Thursday, December 29, 2005

على أعتاب عام هجري جديـد
1427 هـ

يقول المولى عز وجل "إلاَّ تنصروه فقد نصَره اللهُ إذْ أخرجَه الذين كفروا ثانيَ اثنينِ إذْ هُمَا في الغارِ إذ يَقولُ لصاحِبِه لا تحزنْ إنَّ اللهَ معَنا، فأنزلَ اللهُ سكينَته عليه وأيَّدَهُ بجنودٍ لمْ ترَوْهَا وجعلَ كلمةَ الذينَ كفروا السفلى وكلمةُ اللهِ هيَ العُليا، واللهُ عزيزٌ حكيمٌ) صدق الله العظيم.(التوبة: 40).

كلما قرأت هذه الآية أستحضر عظمة هذا الخالق الذي أيّد بنصره فردين ضعيفين مُطاردين من ظلم وجبروت طغاة عصرهما، ولك أن تتصور تلك الحالة التي كان فيها الرسول الكريم وصاحبه مطاردين في رحلتهما من مكة إلى المدينة في مسافة يبلغ طولها حوالي 450 كم ،ثم ضع بجانب تلك الصورة بلوغ هذا الدين مشارق الأرض ومغاربها، فمن ذلك الضعف والهوان إلى العزة والانتصار، نعم إنها قدرة الله ومشيئته التي أرادت أن يظهر هذا الدين ولو كره الكافرون، فلو قِيل لأحد هؤلاء الكفار وقتها أن هذا الدين سيصل إلى كل بقاع الأرض وسيكون له شأن عظيم لاستلقى على ظهره من الضحك والسخرية، ولكن كانت هناك مشيئة الله التي هي فوق كل إرادة.

لقد شاء الله أن يتربي جيلاً من المؤمنين بحق، جيلاً من الذين إستمعوا القول فإتبعوا أحسنه، وآمنوا وعملوا بما سمعوا فبلغوا مشارق الأرض ومغاربها وصاروا سادةً للأرض ورعاة للأمم، فلك أن تتصور مدي إيمان هؤلاء الصفوة برسالة نبيهم وإتباعهم لأوامر الله ورسوله فتجدهم مثلاً ومنذ أربعة عشر قرنا ينزل القرآن على نبيهم قائلاً " وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ "النمل:88 فيؤمنوا بما سمعوا دون جدال ويقولوا سمعنا وصدق ربنا ورسوله، مع أنهم نشأوا ومن قبلهم آباؤهم وأجدادهم ولم يروا الجبال تتحرك أو تنتقل من مكانها، ولكنهم كذّبوا حواسهم وصدّقوا كلام الله، فإذا أمعنا النظر في هذا الموقف وغيره من جانب الصحابة وطاعتهم لأوامر ربهم وتسليمهم بكلام بارئهم نعرف جيداً لماذا كتب الله النصر لهؤلاء بينما كتب علينا الهزيمة والذل والإنكسار أمام أحقر أهل الأرض.

هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها الكثير من العبر والدروس وينبغي ألا تمر علينا مرور الكرام فالإنسلاخ من هوينا وجذورنا قد بلغ فينا مبلغه لدرجة أننا لا نشعر بإنقضاء العام الهجري وبداية آخر وربما تجد الكثيرين من المسلمين لا يعرفون في أي عام هجري نحن، في حين نجد الكثير من مظاهر "الاحتفال " ببداية عام ميلادي جديد مع علمنا أن كل هذه الأمور التي طرأت على مجتمعاتنا الإسلامية ليست من الإسلام في شيء، فلابد أن نعي أن الإسلام يختلف عن كل ما سواه ولابد أن يكون المسلم متفرداً متميزاً عن غيره من غير المسلمين، ومن ثم فإن استقبالنا للعام الهجري الجديد لا يجب أن يكون من خلال المظاهر الاحتفالية فقط مع اعتقادي بأهميتها في أن نُظهر للعالم تمسكنا بهويتنا الإسلامية ولكن الأهم هو مراجعة النفس وتصحيح المسار حتى ننهض بهذه الأمة التي طالت غفوتها.

ومع نهاية عام وقدوم آخر يُطلق كل منا العنان لأحلامه وتطلعاته للعام الجديد، فتعالوا نحلم معاً بغدٍ يُعلي فيه الله كلمته على أيدينا حتى يمكننا ربنا من أن نلقم حجراً لكل من يتجرأ على هويتنا ويخوض في ركائز عقيدتنا أو يطعن في ديننا فهو أعز ما نملك، وهذا لن يكون إلا بالعودة إلى تعاليم ديننا وتطبيقها في جميع مناحي حياتنا، فعزتنا ونصرنا لن يأتي إلا بالتمسك بهذا المنهاج الذي يتوافق مع الفطرة البشرية ولا يتناقض معها لأنه بإختصار منهاج مَنْ خلق هذه النفس وسوّاها.

كلمة خالدة قالها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن إبتغينا العزة في غيره أذلنا الله " صدقت يا صحابي رسول الله، نعم منّا من طلب العزة في المال وتجاهل دينه فأذله الله، ومنّا من طلب العزة في الإنغماس في الملذات فأذله الله إلى ما يسعى إليه، ومنّا من سعى إلى جاه أو سلطان فأذله الله لممن هو أدنى منه، ومنّا..ومنّا...، حقاً إنه البعد عن طريق الله، فنحن أعزاء كرماء وعزتنا وكرامتنا تأتيان فقط من كوننا مسلمين ملتزمين بديننا ولا شيء آخر، فالتمسك بديننا وأوامر ربنا ورسوله هو طريق الخلاص وطوق النجاة من الغرق القادم لا محالة.

وأختم بقول الشاعر الذي يخاطب ضمائرنا قائلاً:

يكفي البكاء على تراب ضائعٍ
يكفي الفخار بذاهب متنقلِ
والمجد لا يُشرى بقول كاذبٍ
إن كنت تبغي المجد يوماً فافعلِ

Sunday, December 25, 2005

! نشـرة جويـة نفسيـة

في صباح يوم الخميس قبل الماضي إستيقظ من نومه ونظر إلى السماء وقد غطت صفحتها سحب كثيفة تحجب خلفها أشعة الشمس مع نسمة هواء تحمل برودة خفيفة تكتنف هذا الجو الرائع، فقفز إلى ذهنه على الفور مدى إرتباط هذا الجو بالذات بذكرى ما أو قل بحلقة من تلك السلسة التي لا تنتهي من الذكريات والتي لا حيلة له معها، فقد كان صاحبنا في الماضي يعشق هذا الجو الذي كان دائماً يراه مُفعماً بالعواطف والمشاعر الفياضة، ولطالما تمنى أن يكون العام كله هكذا.

ولا أدري لماذا ارتبط عنده هذا الجو بالذات بالإفراط السخي في مشاعره تجاه مَنْ كان يشاطرهم أنبل وأسمى وأرقى وأعلى وأنقى المشاعر الإنسانية، فكان بمجرد أن يستيقظ من نومه في السادسة والنصف صباحاً لكي يستعد لبدء يوم جديد يستهله بالذهاب إلى عمله بالمدرسة القريبة من منزله؛ ويجد يومه وقد كساه هذا الجو الرائع بثوبه الأنيق، كان يشعر بقدر هائل من الصفاء والتسامح خاصة تجاه هؤلاء، وحتى إن كان الجو بينهما في ذلك الوقت مُلبّداً بالغيوم أو يشوب علاقتهما بعض الخلافات البسيطة والتي كان يسعى كلاهما أن تكبر لأنها كانت بمثابة نكهة خاصة تعطي للتواصل بينهما معنىً آخر؛ فكان على الفور يسارع بالسؤال عنهم وتصفية ما بينهما من خلاف بسيط، وحينها كان ينتابه شعور لا يمكن وصفه، شعور بالرضا التام عن كل شيء حوله، شعور يُضفي على الأشياء من حوله سحراً خاصاً، لدرجة أنه كلما نظر إلى إنسان أو شيء شعر وكأنه يبتسم له، فالأشجار والنخيل وصفحات الماء كانت تبدو له في صورة جميلة رائعة غير معتادة...حتى مفتش الأقسام بالإدارة التعليمية التابع لها والذي كان دائماً لا يطيق لقاءه لكونه روتيناً يمشي على الأرض كان يراه حينها إنساناً لطيفاً خفيف الظل مع إن الواقع غير ذلك تماماً.

