسه ما قد يواجهه إذا هو سلك نفس الطريق الذي ذاق فيه ما ذاق.
وكثيراً ما نصحته أن يتحرر من ذلك الوهم الذي يصوره لنفسه بأنه غير قادر على طرح تلك الذكريات جانباً، فأنا على يقين بأنه يقدر على ذلك، ولابد أن يعلم جيداً أن الأهم في الأمر ألا يؤثر ذلك بأي حال من الأحوال على من حوله خاصة من هم حديثي المعرفة به حتى لا يخسر هؤلاء أيضاً كما تعوّد أن يخسر، وقد وجدته دائماً يتهرب من سؤال طالما طرحته عليه وهو: لماذا يا عزيزي تتسبب بيديك النظيفتين في شقائك؟ لماذا تتفنن في تذكير نفسك بما لا تحب أن تتذكره ؟ فأنت تعلم مثلي أنه قد ولّى زمن الممكن فقد قُضي الأمر وأُسدل الستار وربما لا يستحق هذا الذي عانيت من أجله ولم تجده عوناً وسنداً لك في سبيل تحقيق ما حلمتما به معاً، فهو في رأيي لا يستحق كل هذه المعاناة التي تستسلم لها بإرادتك، فجأة وجدته قد قطع صمته الطويل وقاطعني بشدة مُلقياً في وجهي بحقائق علمها وتأكد من صدقيتها، حقائق وتفسيرات تبرىء ساحة صاحبه، ثم أخذ يردد قول الشاعر
أساحرتي ظلمتك في تصاويري وتدويني
وخُنتك في خيالاتي وأنك لم تخونيني
وصفتك بالذي أكره وعشت لمن يوسوس لي
فإن جادت لك الأيام عن ثمني فبيعيني
وصفتك ما تلا قلبي على كبدي توسله
فصرت النهب للأحزان تأسرني وتسبيني
أعز الناس، أغلى الناس، أرحم منْ رأت عيني
ملاك مِتُّ أعشقه وصمت الموت يحييني
فقد ألقاك في سِنتي وقد ألقاك في الدنيا
وقد ألقاك في الجنة وهذا العز يكفيني

Thursday, November 23, 2006

ديكتاتور تحت التدريب

هبّت نسائم الحرية والديموقراطية على ربوع العالم أجمع حتى سمعنا عن دولة اسمها "توجو"، ورغم ذلك لم تصب عالمنا العربي من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر أي من هذه النفحات الحرة، فقد استعصت هذه المنطقة من العالم بالذات عن مواكبة هذه الموجات المتتابعة من الحرية والديموقراطية من أوكرانيا إلى قيغيزيا إلى السنغال وليبيريا والنيبال وبنجلادش، فيا ترى ما سبب عدم تأثر هذه المنطقة بالذات عما يحدث في العالم حولنا من تغيرات إيجابية في مجال الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان؟

الإجابة على ألسنتنا نتقاذفها مباشرة بمناسبة ومن غير مناسبة وهي الشمّاعة التي نعلّق عليها كل إخفاقاتنا ألا وهي الحكام العرب فهم –حسب زعمنا- سبب هذه النكسات ولم نكلف أنفسنا ولو للحظة واحدة أن ننظر إلى داخلنا أي ينظر كل منا ويتمعن داخل نفسه، نظرة نقد ذاتي، ليرى ويكشف أمام نفسه الجقيقة المرة، وهي أن كل منا بداخله "ميني ديكتاتور" أو ديكتاتور صغير كامن ينتظر ويتحين الفرصة لكي ينتفض ويفصح عن وجوده بقوة إذا واتته الفرصة.

فلينظر كل مسؤول صغير ويتمعن في طريقته في التعامل مع مرؤوسيه فسوف تجد نفس الأسلوب الذي لا نكل ولا نمل من إنتقاده ليل نهار، نعم لو دققنا النظر فسوف نجد أن الغالبية العظمى تجد الواحد منهم في الحقيقة هو ديكتاتور تحت التدريب فقط ينتظر دوره.

وبمجرد أن تجيئه الفرصة، أي فرصة، حتي ولو كانت في شكل كيان افتراضي Virtual Entity لا وجود له علي أرض الواقع فستجد من يدعي أنه ملكاً (بكسر الميم) للأمة كلها أو أنه ليس شخصاً بل حالة! (نعم، ولكن حالة مرضية) وكأنه في عزبته الخاصة يحجب هذا ويطرد هذا ويرفع هذا إلي عليين ثم يهبط به إلي سابع أرض لا لشيء سوي أنه تجرأ وخالفه الرأي! أليس هذا هو نفس الأسلوب الذي تنتقده ليل نهار أيها الإنسان العربي الحر؟
الويل ثم الويل لك لو تجرأت وأعلنت صراحة وعلانية خلافك معه في الرأي فستجده-وسط الصمت المطبق لزمرة "حملة المباخر"- يشنّ عليك حملة شعواء، عن جهل، بهدف الإساءة إلى سجلك الناصع، لدرجة ربما تصل لاتهامك بالعمالة للإمبريالية الغربية أو الباذنجانية، مستخدماً أبشع الألفاظ وأحط المفردات التي هي أسلوب السوقى وليس أسلوب من يسعى لقيادة آلاف العقول المستنيرة، وأنصحك حينها ألا تكلف نفسك عناء الرد على تلك البذاءات و القاذورات التي قد تُلقى عليك لأنه بالطبع ليس هذا أسلوبك ولك أن تحتفظ بحقك الذي يجب أن " يُترجم" إلى التصرف الأمثل والأنسب بعيداً عن المهاترات وإضاعة الوقت.

والآن وبعد كل تلك النكسات المتلاحقة التي ألمت بك وبكيانك الافتراضي؛ ألم يحن الوقت أيها الديكتاتور الصغير أن تعي الدروس والعبر من كل ما يحدث نتيجة لأسلوب الغطرسة والاستعلاء وتبني سياسة ما أريكم إلا ما أرى؟

Tuesday, November 14, 2006

أفــراح الكـرة المصــرية

لم تكن الأسباب الصحية وحدها هي التي منعتي من التواصل مع مدونتي الشخصية على مدى ما يقرب من شهرين؛ ولكن معها الشعور بالإحباط وخيبة الأمل الذي يلازم الواحد منا نتيجة متابعة ما يجري حولنا من أحداث، ففي كل جريدة تطالعها سواء كانت عربية أو أجنبية تجد تعاقب مسلسل الذل والمهانة والإحباط والفشل الذريع على جميع الأصعدة والتي يبين لنا حجم التخلف والوهن والضعف الذي وصلنا إليه، وفي كل خبر أو تحليل تقع عليه عيناك يصيبك الهم والغم والنكد وفقدان الشهية جراء ما تقرأ وتطالع لدرجة أنه يراودني تفكير عميق هذه الأيام أن أتوقف عن متابعة الجرائد العربية منها والإفرنجية وأبقى مع أفلام الكرتون على قناة سبيس تون "Space Toon" !
خذ على سبيل المثال ما حدث في مصر ثاني أيام العيد من تحرش جنسي سافر بالفتيات في وسط القاهرة والذي لا أجد له عنوان إلا غياب الدولة، ولو أن هذه المنطقة من العاصمة يقع فيها نادي القضاة أو نقابة الصحفيين لأحاطت بها الآلاف من جنود أمن النظام، لكن خلاف ذلك لا يهم، فهتك أعراض النساء في الشوارع كله يهون في سبيل تحقيق الأهداف الأخرى التي تبدو بالنسبة لعلية القوم أكثر أهمية، وبالمناسبة هناك في مصر كيان له وجود يسمى المجلس القومي للمرأة ونتساءل: أين هوانم هذا المجلس من كل ما جرى أم أن الفتيات اللاتي تعرضن للتحرش لسن على قدر المقام أو أنهن "بيئة.. ياي!" ولا يرطّن مثلهن بكلمات إفرنجية ولا يتحدثن من أنوفهن تعبيراً عن التمدن والحداثة !

ثم تابعت ما حدث في إنتخابات الإتحادات الطلابية في الجامعة والتدخل السافر للأمن في هذه الإنتخابات، ولا أدري كيف ينشأ ويتعلم طالب المفروض أنه من سيتحمل المسؤولية في المستقبل في ظل هذه الظروف والإجراءات القمعية أم أن مواقع القيادة في البلد ليست لهؤلاء الذين هم من عامة الشعب وإنما كل مسؤول في موقعه يعلم جيداً ويجهز لمن يخلفه من أبناء مصر الأخرى.

ولم تختلف انتخابات النقابات العمالية عن ذلك كثيراً فقد تفتق ذهن المسؤولين سواء في الانتخابات الطلابية أو انتخابات النقابات العمالية هذه المرة عن إختراع جديد، هو آخر تجليات الفكر الجديد والانطلاقات البائسة نحو ما يسمى بالمستقبل، فقد استحدث المسئولون وسيلة جديدة وهي شطب المرشحين غير الموالين للبلاط أي تجفيف منابع المرشحين منذ البداية على طريقة تجفيف منابع التدين في تونس الخضراء !

الغريب والمضحك في الأمر، على اعتبار أن شر البلية ما يضحك، هو ما سمعته من أن مصر قد أرسلت مراقبين شاركوا في مراقبة انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي التي جرت في أوائل هذا الشهر!! نعم؛ فقد شاهدت رهط منهم في إحدى البرامج التليفزيونية، آه والله شفتهم !!

وفي ظل كل هذه الإخفاقات المتتالية وما صاحبها من شعور بالإحباط وخيبة الأمل ويأس من إمكانية تغير ذلك الواقع المظلم؛ أسعدنا فريق الأهلي المصري بفوزه كأس بطولة الأندية الإفريقية لكرة القدم إثر تغلبه باقتدار في مباراة الإياب على فريق الصفاقسي التونسي الشقيق بهدف دون مقابل، فقد رسم الأهلي الفرحة على وجوهنا بعد أن كساها الحزن على أحوالنا التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

قوة وتماسك وبراعة فريق الأهلي أذهلت الجميع وكل من اعتقد-أو تمنّى- أن فوز الأهلي بالبطولة هو حلم بعيد المنال خاصة بعد تعادل الأهلي مع الصفاقسي في مباراة الذهاب بالقاهرة بهدف لمثله، إلا أن الأهلي فاجأ الجميع وأحرز البطولة وسط أكثر من 60 ألف مشجع تونسي.

وأعتقد أنه من المفترض أن هذا الفوز الغالي وهذا النصر الثمين قد أسعد كل المصريين بما فيهم مشجعي أندية الزمالك والمصري والإسماعيلي(!)، خاصة وأن هذا الفوز قد جاء بعد أقل من عشرة أشهر من فوز المنتخب المصري لكرة القدم ببطولة أفريقيا مما يؤكد تصدر مصر المشهد الكروي الإفريقي على مستوى المنتخبات والأندية.

وقد جاء الفوز بهذه البطولة الغالية ليفتح الطريق أمام الفريق العريق لتمثيل مصر والكرة الإفريقية في بطولة العالم للأندية التي ستقام باليابان الشهر القادم، مع تمنياتي بكل التوفيق لبطل القرن في أفريقيا وقلعة البطولات النادي الأهلي المصري.

يبقى أن أقول أن النادي الأهلي المصري ليس لاعبين فقط وإنما هم لبنة في بناء متكامل ومتناغم ويكمّل بعضه بعضاً، حيث يجمع الحب والتفاهم والإخاء كل من ينتمي إلى هذا النادي العريق الذي حصل على لقب نادي القرن في أفريقيا بجدارة، الأهلي هو صرح للمباديء والقيم التي أرساها الراحل صالح سليم الرئيس السابق للنادي واليوم يدير هذا الصرح الرياضي الكبير أحد تلامذته وهو الأستاذ حسن حمدي رئيس نادي الأهلي وهو شخص لا يعرف الصراخ والصياح ولا التهديد والوعيد ولا تستهويه كاميرات الفضائيات ولا أعمال البلطجة مثل الكثيرين غيره من الذين نقلوا الحوار داخل أنديتهم إلى قاعات المحاكم.

Wednesday, September 27, 2006

الحُجة والتبيان حول ازدواجية جماعة الإخوان


لعل من أخطر ما أسفرت عنه نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر (نوفمبر 2005) أنها جعلت الحليم حيراناً، فقد أفرزت نتائج الانتخابات صورة مزيفة لممثلي الشعب المصري لا تعبر بأي حال من الأحوال عن الواقع، ووضعت المرء أمام خيارين أحلاهما مر، فقد أنتجت الانتخابات فريقين(فسطاطين) لا ثالث لهما، ففي حين حقق الحزب الوطني الحاكم –كالعادة- الأغلبية الساحقة احتلت جماعة الإخوان المسلمين المرتبة الثانية بعدد مقاعد بلغ 88 مقعداً في مفاجأة لم يكن يتوقعها حتى أكثر أعضاء الجماعة تفاؤلاً.

ومن المسلّم به - عدا في الإعلام الحكومي- أن الحزب الحاكم لا يحظى بشعبية تذكر باستثناء أعضاؤه والمستفيدين من الكعكة وهذا أمر طبيعي، لأنه على رأي سكرتير تحرير الراية "قد بات مؤكداً أنه سبب نكبات مصر، وطالما هو موجود في الحكم بأي ثمن فإن النكبات ستزداد وتتفاقم إلى نهاية لا يعلمها إلا الله وحده"، وربما يكون من الأنسب في رأيي أن يُسمّى حزب النكبات والقطارات والعبّارات والسرطانات والسرقات والمعتقلات وتزوير الانتخابات...الخ

قرأت كثيراً من النقد بحق الإخوان وشاهدت برامج تليفزيونية تقطر حقداً على الجماعة، وهي حفلات كراهية تسمى زورا وبهتانا برامج تلفزيونية يسعى القوم من خلالها منافسة القنوات الإخبارية المحترمة التي بينهم وبين الوصول لمستواها أمداً بعيداً، ورغم كل هذا لم أتأثر بأي وجهة نظر مدفوعة بغرض شخصي أو منفعة دنيوية زائلة، ولا أعتقد أن هناك عاقلاً قد تأثر بتلك الحملات الموجهة بل على العكس ربما ساهم هذا النقد المنظم في تعاطف الناس والتفافهم حول الجماعة، وفي هذه الأجواء المشحونة بالنقد المبرر وغير المبرر للجماعة لدرجة أننا نستطيع أن نميز بوضوح موجات متتابعة منظمة ومنسقة لانتقاد الجماعة وتبدو وكأنها مواسم للهجوم على الإخوان، يجد المرء نفسه يتردد دائماً في توجيه النقد لهم فهو إن انتقدهم فالتهمة جاهزة فهو محسوب على الجانب الآخر "أصحاب الفكر الجديد والانطلاقات البائسة المتعددة نحو ما يسمى بالمستقبل" وبئس الفريق هو، وإن أثنى عليهم قالوا إنه "اخوانجي" لا قدّر الله !ولهذا يتردد المرء ألف مرة رغم أنه هناك الكثير الذي يستحق النقد في المسيرة المِعوجّة للجماعة.