هل هناك من صلة ما بين حالة الجو وحالة الإنسان النفسية؟ وهل ما كان يمر به صاحبنا هي حالة نفسية عابرة؟ ربما ولكنها صادقة وذات مذاق لا يمكن وصفه كما أنها يصعب أن تتكرر لندرة وربما لانعدام وجود ذلك النموذج الفريد الذي صادفه في مصادفة كانت هي الأجمل على الإطلاق، ولكن الآن ما قيمة جمال الأشياء والأوقات إذا غُيّب عنّا من تمنينا أن يشاركنا حلو اللحظات ومرها؟


Wednesday, December 21, 2005


هل صوّت الإخوان لمرشحي الحزب الوطني ؟

أعتقد أنه من السذاجة أن نتصور أن الحرية التي تمتع بها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين منذ بداية الحملات الانتخابية وحتي إعلان نتيجة المرحلة الأولي من الانتخابات التشريعية في مصر كانت دون تنسيق واتفاق مسبق مع النظام الحاكم في مصر، فإذا رجعنا أشهر قليلة إلي الوراء عندما وجد الإخوان أنفسهم في حرج شديد بسبب خروج حركة كفاية إلي الشارع في مظاهرات دون الحصول علي إذن أو تصريح من النظام، فرأت جماعة الإخوان وقتها أنه لا بد أن تخرج هي الأخري إلي الشارع، وكيف لا تخرج وهي من يتغني أفرادها ليل نهار انها القوة الرئيسية في الشارع المصري، وفي حين كانت تمر مظاهرات كفاية تقريباً دون اعتقالات، وجدنا الأمر مختلفاً مع مظاهرة الإخوان عندما خرجوا في مظاهرات لاستعراض القوة وليوجهوا رسالة إلي من يهمه الأمر في الداخل والخارج علي السواء، إلا أن النظام وكعادته معهم لم يتهاون واعتقل ما يزيد علي ألفي شخص من أفراد الجماعة ومن بينهم د. محمود عزت الأمين العام للجماعة، ود. عصام العريان أحد أهم أقطاب الجماعة الذي لم يُفرج عنه إلا بعد أكثر من خمسة أشهر

جرت كل هذه الاعتقالات نتيجة مظاهرة أو أكثر قام بها الإخوان، فكيف بالله عليكم أن نتصور أن ما رأيناه منذ بداية الحملات الانتخابية لمرشحي الجماعة في انتخابات البرلمان من تسجيل اسم الجماعة علانية علي ملصقات ومواد الدعاية لمرشحي الإخوان في الشوارع والجرائد دون أية مشاكل، بالإضافة إلي المسيرات والمؤتمرات الشعبية في جميع محافظات مصر، أضف إلي ذلك الأحاديث الصحفية المطولة مع مرشد الإخوان في الجرائد الحكومية، فكيف نتصور أن يكون كل هذا بدون التنسيق مع النظام أو الاتفاق معه، نعم لماذا نستبعد أن يكون هناك اتفاق ما مع النظام أو أجنحة بعينها داخل الحزب الحاكم، وأمام أعيننا مؤشرات كثيرة تدل علي ذلك ومنها إخلاء جميع دوائر الوزراء وكبار رجال الحزب الوطني وعدم تقديم أي مرشحين من الإخوان في تلك الدوائر ومن المستحيل أن يكون هذا الأمر مصادفة، كما أن أغرب ما قرأته هو ما جاء في جريدة البيان الإماراتية بعد إعلان نتيجة المرحلة الأولي أن تعليمات قد صدرت لأعضاء الجماعة لتصوت لمرشحي الحزب الوطني في الدوائر التي لا يوجد فيها مرشحون للإخوان، وإذا شكك أحد في هذا الكلام فليقل لي لمن صوّت الإخوان في تلك الدوائر

وطالما أنهم يدّعون رفضهم للنظام الحاكم ويهاجمونه بكرة وأصيلا ويعلنون انحيازهم لصفوف المعارضة التي تقف في وجه هذا النظام، فلماذا لم يدعا أنصارهم للتصويت لصالح مرشحي المعارضة ضد مرشحي الحزب الحاكم في الدوائر التي ليس للإخوان مرشح فيها؟ فهل أرادت الجماعة إسقاط مرشحي جبهة المعارضة حتي يبدو للعيان أنها الممثل الوحيد القوي للمعارضة في المشهد السياسي المصري؟ وهل هذا بناء علي اتفاق مسبق مع النظام في مصر لتبادل منفعة بين الاثنين حيث يرغب الإخوان في قيادة المعارضة المصرية، بينما يريد النظام أن يُظهر للعالم أن هناك ديمقراطية في مصر أتت بالإخوان علي رأس المعارضة في البرلمان

طوال العمر المديد لنظام الحكم في مصر انفرد وحده بتحديد شكل المعارضة التي حرص أن تبقي معارضة هزيلة وشكلية لكي تكون بمثابة ديكور كرتوني حتي يقول بالفم المليان ان عندنا معارضة، فالنظام هو من يمنح أو يمنع قيام الأحزاب وبالتالي يتحكم في مصير المعارضة في مصر، وطالما أن الحزب الحاكم قد ضمن الأغلبية في البرلمان عبر ضم النواب المستقلين من المرتدين سياسياً ، ومن ثم لن تتعطل أية مشاريع قوانين يطرحها علي البرلمان، فلماذا إذن لا يجمل الصورة عن طريق السماح بتمثيل أكبر لتلك الجماعة طالما أن هذا التثميل لن يؤثر بأي حال من الأحوال علي سياسات النظام الحاكم داخل البرلمان

والآن جاء دور ورقة الإخوان لكي يستخدمها مرة أخري كفزّاعة للغرب مثلما استخدمها في الماضي، ولكن هذه المرة من تحت قبة البرلمان عبر التخويف بالدقون حسب تعبير كاتب مصري مقيم بالولايات المتحدة، فالنظام الحاكم يسمح لهم اليوم بمزيد من الحرية والحركة والتمثيل البرلماني لكي يكونوا في الإطار بصورة أكثر وضوحاً أمام الغرب عموماً وسيد البيت الأبيض خصوصاً لكي يقول لهم هذا هو البديل الذي ستتعطل مصالحكم إذا ما وصلوا إلي الحكم فيضمن دعم الأنظمة النفعية في الغرب والتي تسعي إلي مصالحها فقط، فمن السخف أن نتصور أن تلك الدول هي جمعيات خيرية تسعي لخير البشر وخاصة العالم العربي والإسلامي

Monday, December 12, 2005


! خُبـز السيد بوش

يتصرف سيد البيت الأبيض دائماً وكأنه في عمل سينمائي هوليودي ضخم، فالسيد بوش سبقته حملة إعلامية ضخمة تبشر بخطة عبقرية لتحقيق النصر في العراق تحت اسم "الإستراتيجية الوطنية للنصر في العراق"!، ثم أجهد نفسه وقطع 32 ميلاً من البيت الأبيض إلى مقر الأكاديمية البحرية ليعلن من هناك ومن وراء منصة مكتوباً عليها بخط واضح كبير خطة للنصرPlan For Victory عن الخطة التي أعدها البيت الأبيض في نحو 35 صفحة ويقف وراءه في خلفيه المشهد السينمائي أفراد بزيهم العسكري لتكتمل حبكة الفيلم على الطريقة الأمريكية.

هناك أحد الأمثال الشعبية مفاده أن "الجوعان دائماً يحلم بسوق الخبز" والنصر في العراق هو خبز السيد بوش الذي أثبت فعلاً أنه يحلم به كثيراً، ففي خطابه بالأكاديمية البحرية في 30 نوفمبر الماضي وردت كلمة النصر Victory خمس عشرة مرة، كما أن هذه الكلمة التي صارت الحلم المفضل بالنسبة للسيد بوش وأركان إدارته قد وردت كثيراً في هذه الوثيقة ذات الخمس وثلاثين صفحة منها 6 مرات في الفهرس فقط بما فيها أقساماً من الخطة اشتملت عناوينها على هذه الكلمة الحُلم مثل: " فوائد تحقيق النصر في العراق"، "تحقيق النصر سيحتاج إلى وقت"، "النصر في العراق ذو أهمية حيوية بالنسبة للولايات المتحدة"...إلخ، وإن دل هذا فإنما يدل على هوس هذا الرجل بشيء إسمه النصر ولكنه لا يستطيع إلى تحقيقه سبيلاً، فمنذ أن دخل عش الدبابير – العراق- والمقاومة العراقية تزداد حدتها يوماً بعد يوم، ورغم التعتيم الإعلامي الشديد على ما يجري هناك خاصة بعد إغلاق مكتب قناة الجزيرة في بغداد؛ إلا أن عناصر المقاومة إستغلت تقنية الإنترنت في إيصال جانب ضئيل مما يحدث هناك للعالم عبر الشبكة المعلوماتية الدولية، وقد برهنت هذه المقاومة الباسلة للعالم وبسرعة "نجاح" خطة بوش عندما تمكنت من قتل أربعة عشر جندياً أمريكياً في خلال يومين فقط من إعلان السيد بوش عن خطته العجيبة لتحقيق النصر ليتضح لكل ذي عقل أن تلك الخطة قد بدأت بالفعل تؤتي ثمارها !

السيد بوش وأركان إدارته في ورطة حقيقية في العراق، ولا أدري لماذا كل هذه الحبكة السينمائية ؟ فإذا كانت لديك إستراتيجية للنصر فتفضل بتنفيذها على الأرض ودعنا نرى، ولكن الحقيقة أنه يأمل في إيجاد مخرج من هذا النفق المظلم الذي وضع نفسه فيه بغطرسته وتفرده بقرار غزو العراق متحدياً العالم والشرعية الدولية متخذاً شعار " مَنْ أشد منا قوة ؟"، فقد إتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن حُجة غزو العراق كانت كذبة كبيرة أو قل سلسلة طويلة من الأكاذيب ما لبثت أن إلتفت حول عنق سيد البيت الأبيض الذي روج لأكاذيب عديدة بداية بأسلحة الدمار الشامل والأسلحة الكيمياوية التي إدعى أن العراق يمتلكها وإنتهاءاً بالفيلم الهابط عن علاقة صدام حسين بتنظيم القاعدة !

القوات الأمريكية المحتلة استنفذت كل ما لديها من وسائل بالعراق بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً (منها الفوسفور الأبيض والقنابل العنقودية) ولكن رغم كل هذا لم تستطع أن تخفف من حدة هجمات المقاومة العراقية، ولهذا يسعى السيد بوش في إيجاد أي مخرج، فهذه الخطة التي ينبغي تسميتها "الإستراتيجية الوطنية للهروب من العراق" يسعى من خلالها للهروب من العراق لكن مع حفظ ماء الوجه ولعل الحديث في تلك الخطة والاعتراف بضرورة وجود "مسار سياسي" وعدم الاكتفاء بالنهج العسكري يشير إلى ذلك، وليته يعلم أنه حتى هذه الفرصة قد فات أوانها وذهبت هي الأخرى مع الريح، فلن تستطيع القوات الأمريكية الخروج من العراق إلا منكسرة مهزومة طالما أن السيد بوش كابر وعاند وأصر على البقاء رغم الخسائر التي تعرضت لها قواته التي غزت واحتلت ودمرت دولة مستقلة ذات سيادة.

أختم بملاحظة هامة وهي إختفاء الكثير من كُتّاب المقالات والأعمدة الذين يروجون لمشروع الهيمنة الأمريكية والذين إصطُلح على تسميتهم "مثقفو المارينز"، وأتساءل أين ذهب هؤلاء ؟ أعلم أنهم ما زالوا مستمرين في الكتابة ولكنهم يتحدثون هذه الأيام في موضوعات أخرى مختلفة بعدما صدّعوا رؤوسنا بالنموذج العراقي وأمطار الحرية التي تصوّر أحدهم أو حلُمَ ذات مرة أنها تنهمر بشدة على بلاد الرافدين، نعم لقد حان الوقت ليتقهقر هؤلاء وهؤلاء إلى الوراء خجلاً أو انكسارا فقد جاء دور الشرفاء الذين على أيديهم سينكسر المحتل وينسحب يجر أذيال الذل والهزيمة وسوف يندحر مثلما اندحر سابقيه من الغزاة على مر العصور، فهذا هو قانون البشرية الخالد الذي سوف يدوم ما دام هناك شرفاء يزودون عن أرضهم وعرضهم بأرواحهم وأموالهم وكل ما يملكون في سبيل تحرير الأرض وصيانة العرض رغم أنف دعاة الاستسلام والذين يروجون لثقافة الانبطاح والرضوخ للهيمنة الأمريكية وعندها سوف نغني طرباً وفرحاً وابتهاجا "وأمطري يا حرية في العراق".

Monday, December 05, 2005

بين مطرقة الوطني وسندان الإخـوان

أبْلَغ ما سمعت عن نتيجة المرحلتين الأولى والثانية من الانتخابات التشريعية المصرية هو ما قاله الدكتور عبد الحليم قنديل رئيس التحرير التنفيذي لجريدة العربي الناصرية في تعليقه على تلك النتيجة التي أوصلت الإخوان لذلك العدد غير المتوقع من المقاعد التي حققوها فوصف التصويت في الانتخابات بأنه تصويت "احتجاجي" بمعنى أن غالبية الناخبين حرص على أن يصوت لأي مرشح غير مرشح الحزب الوطني الحاكم ليس حباً في سواد عيون الإخوان أو غيرهم وإنما نكاية وإنتقاماً من ذاك الحزب الذي جثم على صدور الناس وسامهم سوء العذاب لما يقرب من ربع قرن، وأكبر دليل على ذلك هو ما حدث في أحد دوائر وسط القاهرة عندما صوّت الناخبون لمرشح مستقل فحصل على أعلى الأصوات مكنته من دخول الإعادة أمام مرشح مستقل آخر ولكنه أعلن انضمامه للحزب الوطني قبل جولة الإعادة فما كان من الناخبين إلا أن أسقطوه في جولة الإعادة عندما صوتوا للمرشح المستقل المنافس له.

الحزب الوطني الحاكم في أضعف حالاته، وقد رأينا كيف تساقط مرشحوه أمام مرشحي الإخوان والمستقلين مثل أوراق الشجر في الخريف، فليس لدى الحزب ما يقدمه للناس فقد كانت بضاعة التصريحات الزائفة وخداع الناس عبر تعبير براق زائف ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب كانت في الماضي ولسنوات عديدة تنطلي على الناس في ذلك الزمان الذي صُكّت فيه تعبيرات برّاقة ظلت تخدع الناس وتوهمهم بأن من تسببوا في تعاستهم قد يغيروا مسارهم ويعودوا عن فسقهم وفسادهم بين عشية وضحاها، وأتفق تماماً مع ما قاله الأستاذ طه خليفة في الراية الأحد الماضي، فقد كتب متحدثاً عن الحزب الوطني قائلاً: ".. وقد بات مؤكداً أنه سبب نكبات مصر، وطالما هو موجود في الحكم بأي ثمن فإن النكبات ستزداد وتتفاقم إلى نهاية لا يعلمها إلا الله وحده".

في الماضي قد كنت أشعر بالغيظ وارتفاع في ضغط الدم عندما كنت أجد مسؤولاً في ذاك الحزب يحاول بكلماته وتعبيراته المزخرفة تجميل الصورة القاتمة عبر تصريح برّاق زائف ولكن ذاك عهد مضى، أما في هذه الأيام والله إنني أشفق على كل من يشارك في مداخلة أو برنامج تليفزيوني ممثلاً لهذا الحزب، فماذا يقول وبماذا يعد وقد بدا للعيان أن الناس ضجرت ونفد صبرها ولم تعد تقبل الزيف واللعب بمستقبلهم عبر سفسطة بائسة يضحدها ويدمغها الواقع على الأرض المتمثل في أحوال الناس ومعيشتهم التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

نتيجة المرحلة الأولى والثانية من الإنتخابات التشريعية تشير أهم ملامحها إلى أن الحزب الوطني كعادته دائماً سيكون له أغلبية الثلثين في البرلمان الجديد وذلك بعد أن يتمكن من ضم المستقلين "المرتدين سياسياً" ،وستكون جماعة الإخوان المسلمين هي زعيمة المعارضة تحت قبة البرلمان مع تمثيل ضعيف جداً لأحزاب المعارضة الأساسية، ومن المتوقع أننا سنعاني كثيراً في السنوات الخمس القادمة من الصفقات العلنية والسرية بين الفريقين – الحزب الوطني والإخوان- وربما يشهد هذا البرلمان "الخطيئة الكبرى" المنتظرة في خلال عامين أو أكثر، وأدعو من الآن ألا يُفاجأ أحد بموقف نواب جماعة الإخوان وقتها.

ومن المؤسف أنه يُراد لنا بطريقة أو بأخرى أن نؤمن أنه لا يوجد في مصر من بديل للحزب الوطني الحاكم إلا جماعة الإخوان المسلمين، وهذا في رأيي استخفاف بعقولنا، فبين هذا وتلك مسافة كبيرة وأطياف عديدة، وإذا خُيّرت أنا شخصياً أيهما أختار فسأرفضهما معاً وأبقى دون اختيار، وحتى لا أضطر أنا أو غيري إلى تفضيل "ثلاثة أرباع العمى على العمى كله" ولكي لا أوضع أنا أو غيري أمام هذا الاختيار الصعب وغير المنصف؛ أدعو الله أن أغمض عيناي وأفتحهما فلا أجد لهذين الفريقين أي وجود في بر مصر، قادر يا كريم..

شكر واجب
في صباي كنت أسمع عن أداة تستخدم في حسم المشاجرات بين البلطجية تسمى "السنجة" ولكن لم أتشرف برؤيتها لأنني كنت وما زلت مُسالماً أنأى بنفسي دائماً عن المشاجرات امتثالاً لنصيحة أمي متعها الله بالصحة والعافية، ولكن خلال متابعتي للإنتخابات التشريعية في مصر تمكنت من رؤية هذه الأداة على شاشات الفضائيات التي كانت تغطي الغزوات الإنتخابية لأنصار السادة المرشحين الذي من المفترض أنهم سيمثلون الشعب الذي يمثل البلطجية فيه نسبة قليلة للغاية، وهنا يجدر بي أن أتوجه بخالص الشكر والإمتنان لنواب برلمان المستقبل على إتاحة الفرصة لي وللكثيرين غيري لرؤية تلك الأداة الحاسمة "السنجة" وأعتقد أن هذه هي أولى الخدمات التي قدّمها هؤلاء النواب للمواطنين وهي نشر ثقافة السنجة والسيف ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة!

Monday, November 28, 2005


! شباب ضائـع وآخـر جائـع

في تغطية خاصة بالتليفزيون المصري لبرنامج يقدمه رئيس قطاع الأخبار عبد اللطيف المناوي المنطلق بسرعة الصاروخ بعدما رأى أهل العقد والحل في مصر منه ما يسرهم وسمعوا منه ما يطربهم؛ تناول البرنامج موضوع الرشاوى الانتخابية وعمليات بيع وشراء الأصوات في المرحلة الأولى من انتخابات البرلمان المصري في جرأة تُحسب للتليفزيون المصري، فقد تحدث مراسل البرنامج مع شباب يعلنون صراحة أنهم يبيعون أصواتهم وقال أحدهم أمام الكاميرا إنه قد حصل على ثمن صوته أكثر من مرة، وقد عرض البرنامج أكثر من مثال بالصوت والصورة في مشاهد تمثل مأساة وصل إليها شريحة من الشباب في مصر وتسبب فيها ثنائي الجهل والفقر، فهذا الشباب بجهله لا يعي أن صوته أمانة ويحاسب عليه أمام الله وقد يتسبب هذا الصوت الذي باعه وقبض ثمنه في وصول شخص فاسد إلى كرسي بالبرلمان يستخدمه فقط لمصلحته الشخصية وليذهب حينها المواطن البسيط إلى الجحيم، كما أن هذا الشباب بجهله لا يعي أنه يتوجّب عليه التصويت لمن يراه الأصلح في رأيه لا لمن يدفع أكثر، هذا من ناحية وفي الجانب الآخر نجد عامل الفقر الذي دفع هؤلاء إلى الإقدام على هذا الفعل الشنيع، فلو كان لدى هؤلاء الشباب ما يكفيهم ما سعوا لبيع أصواتهم لمن يدفع لهم وكأنها سلعة تباع وتشترى، فالجهل في البداية ثم يأتي بعده الفقر الذي يذل أعناق الرجال، ولا أعتقد أن هؤلاء النواب الذي سعوا للوصول لكرسي البرلمان بالمال سيلقون بالاً لهذا الثنائي الخطير الذي يعاني منه شريحة كبيرة من الشباب في مصر.