مساء الأحد 17 سبتمبر الجاري وفي طريق عودتي للمنزل سمعت عبر البث الإذاعي لقناة الجزيرة نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين معلقاً على كلمة بابا الفاتيكان في العِظة الأسبوعية والتي قال فيها إنه قد أسف لردة الفعل في العالم الإسلامي وأنه ما اقتبسه من كلام الإمبراطور لا يعبر عن رأيه، المهم قال نائب المرشد إن هذا لا يكفي وأنه لا يعتبر اعتذارا بالمرة ويجب على المسلمين عدم قبوله لأنه لا يعتبر بأي حال من الأحوال اعتذارا، وهذا كلام جميل ينسجم مع التوجه العام في الشارع الإسلامي ويتوافق مع رأي كبار علماء المسلمين وعلى رأسهم فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

ولكن في اليوم التالي وأنا أقرأ تغطية وكالة الصحافة الفرنسية لنفس الموضوع فوجئت بتصريح آخر لنفس الشخص وهو السيد محمد حبيب يقول كلاماً آخر – والترجمة للكاتب- "وقال محمد حبيب العضو البارز في جماعة الإخوان المسلمين المصرية المعارضة، قال لوكالة الصحافة الفرنسية أن الجماعة تعتبر اعتذار البابا تراجعاً عن تصريحاته السابقة أي كأنه سحب تصريحاته"

إذن فالقوم يمارسون لعبة البيضة الحجر.. يعزفون ما يُطرب مستمعيهم، فهم يخاطبوننا نحن العرب عبر الجزيرة بلغة مختلفة عن تلك التي يخاطبون بها الفرنجة في الغرب! ففي حديثه للجزيرة يبدو ممثل الجماعة وكأنهم مع الثائرين الغاضبين من أبناء جلدتهم من المسلمين، فهم معنا في نفس الخندق يذودون عن حياض الدين بالغالي والرخيص، ولكنهم في تصريحاتهم لوسائل إعلام الغرب يفصحون عن الوجه الآخر "المتسامح" لكي يظهروا في صورة مَنْ يعفو عمن ظلمه!وذلك في سبيل كسب تعاطف الغرب، وإنه لمكرٌ لو تعلمون عظيم !

هؤلاء هم الإخوان وهذا هو الحزب الوطني ونحن بين مطرقة هذا وسندان هؤلاء لا حول لنا ولا قوة، فمن المؤسف أنه يُراد لنا بطريقة أو بأخرى أن نؤمن أنه لا يوجد في مصر من بديل للحزب الوطني الحاكم إلا جماعة الإخوان المسلمين، وهذا في رأيي استخفاف بعقولنا، فبين هذا وتلك مسافة كبيرة وأطياف عديدة، وإذا خُيّرت أنا شخصياً أيهما أختار فسأرفضهما معاً وأبقى دون اختيار، وحتى لا أضطر أنا أو غيري إلى تفضيل "ثلاثة أرباع العمى على العمى كله" ولكي لا أوضع أنا أو غيري أمام هذا الاختيار الصعب وغير المنصف؛ أدعو الله أن أغمض عيناي وأفتحهما فلا أجد لهذين الفريقين أي وجود في بر مصر، قادر يا كريم..


Monday, September 11, 2006

طه الشاذلي في عمارة يعقوبيان

"رجعي" أنا في مسألة مشاهدة الأفلام ! وعندما حدثت الضجة التي صاحبت عرض فيلم عمارة يعقوبيان، بطولة الممثل المصري العجوز المتصابي عادل إمام، دفعني الفضول لمعرفة سبب كل هذه الضجة التي أثيرت حوله، ولأنني كما ذكرت في البداية "رجعي" أي لا أشاهد الأفلام؛ فقد كانت رواية علاء الأسواني "عمارة يعقوبيان" ضمن قائمة الكتب التي أوصيت صديقي المسافر للإسكندرية في أجازة سنوية بإحضارها معه عند عودته إلى الدوحة، لكي أقرأها لأقف على سبب ذاك الجدل الكبير الذي صاحب نشر الرواية وعرض الفيلم، وقد كنت قد قرأت كثيراً عن الرواية واشترك كل من قرأتهم في إعجابهم بالرواية حتى أن الأستاذ طه خليفة، سكرتير تحرير الراية، قال أنه قد قرأها في جِلسة واحدة(الرواية 348 صفحة)!

عندما انتهيت من قراءة الرواية أيقنت أن لا أحد ممن قرأت تعليقاتهم عن الرواية قد أوفاها حقها، فالرواية يطغى عليها البعد الإنساني للروائي الإنسان الذي يقترب من حياة البؤساء وليس لدي أدنى شك في أن كاتب الرواية قد عاصر عن قرب أناساً من البؤساء الذين تحدث عنهم في روايته الرائعة، وهذه هي وظيفة المبدع وكل صاحب قلم، فيجب عليه ألا ينسلخ من هموم الناس ومعاناتهم فقيمة نجاحه مرتبطة دائماً بالتعبير عن آلام وآمال هؤلاء الأشقياء الذين لا حصر لهم كما يقول عنهم "المنفلوطي"، رحمه الله، في مقدمة كتابه العبرات" الأشقياء في الدنيا كثير" نعم إنهم كثر ولكن من يحس بهم ومن يشعر بمعاناتهم ومن يعرف مرارة الأيام وقسوة السنين التي يعيشونها؟

يتناول الكاتب في روايته نموذج مصغر للشعب المصري المكلوم، وعندما تقرأ الرواية تجد نفسك تعرف الكثيرين من أشخاص هذه الرواية، ولكنني أجد نفسي منجذباً للحديث عن إحدى الشخصيات الرئيسة في الرواية وهو طه الشاذلي ذلك الشاب المتفوق المكافح الذي اجتهد وصبر وكافح وجمع بين استذكار دروسه ومساعدة والده في عمله، ورغم حصوله على مجموع كبير في الثانوية العامة إلا أن أمنيته كانت أن يلتحق بكلية الشرطة ولكنه فشل، أتدري لماذا؟ لأنه غير لائق اجتماعيا !فجريمته هي أن والده بواب عمارة !

عندما وصلت إلى هذه النقطة في الرواية تذكرت على الفور واقعة حدثت مع شاب مصري منذ ثلاث سنوات تقريباً، وهو عبد الحميد شتا خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ويتقن الإنجليزية والفرنسية، وتقدم لوظيفة بسلك التمثيل التجاري التابع لقطاع التجارة الخارجية بوزارة الخارجية المصرية، وبعد أن جاء ترتيبه الأول في إختبارت القبول للوظيفة فوجيء بعدم إدراج اسمه بين المرشحين للوظيفة ! أتدري لماذا ؟ فقد تم استبعاده بتأشيرة عنصرية تقول " غير لائق اجتماعيا، هذه الملعونة حالت بينه وبين تحقيق حلمه، لأن والده فلاح مصري بسيط من عامة الشعب كل جريمته انه أصر علي تعليم أبنائه المتفوقين، وإلحاقهم بكليات مرموقة، لم يحتمل عبد الحميد شتا الصدمة فتوجه إلى كوبري قصر النيل بوسط القاهرة، ثم أخرج ما في جيبه من وثائق شخصية وجنيهات معدودة ثم ألقى بنفسه في النهر، وكأنه وسط أجواء الصخب والفساد والظلم يطلق صرخة مدوية علّها تخترق الحُجب لتصل إلى كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

لا فرق بين طه الشاذلي وعبد الحميد شتا في شيء فقد اشتركا في المعاناة والشقاء والحرمان في حياتهما واشتركا أيضاً في الظلم الذي وقع عليهما مما دفعهما للتخلص من الحياة سعياً إلى الراحة هناك في دار العدل وقد اختار كل منهما طريقته في الخلاص ففي حين ألقى عبد الحميد الشاذلي بنفسه من فوق كوبري قصر النيل فقد انتحر طه الشاذلي بطريقة أخرى حيث انخرط في أحد الجماعات المتطرفة واشترك في عملية اغتيال أحد مقاولي التعذيب في المعتقلات، ضابط أمن الدولة العقيد صالح رشوان، الذي عانى طه على يديه الأمرّين وأهينت كرامته فكأنه يثأر لنفسه ولرفاقه وقد قتل طه في هذه العملية.

"البلد دي مش بلدنا يا طه.دي بلد اللي معه فلوس.لو كان معك عشرين ألف جنيه ودفعتهم رشوة كان حد سألك عن شغلة أبوك ؟!اعمل فلوس يا طه تكسب كل حاجة أما لو فضلت فقير هتندهس دهس.."، كانت هذه الكلمات التي ألقتها بثينة –التي حال الفقر بين طه الشاذلي وبين الارتباط بها- على مسامعه وكأنها تلقي بجردل من الماء البارد على رأسه لكي تفيقه مما كان يحلم به، فقد ثبت له بالتجربة أنه لا مكان لفقير بائس مثله في هذه البلدة الظالم أهلها، وهي نفس الكلمات التي – حسب ظني- رددها عبد الحميد شتا خريج الاقتصاد والعلوم السياسية قبل أن يلقي بنفسه في النهر "البلد دي مش بلدنا دي بلد اللي معاه فلوس"

وأختم مع نموذج آخر من هؤلاء البؤساء تعبر عنه شاعرة العامية المصرية سهير متولي في قصيدتها رقم قومي:

بسكن هنا وخلاص
بسكن مع الساكنين
مع ام محمد اللي تدق على بابي
توريني الورم ف الرقبه وتدّاري
دموعها ف طرف طرحتها
مهيش فاضيه عشان تعيا
ولا معاها عشان تعيا
لكن ويّاها زيي تمام
رقم قومي

Saturday, August 26, 2006

ليلة زفاف العمدة

"يا عُمدة".. هكذا كنا نناديه، وذلك لأن أباه اختار له اسماً على اسم جدّ لنا كان عمدة البلدة آنذاك، قصة صداقة لا مثيل لها من وجهة نظري، أقارب وجيران وأصدقاء، ليست صداقة عادية بل نموذج فريد من الصداقة يندر وجوده في هذه الأيام التي غلبت عليها المادة حتى جعلت حياة الناس وعلاقاتهم تحكمها موازين الربح والخسارة، لقد دامت هذه الصداقة حتى صارت نموذجاً
يحاكيه كل من رأى هذين الاسمين يقترنان ببعضهما بصورة لا تحدث حتى بين الإخوان الأشقاء.

"عطا" الذي يصغرني بعام واحد لم يفارقني إلا بعد أن أنهى دراسته فسافر للعمل في القاهرة ثم كان الفراق الأبعد عندما سافر للعمل بالسعودية وكنت أستعد وقتها للسفر إلى النرويج تلبية لدعوة تلقيتها من صديق قديم يعمل أستاذاً بجامعة أوسلو، لم استطع السفر بسبب أحداث اا سبتمبر 2001 الشهيرة أو "غزوة منهاتن" كما يسميها " أمير المؤمنين" أسامة بن لادن، ففي الوقت الذي فكّر فيها بقتل آلاف الأبرياء في برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك بالإضافة إلى من ساقهم حظهم العاثر لأن يكونوا من بين ركاب الطائرات التي اختطفها الانتحاريين واصطدموا بها في المباني التي بها أبرياء لا حول لهم ولا طول؛ لم يفكر الشيخ -غفر الله له- أنه قد قام دون أن يدري بتغيير مسار حياتي بنسبة مائة وثمانين درجة، فبعد أن حلمت بقرب تحقيق أملي الأكبر في إكمال دراستي بعد الجامعية بالنرويج؛ جاءت الأحداث لينتج عنها رفض طلبي للحصول على التأشيرة ثم صدور سلسلة من الإجراءات والقيود على كل عربي أو مسلم يرغب في السفر إلى هذه البلاد.

على أي حال رحل "العمدة" إلى السعودية في إبريل 2001 على ما أذكر، وبعد أن رُفض طلبي لتأشيرة النرويج مكثت عائداً مرة أخرى إلى مهنة التدريس التي اضطررت إلى قبولها رغم تأثيرها السلبي على نفسيتي، وإن سألتني لماذا أحرص على تجديد الأجازة سنوياً فلن أجد إجابة لذلك، فهذه المهنة تضعك رغماً عنك في إطار وقالب روتيني عفا عليه الزمن وتجد في محيط عملك من يتصرف وكأنه لا يرى ما يحدث في العالم من حوله، وهو في تنفيذه لتعليمات الروتين كأنه قرآن منزل مع أن الأيام والتجارب أثبتت عدم فاعلية وإمكانية هذه النظام البائس في التعليم فالمؤسسة التعليمية في مصر بحاجة إلى ثورة شاملة تبدأ بإعادة الاعتبار للمدرس في جميع جوانب حياته.

معذرة فقد تحوّل الحديث عن ليلة زفاف العمدة إلى سرد تاريخي شخصي أحاول تجنبه دائماً لأنني وبكل تأكيد ستتعثر قدماي وتصطدم بما لا أود أن أتذكره في تلك الفترة وما بعدها، لأن مرور طيف الذكرى محملاً بأحداث وصور بعض المواقف يترتب عليه عذابات لا تُحتمل في حياة مَنْ عانى مرارة الأيام وقسوة السنين على أيدي من توهّم الوفاء فيهم، وما تلبث حياة ذلك الشقي أن تتلون بألوان داكنة قاتمة، وخاصة عندما يسلب الله الإنسان نعمة النسيان فيكون ذلك إيذاناً باللوعة والمعاناة في تذكر ما لا يود أن يتذكره وفي سعي دائم إلى نسيان لا يستطيع إليه سبيلاً، ولهذا أتوقف عند هذا الحد وأكمل حديثي عن العمدة.

أهم ما يميز "عطا" في رأيي هو نقاء سريرته فقد عهدته دائماً لا يعرف الحقد أو الحسد إلى قلبه طريقاً، فهو إنسان وجدته محباً لكل الناس، ولهذا تجده يصادق الجميع، وإذا نظرت إلى أصدقائه فستجدهم "كوكتيل" متنوع من كل نوعيات البشر وابتسامته العريضة تلخص لك صفاء ونقاء سريره هذا الإنسان الاجتماعي المحب للناس في زمن ندر فيه ذلك.
وهو مثلي ومثل كل مصري لم يجد له مكاناً كريماً ووضعاً يليق به داخل حدود وطنه،فقد قهرته الظروف مثل كثيرين غيره وأنكرت عليه أن يحيا حياة كريمة وسط أهله وعلى تراب وطنه فآثر الهروب من ذلك الواقع المرير إلى الوهم والمجهول خارج حدود الوطن.
لقد سعى "العمدة" وبذل كل ما في وسعه لتحقيق ما يصبو إليه، أكثر من خمس سنوات منذ رحلته الأولى إلى السعودية قضاها في كدّ وتعب وصبر في سبيل تحقيق هدفه الذي وضعه نصب عينيه، وها هو اليوم يجني ما غرس ويحصد ما زرع.

لم يكن العمدة وحده في رحلة تحقيق هدفه فقد وجد مَنْ عرفت معنى التضحيات التي قدمها في غربته وحيداً بعيداً عن وطنه وأهله وأحبائه، ولهذا صبرت هذه الفتاة التي تستحق كل إحترام وتقدير وانتظرت سنوات طويلة ولم تفعل مثل كثيرات غيرها غرّهن بُهرج الدنيا الخدّاع في تعجّل غريب ليقضوا بأيديهن على تلك النبتة النضرة التي طالما رواها الطرف الآخر بأحلامه وأمانيه ثم بجهده وعرقه، ذلك الإنسان النقي الذي أيقن في النهاية أنه لم يخسر شيئاً ذا قيمة ولكنه قد خسر الوهم وخسارة الوهم مكسب.

اليوم 226 أغسطس 2006 هو يوم زفاف العمدة على مَنْ قضى سنوات الغربة من أجل الارتباط بها، ما أجمل الحصاد بعد الصبر وطول الانتظار، وما أروع أن يتحول حلم الإنسان إلى حقيقة نتيجة جهده وعرقه وصبره.

كم كنت أتمنى أن أكون متواجداً في هذا اليوم لكنها الغربة التي باعدت بيننا وبين من نحب وحرمتنا من مشاركتهم أسعد اللحظات في حياتهم وحياتنا، فقد جعلت الغربة ارتباطنا بأحبائنا لا يتعدى مكالمة هاتفية بين الحين والآخر، وأجدني اليوم أسأل نفسي: ما قيمة أي شيء مقابل عدم تمكني من التواجد في مناسبة مثل هذه؟ لقد شعرت بالأسى لعدم مقدرتي على التواجد معه في أسعد أيام حياته ولكنني هربت من حزني إلى فرحته ففرحت معه وله ورحت أسجل ما أشعر به وأهنئه على زفافه.

آلاف الأميال تفصل بيننا ولا أملك من أمري شيئاً ،ولكني على يقين أن ما يخرج من القلب سيصل حتماً إلى القلب، ولهذا أجدني أردد من كل قلبي: ألف مبروك يا "عمدة" وبالرفاء والبنين بإذن الله.

Tuesday, August 15, 2006

بيان اعتذار من "حزب الثلاثة" إلى حزب الله

بعد أن وضعت الحرب على لبنان أوزارها، وبعد أن تبين لكل ذي عينين النصر المؤزّر الذي حققته المقاومة الإسلامية، وما سطرته من بطولات مذهلة فاجأت الأعداء والأصدقاء على حد سواء، وبعد أن انهارت تلك الأسطورة الوهمية للجيش الصهيوني والذي تبين أن قوته تكمن فقط في قتل الأطفال، وبعد أن انهزم الصهاينة شر هزيمة أمام مجاهدي حزب الله، وبعد أن عمّت مشاعر المحبة والتلاحم بين جميع أبناء هذا الوطن العربي الكبير والإسلامي الأكبر، واختفت الخلافات والاختلافات المذهبية بين المسلمين مما جعل كل هؤلاء يعتبرون هذا النصر ليس لحزب الله ولا للبنان فقط وإنما لكل عربي ومسلم يرفض الذل والمهانة، بل اتسعت هذه الفرحة والغبطة لتشمل كل مضطهد ورافض للهيمنة الأمريكية والغطرسة الصهيونية، وبعد أن ظهر جلياً هذا الانحياز الصارخ للإدارة الأمريكية إلى جانب إسرائيل بداية من عرقلة مشاورات مجلس الأمن لوقف الحرب في بدايتها ثم منحها إسرائيل أكثر من شهر لتنفيذ أهدافها التي فشلت في تحقيقها بفضل المقاومة الباسلة ثم سعيها إلى إنقاذ ماء الوجه لإسرائيل عبر محاولة تحقيق نصر دبلوماسي لتعويض الفشل العسكري، وبعد أن أُعلن مؤخراً أن الإدارة الأمريكية متورطة في التخطيط للحرب على لبنان قبل عملية الوعد الصادق وهو ما نشره الصحفي الأمريكي المتألق "سيمور هيرش" في مجلة نيويوركر 14 أغسطس الجاري.
كل هذه الأسباب وغيرها هو ما دفعنا نحن "حزب الثلاثة" إلى تحرير وإصدار هذا الاعتذار العلني، وقد يستغرب كثيرون من هذا الفعل، ولكن الحقيقة أن ما جعلنا ننزل من أبراجنا العاجيّة هو يقيننا أن التاريخ لن يرحمنا، والأجيال القادمة لن تغفر لنا لو تمادينا في موقفنا المتخاذل الذي اتخذناه في بداية الحرب عندما وصفنا عملية حزب الله "الوعد الصادق" بالمغامرة، بعد كل هذه الأسباب وغيرها رأينا أن نلحق بركب العزة والكرامة قبل فوات الأوان وعندها لن ينفع الندم، خاصة بعد أن اتسعت الهوة والفجوة بيننا كحكام وبين شعوبنا التي أجمعت على وجوب نصرة المقاومة ودعمها بشتى السبل.
الآن سيقول كل منا كلمته وليتفضل أكبرنا سناً زعيم الدولة الغنية وأول من أطلق شرارة هذا الموقف المتخاذل عندما وصفت إدارته المقاومة بالمغامرة، "ليقبل الشعب اللبناني والمقاومة الشريفة هذا الاعتذار مني على موقف قد بدر في لحظة لم أزن الأمور فيها جيداً، فعلى الجبهة الداخلية عندما اتخذت هذا الموقف المتخاذل لم أراع مشاعر الملايين من أبناء شعبي من الشيعة ولم ألتفت إلى ما قد ينتج عنه من مشاعر الغضب والحزن والإحباط، وهم مواطنون من بين نسيج الوطن الذي يمر بظروف صعبة ينبغي التكاتف بين مختلف أبنائه لمواجهة الخطر المحدق متمثلاً في العنف الداخلي الذي يهدد أمن البلاد، إضافة إلى المخططات الغربية الصهيوأمريكية لتقسيم البلاد، ولهذا ما كان ينبغي أن أتخذ ذلك الموقف، وما كان ينبغي أن تصدر تلك الفتاوى التي حرّمت دعم حزب الله ولا حتى الدعاء له وهي فتاوى أصدرها أناس أعلن أني بريء منهم إلى يوم القيامة، فالمقاومة في لبنان هي وسام على صدر كل عربي ومسلم، وليسامحني كل عربي ومسلم تسبب موقفي السابق في أي إحباط أو حزن أو خيبة أمل شعر بها وليغفر لي كل لبناني فقد عزيز عليه أو دُمّر منزله أو أتلفت ممتلكاته جراء التمادي الصهيوني في العدوان نتيجة موقفي السابق في بداية الحرب على لبنان، فنحن وإخواننا الشيعة قرآننا واحد ورسولنا واحد ومصيرنا واحد".
أما أنا صاحب مذهب "العقلانية" وزعيم الدولة التي من المفترض أن تكون أهم دولة عربية لما لها من ثقل تاريخي وإرث حضاري، أعبّر هنا عن تنصّلي التام من ذلك الموقف الذي لا يليق بسمعة ومكانة البلد الذي أجلس على مقعد الزعامة فيه، وأعترف أن هذه الدولة العظيمة قد تحولت في عهدي من دولة رائدة إلى دولة تابعة لا وزن لها ولا قيمة في ساحة السياسية الخارجية، لقد تبين لي من بسالة مقاتلي حزب الله أن قوة إسرائيل ومن ورائها أمريكا هي وهم لا أكثر، فقد بدّد رجال حزب الله ذلك الوهم الذي عشش في أذهاننا لعقود طويلة، لقد كانت مفاجأة لنا صمود حزب الله وهو ما جعلنا نغيّر من موقفا هذا مؤخراً، ففي مقابلة مع وكالة رويترز 14 أغسطس الجاري قال وزير خارجيتنا "إن حزب الله قاتل بشرف"، فقد أدركنا جميعاً هذه الحقيقة، وأنا كرجل عسكري أقول إن ما حدث يعتبر إنجازاً غير مسبوق في تاريخ الصراعات العربية الإسرائيلية، فقد تعوّدنا أن نبكي ونصرخ ونُهجّر نحن العرب فقط، لكن حزب الله أحدث التوازن الذي رأينا فيه الإسرائيليين يهجرون منازلهم ويلجأون للملاجيء تحت الأرض كالديديان، رأيناهم وهم يرتجفون ويُضربون في العمق وهو ما لم يحدث من قبل، وهنا أعلن عن اعتذاري لأبطال حزب الله ولكل مسلم وعربي عن ذلك الموقف المتخاذل، ومعلوم للجميع أن ما دفعني لاتخاذ كل موقف يُرضي سادة البيت الأبيض هو رغبتي الشديدة -بعد أن بلغت من العمر أرذله- إكمال "زفّة" المحروسة إلى عريسها الشاب المدلل، ولكن بعد اليوم لن أطلب المدد من أحد خارج حدود وطني، ولكني سألجأ إلى شعبي وسأترك له حرية الاختيار لأنه لا قيمة لحكم دون رضا الشعب وتوافقه واتفاقه على مَنْ سيحكمه في المستقبل سواء كان ذلك الشاب أو غيره.
أما أنا فقد تأخرت في الحديث لأني أصغركم سناً وربما هذا ما يحتفظ لي بقليل من العذر على ذلك الموقف، فقد وجدت اثنتان من أهم الدولة العربية تتخذان موقفاً كهذا فتسرعت كعادتي وأيدت موقفهما، وهو الموقف الذي يصب في مسيرة سعيي الدائم لنيل رضا السادة في البيت الأبيض غير عابيء بمشاعر شعبي وهذا خطأ جسيم، هذا الشعب الذي رأيت حجم الهوة والفجوة بيني وبينه عندما وجدته يخرج في مظاهرات حاشدة مؤيداً لموقف مجاهدي حزب الله، ويعلم الجميع أنني كنت قد حذرت في السابق من هلال شيعي على أساس أن إخواننا الشيعة خطرٌ علينا في المنطقة، ولكني أدركت الآن أن هؤلاء الشيعة الذين يمثلهم حزب الله لم يجلبوا للمسلمين والعرب إلا العزة والكرامة فهم ليسوا خطراً ولا حتى خطراً محتمل وإنما الخطر والعدو الحقيقي هو القابع على حدودي الغربية، أحكم دولة مصادر الدخل فيها محدودة وربما هذا هو ما يجعلني أسعى للحصول على الدعم من هنا أو هناك في مقابل مواقف تؤثر سلباً على وحدة أمتنا العربية والإسلامية، ولكني أعلنها من اليوم أن هذا لن يحدث مرة أخرى فالحرة تموت ولا تأكل بثدييها.
Photos From Reuters

Wednesday, August 02, 2006

سلطـان الذكـرى

لا أعرف كم يحتاج الواحد منا من الأيام والسنين كي يتمكن من نسيان وطيّ صفحة ماضية من حياته، وكم من الوقت لكي ينسى ما ألمّ به في الماضي من مواقف محزنة وأحداث لا يود أن يتذكرها، وهي بحق أمنية غالية طالما تمنى الواحد منا أن تتحقق، لأن مرور طيف الذكرى محملاً بأحداث وصور تلك المواقف يترتب عليه عذابات لا تُحتمل في حياة مَنْ عانى مرارة الأيام وقسوة السنين على أيدي من توهّم الوفاء فيهم، و مَنْ جاءته الطعنات مِن درعه الذي احتمى به واعتقد – لنقاء سريرته - أنه يقيه ضربات الزمن فإذا به يتحول إلى خنجر مسموم يتوجه في غدر إلى صدره المكشوف ليستقر في أعماق قلبه الذي كان بيتاً وملاذاً آمناً له وحده، وما تلبث حياته أن تتلون بألوان داكنة قاتمة، وخاصة عندما يسلب الله الإنسان نعمة النسيان فيكون ذلك إيذاناً باللوعة والمعاناة في تذكر ما لا يود أن يتذكره وفي سعي دائم إلى نسيان لا يستطيع إليه سبيلاً، وتصل المعاناة ذروتها مع بزوغ فجر "آب"* من كل عام فنجده يردد:"آب" حزين يأبى أن يفارقني ** مع ذكريات شتى عن معاناتي.

وتتضاعف معاناة ذلك الذي يتناسى ولا يستطيع عندما يتذكر أنه لم يقترف إثماً ولا جريرة، وربما كان قد سعى قدر استطاعته في سبيل تحقيق ذلك الهدف، إلا أن هناك أُناساً غرّهم بُهرج الدنيا الخدّاع في تعجّل غريب ليقضوا بأيديهم على تلك النبتة النضرة التي طالما رواها بأحلامه وأمانيه ثم بجهده وعرقه، ولكن لا أدري لماذا إذن يحزن ذلك النقيّ الذي لم يدّخر جهداً في سبيل تحقيق هدفه رغم الصعاب، فلا يجب أبداً أن يستسلم لذلك الحزن لأنه في الواقع لم يخسر شيئاً ذا قيمة ولكنه قد خسر الوهم وخسارة الوهم مكسب.

كلمات رائعة ومعبرة قرأتها منذ أكثر من ثلاثة أعوام لأحد الكُتّاب ولا أزال أذكرها، فقد تحدث عن فكرة خسارة الوهم فقال ".. وهي فكرة يمكن تعميمها على أي شيء يختبره الإنسان ثم يكتشف فجأة أو بعد تجربة أنه لم يكن عند مستوى ما فكرة فيه أو شعر به. ومن ثم فإنه عندما يتنازل عنه أو يرفضه أو يغير فكره ومشاعره نحوه فإنه لا يخسر في الحقيقة شيئاً مهماً. وإنما يخسر الوهم الذي عاشه تحت سطوة الفكر والشعور الخاطئ. فأنت عندما تحب امرأة وتتوله في حبها ثم تكتشف خيانتها أو أنها عبيطة وبشعة من داخلها ولا تقدر قيمة عواطفك نحوها ثم تأخذ قرارك بنفيها من عالمك أو تجفيف مشاعرك نحوها .. عندما تفعل ذلك .. أنت لا تخسر هذه المرأة التي أحببتها وإنما تخسر وهمك فيها .. وهمك بأنك أحببت من لا يستحق.وهكذا .. انظر إلى أفكارك التي اكتشفت خطأها ومشاعرك التي أيقنت أنها صرفت تجاه من لا يستحقها.. انظر إليها بفكرة خسارة الوهم.. ستستريح جداً.. وستبدأ وهماً جديداً.. لكن وفي كل مرة عندما تكتشف وهمك تراجع فوراً وقل في نفسك: إنني خسرت الوهم.. لم أخسر شيئاً ذا قيمة.. لأنك أنت القيمة في الحقيقة وقيمتك تأتي من مشاعرك ونظافتك ومحبتك التي بذلتها حتى لمن كانوا وهماً في حياتك."