وأنا أتابع تلك الصور المُخزية على شاشة التليفزيون المصري لا أدري لماذا قفزت إلى ذهني فجأة صور شبان وشابات نراهم دائماً يحجزون المقاعد الأمامية في البرامج التافهة التي تبثها الفضائيات وحفلات المطربين الراقصين والمطربات المائلات، فعندما تقع عيناك بالصدفة على صورهم في هذه البرامج وغيرها من حفلات المغنين والمغنيات أعتقد أنك تسأل نفسك مثلي: ما هذه الوجوه الغريبة؟ وأين يعيش هؤلاء الشبان والفتيات ؟ هل من المعقول أن هؤلاء مصريين يعيشون معنا في نفس البلد؟ ولماذا لا نراهم؟ فطريقة ملابسهم وأسلوب كلامهم وحتى ربما أسماءهم توحي إليك أنهم ليسوا منا ولسنا منهم، والله إنني أشعر بالحسرة عندما أسمع أو أقرأ أن فلان أو فلانة من المطربين الراقصين أو المطربات التافهات الأحياء منهم والأموات حضر له في حلفته الغائية الآلاف من هؤلاء الشباب ذوي العقول البيضاء التي لا تحوي إلا الغناء والرقص وأخبار المغنيين والمغنيات.

هذان نموذجان سلبيان من الشباب ينبغي علينا التفكير في كيفية معالجة الخلل في كلا النموذجين فالفريق الأول الذي تسبب الفقر والجهل في سعيه لأن يبيع رأيه "صوته" إذا وفرنا له قسطاً من التعليم الجيد والمعرفة والتوعية والتثقيف الديني إضافة إلى توفير حياة كريمة له ولغيره لا تُمهن فيها كرامته، لا أعتقد حينها أنه سيسعى إلى ما أقدم عليه، وهي مهمة في رأيي ليست صعبة، فقط من يريد أن يفعل وفي يده زمام الأمر سيفعل، أما الفريق الثاني فأعتقد أن المهمة ستكون أصعب لأننا أمام شباب تربي على هذا الأسلوب التافه في الحياة دون هدف يُذكر سوى ثلة من الاهتمامات السطحية التافهة في غياب ولي الأمر وانشغاله بـ "البزنس" وغيره، ولكن ليس هناك استحالة أما الرغبة والإرادة، فمع مزيد من العلم الصحيح والتثقيف الديني والتوعية بهدف الإنسان في الحياة سيتحول هؤلاء الشباب من مصفقين وراقصين في هذا البرنامج التافه أو أمام هذا المطرب الراقص إلى أفراد فاعلين في المجتمع يحملون همومه ويسعون لرفعة هذا الوطن الذي لا يستحق أبداً هذه المكانة المتدنية بين الشعوب، الغالبية العظمى من الشباب المصري على درجة عالية من الوعي والمسؤولية ونتمنى أن نتمكن من ضم هذين النموذجين السلبيين الذين تعرضنا لهما إلى الشباب المصري المجتهد الحريص على رفعة وطنه لكي نساهم معاً في إيقاظ هذا البلد من غفوته التي طالت.

Saturday, November 26, 2005


! جورج جالاوي العربي

"تخيلوا لو أن أكثر من 300 مليون عربي من المحيط إلى الخليج مع كل هذا النفط والغاز والماء ويتحدثون نفس اللغة ويدينون تقريباً نفس الدين وأقاموا وحدة عربية واحدة ماذا سيكون حالهم؟"
التساؤل السابق بكل تأكيد ليس لزعيم أو مسؤول عربي لأننا على يقين أنهم لا يتحملون ما لا طاقة لهم به فظروفهم واهتماماتهم ومصالحهم ونظرتهم وسياستهم تمنعهم من الخوض في مثل هذا الأمر لأنه سيكون إيذاناً بخروجهم من جنة الراعي الأمريكي وانضمامهم إلى المارقين الشاردين خارج السرب الأمريكي وسيعلن عليهم العم والأب والوصي "سام" حرباً شرسة على كافة الجبهات، فهم لا يرغبون في الانضمام إلى جبهة "شافيز" المتهور أو "كاسترو" المتعجرف.
عضو مجلس العموم البريطاني جورج جالاوي هو منْ طرح هذا التساؤل في محاضرة ألقاها في جامعة دمشق في الثالث عشر من الشهر الجاري، الرجل معروف بتعاطفه مع القضايا العربية لدرجة تعرضه الدائم لسهام اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وغيرها والذين حاولوا تشويه صورته أمام العالم بأن إتهموه أنه قد تلقى أموالاً من الرئيس العراقي صدام حسين فما كان منه إلا أن دافع عن نفسه بقوة وجرأة أحرجت من وجهوا له الاتهام وهو في عقر دارهم.
جورج جالاوي "الاسكتلندي" قال الكثير في محاضرته بجامعة دمشق التي نقلتها "الجزيرة مباشر" ولا أدري هل كان يحاول إيقاظنا مما نحن فيه أم أنه حاول تأنيبنا على ما لا حيلة لنا فيه، لكن ما لمسته أني وجدته يصدع بصوت المواطن العربي المقهور والمغلوب على أمره والذي ليس بإمكانه أن يغير شيئاً في حين تُحاك المؤامرات حوله في كل مكان للنيل من حريته واستقلاله وطمعاً في ثرواته ومقدراته، ولا أدري أيُعقل أن نظل هكذا مكتوفي الأيدي والألسن أمام ما يُخطط لدولة شقيقة عربية مسلمة هي سوريا التي يراد لها أن تركع كما ركع سابقيها؟ أنظل هكذا نشاهد ونتحسّر ونحن في مقاعد المتفرجين كما فعلنا وانتظرنا إلى أن ضاع العراق؟


Tuesday, November 22, 2005

سعد الغامدي وعمرو دياب

أشعر بعد الإرتياح لأني جمعت في عنواني السابق ما لا يجتمعا ولكن عذري مقصدي من هذا الجمع وهو أني أريد أن أضع بين أيديكم تجربة شخصية مع كليهما بدأت مع الثاني وإنتهت والحمد لله مع الأول، فكلاهما يشتركان في شيء ما وهي نعمة أنعم الله بها عليهما وهذا الشيء ربما يكون الوحيد الذي يجمع بينهما وهي نعمة جمال الصوت وعذوبته ولكن شتان الفرق بينهما في توظيف تلك النعمة وإستخدامها في السعي لنيل دعوات العباد ورضا رب العباد.
للأسف الشديد لا أعتقد أن هناك من بين قراء هذه السطور من لا يعرف من هو "عمرو دياب" في حين أنني يقين أن الكثيرين لا يعلمون من هو "سعد الغامدي"، ولهؤلاء أقول إنه إنسان مسلم منحه الله عذوبة الصوت وجماله فعلم كيف يؤدي شكر هذه النعمة فراح يحمد الله عليها فتوجه بذلك الصوت الملائكي إلى تلاوة كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بورع وتقوى وخشوع حتى تشعر معه أنه صوت يؤثر فيك، صوت يفتح أمامك آفاقاً روحانية لا حدود لها تقودك إلى تدبر معاني هذا القرآن العظيم.
وعندما أتحدث عن "عمرو دياب" أدرك جيداً وأجزم أنني على دراية كبيرة بإمكانات صوته، ففي الماضي عندما كنت أتخبط في الظلمات لاهثاً وراء هذا المعني أو ذاك وخاصة هذا الذي أتحدث عنه كنت مولعاً بما يردده هذا المغني الراقص لدرجة أنني كنت بمجرد سماع ثوان معدودة من مقدمة موسيقى أي أغنية له كنت أستطيع وقتها أن أقول لك إسم الأغنية وكلماتها كاملة وفي أي ألبوم جاءت، وكنت وقتها أتوهم أنني أتلذذ وأستمتع بهذا الصوت وذاك الغناء الذي يردده هذا المغني كالببغاء، إلى أن أنعم الله عليّ بإدراك حقيقة هامة وهي أن الله قد وهب لكل إنسان قلب واحد ومن المستحيل لهذا القلب أن يطرب ويستمتع بهذا الهراء الذي يطلقون عليه طرباً وفي نفس الوقت يكون في هذا القلب مكاناً لكلام الله المنزل من السماء ،وأيقنت أن من يخشع قلبه وتتأثر مشاعره من جراء الإستماع لهذا المغني أو تلك المغنية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يخشع أو يرتجف أو يلين لسماع كلام الله وما نزل من الحق لأنهما لا يجتمعان في مكان واحد، فكلام الله أعلى وأسمى وأرفع وأرقى من أن تجده في قلب إنسان لاهث مردد ومتلذذ بهراء يؤديه هذا المغني أو ذاك.
ولن أدخل في جدل حول رأي ديننا الحنيف في مسألة الغناء لقناعتي أنني غير مؤهل لذلك، ولكنني أود أن أسألك ببساطة وأستحلفك بالله أن تسأل نفسك ولو للحظة واحدة :هل من الممكن أن يُحل الرحمن الذي أنزل القرآن هذا الكلام الذي يطلقون عليه غناء هذه الأيام؟ فالسواد الأعظم مما نسمعه هذه الأيام والذي يطلقون عليه طرب ينحصر في موضوع واحد متكرر : فهو يحبها ولا ينساها وقد حاول ولكنه وفشل ونظرت إليه ونظر هو إليها..إلخ ثم نجدها هي تردد نفس الكلام تقريباً إلى أخر تلك التفاهات التي أعترف أنني كنت يوماً أحد المرددين لها بحرارة .
وتكمن الخطورة في أن إنتشار تلك الأغنيات بين الشباب أنها تكرس سلوكيات وأفعال وتوجهات سلبية تجد طريقها بسرعة لكي تترسخ في شخصية الشاب أو الفتاة وتساهم بقدر أو بآخر في إثراء التفكير السلبي والسعي إلى الإرتباط اللاأخلاقي ولو حتى في خيال الشاب أو الفتاة.
لكن على الجانب الآخر المضيء بنور الله وكلامه تجد أن القرآن كله خير ورحمة وهو شفاء لما في الصدور والقلوب مما قد يعلق بها من همزات الشيطان وهوى النفس الذي أجده أخطر من الشيطان لأن الشيطان ضعيف بمجرد أن تقرأ عليه آية من كتاب الله يكفيك الله شره، ولكن النفس هي عدو داخلي وقد قيل من إتبع الهوى غوى، والإستسلام لهذا المغني أو تلك المغنية ما هو إلا إتباع لهوى النفس الذي من إتبعه ضل، فكن على يقين أن القرآن والغناء لا يجتمعان، ولكي تستمتع بكلام ربك وتشعر بحلاوته لابد أن تقلع عن الإستماع للغناء، وسوف تجد أن الله قد ملأ قلبك بنور كلامه الذي سوف تجد فيه الطمأنينة والسكينة والراحة وصفاء النفس والذهن وعندها سوف تجد نفسك تلقائياً ترفض قبول سماع ذاك المغني الراقص أو تلك المغنية المائلة المتمائلة.
أتحدث إليك من واقع تجربة شخصية دامت سنوات طويلة في ظلمات التيه والوهم وراء صوت هذا المغني الراقص أو تلك المغنية، إلى أن شاء ربي وأذاقني حلاوة الإنصات إلى كلامه المنزل من السماء بصوت العديد من شيوخنا الأجلاء وعلى رأسهم صاحب الصوت الملائكي سعد الغامدي فوجدته صوت مختلف صوت يخترق جدران قلبي المتحجر وإنتقلت بفضل الله وعونه من الهيام واللهث وراء ما يردده عمرو دياب وغيره إلى الإستمتاع بكلام ربي أسمعه بصوت عذب رقراق جزى الله صاحبه كل الخير عني وعن جميع المسلمين خير الجزاء.
وأؤكد لك أنه مهما كان تعلقك بأي مطرب فلن تكون مثلما كنت أنا في تعلقي بالكثير من المطربين الراقصين وعلى رأسهم عمرو دياب، وليس هناك في رأيي أدنى صعوبة في الأمر فقط إمتلك الإرادة والإيمان والرغبة في الرجوع إلى النبع الصافي الذي لم ولن تشوبه أي شائبة، نبع الكتاب المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإذا رأى الله منك الإصرار والعزم على تنقية قلبك من الشوائب والتفاهات لكي تهيء هذا القلب وتجهزه لساكن واحد ولا شيء غيره وهو دستورنا المنزل من السماء فسوف تجد المدد من الله لكي تستمر وتثبت على قناعتك مهما حاول معك شياطين الإنس وهوى النفس، وإبدأ من الآن وتوقف نهائياً عن الإستماع إلى ذاك الهراء وسوف تنتقل بإذن الله من حزب "عمرو دياب" وغيره من المطربين الراقصين إلى حزب الله الذين إذا قرأ القرآن يستمعون إليه ويتدبرون معانيه ويعملون به، وفي النهاية أردد معكم قول ربي عز وجل "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق" الحديد 16