نعم، لا يجب أن يحزن الإنسان أو يلوم نفسه على نقائه وطهارته ونبل هدفه حتى لو كان ذلك وبالاً عليه، ولكن على العكس لابد أن يشعر بالفخر والزهو لأنه كان مترفعاً عن كل ما يعكر نقاء الصورة التي حلم بها وسعى جاهداً لكي يرسمها على أرض الواقع بكفاحه وعرقه، وحاول نسج خيوط تلك الحياة التي يتطلع إليه بمثابرته وصبره على ظروف من صنيعة آخرين وجد نفسه فيها ولم تكن أبداً وليدة اختياره، بل إنه سعى بكل ما أوتي من قوة أن يغير تلك الظروف ويتغلب عليها مهما كلفه ذلك في سبيل تحقيق هدفه الأسمى الذي طالما تطلّع إليه.

ولكن ذلك كلاماً نسطره بينما يصدع الواقع بحقيقة أخرى، وهي أن الأمر ليس بأيدينا فهناك أشياءً خارجة عن إرادة الإنسان، مثل رمشة العين وخفقان القلب وليس هناك من سبيل للتحكم فيها، فكم تمنى وحلُم هؤلاء الذين يعانون مرارة الذكرى بوسيلة سحرية ناجعة لكي يظفروا بتلك النعمة العظيمة.. نعمة النسيان لكي يتخلصوا إلى الأبد من سطوة تلك الذكريات المريرة، فهل هناك من سبيل إلى تلك الوصفة السحرية وهل هذا ممكناً حقاً ؟

تأتينا الإجابة على ذلك السؤال من تساؤل آخر يطرحه الشاعر أحمد رامي ذو الحس المرهف في قصيدته الرائعة "ذكريات" فيتساءل: "كيف أنساها وقلبي لم يزل يسكن جنبي ؟" فهنا يكمن السر وذلك هو موطن الداء، فطالما أن هناك قلباً يخفق وفؤاداً ينبض بالحياة لن تتحقق غاية النسيان ولن يحصل ذلك الشقي على مراده ولن يتمكن من نسيان تلك الذكريات المرة، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً وتشاء إرادته عز وجل أن يريح هذا الكائن الشقي من تلك الحياة التي لم يتمنْ فيها شيئاً وناله، حتى عندما وجد الحلم يدنو منه توهم أنه قد قبض بيديه الطاهرتين على الدنيا وتوهّم أن الله يكافئه عن كل ما لاقى من شقاء في هذه الدنيا الظالم أهلها واعتقد أن وقت الجزاء قد حان لكي يُكافأ على صبره ومثابرته ومعاناته طوال سنوات طويلة من الحرمان، ولكنه أفاق من غفوته التي طالما تمنى أن تطول ليدرك أن الأمر لم يكن أكثر من أضغاث أحلام وأن من كُتب عليه الشقاء يلازمه ولا يفارقه إلى أن يغادر هذه الدنيا ربما يجد راحته هناك.. في دار العدل.

وأختم بهذه الأبيات للشاعر العراقي حسن المرواني :

دَعْ عنك لَوْميْ وَأعزفْ عَنْ مَلامَاتي
إنْي هَويتْ سَريعاً مِنْ مُعاناتي
****
أنا الذي ضاع لي عامان من عمري
و باركت وهمي و صَدّقت افتراضاتي
****
عامان ما رفّ لي لحن على وتر
و لا استفاقت على نور سماواتي
****
عندي أحاديث حزن كيف أسطرها
تضيق ذرعاً بي أو في عباراتي
****
غداً سأذبح أحزاني وأدفنها
غداً سأطلق أنغامي الضحوكات
-------------------------
* "آب" (شهر أغسطس) وهو الشهر الثامن في التقويم الميلادي

Sunday, July 30, 2006

أيها المُغامر..نحن معك

جاهلية الموقف الرسمي العربي، هذا باختصار هو ما يوصف به موقف الحكومات العربية تجاه الحرب الإسرائيلية الشاملة على لبنان العربية، أصف الموقف بالجاهلية لأنه بالفعل ينطلق من خلفية مقيتة تعود بنا إلى عصر الجاهلية الأولى وتعيد بثّ الفرقة بين المسلمين في وقت يستدعي التوحد ونبذ الفرقة أكثر من أي وقت مضى.

هذه السُنّة السيئة التي تبنت هذا الموقف ذو الخلفية الطائفية سنتها حكومة السعودية في إشارة ضمنية ثم أصبحت صريحة مفادها أن حزب الله شيعي ولا يجوز أن ندعمه أو نقف بجانبه أو نقاتل تحت رايته!

وبمجرد أن يتلفظ أحد المسؤولين العرب بكلمة أو يتخذ موقفاً ما نلبث إلا أن نجد زمرة المطبلين والمهللين والمؤيدين لهذا الموقف حتى وإن كان رأياً يتبنى موقف الأعداء، وهذا ما رأيناه في فتاوى بعض العلماء في المملكة تدعو إلى عدم جواز دعم حزب الله أو حتى الدعاء له بالنصر وبلغ هذا العداء مداه لدرجة أن أحد هؤلاء "العلماء" قالها صراحة أنه يتمنى هزيمة حزب الله في حربه ضد اليهود!

ولكن كعادته دائماً –بارك الله فيه وأدام لنا في عمره- جاءنا الموقف الحازم من فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي ليقشع الغمة ويزيح الغمة ويُطمئن من كان لديه أدنى شك في جواز دعم حزب الله، فقال أنه يتوجب على جميع المسلمين دعم حزب الله الذي يدافع عن أرضه وعرضه.

هذا الموقف المُخزي للملكة العربية السعودية تبنته مصر والأردن ولكل أسبابه الخاصة، ففي حين غلفت هذا الموقف السعودي خلفية طائفية مقيتة؛ فإن موقف مصر أراه حلقة لا تنفصل عن مسلسل مهين من الانبطاح والزحف تحت أقدام الهيمنة الأمريكية والتقرب إليها عبر بوابة تل أبيب لعله ينول المُراد ويكمل الزفة دون غضب الآلهة في البيت الأبيض، أما موقف الأردن ففي رأيي لم يثر أية علامة استفهام حيث أن سجلها "مشرّف" في مثل تلك المواقف.

اتفقت الحكومات الثلاث على وصف حزب الله بالمغامر ورد عليهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بأنه مغامرات الحزب تجلب العزة والكرامة والشرف لأمته، وأضم صوتي لصوته راجياً منهم أن "ينقطونا بسكاتهم" فالسكوت من ذهب في مثل هذه المواقف، فليتهم صمتوا بدلاً عن هذا التواطؤ المعلن وهذه الرجعية وهذه الاندفاع غير العقلاني إلى أحضان الغطرسة الأمريكية والصهيونية.

أعتقد أنه من السخف ونحن نرى لبنان تحترق أن نلوم المعتدي عليه وأن نوجه سياط اللوم إلى من جعلونا نشعر أننا ما نزال أحياء وما نزال نملك من بقية كرامة أهدرت على مدار السنين بفعل مواقف حكام أرانا الله فيه يوماً يكونون فيه عبرة لمن يعتبر.فليس من المقبول أبداً في مثل هذه الظروف أن يتحدث أحد عن سنة وشيعة ونحن في مواجهة عدو مشترك لن يرحم أحداً، فاليوم لبنان وبالأمس العراق والبقية تأتي، ليقولوا أكلنا يوم أكل الثور الأبيض.

نصر الله -نصره الله- أعاد لنا الأمل في كسر شوكة هذا الجبروت والتعنت الصهيوني، ورأينا ولأول مرة إسرائيل تُضرب في العمق، ويكفي أن ثلث سكان إسرائيل يبيتون مثل الديدان تحت الأرض في الملاجيء فلم نعد نحن فقط من تبكي نساؤنا ويصرح أطفالنا وتهدم بيوتنا فهناك على الجانب الآخر في قلب إسرائيل من يشاركنا هذه المآسي لكي يذوقوا ما تعودنا عليه منذ عقود.
وأختم من قول ربنا "ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم "
آل عمران آية 105

Monday, July 03, 2006

ازدواجية عربية على الهواء

نصرخ ونشكو نحن العرب ليل نهار من ازدواجية الغير في التعامل مع قضايانا ونتهم – عن حق- أمريكا والغرب بالكيل بمكيالين إزاء القضايا العربية العادلة، ولكننا لو دققنا النظر قليلاً في أنفسنا لوجدنا أننا نحن العرب أيضاً نمارس هذه الازدواجية باحتراف، حيث نتعامل بنظرة مزدوجة مع الكثير من الأمور.

لعل من أخطر مساويء الشخصية العربية هي انطوائها على نظرة وتوجه مزدوج في التعامل مع الموضوع الواحد، ويتجلى ذلك واضحاً على المستوى الفردي عندما تباغت الفتاة "حبيبها" العربي بقولها: هل ترضى أن تكون أختك في مكاني هذا في هذه العلاقة معك دون زواج؟ فما يلبث أن يتلعثم صاحبنا ويغرق في "شبر" من الماء الثقيل، ويهذي بكلمات غير مفهومة ولا ينقذه من هذه الموقف الصعب إلا عندما تعمد رفيقته إلى تغيير موضوع الحديث بعد أن أيقنت وعلمت الرد على سؤالها.

فالإنسان العربي-إلا من رحم ربي- يرضى لنفسه أن يصاحب ويرافق ويتواعد مع من يشاء من فتيات وبنات الآخرين ولكنه في الوقت نفسه لا يرضى أن يحدث نفس الشيء مع أخته أو ابنته مثلاً، وهذا ازدواجية تنطوي على أنانية وفرعونية متغطرسة لا ترى إلا نفسها في مجتمع ذكوري يمجّد أفعال الرجال مهما انطوت على نواقص ومساويء وعيوب، وإذا جادله أحد أو بالأحرى إذا حاولت إحداهن أخته أو إبنته أو حتى زوجته في هذه الازدواجية القميئة فتجده يقول بلا خجل ولا وجل "أنا رجل أفعل ما أريد أما أنت فأنثى والمحظورات بالنسبة لك يجب أن تجتنب أما أنا فمحصّن ضد كل هذا "، وكأنه لا يرى -لضيق أفقه وعمى بصيرته- أن الرجولة ما هي إلا طبيعية فسيولوجية لا دخل له فيها، فهو لم يجتهد للوصول إلى هذه الصفة الفسيولوجية ،ولكن الله خلقه هكذا، فهي ليست ميزة مكتسبة بالنسبة له كما أن كون المرأة أنثى ليس عيباً فالكل سواء، لكنه وبحماقته المعهودة دائماً لم يعي ويفهم ويدرك أن الرجولة سلوك قبل أي شيء آخر.

هذا نموذج بسيط على المستوى الفردي في الشخصية العربية، أما على المستوى الجماعي المتمثل في سياسات الدول نجدها لا تختلف كثيراً في ازدواجية المعايير عن أسلوب ذلك العربي العاشق، ففي فترة من الفترات كانت تسعى دولة عربية نفطية كبرى إلى دعم الجهاد في أقاصي الأرض عبر تصدير المجاهدين وإغداق الأموال على تلك الغاية المثلى، حيث كانت ترى أن الجهاد ضد المعتدي الغازي في تلك الدولة المسلمة البعيدة فرض عليها الوفاء به، في حين تتجلي الازدواجية في أسخف صورها إذا علمنا أن هناك أرض عربية محتلة في فلسطين التي هي على مرمى حجر من تلك الدولة التي تدعم المجاهدين في أقاصي الأرض فهل الجهاد هناك فرض وهنا لا يجوز؟!

وتتضح تلك الازدواجية القميئة أكثر بعد مرور ما يزيد عن عشرين عاماً عندما تم احتلال دولة عربية إسلامية أخرى مجاورة لها وفي هذه المرة لم تكتف بالصمت ولم تدعم المجاهدين للدفاع عن أرضهم بل ساعدت المحتل المغتصب، فهل الجهاد ومساعدة المجاهدين في أقاصي الأرض منذ عشرين عاماً كان حلالاً والآن صار رجس من عمل الشيطان؟!

في مايو 2005 ثار المسلمون وهاجوا -ومعهم كل الحق- في مظاهرات غاضبة احتجاجا على تدنيس المصحف الشريف في معتقل جوانتنامو واستنكر الجميع ذلك العمل الشنيع، ولكن عندما قام بنفس الفعل مؤخراً مدير أحد السجون في دولة عربية إفريقية لم يتحرك أحد ولم يحتج أحد على هذا الفعل في هذه الدولة "الدلوعة" المسكوت عنها، فهي دلوعة العرب والغرب على حد سواء، وصمت الجميع صمت القبور، ولكن إن حدث هذا في الغرب أو في أي دولة من المغضوب عليهم لثارت ثائرة الثائرين ونادوا الموت لهم ثم الموت!
وفي مايو الماضي أفادت الأنباء بأن المسؤولين في هذا الدولة"الدلوعة" المسكوت عنها إبتدعوا وسيلة مبتكرة للتضييق على الملتزمين بأهم فروض دينهم، ولم يحظى هذا الخبر الهام جداً على أي أهمية تذكر في إعلام بلاد العرب.

بعد أن ثبت مما أوردناه من أمثلة أننا نحن العرب نمارس ازدواجية المعايير على أوسع نطاق؛ فلماذا كل هذه الشكوى من ممارسة أمريكا والغرب سياسة الكيل بمكيالين تجاه قضايانا ؟ ألسنا نشاركهم نفس الازدواجية بامتياز؟!
Picture from:www.balagh.com

Tuesday, June 27, 2006

فقه الدفاع عن ثقافة الحذاء

عندما يتوارى القانون وينزوي جانباً تحل محله ثقافة القوة وشعار أخذ الحق "بالذراع" وفي الحال إذا لزم الأمر، وهو ما يعود بنا إلى عصر الظلمات، وهذا ما نجده واقعاً في مصر هذه الأيام، فالكثيرون يحصلون على أحكام قضائية لا يتم تنفيذها، خذ على سبيل المثال جريدة الشعب
وحزب العمل حصلا على أكثر من أربعة عشر حكماً - في عين العدو - ولم ينفّذ حكماً واحدا !

هذا التجاهل المتعمد وعدم الاكتراث بأحكام القانون والالتزام بها من قِبل الدولة التي يجب أن تكون القدوة في تنفيذ القانون؛ نتج عنه بروز ثقافة أخرى بديلة وهي "ثقافة الحذاء".

اللجوء إلى الحذاء أو "الجزمة" في حسم الخلافات هي وسيلة ليست جديدة في أوساط العامة في قيعان المجتمعات بين الغوغاء الذين لا عتب لنا عليهم، وفيه تستخدم تلك الأداة للإيذاء المعنوي والنفسي قبل الإيلام البدني، ولكن في الفترة الأخيرة ظهرت هذه السنّة السيئة في أوساط الصفوة التي من المفترض أنها "كريمة" المجتمع المصري.

بدأها المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الذي قال " في حال وصول الإخوان إلى السلطة وحصولهم على الرئاسة، فإن جزاء من يعارضهم هو الضرب بالجزمة!! هكذا نشرت كل من جريدة الخميس والمصور وروزاليوسف وذلك في حوار أجراه معه الطالب طارق مصطفى في السنة الرابعة بكلية الإعلام والحوار جزء من مشروع تخرجه.

وفي 24/4/2006 وأثناء اعتصام القضاة بناديهم وسط القاهرة قام أحد رجال الشرطة بالتعدي بالحذاء على المستشار محمود عبد اللطيف حمزة رئيس محكمة شمال القاهرة أثناء محاولته تصوير اعتداء رجال الشرطة على المتظاهرين المتضامنين مع القضاة، ويتبين من هذه الواقعة أن استخدام هذه الوسيلة لم يعد حكراً على الأفراد العاديين فيما بينهم، لأن السلطة التنفيذية ممثلة في رجل الشرطة تلجأ إليها أيضاً، وهو ما يؤكد جاذبية هذه الوسيلة ونجاعتها !!

وفي مبنى البرلمان المصري حيث يجتمع ممثلي الشعب وفي جلسة 30 مايو 2006 همّ النائب طلعت السادات بضرب أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني الحاكم بالحذاء عندما رد الأخير عليه باستخفاف وهو يسأله عن ثروته التي تقدر بأربعين مليار جنيه فقط لا غير !!

وبما أن الشيء بالشيء يُذكر أقول إنه عندما شاهدت النائب طلعت السادات على قناة دريم يصرح أنه وبالمستندات يستطيع إثبات أن أحمد عز كوّن هذه الثروة الطائلة (40 مليار جنيه) في أربعة سنوات فقط؛ تحسّرت على نفسي واتهمتها بالفشل الذريع، لأنني أعمل منذ أن تخرجت من الجامعة يعني تقريباً ضعف عدد السنوات التي أنجز فيها هذا الشاب المعجزة هذا المبلغ الكبير، ورغم كل هذه السنوات من العمل إلا أنني لم أتمكن حتى من تدبير قيمة منزل متواضع في أحد أقاليم الصعيد البائسة علاوة على أنني لا أعرف كم صفراً على يمين هذا الرقم المهول!!

نعود إلى موضوعنا "ثقافة الجزمة" ومثال آخر حدث مؤخراً في نهائي كأس مصر لكرة القدم 16/6/2006 في مقصورة إستاد القاهرة وبطل القصة هذه المرة هو رئيس محكمة سابق ورئيس ثاني أكبر الأندية الرياضية في مصر، نادي الزمالك، المستشار مرتضى منصور الذي خلع الحذاء وهدد به أمين صندوق نادي الأهلي في الشوط الأول من المباراة التي انتهت بفوز الأهلي ثلاثة صفر بس !!

أعتقد أن الغالبية الساحقة من بني البشر تستهجن وتستنكر ولا تقبل أبداً هذا السلوك غير الحضاري وغير الأخلاقي بالمرة، ولهذا كان غريباً ومُلفتاً أن نجد من بيننا من يدافع عن هذا السلوك الوضيع، هل يتصور أحد أن هناك من يدافع عن شخص استخدم حذاءه أو "جزمته" في حسم الخلاف أو الحوار مع الآخرين ؟ نعم حدث عندما قرأت في الراية القطرية مقالاً للأستاذ سالم المراغي(22 /6/2006) يقول فيه " ...كان طبيعياً أن ترتفع الأحذية يوم الجمعة الماضي في المقصورة الرئيسية" ثم وجدته يبرر لرئيس نادي الزمالك فعلته غير الأخلاقية فيقول " ثار مرتضي منصور وعنده كل الحق" ! علامة التعجب من عندي لأني لا أدري أي حق هذا الذي يسمح له أن يرفع الحذاء في وجه زميله ممثل النادي المنافس وفي حضور مندوب رئيس الجمهورية ؟!!


Wednesday, May 24, 2006

! في أصول المسألة التونسية
كان هذا هو عنوان مقال نشرته الراية القطرية منذ أكثر من عام ونصف (27 أكتوبر 2004) للكاتب المصري سليم عزوز، تحدث فيه بإطناب عن التجربة التونسية "الرائدة" في الديمقراطية التي ترفل فيها تونس الشقيقة، ولم يخف الكاتب انبهاره بها لدرجة أني شعرت حينها أنه يتحدث عن إحدى الدول الإسكندنافية وليس عن تونس التي لا تشذّ عن مثيلاتها العربية في سجل الحرية وحقوق الإنسان التي يجب أن تُحترم قبل أي حديث عن الديمقراطية، وعندما نتحدث عن انتخابات فهي مظهر من مظاهر الديمقراطية تأتي بعد الحرية وليس قبلها وإلا فإن القوم يفعلون كمن يضع العربة أمام الحصان.

غرام الكاتب وشغفه وولعه وإعجابه بطعامة وحلاوة ورقة ونزاهة الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تونس جعلته يقول كلاماً تصورت حينها أنه قد حدث خطأ في كتابة اسم الكاتب، وأنه لا يمكن أن يكون هذا الذي يحرص الكثيرون على قراءته وأنا منهم أن يقول هذا الكلام الذي لا يصدر إلا من نوعية من الكتّاب ليس منهم سليم عزوز في شيء، وهو ما جعل زميله على صفحات الراية الأستاذ منتصر الزيات عُرضة لوساوس الشيطان، فيعلّق على كلامه بعد ثلاثة أيام فقط في الراية (30 أكتوبر 2004) فيقول "...سليم عزوز الذي راح يحدثنا عن ديمقراطية تونس وجمالها وعفتها بل وعذريتها وكأنه وحده الذي يراها بتلك العين فعزوز لم ير في المعارضة كيانا حقيقيا ولم يستسغ أصواتاً من المعارضة اعترضت علي ما جري واستنكر عليهم أن يقارنوا بين تلك النسب المئوية الرهيبة في الولايات الثلاث السابقة ذات التسعات المقفلة وبين النتيجة الأخيرة، أنا أقدر دائما ما يكتبه عزوز وأثق في نزاهة ما يكتبه لأنه ليس من نوعية الكتاب الذين يسهل شراء قلمهم ولهذا أحاوره حتي من منطلق حبنا المشترك لتونس فالمؤكد أنها كغيرها من بلادنا العربية تحتاج إلي جرعات متزايدة من الإصلاح السياسي الحقيقي دون الإطناب في تعليمنا ضرورة تبني سياسة الجرعات فسليم عزوز يري في تلك الخطوات البطيئة المتثاقلة التي اتخذها النظام في تونس نقلة حضارية".

ونحن نتحدث عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان لا يجب أن نغفل تقرير منظمة العفو الدولية الصادر قبل أيام (الثلاثاء 23 مايو 2006) وهي أهم منظمة غير حكومية تعنى بحقوق الإنسان، ونشير هنا فقط إلى لمحات سريعة من التقرير في الجزء المتعلق بالدولة موضوع النقاش -تونس- حيث يقول التقرير " ظلت حرية التعبير تخضع لقيود مشددة. استمر تعرض المدافعين عن حقوق الإنسان للمضايقة كما تعرض بعضهم للعنف الجسدي. وخضع كثير من المدافعين عن حقوق الإنسان، هم وأفراد أسرهم وأصدقاءهم، للمراقبة من جانب السلطات، كما فُرضت عليهم قيود تحد من أنشطتهم بشدة. ظل الأفراد عرضة لخطر السجن والمضايقة والترهيب بسبب معتقداتهم التي لا تنطوي على العنف. حُكم على عشرات الأشخاص بالسجن لمدد طويلة بعد محاكمات جائرة بتهم ذات صلة بأنشطة الإرهاب. واستمر ورود أنباء عن التعذيب وسوء المعاملة. وظل مئات من السجناء السياسيين، وبعضهم من سجناء الرأي، يرزحون في السجون، وما برح كثير منهم محتجزين منذ ما يزيد على 10 سنوات. واستمر ورود أنباء عن احتجاز سجناء رهن الحبس الانفرادي وحرمان بعضهم من الرعاية الطبية في السجون، برغم وعود الحكومة بوضع حد للحبس الانفرادي لفترات مطولة. وما برحت حرية التعبير وتكوين الجمعيات والانضمام إليها تخضع لقيود مشددة."

ما جعلني أتذكر هذا المقال العجيب هو خبر غريب نشرته (مفكرة الإسلام) نقلاً صحيفة صوت الحق والحرية التونسية 16 مايو الجاري عن إعلان وزير الداخلية التونسي الهادي مهنِّي في مؤتمر صحفي أنه سيتم عمل بطاقة مغناطيسية لكل مصلٍّ لتنظيم الصلوات في المساجد.! وأن مصالح وزارة الداخلية ستقوم بتسليم كل مَنْ يتقدم بطلبها بطاقةً تمكّنه من ارتياد أقرب مسجد من محل سكناه أو من مقرِّ عمله إذا اقتضت الحاجة.وستحمل البطاقة صورة المصلي وعنوانه واسم المسجد الذي ينوي ارتياده, ويجب على المصلي اختيار أقرب مسجد لمكان إقامته أو لمركز عمله، أما إذا كان المسجد المختار غير جامع فيجب على المصلي التقدم بطلب بطاقة خاصة بصلاة الجمعة، كما أنه يجب على أئمة المساجد أن يتأكدوا من أن جميع المصلين داخل قاعة الصلاة حاملون لبطاقاتهم, كما يتعيَّن على كل إمام طَرْدُ كل مصلٍّ لا يحمل بطاقةً أو على بطاقته اسم مسجد آخر غير الذي يصلي فيه، وأضاف الوزير أنه يمكن للسيَّاح المسلمين أن يطلبوا بطاقةَ مصلٍّ عند نقاط شرطة الحدود، وأشار إلى أنه سيتم تزويد كل المساجد بآلات مغناطيسية لتسجيل الحضور؛ حيث يتعيَّن على كل مصلٍّ تسجيل حضوره عند الدخول إلى المسجد وعند خروجه منه، ويقوم الإمام بجمع أوراق تسجيل الحضور وتقديمها شهريًّا إلى الدائرة الحكومية التي يتبع لها المسجد.

عندما يتحدث أحد عن الديمقراطية والحرية في بلد ما بطريقة "خدوا عيني شوفوا بيها " فله كل الحق في ذلك على أساس أن للناس فيما يعشقون مذاهب، ولكن يجب ألا يعميه هذا العشق عن زوايا أخرى قاتمة من الصورة ربما يكون قد أهملها عن عمد نظراً لتطابق وجهة نظره فيها مع التوجه السائد لدى مَنْ امتدح عظمة ديمقراطيته وشعبيته التي لا وجود لها وسياسة تجفيف المنابع التي يتبناها، وما يجب التأكيد عليه هو أن حرية ممارسة الشعائر الدينية يجب أن تأتي على رأس كل الحريات فلا يُضطهد إنسان بسبب تدينه ولا يتم التضييق عليه لالتزامه بشعائر دينه، وهذا ما جعل أوروبا والغرب في فترة ماضية قِبلة المضطهدين من الدول العربية، حيث نال هؤلاء في بلاد الغرب حرية دينية لم يجدوها في بلدانهم الأصلية.

ولا أدري لماذا تخاف بعض الأنظمة العربية من التزام شعوبها دينياً ؟الملتزم بصحيح الدين في وجهة نظري سوف يعمل على صلاح المجتمع الذي ينتمي إليه، فالشاب الملتزم لن يسرق أو ينهب أو يُفسد في الأرض، كما أنه لن "يلهف" أموال البنوك ويهرب بها للخارج، ولن يقف في الطرقات لمضايقة الفتيات ولن يعتدي على أحد، وسوف يسعى في خدمة المجتمع الذي يعيش فيه لا إلى هدمه وتقويضه، فالإنسان الصالح هو لبنة في بناء متكامل هو المجتمع وإن صلحت هذه اللبنة صلح المجتمع كله،والالتزام بصحيح الدين يوفّر قوة إيمانية تدفع الإنسان في الاتجاه السليم الذي يقود إلى نهضة المجتمع ورفعته، إذن لماذا تخاف بعض الأنظمة من عودة الناس إلى دينهم؟ولماذا كل هذه الحلقات المتتابعة في مسلسل تجفيف منابع التدين ؟

Saturday, May 06, 2006

مُفارقة من الواقع

يحلّ في هذا الشهر "يوم" أو "عيد" ميلاد صديق جديد له، وقد يجدها مناسبة للحديث عن تجربته مع هذه المناسبة والاحتفال بها، فعندما يسمع صاحبنا عن مثل تلك المناسبات والاحتفاء بها ترتسم على وجهه ابتسامة لا تخلو من سخرية، وهو لا يدري أيسخر من الآخرين أم على نفسه يتحسّر، فقد تعوّد صاحبنا أن يتجاهل يوم مولده من كل عام ونادراً ما يشير إليه وقلما تحدث عنه نظراً ليقينه أنه يوم لا يستحق الاحتفال به أو حتى مجرد تذكره ولن يكون مبالغاً إن قال إنه يوم يأتي على رأس قائمة الأيام التي لا يرغب حتى في تذكرها.

وربما ترجع وجهة النظر تلك إلى نشأته في مناخ اجتماعي بسيط لم تكن مثل هذه المناسبات تلقى أدنى اهتمام من أحد ممن كانوا حوله، فالجميع كان يشغلهم ما هو أهم في حياة صعبة يمر اليوم منها وكأنه دهر، في حياة يأبى اليوم فيها أن يغادر بثقله وهمومه ومشاكله، يتهادى اليوم ويتباطأ كأنه ليل طويل وصفه امرؤ القيس قائلاً :
وليل كموج البحر ارخى سدوله **عليّ بانواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه ** واردف اعجازا وناء بكلكل
الا ايها الليل الطويل الا انجلي** بصبح وما الاصباح منك بامثل

هكذا كانت حياته تماماً مثل ذلك الليل الثقيل الذي ضجر منه شاعرنا امرؤ القيس، وفي ذلك الوسط الاجتماعي البسيط نشأ، فأحياناً كان يتذكر يوم مولده وأحياناً أخرى يتذكره بعد أن يكون قد غادره ببضعة أيام، وفي كل الأحوال لم يحاول أن يلفت انتباه أحد أن هذا اليوم الذي مضى هو يوم مولده، ليقينه أنه لن يهتم به أحد وإن حدث فلن تزيد عن ابتسامة في الغالب تكون مصطنعة يخرج معها تعبير "قياسي" يُطلق في مثل تلك المناسبات ولسان حال مُحدّثه يقول له" إنك تهتم بسفائف الأمور"،ولا عجب في هذا،إذ أن الاهتمام بمناسبة كهذه في مثل تلك الظروف يعتبر ضرباً من الرفاهية التي لا حيز لها في تلك البيئة القاسية.