Tuesday, November 15, 2005

إخفاقات ديمقراطية ونجاحات كروية


متابعة الجولة الأولى في انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) المصري أصابتني بالإحباط وخيبة الأمل، فقد كنت أعوّل كثيراً على هذه الانتخابات التي جاءت في ظروف داخلية وإقليمية ودولية مختلفة، وهو ما جعلني أتوهم أن نسائم الديمقراطية والحرية التي هبت على ربوع العالم - حتى سمعنا عن دول مثل توجو وليبيريا- قد قابت قوسين أو أدنى من أرض الكنانة وأننا قد صرنا نحن معشر المصريين أقرب إلى الديمقراطية والحرية أكثر من أي وقت مضى، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، فقد بدأت الانتخابات وبرزت على السطح الكثير من السلبيات ولعل أهمها وأخطرها هو ما اصطلح على تسميته المال السياسي أو الرشاوى الانتخابية، فقد كان من الملاحظ في أسماء المرشحين لهذه الإنتخابات أن الكثيرين منهم من رجال الأعمال، منهم من أنعم عليه الحزب الحاكم ورشحه على قوائمه ومنهم من دخل الانتخابات بصفة مستقل ومعلوم أن هؤلاء المستقلين بمجرد نجاحهم يعلنون انضمامهم للحزب الحاكم في ردة سياسية وخيانة لإرادة الناخب الذي منحهم ثقته على أنهم مستقلين وليسوا من الحزب الحاكم، ولكن لا يخفى على أحد أن أمثال هؤلاء من رجال الأعمال لا مصلحة لهم بعيداً عن حزب السلطة.

وقد استغل الكثير من المرشحين من رجال الأعمال الظروف المعيشة للمواطن المصري الغير مكترث أصلاً بما يجري لانشغاله بهموم بأمور أخرى أهم بالنسبة له وعلى رأسها توفير لقمة العيش لمن يعولهم في ظروف اقتصادية طاحنة، فلجأ هؤلاء الأثرياء إلى مداعبة هذا البائس بورقة المال لشراء الأصوات وهم على يقين أنهم لو نجحوا فسوف يعوضون تلك الأموال التي أنفقوها أضعافاً مضاعفة، وتشير تقديرات بعض الخبراء إلى احتمال وصول ما يقارب 200 رجال الأعمال إلى البرلمان القادم وهذا في رأيي مؤشر خطير لأن نواب مجلس الشعب من المفترض أنهم يمثلون الشعب وإذا حصل رجال الأعمال على ما يقارب نصف مقاعد البرلمان المجلس فهذا يعني أن نصف سكان مصر من رجال الأعمال وهذا غير صحيح بالمرة، ومن المعلوم أن هؤلاء في الغالب الأعم لا يمثلون إلا أنفسهم ومصالحهم فقط وإلا ما أضاعوا أوقاتهم الثمينة وأموالهم الكثيرة في محاولة الوصول لهذا الكرسي فهم يتعاملون مع كل شيء بمنطق البيع والشراء وهو الأسلوب الذي إتبعوه في التعامل مع أصوات الناخبين كأنها سلعة تباع وتشترى ولن يغيروا هذا المنطق عندما يحجزون مقاعدهم تحت قبة البرلمان وويل للبسطاء فالأغنياء قادمون.

وفي ظل هذا الإخفاق في المسار الديمقراطي الذي لم يبدأ بعد، وما صاحبه من شعور بالإحباط وخيبة الأمل ويأس من إمكانية تغير ذلك الواقع المظلم، أسعدنا فريق الأهلي المصري بفوزه كأس بطولة الأندية الإفريقية إثر تغلبه باقتدار في مباراة الإياب على فريق النجم الساحلي التونسي الشقيق بثلاثة أهداف دون مقابل، فقد رسم الأهلي الفرحة على وجوهنا بعد أن كساها الحزن على أحوالنا التي تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

قوة وتماسك وتناغم وبراعة لاعبي فريق الأهلي جعلت المدير الفني للنجم الساحلي التونسي يلعب بمبدأ "رحم الله إمرىء عرف قدر نفسه " حتى وهو يلعب على أرضه وبين أكثر من خمسة وعشرين ألف متفرج في مدينة سوسة التونسية في مباراة الذهاب التي تعادل فيها سلبياً مع الأهلي، ثم جاء إلى القاهرة ولم يغير قناعته وتمسك أكثر بهذا الشعار، فهو يعلم أنه لو حاول مجاراة "الأهلي" وفتح خطوطه ولعِب مباراة هجومية مفتوحة فسيكون ذلك إيذاناً بإنضامه إلى "نادي الستة" وهو لمن لا يعلم نادي يتشرف بالانضمام إليه كل فريق يُهزم من "الأهلي" بستة أهداف ومن بين أبرز أعضاء هذا النادي فريقا الزمالك الإسماعيلي المصريين، وكلاهما يتنافسان في كل عام على بطاقة المركز الثاني في الدوري المصري بعد أن قرر "الأهلي" الإنفراد بالمركز الأول إلى أجل غير مسمى وإلى أن يقضى الله أمراً كان مفعولاً.

يبقى أن أقول أن النادي الأهلي المصري ليس لاعبين فقط وإنما هم لبنة في بناء متكامل ومتناغم ويكمّل بعضه بعضاً، حيث يجمع الحب والتفاهم كل من ينتمي إلى هذا النادي العريق الذي حصل على لقب نادي القرن في أفريقيا بجدارة، الأهلي هو صرح للمباديء والقيم التي أرساها الراحل صالح سليم ويدير النادي اليوم أحد تلامذته وهو الأستاذ حسن حمدي رئيس نادي الأهلي وهو شخص لا يعرف الصراخ والصياح والوعيد ولا تستهويه كاميرات الفضائيات ولا أعمال البلطجة مثل الكثيرين لأنه يسعى فقط إلى تحقيق المجد لناديه عن طريق إحراز المزيد من البطولات مترسماً خطى سلفه المايسترو صالح سليم.

وأعتقد أن هذا الفوز الغالي وهذا النصر الثمين قد أسعد كل المصريين بما فيهم مشجعي نادي الزمالك وعلى رأسهم أخي الأستاذ سالم المراغي الذي إلى الآن لم يرسل لي بطاقة تهنئة بمناسبة فوز الأهلي بهذه البطولة الغالية التي فتحت الطريق لهذا الفريق العريق لتمثيل مصر والكرة الإفريقية في بطولة العالم للأندية التي ستقام باليابان الشهر القادم، مع تمنياتي بكل التوفيق لبطل القرن في أفريقيا وقلعة البطولات النادي الأهلي المصري.