ومنذ أن اشتد عوده كان ولا زال دائم الحرص على الإحتفاء -على طريقته الخاصة- بذلك اليوم الذي خرج فيه إلى هذه الدنيا لأنه وببساطة كان يضعه مكشوفاً أمام فشله على جميع الأصعدة، وستعجب إن قلت لك إن الذين يعرفونه جيداً يرون فيه نموذجاً للشاب الناجح المثابر، لكن نظرته لنفسه تتناقض مع نظرة الناس له،ربما لطموحه الزائد وحماسه المعهود ولهذا يبدو كل إنجاز يحققه خطوة صغيرة لا تكاد تبين، فيرى في يوم مولده مناسبة لجلد الذات وحصر الإخفاقات،فيبحث عن مكان هاديء يجلس فيه منفرداً ثم يباغت نفسه بالسؤال: ذاك عام مضى ماذا أنجزت فيه ؟ وتتوالى الأسئلة الصعبة وترتفع درجة الإحباط والأسى على ماض أحاطت به هالات من الإخفاق حسب رأيه.

يصل الإحباط إلى مداه في محاسبة ومراجعة الذات لسنوات طويلة مضت يسرد فيها بينه وبين نفسه كشف حساب يتجاوز ذلك العام الذي مضى إلى سنوات عديدة مضت،يقضي الساعات في هذه الجلسة الطويلة منفرداً شارداً في استرجاع ما مضى من أحداث ومواقف وقرارات وخطوات اتخذها وهل ثُبت مع الزمن صحتها أم أنها كانت خطىً مشاها خطأ؟!
وبينما يسترجع تلك الحقب يجد نفسه ودون إرادة ولا حتى رغبة منه يتعثر في ذكريات مؤلمة لا يود أن يتذكرها وكم تمنى أن يتخطاها في ذلك السرد التاريخي، ثم ما يلبث أن ينحدر إلى واد آخر سحيق من الأحداث المريرة تأخذه في دوامة مؤلمة، لكنه يتمالك نفسه ويستعيد توازنه مستغرباً ذلك الحضور الغريب لتلك الأحداث القاتمة حيّة في مخيلته رغم مرور السنوات وكأنها حدثت بالأمس القريب، يهرب بسرعة من شراك تلك الذكريات الغير مرغوبة والتي قد ظنّ خطأ أنه قد تجاوزتها منذ سنوات، بسرعة ينجح في الهرب من شراكها ثم تتوالى الأحداث وتتقارب حتى يصل إلى هذه "اللحظة الصامتة"، ينظر في ساعته فيدرك أن الوقت قد مر بسرعة غريبة، يلتفت حولي ويتشبث بالواقع ويدرك أن الماضي قد ولّى بلا رجعة، يشكر الله على ما قد اختاره له، ثم يعود إلى الحاضر الذي هرب منه متطلعاً إلى المستقبل الذي يخاف منه.

لقد أدرك صاحبنا أنه ابتعد كثيراً عما يجب أن يردده- مثل الآخرين- على مسامع صديقه الجديد فاستدرك الأمر قائلاً "معذرة صديقي فقد ابتعدت كثيراً عن المناسبة التي تنتظرها في مايو من كل عام وتعتبرها "أحلى" مناسبة في حياتك، وتترقبها عائلتك الصغيرة المثالية للتعبير عن حبها واهتمامها ورعايتها لك والتي ترسم في مثل تلك المناسبات لوحة جميلة تنطق بقيمة التماسك والتلاحم والتناغم العائلي، والذي لو تدرك قيمته حقاً لسجدت لله آناء الليل وأطراف النهار شكراً على هذه النعمة العظيمة التي أنا على يقين أنك مهما طال بك العمر ومهما حدثك عنها مَنْ حُرم منها فلن تدرك عظمة هذه النعمة.

Tuesday, May 02, 2006


عبقـرية الفكـرة وبراعة التنفيذ

مَنْ مِن الزعماء والمسؤولين وصانعي القرار العرب فكّر في جمع شمل العلماء العرب النابغين المغتربين للإستفادة منهم؟ مَن منهم فكر في قيمة هؤلاء ومدى إمكانية الإستفادة من خبراتهم وعلمهم في تحقيق نهضة عربية شاملة؟ مَنْ منهم أدرك أن الغرب المتغطرس والذي لا يكلّ من توجيه الصفعات لنا لا يفعل ذلك إلا أنه متفوق علينا علمياً وسبقنا بمراحل وتركنا في بحور من ظلمات الجهل والتخلف؟ ومَنْ منهم أيضاً من إنتبه أن تلك النهضة التي حققها الغرب ساهمت فيها جهود عقول عربية هجرت أوطانها أو هُجّرت منها لأسباب لا تخفى على أحد منها الظلم والإضطهاد وقلة الإمكانات وعدم تقدير العلم والعلماء في حين يتركز الاهتمام بالفن والرياضة بصورة مبالغ فيها؟ مَنْ منهم مَنْ قرأ وفكر في الدراسات التي أنجزتها الجامعة العربية ومنظمة العمل العربية واليونيسكو والتي تؤكد أن الدول العربية تساهم بثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية وأن 54 بالمائة من الطلاب العرب الذين يدرسون بالخارج لا يعودون إلى بلدانهم وأن الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة العقول في عقد السبعينيات بلغت حوالي 11 مليار دولار؟

ربما يكون هناك من فكر في كل ذلك، لكن هل دخل ذلك التفكير حيز التنفيذ؟ وهل وتجاوز حدود الكلام؟ فمن المعلوم أن الكلام "ليس عليه جمارك"،فما أسهل التصريحات البراقة التي يتشدق بها هذا الزعيم أو ذاك والتي تجدها تحتل مانشيتات الصحف السيارة في اليوم التالي لإلقاء الزعيم الملهم لخطابه المحشو بالوعود الزائفة والتصريحات التي لا طائل منها من قبيل "إستراتيجية طموحة للإهتمام بالعلم والعلماء...تهيئة البيئة المناسبة للإبداع ..تشجيع البحث العلمي على رأس أولوياتنا...إلخ.

ولكن على النقيض من ذلك وجدنا مؤخراً مَنْ سبق فعله كلامه، هنا على أرض قطر إنبثق شعاع مضيئ في زمن الهزائم والإنكسارات شعاع أمل يبعث التفاؤل في أجيال متعاقبة كبّلها وقهرها مسلسل الإحباط العربي.

تجسّد ذلك الأمل في مؤتمر عالمي شهدته العاصمة القطرية الدوحة في الفترة من 24 إلى 26 أبريل الماضي، وهو
المؤتمر التأسيسي للعلماء العرب المغتربين تحت رعاية صاحبة الفكرة سموالشيخة موزة بنت ناصر المسند الشيخة موزة بنت ناصر المسند رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع التي حرصت على أن تُنسب الانطلاقة العلمية القطرية إلى العقل العربي وعبّرت عن ثقتها في قدرة العلماء العرب على تغيير الواقع العلمي العربي.

من بديهيات مجابهة المشاكل هو الاعتراف بوجودها وعدم تبني إستراتيجية النعام ودفن الرؤوس في الرمال على أساس أن "كله تمام يا فندم" وهذا ما تحدثت عنه سمو الشيخة موزة في
كلمتها في إفتتاح المؤتمر حيث قالت "ظاهرة هجرة العقول العربية خير دليل على أننا فعلاً نعاني من أزمة حقيقة.فالمطلوب إذن ليس تشخيص ظاهرة وإنما إيجاد الحلول الواقعية لها"، ثم تضع يدها على جوهر التنمية ووقود أي نهضة حقيقية وهو الإنسان فتقول سموها "إن الإنسان هو المنتج للحضارة والتاريخ" ثم تشير إلى أن الإبداع لا يأتي إلا في بيئة مناسبة وجو من الحرية فتضيف " إن الارتقاء بالبحث العلمي وتلبية تطلعاتنا المشروعة إلى التنمية يقتضي إيجاد بيئة مناسبة تسمح بالمبادرة والنقد البناء والتفكير الحر".

عنصر آخر غاية في الأهمية وهو توفير الإمكانات وعن ذلك تقول سمو الشيخة موزة ""ثم تأتي قضية تسخير كل الإمكانات التي تتيح فرص انطلاق البحث العلمي إذ لا يمكن أن نتصور بحثاً علمياً قادراً على قيادة التنمية البشرية في غياب استثمار رشيد وغير ظرفي"، وفي نفس السياق يتحدث د.فاروق الباز العالم العربي المعروف عن وجوب "توفر الإرادة السياسية والدعم المالي والمعنوي واحترام العلم والمعرفة وهذا كله متوفر في المبادرة القطرية".

وينبغي الإشارة إلى "إن مشاريع البحث العلمي لا تحتسب بالأيام والشهور بل بالسنين والعقود، هذا ما يجمع عليه العلماء وهذا ما تؤمن به قطر"(افتتاحية الوطن القطرية 27 أبريل الماضي)، ضع إلى جانب ذلك ما بشّرنا به د.فاروق الباز "قطر ستحقق في عشر سنوات ما عجزت عن تحقيقه الدول العربية"(نادي الجسرة 25 أبريل الماضي)، وما نتج عن المؤتمر من تأسيس الشراكة بين مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع والعلماء العرب هي خطوة هامة في الاتجاه الصحيح لاستعادة التقدير للعلم والعلماء في مجتمعاتنا العربية بعد عقود من الإهمال أوصلنا إلى ما نحن فيه من جهل وتخلف.

يبقى أن نقول أن كل من يعيش في هذا البلد يرقب بعينيه ثورة عمرانية هائلة ونهضة شاملة في جميع المجالات، والآن نرى صانعي القرار في قطر يولون اهتماما عظيماً بالعلم على أساس أنه مفتاح نهضة الأمم، ويحرصون على تسخير كافة الموارد اللازمة لتحقيق نهضة علمية شاملة، وفي حديثي عن كل هذا مع صديق عربي مهموم بشؤون أمته العربية بدا مُعجباً ومقدراً لهذه المبادرة القطرية الفريدة، ثم سمعته في نهاية كلامه يتمتم قائلاً "ناس بتحب بلدها"، صدقت أيها الإنسان العربي المُحبط، حقاً إنها كلمة السر!

Wednesday, April 19, 2006

تعلّموا من إيران أصلحكم الله

رغم إخفاقاتنا المتتالية -التي لا تبدو لها نهاية- ما نزال نحن العرب نغرق في الوهم الذي أغرقتنا فيه التبعية البائسة لكل ما هو غربي والكثير من المواقف والآراء تشير إلى ذلك بوضوح، فقد وجدنا مِن الحكام العرب مَنْ يحذر من مثلث شيعي، وقد صوّر لنا إيران وكأنها خطر محتمل مبدياً قلقاً بالغاً من البرنامج النووي الإيراني الوليد بينما إسرائيل التي هي على مرمى حجر منه تمتلك أكثر من مائتي قنبلة نووية، عجباً لهذا الزمن العجيب الذي صارت إسرائيل المغتصبة هي الصديق الودود بينما إيران المسلمة هي العدو اللدود!

زعيم عربي آخر ليته سكت فأراح وإستراح حتى يريحنا الله من كل هم وغم حينما يقضي الله أمراً كان مفعولاً، أقام الدنيا ولم يقعدها بتصريحات لا مبرر لها ولا يمكن تفسيرها إلا في نطاق تفسير التصريح السابق لنظيره العربي الذي حذر من مثلث شيعي، فهؤلاء كل ما يهمهم هو نيل الرضا السامي الأمريكي عبر بوابة تل أبيب وتجدهم في كل حين يعزفون ما يطرب سادة البيت الأبيض،هذا هو حال تلك العينة من الحكام وتلك هي مآربهم ومقاصدهم والتي هي معلومة للجميع فلا شيء يعنيهم سوى التشبث بذلك الكرسي اللعين وتوريثه لبنيه من بعده، لكن المؤسف حقاً أن ننخدع نحن الشعوب في تلك المناورات التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل.

بمجرد إعلان إيران عن
نجاحها في تخصيب اليورانيوم لإستخدامه في إنتاج الوقود النووي حتى إنطلقت الحملة الإعلامية الضخمة غربياً وعربياً تحت عنوان واحد هو "التخويف من إيران والتحريض عليها" وللأسف نجد الكثيرين يرددون نفس اللحن الغربي الخبيث فصحيفة "الشرق الأوسط" في تناولها لخبر إعلان إيران نجاحها في تحصيب اليورانيوم وصفت الإعلان بأنه "خطوة تشكل تحدياً كبيراً للعالم" ولا أدري أي عالم هذا الذي ينكر على أي دولة حقها في إمتلاك التقنية النووية للأغراض السلمية وهو حق مشروع لا يتعارض مع إتفاقية منع إنتشار الأسلحة النووية التي وقعت عليها إيران وإمتنعت إسرائيل عن التوقيع عليها.

أضحكني وشر البلية ما يضحك تعليق قاريء من السعودية على خبر آخر يتناول نفس الموضوع (
(موقع صحيفة الشرق الأوسط 13 أبريل الجاري) يقول " أصبح من الضروري حصول السعودية على سلاح نووي لموازنة القوى في هذه المنطقة الملتهبة من العالم" ! علامة التعجب من عندي مع إن هذا التعليق يستحق مئات علامات التعجب، فالسعودية لم تسعى للحصول على التقنية النووية عندما إمتلكتها إسرائيل ولكنها الآن يا ولداه شعرت بالخطر بعد أن إمتكلتها إيران المسلمة!!عجيب يا زمن !!
إنهالت التعليقات والتحليلات التي تسبح في نفس الإتجاه وتحت عنوان واحد كما أسلفنا وهو "التخويف من إيران والتحريض عليها" ففي حين إنطلق جنود الإعلام الغربي المواليين لإسرائيل والغرب العنصري لتخويف الغرب من خطر إيران على الغرب وإسرائيل فإن نظرائهم في الإعلام العربي بالتبعية انطلقوا لتخويف العرب وخاصة دول الخليج العربية من إيران وتصوير الأمر أنه تهديد موجه بالدرجة الأولى للدول العربية وخاصة الخليجية وسأعرض لثلاثة نماذج إطلعت عليها في يوم واحد(13 إبريل 20006) وبعد يومين فقط من إعلان إيران أنها نجحت في تخصيب اليورانيوم، وأستطيع أن أقول إن وجهات نظرهم لم تخرج عن نطاق التخويف من إيران والتحريض عليها.
في 13 ابريل الجاري نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية مقالاً تحت عنوان"بعد فشل الدبلوماسية" للكاتب "مارك هيلبرين" وهو روائي وصحفي خدم في سلاح الجو الإسرائيلي يقول "...مع قدرة نووية إستراتيجية متوسطة تستطيع إيران إعاقة تدخل أمريكا وهيمنتها على منطقة الخليج، وستعمل من ناحية أخرى على فصل أوروبا عن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ،وربما تقود إلى توحّد العالم الإسلامي ومن ثم خلق الفرصة لإنهاء الهيمنة الغربية على منطقة الشرق الأوسط و/أو تدمير إسرائيل بضربة واحدة،..إن إدعاء إيران أن برنامجها النووي هو للأغراض السلمية ينسجم مع عقيدة أو مذهب إسلامي يسمى "التقية" ومعناه أن الحقيقة لا ينبغي أن تصل واضحة للكفار، وهو جزء من إسراتيجية الخداع والتسوية الزائفة والتي تهدف إلى كسب الوقت،..وكأسلافه صلاح الدين ومهدي السودان وناصر؛ فإن الرئيس الإيراني ربما يكون في ذهنه التخطيط لتدمير أي هجوم أمريكي بما لديه من آلاف الصواريخ الأرض جو والمدافع المضادة للطائرات وكذلك يستطيع القيام بهجوم جوي وبحري مكثف لإغراق واحدة أو أكثر من السفن الحربية الأمريكية، وتحريض ودعم شيعة العراق للقيام بإنتفاضة شاملة بمساعدة تسلل الحرس الثوري الإيراني وهو ما سوف يهدد القوات الأمريكية في العراق ويقطع خطوط الإمداد عنها وهذا سيكون في حد ذاته نصراً لأولئك الذين يؤمنون بفكرة الشهادة ،..إن الخيار الواضح هو حملة جوية لتجريد إيران من قدراتها النووية المحتملة وتطهير الخليج من القوات البحرية الإيرانية وكذلك تمشيط الساحل وإزاحة الصوايخ المضادة للطائرات وفتح ممرات جوية آمنة إلى كل هدف،.. والولايات المتحدة بأسلحتها الجديدة على إستعداد لتنفيذ هذه المهمة"

وفي صحيفة
الشرق الأوسط (13/4/2006) الشرق الأوسط(13/4/2006) كتب طارق الحميد يقول"..أم أن دول الخليج تريد أن تعزل مواقفها عن الموقف الأميركي تجاه إيران؟ وهنا يكون الخطر. والسؤال هل أميركا على حدود إيران أم حدودنا نحن؟"، ثم يقول"..مشكلة إيران أنها خطرة دون طاقة نووية! إيران أكبر من أن يتجاهلها السياسي، وأخطر من أن يركن لها مريدو الاستقرار. والمؤسف أن طهران تجيد لعبة التصعيد. وإيران دائما تلعب على خلط الأوراق. وحديثها عكس أفعاله"،..ثم لا أدري أين حُمرة الخجل عندما يكتب قائلا "طهران فتحت الأجواء للأميركيين في الحرب على افغانستان، ومارست الصمت الإيجابي في حرب العراق"ثم يقول "هذه هي إيران بكل بساطة. يضاف لها اليوم طهران النووية"

وتحت عنوان غريب مثير هو "
رداً على إيران:قنبلتان سعودية ومصرية" " كتب عبد الرحمن الراشد (الشرق الأوسط 13/4/2006) يقول "بعد ان اصبح الايرانيون قاب قوسين من امتلاك سلاح ذري، لا بد ان نسأل ان كان الوقت قد حان للاعلان عن تبني توازن ردع كسياسة لدول المنطقة، أي نصب سلاح نووي آخر يواجه السلاح النووي الايراني،لكن نحن نعرف انه لا خيار للتعامل مع ايران المسلحة نوويا إلا بتوازن الرعب نفسه،..في معادلة التوازن تلك، هل لو نصبت الرياض سلاحا نوويا قبالة ايران، ممثلة عن منطقة الخليج، يكون ذلك كافيا؟ هنا مصر ايضا ستطالب بالشيء نفسه، كونها دولة مركزية اقليميا،..ورغم نفيها الجديد سنرى القنبلة الذرية الايرانية،وعندما تستخدمها ستستهدف على الارجح دول الخليج، كما جرت العادة خلال ثلاثين سنة".

إذن تلك هي عينة بسيطة تمثل الحملة الإعلامية الشرسة المنظمة ضد إيران رأينا فيها كيف تطابقت وجهة نظر كاتبين عربيين مسلمين مع وجهة نظر مجند سابق في سلاح الجو الإسرائيلي فيما يتعلق بحق دولة مسلمة في إمتلاك التقنية النووية، ولكن رغم كل تلك الحملات المنظمة فإنه ينبغي الإعتراف أن النظام الإيراني يستحق كل الاحترام والتقدير لأنه نظام يحتذى به، فهو نظام سعى ويسعى إلى استقلالية قراره وسيادته عبر امتلاك أسباب ووسائل التقدم العلمي، وهذا هو ما يزعج الغرب الذي يريدها أن تنضم لقوافل الزاحفين تحت أقدام الهيمنة الغربية البغيضة، ولكن إيران لم ترضخ للابتزاز الغربي وسارت في الطريق خطوات وقطعت شوطاً في مسيرة العلم الذي تجاهلناه نحن العرب حتى هربت العقول خارج الحدود ليستفيد منها غيرنا ويحاربنا بخلاصة أفكارهم وجهدهم وأصبحنا نردد قول الشاعر " أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس؟
لابد لنا أن نتعلم من إيران إعتمادها على النفس ورفضها التبعية له وإبحارها ضد إحتكار الغرب للتقنية الحديثة، لا أن نصير مثل الببغاوات نردد ما تقوله أمريكا أو غيرها، فإيران أعلنتها صراحة أنها تريد أن توقع إتفاقية عدم إعتداء مع دول الخليج، أي أنها تمد لنا غصن الزيتون ولا أجد أي مبرر للبعد عن إيران والخوف أو التخويف منها، فلماذا لا تسارع الدول العربية إلى توطيد علاقاتها مع إيران وتكوين جبهة موحدة ضد الطغيان الغربي الذي يدعم إسرائيل بكل الوسائل ولا يكف عن توجيه الصفعة تلو الأخرى لكل ما هو عربي وإسلامي وما تجويع الفلسطينيين ومحاصرتهم ومنع المساعدات عنهم منكم ببعيد.

Wednesday, April 05, 2006


...وهل متابعة كسوف الشمس أهم من حضور القمة العربية ؟!

"في المنعطفات الحرجة والظروف المصيرية في تاريخ الأمم يكون أي تبرير لعدم مشاركة زعيم ما في قمة تعقد عملاً غير مبرر" (افتتاحية الراية 29 مارس الماضي)، أتفق تماماً مع هذا الكلام المنطقي الذي قبل أن يتوجه إلى العقول فإنه يخاطب الضمائر والتي لم يبقى منها ما يحمل صفة الحياة إلا القليل.

من المعلوم أن حضور أو مشاركة أي زعيم اجتماعا أو قمة ما لا يكون ممثلاً لذاته وإنما تمثيلاً لشعبه، ويتجلى احترام الزعيم لشعبه في حرصه على التواجد في مثل هذه اللقاءات حتى لو كان يعلم مسبقاً أنه لن يتم فيها شيء، فإنه حينها يكون قد قام بما يتوجب عليه القيام به، خاصة أن الشعوب العربية ومنذ سنوات مضت بدأت أسقف طموحاتها في زعمائها تنهار عاماً بعد آخر حتى وصل هذا السقف إلى مجرد الحضور أو الاجتماع مرة في السنة للتباحث والتشاور في شؤون تلك الشعوب المغلوب على أمرها، ولكن عندما يتجاهل زعيم ما هذا الاجتماع السنوي متذرعاً بحجج واهية فإن ذلك يُبرز وبوضوح استخفافه بشعبه وأنه لا يقيم لهم وزناً.

ومما لا شك فيه أن عالمنا العربي يواجه مخططات طويلة الأمد تهدف إلى بقائه تِرساً يعمل ضمن ماكينة الهيمنة الغربية والأمريكية على وجه الخصوص، ونحن إزاء هذه المكائد المتتالية التي تسعى إلى تركيع وسحق كل من يحيا في هذه المنطقة تحت أقدام الهجمة الإمبريالية الشرسة نجد العجب العجاب، حقاً أقل ما يوصف به هذا الزمن أنه زمن عجيب وغريب.

الغرابة في الأمر بالطبع لا تتعلق بشعوبه الواعية الذكية والتي تستشعر كل هذه الخطى وتحسها بما لديها من ذكاء فطري ويقظة متقدة، ولكن الغرابة تكمن في زعماء هذه المنطقة والذين في مجملهم تجدهم يرفعون شعار "لا أريكم إلا ما أرى"، وكأننا قطعان من الماشية تُساق أو ممتلكات تورّث.

حتى في الأزمات التي تواجه الامة تجدهم يستغلون تلك المواقف لصالحهم، ويبدو ذلك واضحاً جلياً، عندما نفاجأ بدولة عربية لا تعرف شيئاً اسمه "تظاهر" ولا يوجد في قاموسها السياسي كلمة مظاهرات نجدها بين عشية وضحاها تُسيّر المظاهرات الغاضبة ! أليس من حقنا أن نعجب عندما نجد المظاهرات تخرج وتحرق السفارات والقنصليات ؟ أيريدون لنا أن نقتنع أن هذه هي عفوية الشعب المقهور الذي فجأة ودون مقدمات نفض عن كاهله أكوام الاضطهاد والذل والقمع والاحتقار وقرر الخروج للشارع تعبيراً عن رأيه، وكيف نفهم أن هذه التصرف طبيعياً وليس مُستنسخاً ونحن نعلم أنهم لم يتظاهروا للمطالبة بفك أسر الآلاف أو استنكار خطف صحفي وقطع أصابعه وقتله منذ شهور ؟

هذه العينة من الحكام لا يضيعون أي فرصة لتحقيق مآربهم فتجده على مدى تاريخه الطويل جداً يملأ السجون والمعتقلات بكل مخالف له في الرأي ويضطهد كل ملتزم بدينه، فهل نصدقه عندما نجده فجأة ينتفض ويقطع العلاقات ويغلق السفارات وكأنه حامي حمى الإسلام وهو الذي نعرفه ويعرفه شعبه أنه على مدى عقود يضطهد ويقمع ويذيب كل من له رأي مُخالف خاصة ذوي التوجه الإسلامي؟ أليس هذا استخفافا بعقولنا ؟

كيف لي أن أصدق أن نظاماً عربياً آخر لا يسمح بتجمهر ثلاثة أشخاص في الشارع فجأة وبلا مقدمات تخرج الجماهير المقموعة المضطهدة على مدى سنوات حكمه وعقود حكم سابقه ويحرقون السفارات والقنصليات ؟ وهو ذات النظام الملوثة يداه بدماء الآلاف وإبادة أحياء بأكملها، يقمع ويضطهد والآن يثور للإسلام ؟ يا للعجب !

إذن نحن أمام شعوب تقاوم وتمانع كل مخططات الهيمنة وفي الجانب الآخر زعماء في واد آخر وكأن الأمر لا يعنيهم، ولا يتذكرون أن لهم شعوباً إلا لاستغلالهم لتحقيق أهدافهم فقط، ولكن السؤال هو: هل تستمر صحوة هذه الشعوب وممانعتها وهي التي تقف في الساحة وحيدة بعد أن تخلى عنها حكامها، هل تستمر هذه الموجة من الممانعة واليقظة والتوحّد بين طموحات وآمال هذه الشعوب وهل يُكتب لها البقاء في ظل حكاماً يرى أحدهم أن متابعة كسوف الشمس أهم من حضور القمة العربية ؟!

Monday, March 20, 2006

ضـلال المعارضـة
جبهة الخلاص الوطني السورية نموذجـاً

في خِضَم الأهوال والمحن التي تواجه عالمنا العربي نسمع ونقرأ ونتابع الكثير من الأخبار المحزنة عن مستقبل وطننا العربي نستقبلها أحياناً بحزن وأسف وأحياناً أخرى بشعور من الإحباط، ولكن في الأسبوع الماضي تلقيت خبراً أزعجني وأحزنني للغاية ولعله من أكثر تلك الأخبار المؤسفة وقعاً، وهو نبأ الإعلان في "بروكسيل" عن تشكيل جبهة معارضة سورية في الخارج تحت مسمى"جبهة الخلاص الوطني".

من المعلوم أنه في أي نظام ديمقراطي من المفترض أن تكون المعارضة بمثابة المرآة التي يرى فيها النظام الحاكم عيوبه وأخطاؤه ودورها مكمّل ولا غنى عنه، ولكن إذا لم تتصف تلك المعارضة بالعقلانية والاتزان فسوف تنحرف إلى واحد من طريقين كلاهما مر، الأول أن يتم "ترويض" تلك المعارضة من قِبل النظام الحاكم في مقابل مكاسب ضيقة وتصبح ديكوراً لهذا النظام أو ذاك حتى تتغنى السلطة وتقول بالفم المليان إن لدينا معارضة مع إنها في الحقيقية تسير في فلك النظام وتنفذ تعليماته بحذافيرها وهذه هي أم المفاسد، والثاني هو أن تتنصل تلك المعارضة من وطنيتها وتتجرد من مبادئها وتتحرك وفق أجندة خارجية وتستجدي التدخل الأجنبي في شؤون بلدها وذلك هو الضلال المبين، فعندما تفقد تلك المعارضة بوصلة الانتماء والوطنية فإنها تضل الطريق وتسعى إلى تحقيق مكاسب دنيوية زائلة ومصالح شخصية ضيقة على حساب وطنها وتستخدم في سبيل تحقيق ذلك "كل" السبل المتاحة أمامها، وهذا ما ينطبق في رأيي على تلك الجبهة المزعومة.

نعلم جيداً أن سوريا ليست واحة للديمقراطية وأن هناك الكثير ينبغي إنجازه فيما يتعلق بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي لا تختلف كثيراً في هذه الناحية عن بقية الأنظمة العربية المتحجرة، وتلك هي مسؤولية النظام الحاكم في سوريا والذي يجب عليه ألا يعطي الفرصة لأمثال هؤلاء للصيد في الماء العكر، لكن الذي نرفضه جملة وتفصيلاً هو ذلك الأسلوب الانتهازي في المعارضة ، فالشرفاء من أبناء هذا الشعب مهما بلغت درجة معارضتهم لنظام الحكم فليس في حسبانهم أبداً الأجندة الخارجية ولا يراهنون على أي تدخل أجنبي في بلدهم ويبقى خيارهم في النهاية هو المعارضة السلمية للسلطة، فهناك الكثير من المناضلين في الداخل قد ضحّوا من أجل سوريا بحريتهم وأحياناً بأكثر من ذلك، ولكنهم شرفاء ووطنيين بحق ولا يسعون إلى مكاسب شخصية ولم يلجأوا يوماً إلى الإستقواء بالغرب أو مغازلته رغم ما كل يتعرضون له.