Wednesday, November 09, 2005

سلطان الذكرى مجدداً

كم هو غريب أمر هذا الإنسان ! أجده ينتقل من الشيء إلى نقيضه، فقد رأيته في الماضي كيف تردد وفكر وخاف إلى أن أقدم على ما فكر فيه وناله ما ناله وقتها، وفي خضم ذاك التأثير الموجع وجدته وقد قطع عهداً على نفسه ألا يقترب من ذاك الحمى مرة أخرى أو قل مرة ثانية، وقد نجح في ذلك بعض الوقت وإعتقد وقتها أنه قد حِيز له ما كان يحلم به، ولكنني تابعته بإستغراب وهو يتفنن في تذكير نفسه بما لا يود أن يتذكره ويسلّم ناصيته لشراع الذكرى ليبحر به في خضم أمواجها العاتية، ثم يأتي بعد ذلك ويشكو من مرارة الذكرى وقسوتها وعدم رغبته في تذكّر تلك المواقف والأحداث لأن إسترجاعها يأتي محملاً بصنوف من المرارة والحزن واللوعة على ما قد كان، وقد سجّل من قبل تجربته تلك في هذا المكان وسمّاها "سلطان الذكرى" مع إنه يعلم جيداً كما أقول له دائماً إنه هو نفسه من قام بتنصيب ذلك السلطان الجائر على فكره وعقله وهو الذي جعلها تسيطر عليه فلا يمر يوم إلا ووجدته ينسج خيطاً دقيقاً يعيده إلى تذكر حدث أو موقف أو لقاء أو علامة فارقة في ذلك الطريق الذي كان يأمل أن يصل به إلى بلوغ هدفه ومراده ولكنه في النهاية وجده سراباً بقيعة.

وأنا على يقين وكذلك هو أنه عندما أقدم على تسليم نفسه لذلك السلطان الجائر كان مثل الذي أخرج المارد من قمقمه ولم يستطع التحكم فيه أو السيطرة عليه، فقد وجدناه كيف صوّر لنا شهر "آب" وكأنه مأساته الوحيدة وما أن يمر هذا الشهر حتى تمر ذكراه التي لم يكن يود أن يتذكرها ولكن ما أن أفاق من صدمة ذكرى "آب" حتى داهمته ذكرى أخرى محفورة هي أيضاً في جدران ذلك القلب الذي صبر وندم، وليته يدرك ويعي أن تلك السلسلة الطويلة من الذكريات لا تنتهي.

لكن الغريب في الأمر والذي لا أتفق معه فيه هو أنه تحت ذاك التأثير المحزن لتواتر تلك الذكريات أجده يقدم على تصرفات يغلب عليها الإنفعال فبمجرد أن تلوح أمامه في الأفق إشارات ربما تؤدي به إلى السير في نفس الطريق الذي لم تندمل جراحه إلى اليوم، أجده يتصرف بإندفاع وإنفعال وخوف من تكرار ما حدث، وفي الغالب يكون ذلك التصرف على حساب أناس آخرين جديدين لا ذنب لهم فيما حدث له وكل ما فعلوه هو محاولة الإقتراب من عالمه الغامض وربما المتناقض، ولكنني عرفت لماذا يفعل ذلك وقد صارحته بحقيقة الأمر وهو أنه يتصرف بهذه الطريقة التي يراها نقطة دفاع متقدم حتى يجنّب نفسه ما قد يواجهه إذا هو سلك نفس الطريق الذي ذاق فيه ما ذاق.

وكثيراً ما نصحته أن يتحرر من ذلك الوهم الذي يصوره لنفسه بأنه غير قادر على طرح تلك الذكريات جانباً، فأنا على يقين بأنه يقدر على ذلك، ولابد أن يعلم جيداً أن الأهم في الأمر ألا يؤثر ذلك بأي حال من الأحوال على من حوله خاصة من هم حديثي المعرفة به حتى لا يخسر هؤلاء أيضاً كما تعوّد أن يخسر، وقد وجدته دائماً يتهرب من سؤال طالما طرحته عليه وهو: لماذا يا عزيزي تتسبب بيديك النظيفتين في شقائك؟ لماذا تتفنن في تذكير نفسك بما لا تحب أن تتذكره ؟ فأنت تعلم مثلي أنه قد ولّى زمن الممكن فقد قُضي الأمر وأُسدل الستار وربما لا يستحق هذا الذي عانيت من أجله ولم تجده عوناً وسنداً لك في سبيل تحقيق ما حلمتما به معاً، فهو في رأيي لا يستحق كل هذه المعاناة التي تستسلم لها بإرادتك، فجأة وجدته قد قطع صمته الطويل وقاطعني بشدة مُلقياً في وجهي بحقائق علمها وتأكد من صدقيتها، حقائق وتفسيرات تبرىء ساحة صاحبه، ثم أخذ يردد قول الشاعر:

أساحرتي ظلمتك في تصاويري وتدويني
وخُنتك في خيالاتي وأنك لم تخونيني

وصفتك بالذي أكره وعشت لمن يوسوس لي
فإن جادت لك الأيام عن ثمني فبيعيني

وصفتك ما تلا قلبي على كبدي توسله
فصرت النهب للأحزان تأسرني وتسبيني

أعز الناس، أغلى الناس، أرحم منْ رأت عيني
ملاك مِتُّ أعشقه وصمت الموت يحييني

فقد ألقك في سِنتي وقد ألقاك في الدنيا
وقد ألقاك في الجنة وهذا العز يكفيني

Tuesday, October 18, 2005


العالم الإسلامي إلى أين؟

هل نتمنى أن يبقى حالنا على ما هو عليه الآن؟

في مثل هذه الأيام من العام الماضي أذكر أنني كنت أتبادل التهاني بمناسبة قدوم الشهر الكريم مع أحد الأصدقاء الذي قال في لهجة حزينة أتمنى أن يأتي العام القادم وحالنا أفضل من ذلك، وكان ردي عليه "بل تمنى معي أن يظل حالنا كما هو وألا يتدهور أكثر من ذلك "، لأننا قبل عام مضى كنا نلحظ كما نلحظ الآن أن حال العالم الإسلامي يزداد سوءاً ويتدهور بوتيرة متسارعة وصرنا أكثر تفككاً وتشرذماً وضعفاً، ولو رجعنا إلى تقييم أحوال المسلمين والعرب منهم على وجه الخصوص قبل عام من الآن لوجدنا أن حالنا وقتها- أي قبل عام فقط- كان أفضل بكثير مما هو عليه الآن، فقد ازداد حالنا سوءاً وصرنا أكثر وهناً وضعفاً وهُنّا أكثر على الناس، وأصبحنا نستجدي رضا أحقر أهل الأرض بصورة مُخزية وتداعت علينا الأمم أكثر وأكثر، حتى صرنا نحن كشعوب عربية مسلمة ننظر بإعجاب شديد إلى حكاماً وشعوباً – غير مسلمين- ما زالوا يمثلون جسوراً ورموزاً للمانعة والوقوف في وجه الطغيان الأعمى للإمبراطورية الأمريكية المستبدة مثل فنزويلا شافيز الذي طالب في الأمم المتحدة في عقر دار الأمريكان بنقل مقر المنظمة الدولية من هذا الدولة المتعجرفة التي لا تراعي قيماً ولا مباديء، كما صرنا ننظر بإعجاب لذلك التلاحم المطلوب في الوقت الحالي مع نظيره الكوبي فيدل كاسترو وكيف أنهما ينسقان معاً من أجل تكريس التعاون الاقتصادي بين بلديهما لكي يقاوما ذلك الحصار الجائر الذي وصل من قبل بالعراق إلى ما هو عليه الآن، وكان الأجدر بنا نحن العرب أن نتعاون مع هذه الدول أو أن ننضم إلى هذه الجبهة، ولكن كان من المخزي والمؤسف ضعف الإقبال العربي في القمة العربية اللاتينية التي أقيمت في البرازيل في مايو الماضي وكأن العرب لا يريدون أن يتحرروا من سطوة من يسومهم سوء العذاب ويسلب ثرواتهم ويتحكم في مقدراتهم والله إنه لأمر غريب يستعصي على الفهم.

نظرنا أيضاً بكل إعجاب إلى إيران، تلك الدولة التي تناطح أعتى قوة في العالم وهي الولايات المتحدة التي تريد أن تحرم إيران من حق امتلاك الطاقة النووية، وهي تقوم بهذه المهمة بالنيابة عن إسرائيل وذلك من أجل أن تظل الدولة العبرية وحدها هي القوة النووية من المنطقة، ومثلما أشعر بإعجاب إزاء الموقف الإيراني أجدني أنظر باستغراب شديد إزاء مَنْ يُعرب عن قلقه بصراحة من سلاح إيران النووي وهي دولة مسلمة ولكنه في نفس الوقت يستأنس بسلاح النووي الإسرائيلي المجاور والذي يهدد بلاده التسرب المحتمل للإشعاع النووي من مفاعلاتها، والله إنها لآخر عجائب هذا الزمن عندما تكون إسرائيل هي الصديق الودود وإيران المسلمة هي العدو اللدود.