وهنا نتساءل:لماذا لا يعود هؤلاء إلى سوريا ويعيشوا بين البسطاء من أبناء الشعب السوري وينضموا إلى المعارضة في الداخل، فجميعنا يعرف أن النظام في سوريا لا يقيم المشانق للمعارضين، كل ما في الأمر بعض المضايقات التي لابد أن يصبروا عليها طالما أنهم يدّعون أنهم سوريين حقاً ويعملون لصالح سوريا.

نيرانجان صديق هندي فاجأني بقلقه الزائد من زيارة بوش إلى الهند رغم توقيع
إتفاقية نووية هامة جداً بالنسبة للهند، وعندما استفسرت منه عن أسباب قلقه قال "إن الهند غير مرتبطة اقتصاديا ولا تعتمد على الولايات المتحدة حالياً، ولكن أمريكا هي رمز الشر في العالم وهي مثل الإخطبوط تلقي للفريسة أو الدولة بالطعم ثم ما تلبث أن تصير تلك الفريسة تابعة لها وتتحكم في قرارها واستقلالها وتنفذ سياساتها وهذا ما أخاف منه"، فكرت في كلام صديقي الهندي ونظرت من حولي فوجدت أن هناك أمثلة عديدة في محيطنا العربي وقعت فريسة لذلك الإخطبوط الشرير حتى أصبح من العسير التخلص من نفوذ الولايات المتحدة وتحكمها في استقلالية قرار وسيادة تلك الدول.

أشرت إلى وجهة نظر صديقي الهندي لكي أبيّن أنه يكفي سوريا أنها ليست مثل دول عربية عديدة ارتضت لنفسها أن تقبع رهينة أصفاد الهيمنة الأمريكية ففقدت تأثيرها واستقلالية قرارها ثم ما لبثت أن فقدت كرامتها، فالوضع في سوريا يختلف عن هذه الأمثلة المُخزية فهي ليست تابعة للغرب والولايات المتحدة وغير مقيدة بأصفادها، وهي تمثل رمز الممانعة الوحيد في وطننا العربي، ولعل هذا ما يفسر تربّص الولايات المتحدة وسعيها إلى محاصرة سوريا والضغط عليها لكي تنتهج- كغيرها- سياسة الانبطاح والاستسلام لإملاءات هذه الدولة المتغطرسة وأولها التخلي عن دعم رموز المقاومة الفلسطينية وطرد زعمائها من أراضيها خدمة لإسرائيل.

الشرفاء من أبناء سوريا في الداخل هم فقط الذين يشعرون بالشعب السوري وبمعاناته ويعيشون همومه وآلامه وآماله ويدركون تطلعاته وليس أولئك الذين يعيشون في رغد من العيش في أوروبا ويراهنون على واشنطن أو باريس أو لندن أو غيرها فهم حتماً سيخسرون الرهان، ثم يأتوا الآن ليتحدثوا باسم الشعب السوري الذي لا يعرفون عنه شيئاً ولا عن ظروفه وأحواله.

نقول لهؤلاء انعموا برغد العيش في أوروبا واتركوا سوريا للسوريين لأن استجداء التدخل الأجنبي سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لن يجلب إلا الدمار والخراب وسيكون الخاسر الأول هو الشعب السوري، وما النموذج العراقي منكم ببعيد.

خـدّام !!
"..أهداف هذا التحرك هو تحرير سوريا وإنقاذها من هذا النظام الذي أفقر البلاد ونشر الفقر والجوع والحرمان والفساد بالإضافة الى مصادرته للحريات العامة " (موقع إيلاف 19 مارس الجاري)
هل تصدق أن قائل هذا الكلام هو السيد خدام الذي بقى في قمة السلطة في سوريا على مدى أكثر من ثلاثين عاماً!!

Monday, March 06, 2006

فيصـل القاسـم وضيـوفه.. والهـوى

أعتقد أنه من الطبيعي جداً أن تتبدّل قناعات الإنسان مع مرور السنوات وتراكم الخبرات، ومن ثم فليس غريباً أن تتغير آراؤه إزاء الكثير من الأمور التي تدور من حوله، والعبد لله كان فيما مضى من أشد المتحمسين لبرنامج الإتجاه المعاكس الذي يقدمه د.فيصل القاسم على شاشة قناة الجزيرة، فقد كنت من المغرمين صبابة بهذا البرنامج ولم تكن تفوتني حلقة منه إلا نادراً.

مع مرور الوقت إكتشفت أن ما كان يدفعني لمتابعة هذا البرنامج هو رغبة كامنة في داخلي مرتبطة بعادة قديمة إعتقدت أنني قد تخلصت منها، فقد كنت من هواة مشاهدة حلقات المصارعة الحرة، ولكن حدث أن أهملت هذه العادة ولم أعد أهتم بها ولا أدري لماذا، ويبدو أن هذا البرنامج قد جاء ليوقظ هذه الرغبة الكامنة الخاملة بداخلي، فوجَدت تلك الرغبة "الشيطانية" ضالتها في هذا البرنامج المثير!

لا أعتبر نفسي –لا سمح الله- من جهابذة الإعلام أو غير ذلك ولكني متابع عادي أعبر عما أراه وما أؤمن به، وأرى أن لهذا البرنامج الكثير من المخرجات السلبية التي لا تسمن ولا تفيد، ولعل أهمها هو إطلاع العالم وعلى الهواء مباشرة على أسلوبنا نحن العرب في الحوار وطريقتنا في الإختلاف الذي هو في جوهره قائم على التلويح باليدين وقرع الطاولة وإشارات الإزدراء وتحقير الطرف الآخر وكثيرا بالألفاظ الخارجة، وفي هذا النوع من الحوارات تكون الغلبة ليس لقوة الحجة وثبات الدليل وإنما لإرتفاع الصوت وقوة الحنجرة عملاً بالمثل القائل "خدوهم بالصوت ليغلبوكم"

ثاني هذه المخرجات السلبية هو تعميق وتوسيع مدى الخلاف في الرأي بين المتصارعين - عفواً المتحاورين، فلو دخل الضيفان ومسافة الخلاف بينهما شبراً خرجا مع نهاية الحلقة وبينهما بُعد المشرقين ويود أحدهما لو أن بينه وبين نظيره أمداً بعيداً، حتى يتمنى أن تنشق الأرض وتبتلع هذا الذي جاء ليحاوره، ففي كل حلقة تابعتها كنت أدعو الله أن تنتقل كاميرا البث المباشر بعيداً قبل أن يشرع د.فيصل القاسم عند نهاية الحلقة في مصافحتهما خشية أن يحجم أحد الضيفين عن مصافحة الآخر وهو ما حدث أكثر من مرة حيث يمد أحدهما يده ليصافح محاوره ولكن الآخر يرفض في غرور وكأنه يسعى لتسجيل نقطة إضافية حتى بعد إنتهاء الحلقة!

هذه هي المشكلة، أننا نرى الحوار فائز ومهزوم فلابد أن يخرج أحد المتحاورين مهزوماً منكسراً بينما يظفر الآخر بالنصر على "عدوه"، مع إن المفروض غير ذلك تماماً، فالحوار الحقيقي ليس فيه منتصر ومهزوم فكلا الطرفين فائز لأنه أولاً سعى إلى توضيح وجهة نظره وثانياً ربما تتضح له بعض النقاط التي كانت غائبة عنه فيستفيد منها بعد حواره من من خالفه الرأي، فالحوار يهدف في الأساس إلى تقريب وجهات النظر وليس تعميق الخلاف، ولكن لابد لنا ألا نغفل أبداً الدور الجوهري الذي يلعبه د.فيصل القاسم وبجدارة في إزكاء هذا الخلاف وتعميقه بأسلوب يبدو لكل ذي عينين أنه تحريضي، وكم كنت أتمنى أن يأتي ضيفان يخيبان ظنه ويشعرانه أنه فشل في مهمته التحريضية.

ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو أمر هام وغريب وهو تكرار إستضافة بعض الأشخاص بعينهم في هذا البرنامج وعلى فترات زمنية متقاربة، ولا أدري ألا يوجد في عالمنا العربي غير هؤلاء أم أن الأمر يتعلق بأمر آخر لا نعلمه الله يعلمه.

من بين هذه الشخصيات المولع بها د. فيصل القاسم "كائن" اسمه وفاء سلطان، فمنذ عدة شهور رأيتها على شاشة الجزيرة في هذا البرنامج
(28 يوليو 2005) وهي تنفث سمومها وتتحدث بجهل وافتراء عن الإسلام وقرآنه ونبيه، واستغربت حينها كيف يتم إستضافة "كائنات" كهذه على شاشاتنا لكي تطعن في ديننا وعقيدتنا وقرآننا ونبينا بأسلوب ماكر خبيث.

وفي مساء الثلاثاء 21/2/2006 ساقني حظي العاثر أن أتابع الحلقة التي كان موضوعها
"صراع الحضارات" ، فقد فوجئت بهذا "الكائن" مرة أخرى في نفس البرنامج!، هذا الكائن الغريب لا أدري من أين أتت ولا كيف جاءت ومن أي البقاع تنحدر!، فهي تتحدث عن جهل بيّن وتشكك وتطعن في عقيدة المسلمين ودينهم، وقد استضاف البرنامج في نفس الحلقة عالم فاضل هو الأستاذ الدكتور إبراهيم الخولي الأستاذ في جامعة الأزهر، وقد أشفقت على هذا العالم الجليل وتذكرت مقولة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه "لو خاطبني عالم لغلبته ولو خاطبني جاهل لغلبني"

لا أستغرب ما تقوله وما ستقوله فقد قرأت لها تقول " نعم أنا أمريكيّة أكثر من الأمريكيّ نفسه"! ولم تنس الاعتراف بالجميل الذي أسداه لها د.فيصل القاسم باستضافتها، فلم تكن تحلم بالظهور على شاشة أي قناة عربية فما بالها أن يكون أول ظهور لها على شاشة أهم قناة عربية على الإطلاق، شاشة الجزيرة التي يلتف حولها ملايين العرب في كل بقاع الأرض، واعترافا بهذا الجميل تقول في إحدى مقالاتها تعليقاً على أول استضافة لها في يوليو 2005 " استضافني الدكتور فيصل القاسم مشكورا من الأعماق في برنامجه وكان نعم المضيف!" ثم تقول" لكن ليس بوسعي إلاّ أن أشكره من أعماقي فلقد منحني فرصة ذهبيّة كي أنقل رسالتي وأعرّف العالم العربي على امرأة ستغيّره، اسمها وفاء سلطان!" (جريدة
الحوار المتمدن - العدد: 1282 – 10/8/2005)، ولكن د.فيصل أسبغ عليها نعمه وقرر استضافتها مرة أخرى في حلقة حملت عنوان "صراع الحضارات" 21/2/2006، ولا أدري ما علاقة هذا "الكائن" بالحضارات أو حتى بأي حوار؟ وهل هذه هي الشخص المناسب للحديث في هذا الموضوع والتحاور مع عالم فاضل من علماء الأزهر؟!

لقد ثار المسلمون بسبب إساءة صحيفة دنمركية للرسول الكريم بينما أعتقد أن إساءة هذه "المخلوقة" في برنامج الاتجاه المعاكس إلى الإسلام لا يقل بأي حال من الأحوال عن إساءة الصحيفة الدنمركية، فقد أساءت تلك الصحيفة للرسول الكريم بينما أساءت تلك "المخلوقة" إلى الإسلام وتعاليمه وقرآنه ونبيه أيضاً، ويمكنك الإطلاع على
نص الحلقتين بالصوت والنص على موقع الجزيرة نت.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ألا يوجد من بين المثقفين العرب أو غيرهم من يتبنى وجهة نظر مخالفة لكن بأسلوب لا ينفي الآخر ولا يشكك ويطعن في دين وعقيدة وقرآن ونبي ملايين المشاهدين إلا هذا "الكائن" الذي أدمن د.فيصل القاسم استضافتها؟ ولكننا مللنا النظر إلى أمثال تلك الكائنات الغريبة، ونتساءل: ألا يوجد غيرها أم للأمر علاقة ما بالهوى، وقديما قالوا "الهوى غلاب".

Monday, February 27, 2006

فن استغلال مواقف السيارات

في 24 يناير الماضي نُشر لنا في الراية القطرية مقالاً تحت عنوان"ارتفاع الإيجارات وفن استغلال المساحات" ، تحدثت فيه عن ظاهرة مرتبطة بارتفاع الإيجارات وهي استغلال المساحات في المنازل والبنايات من قِبل القائمين على العقار لبناء وحدات جديدة أو غرف أخرى للاستفادة من ظاهرة الارتفاع الموحش في الإيجارات.

في تلك الأثناء كان يبحث صديق لي عن سكن فلم يجد إلا غرفة في بناية في حي أم غويلينة مقابل إيجار شهري قدره 1500 ريال، وعندما ذهبت هناك لزيارته وكان قد استقر في المكان الجديد في الأول من فبراير الحالي؛ رأيت أمراً غريباً فقد وجدت أن المسؤول عن العقار استغل موقف السيارات أسفل المبنى في بناء شقق جديدة، نعم والسكن الجديد الذي انتقل إليه صديقي ما هو إلا غرفة في شقة تم بناؤها في موقف السيارات أسفل البناية، بالإضافة إلى شقة أخرى مجاورة.

في ذلك الوقت نويت الكتابة عن الموضوع تحت عنوان"ارتفاع الإيجارات وفن استغلال مواقف السيارات "، ولكن حدث ما شغلني عن الكتابة عن هذه الظاهرة وكذلك امتثالا لرغبة صديقي في عدم الكتابة عن هذا الموضوع، وكنت وقتها أود أن أتساءل عن مدى قانونية استغلال مواقف السيارات في بناء وحدات سكنية إضافية.
فجر يوم الخميس 16 فبراير الجاري، حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد سقط جزء من سقف بلكون إحدى الشقق التي تتألف منها البناية الآيلة للسقوط مما نتج عنه تشرد 16 أسرة
(الراية 18 فبراير الجاري) ، وأصبح صديقي أيضاً بلا مأوى حاله مثل حال باقي سكان البناية.

أردت فقط إلقاء الضوء على هذه الجانب من الحكاية ربما لا يعرفه الكثيرون ممن تابعوا هذه القصة عبر صفحات الراية 18 فبراير الجاري، وأختم مع ما قاله الأستاذ جمال فايز
(الراية19 فبراير الحالي) عن موضوع تصدع هذه البناية " إن التصدع الذي حدث في عمارة أم غويلينة وشرد ساكنيها ليس حالة استثنائية بل صرخة عمارة للالتفات لمئات مثلها تنتشر في مدن وقري الدولة وعلي جهات الاختصاص أن تتحرك وتمنع السكن فيها حتي لا يقع مكروه أكيد أننا جميعاً لا نتمني أن يحدث هدمها وهو الترياق الوحيد للمنازل والعمارات الآيلة للسقوط".