في العراق إزداد الوضع سوءاً فما زلت أذكر أن في نهاية رمضان الماضي بدأت عملية إجتياح الفلوجة من القوات الأمريكية الغازية وما نتج عن ذلك من مأساة إنسانية بكل ما تحمل الكلمة من معنى ولكن تجاهلها العالم الذي يدعي العدل والحرية ولكنه في االحقيقة عالم قائم على النفاق والمصالح والمنفعة المتبادلة، وإذا نظرنا الآن بعد عام تقريباً لوجدنا أن هذه العمليات قد تكثفت على المدن العراقية ولا تختلف عن بعضها إلا في مسمياتها التي تطلقها تلك القوات الغازية عليها ولكنها جميعاً تهدف إلى تركيع وتدمير الإنسان العراقي والقضاء ما تبقى من البنية التحتية للعراق الذي يعاني من عدم توفر أبسط مقومات الحياة من ماء وكهرباء، ثم يدّعون أنهم جاؤوا لتحرير العراق ! وعلى الجانب الآخر ارتفعت وتيرة عمليات العنف التي تستهدف المدنيين ولا يمر يوم إلا ويُقتل فيه العشرات من أبناء الشعب العراقي، والقوات المحتلة تغض الطرف عن حقيقة أن وجودها هو السبب وراءكل هذه الحمامات من الدم وهذه المجازر التي يتعرض لها الشعب العراقي الشقيق، ألم يصير الوضع في العراق أسوأ مما كان عليه منذ عام مضى؟

وفي فلسطين أطلقت إسرائيل يدها في قتل وتشريد الفلسطينيين وهدم منازلهم وانسحبت من جانب واحد من مدينة غزة في رسالة لها مدلولها لمن يود أن يفهم، وفي الأفق الفلسطيني الداخلي تلوح غيوم تهدد وحدة الصف الفلسطيني وتصب فقط في صالح إسرائيل، ألم يزداد الوضع في فلسطين سوءاً ؟ ولكن المفارقة الغريبة في الأمر أن العديد من الأنظمة الإسلامية وجدناها تتسابق وتتدافع نحو إقامة علاقات مع إسرائيل، فوجدنا من "اقترف" اتفاقيات تعاون اقتصادي وصناعي مشترك وتصدير الغاز بعد البترول إلى إسرائيل في تجاهل غريب لمعاناة الشعب الفلسطيني الشقيق، ورأينا كيف أن ما كان في الماضي يعتبر من الحرام السياسي صار اليوم مُسلماً به.

يُقال إن أكثر فترات الليل ظلاماً هي تلك التي تسبق طلوع الفجر، وهل هناك أسوأ أو أسوَد مما نحن فيه الآن؟ هل اقترب وقت بزوغ فجر هذه الأمة من جديد؟ لكن على أي حال كل عام وأنتم بألف خير بمناسبة الشهر الكريم وأتمنى أن يجيء العام القادم بإذن الله وحالنا أفضل مما نحن عليه الآن أو لنقل – مرة أخرى- أن يظل حالنا- على الأقل- على ما هو عليه اليوم وألا يزداد سوءاً وتدهوراً وضعفاً وتشرذماً مثلما حدث في العام الذي مضى.

Thursday, September 29, 2005

قناة الجزيرة وتطلعات الشعوب العربية

مما لا شك فيه أنه منذ أن انطلقت قناة الجزيرة قبل تسع سنوات أحدثت ثورة غير مسبوقة في المفاهيم الإعلامية في العالم العربي وحرّكت المياه الراكدة فيه وتناولت أموراً كانت تعتبر في السابق من المحرمات وحررت المشاهد العربي من سطوة الإعلام الموجّه الذي لا يكل ولا يمل من التغطية المكثفة البائسة لأنشطة الزعيم والحاكم الضرورة الذي لن يجود الزمان بمثله! وتخلّص المشاهد العربي من المحيط إلى الخليج من ذلك الملل الذي كان يعانيه من تصدّر ذلك الزعيم الملهم لجميع الأحداث والنشرات والتحليلات، وكنت إذا أردت مشاهدة نشرة الأخبار فكان من الأفضل لك - خاصة إذا كنت تعاني من ارتفاع ضغط الدم مثلي- أن تقوم بتشغيل التلفاز بعد أن تبدأ النشرة بربع الساعة على الأقل حتى تتجنب أن تصيبك أخبار أنشطة الزعيم وعائلته بالكآبة والملل العضال، وهو ما دفع المشاهد العربي إلى الهروب إلى المصادر الإعلامية الأخرى وخاصة الغربية منها سواء كانت قنوات فضائية أو إذاعات مسموعة، إلى أن جاءت الجزيرة فتصدرت المشهد وملأت هذا الفراغ باقتدار ووجد فيها المشاهد العربي ضالته وما كان يحلم به ويتوق إليه من تناول همومه التي وضعتها الجزيرة لأول مرة على خريطة الإعلام العربي، واكتسبت الجزيرة احترام الشارع العربي وهو الموقف الذي نتج عنه تعرضها لضغوط هائلة ولكنها صمدت في كل الأحوال أمام الكثير من الأمواج العاتية وأثبتت استقلاليتها وانحازت إلى الشعوب العربية المقهورة رغم تلك الضغوط التي تعرضت وتتعرض لها القناة والمحاولات المستميتة لثنيها عن موقفها ،وهو الموقف الذي قدمت القناة من أجله الكثير من التضحيات، فعلى سبيل المثال فقد قُصف مكتب الجزيرة في كابل بأفغانستان من قبل القوات الأميركية في نوفمبر 2001، وقصفت طائرة أميركية مكتب الجزيرة في بغداد في أبريل 2003 مما استشهد على إثره مراسل الجزيرة طارق أيوب، وآخرها قرار "المجاهد" إياد علاوي بإغلاق مكتب الجزيرة في "العراق الجديد" ! وهو ما يؤكد أن القناة لم تهادن محتل أو ظالم وإنما سعت فقط لكشف الحقيقة.
وعندما فشلت الأنظمة العربية وغيرها فشلاً ذريعاً في تحقيق أي نتائج ترجوها من تكثيف ضغوطها على القناة بكافة الوسائل؛ لجأت إلى آخر الأوراق في يدها والتي ثبُت فيما بعد أنها ورقة خاسرة بكل المقاييس، فقد لجأت بعض الحكومات إلى محاولة الدخول إلى ساحة المنافسة فعمدوا إلى إنشاء وتمويل قنوات فضائية إخبارية لكي تنافس الجزيرة ! لكن لم يمر الكثير من الوقت حتى ثبُت أن تلك القنوات أقل ما يقال عنها أنها قد ولدت ميتة وتعتبر صور كربونية مستنسخة من الإعلام العربي الرسمي الموجّه وورثت سمات الإعلام الرسمي المتهافت الذي يُسبّح بحمد الزعيم الذي سافر وقابل وقال وصرّح...الخ وتستطيع عزيزي القاري الوقوف على هذه الحقيقة جيداً من خلال التغطية الإخبارية لتلك القنوات ،وبعد أن "نجحت" إحدى هذه القنوات "بجدارة" في الانتهاء من تغطية وحل جميع هموم ومشاكل الأقطار العربية تفرّغت لتغطية ومتابعة أخبار حمل وولادة إحدى مذيعاتها وصوّرت لنا الحدث وكأنه فتحاً مبيناً !!
ولو علم القائمون على أمر تلك القنوات البائسة سر نجاح الجزيرة لكانوا قد جنبوا أنفسهم تبديد أموالهم في الهواء، ولكن ما أغمضوا عيونهم عنه هو أن السر وراء تفوق الجزيرة هو انحيازها للمواطن العربي المقهور وهو ما جعل جمهورها من مختلف الدول العربية يعلقون الآمال على قناتهم "قناة الجزيرة" في أن تصدع بمعاناتهم وألا تهمل ما يدور في بلدانهم بعد أن صارت الجزيرة رمزاً لتطلعات تلك الشعوب المقهورة.

تجسدت تلك التطلعات والآمال التي تحملها الجماهير العربية تجاه قناة الجزيرة في كتابات ثلاثة كتاب من ثلاث دول عربية مختلفة تناولوا الموضوع سعياً إلى حث القناة على تركيز اهتمامها على ما يدور من أحداث في بلدانهم، أولهم الكاتب المصري سليم عزوز الذي كتب مقالاً بعنوان " هل باعت قناة الجزيرة القضية المصرية ؟" (القدس العربي 26/6/2005) تناول فيه الموضوع بعد أن نشرت جريدة الدستور المصرية عن نفس الموضوع أيضاً تحت عنوان "انسوا قناة الجزيرة" فقال: "...فان تغطية (الجزيرة) للأحداث التي تشهدها مصر في الآونة الأخيرة، يؤكد ان في الأمور ـ كما يقولون ـ أمورا" ويقول : "وقد انطلقت اسأله(يقصد مسؤول بالجزيرة) لعلي أجد عنده إجابة علي السؤال، لكنه تعامل معي علي أساس انه (يتهيأ لي) أي أتصور أشياء لا أساس لها، ولولا ان كثيرين يتفقون معي لذهبت الي مستشفي أبو العزايم للأمراض النفسية لاطلب العلاج من مرض الوهم.. او التوهم!فأنا ربما بنيت هذا التصور لان الجزيرة تنقل وجهة النظر الأخري، وقلت له أنني لا أمانع في استضافتكم المتكررة للدكتور مصطفي الفقي عن الحزب الحاكم ليلت ويفت، ويخرج عن الموضوع دون ان يستوقفه المذيع او يقاطعه او يسحبه الي القضية محل النقاش. ولا أمانع في التعامل مع المسجلين خطر الذين يسحبهم الحزب الحاكم لمظاهرات حركة كفاية، علي انهم يعبرون عن شعبية السلطة، وتسليط الكاميرات عليهم حتي يتأكد المشاهد أنها مثل زبد البحر، فالذي اقصده هو تجاهل كثير من الفاعليات، واختزال بعضها، والتعامل بعدم اكتراث مع ما يتم نقله!" وقد أكمل سليم عزوز التعبير عن ظنونه أو (ما يتهيأ له) في مقال آخر بعنوان "عن الجزيرة والذي منه!" (القدس العربي 3 /7/2005 ) مستشهداً بأكثر من موقف يؤكد ظنونه (أو ما يتهيأ له) وأهمها موقف مراسل القناة في القاهرة في محاكمة أيمن نور.

ثاني هؤلاء الكتاب العرب هو الكاتب الجزائري توفيق رباحي الذي كتب مقالاً تحت عنوان "هل باعت الجزيرة المغرب العربي؟" ( القدس العربي 19/7/2005) يحسد أهل مصر على حظهم من "كعكة" الجزيرة ويلوم القناة على إهمالها المغرب العربي فيقول:"..وتذكرت زميلا مغربيا سألني في نفس الاسبوع لماذا لا اكتب عن الجزيرة وتقصيرها بحق منطقة المغرب العربي رغم انها تمتلك اكبر كتلة مشاهدين هناك."، ويقول رداً على سليم عزوز: "عندكم في القاهرة مكتب له شنة ورنة، وعندهم في المغرب مكتب الا ربعا (اقبال الهامي مسحوب اعتمادها منذ شهرين)، وفي الجزائر مكتب علي الورق (محمد دحو اوقف بعد شهور معدودة من بدء العمل بذنب ليس ذنبه)، وفي تونس مكتب في الحلم، وفي ليبيا مراسل اعانه الله علي نفسه اولاً، وفي موريتانيا مراسل بدون عنوان يغطي كل غرب افريقيا. مكتب الجزيرة في مصر امر واقع، والجدل الان حول نوعية ادائه. اما بالمنطقة التي تسمونها شمال افريقيا، فلم تصل الجماعة هناك الي الامر الواقع"

ثالث هؤلاء الكتاب العرب هو الكاتب المغربي المصطفي العسري الذي كان أكثرهم عنفاً في توجيه اللوم لقناة الجزيرة على عدم تناولها للكثير من الفعاليات في المغرب العربي فقد كتب مقالاً (الراية 31/8/2005) يقول فيه "فالوطن العربي عند أهل الجزيرة ينتهي عند الحدود مع ليبيا، والعالم العربي مختزل في الوضع بالعراق وبفلسطين، وفي الانتخابات اللبنانية التي خصصت لها تغطيات مباشرة جعلتنا في مغرب الوطن العربي علي علم بمختلف التيارات السياسية والطوائف الدينية بهذا البلد الذي لا يزيد عدد سكانه عن الأربعة ملايين نسمة هم سكان الدار البيضاء فقط،" ويكمل قائلاً: "إلا أن المتتبع لبرامج الجزيرة الإخبارية والجزيرة مباشر يراها لا تهتم بما يقع في مغرب الوطن العربي رغم أن شمس الإصلاحات السياسية باتت تشرق من المغرب علي حد ذكر الأخ فيصل القاسم" ويختتم الكاتب مقاله قائلاً "المهم، إن القصد من وراء هذه الأسطر هو التعبير عن غضبنا من قناة الجزيرة العزيزة علينا هنا في مغرب العالم العربي، لأننا نعيش دائما علي هامش اهتماماتها ولا نعلم سبب ذلك"

تلك كانت مقتطفات من مقالات ثلاثة من الكتاب من ثلاث أقطار عربية مختلفة يلوم كل منهم قناة الجزيرة على عدم الاهتمام – بالصورة التي يريدها- بما يحدث في بلده ويحثها على بذل المزيد من الجهد في تناول ما يدور في بلدانهم من فعاليات وأحداث وأن تنقل صورة ما يحدث هناك دون تجاهل، ولكن هناك سؤال يتبادر إلى الذهن هو لماذا اختار هؤلاء الكتاب وغيرهم قناة الجزيرة بالذات دون غيرها من القنوات الإخبارية العربية- وما أكثرها - ويدعونها أن تهتم بما يدور على أراضي بلدانهم وتتناوله ولا تتجاهله؟

والإجابة على هذا السؤال هي أسهل ما يكون ويعرفها كل مواطن عربي بسيط وهي أن الجزيرة فقط هي ما تتمتع بأكبر قدر من المصداقية لدى الشعوب العربية وهي تثق في نزاهة القناة وانحيازها لصالح قضاياهم وهمومهم وبالتالي فإن من حق تلك الشعوب العربية المغلوب على أمرها أن تلوم الجزيرة عندما يفوتها تناول بعض مما يحدث على أرضها وأن تطلب منها أن تظل دائماً على عهدها معهم وهي بالفعل مسؤولية عظيمة ملقاة على عاتق تلك القناة العريقة وأحسبها على قدر المسؤولية مهما كلّفها ذلك.

Saturday, September 10, 2005


المعارضة المصرية وتجميل الوجه العكر
(3)
حزب الوفد الجديد

رئاسة الحزب ليست بالأمر السهل وتحتاج الي مجهود كبير ورئاسة الحزب مسؤولية ضخمة تكون علي حساب صحة وحياة الشخص الذي يتطوع لرئاسة الحزب .

هذه الكلمات هي للدكتور نعمان جمعة رئيس حزب الوفد المعارض ومرشحه للرئاسة المصرية وذلك في مقابلة تلفزيونية علي فضائية دريم في السابع من أغسطس الماضي في رده علي سؤال محاوره عن عدم تطبيق نظام لتحديد مدة رئاسة حزب الوفد. واذا حذفنا من كلام د. نعمان جمعة كلمة الحزب واستبدلناها بكلمة الدولة فسيصبح الكلام تقريبا هو رد الرئيس حسني مبارك علي من ينادي بتحديد مدة الرئاسة في مصر وذلك في مقابلة تلفزيونية علي شاشة التلفزيون المصري! فهذا هو زعيم أحد أبرز أحزاب المعارضة في مصر يرفض تحديد فترة توليه رئاسة الحزب ويريد أن يُخلد وأن يمكث علي كرسي رئاسة الحزب الي يوم يبعثون، وهذا من حقه علي أساس أن من حكم في ماله فما ظلم! ولكن ما نرفضه أن يكون هذا هو موقفه من تداول السلطة داخل حزبه ثم يأتي وتكون علي رأس مطالبه من النظام الحاكم هو تحديد مدة الرئاسة في مصر بفترتين فقط وهو ما لا يقوم بتطبيقه داخل الحزب الذي يرأسه! فلا تنه عن خلق وتأتي مثله.. عار عليك إذا فعلت عظيم.

الدكتور نعمان جمعة هو مرشح حزب الوفد في انتخابات الرئاسة وبما أن هذه هي وجهة نظره في مسألة تداول السلطة في الحزب الذي يرأسه فإن هذا مؤشر واضح علي أنه اذا اعتلي كرسي الرئاسة في مصر - لا قدر الله - سوف يتمسك به بكل ما أوتي من قوة وسوف يرفض ويحارب فكرة تداول السلطة ولن يرضخ لطلبات المعارضة بتحديد فترة الرئاسة وسيسعي إلي أن يمكث علي الكرسي إلي أن يشاء الله!

المعارضة المصرية بمواقفها تلك التي تماثل وتنسق مع مواقف النظام الحاكم وتوجهاته تساهم بصورة أو بأخري في تجميل وجه هذا النظام وتبدو الصورة أمام المواطن العادي وكأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان طالما أن زعماء أحزاب المعارضة هم أيضا يمارسون الديكتاتورية داخل أحزابهم ويحاربونها فقط خارج أعتاب تلك الأحزاب، فالدكتور نعمان جمعة علي سبيل المثال بمجرد أن تولي رئاسة الحزب أطاح بأحد الكوادر الرئيسية في الحزب وفصله من جريدة الحزب جريدة الوفد مع أن الضحية كان من المشاركين الرئيسيين في إصدار الأعداد الاولي لتلك الصحيفة وهذه هي الديمقراطية البديلة التي تعدنا بها أحزاب المعارضة! كما أن الدكتور نعمان جمعة الذي تطلع الي رئاسة مصر التي يتجاوز تعداد سكانها سبعين مليون نسمة لم يحتمل أحد رعاياه في جولة انتخابية في مدينة بورسعيد علي البحر المتوسط وعندما ضاق به ذرعا وهو يهتف لمرشح آخر أثناء إلقاء كلمته فقال أمام الكاميرات طلعوه بره ابن ال ؟؟؟ ده!!

جميع رؤساء أحزاب المعارضة الرئيسية في مصر يطالبون الرئيس مبارك بتحديد مدة الرئاسة بفترتين وألا يعيد ترشيح نفسه، ولكن إذا فتشنا في شهادات ميلاد هؤلاء الزعماء سنجد العجب العجاب، فالدكتور نعمان جمعة رئيس حزب الوفد يزيد عمره علي سبعين عاماً، كما أن السيد خالد محيي الدين رئيس حزب التجمع يزيد عمره عن ثلاث وثمانين عاما مواليد أغسطس 1922 ، والسيد ضياء الدين داوود رئيس الحزب العربي الناصري يصل عمره الي تسع وسبعين عاما مواليد مارس 1926 وقد ذكرتني تلك الأعمار بمقال قرأته منذ أكثر من عام للاستاذ سليم عزوز عنوانه في ضيافة المصريين القدماء وكان يتحدث عن لقائه مع أعضاء لجنة شؤون الاحزاب في مصر وجميعهم تقريبا في نفس أعمار رؤساء تلك الأحزاب مع الفارق أن من التقاهم الاستاذ سليم عزوز هم من كبار رجال السلطة في البلاد ويتصدرون المشهد السياسي في مصر أما من نتحدث عنهم فهم علي كراسي المعارضة وكلا الفريقين باقيان ماكثان مخلدان جالسان إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا!

Tuesday, August 30, 2005

(2)المعارضة المصرية وتجميل الوجه العكر
الإخوان المسلمون

يقول البعض عن جماعة الإخوان المسلمين أنها كبرى جبهات المعارضة المصرية وأكبر الكتل السياسية في الشارع المصري، ولكنني أرى أن هذا الأمر يحتاج إلى توضيح وربما إلى تصحيح، حيث أجد تلك المعلومة تفتقر إلى الدقة لأن هذا الطرح يعتبر حقيقة في حالة واحدة وهي أن يكون أن كل إنسان متدين في مصر يعتبر من الإخوان كما يحاول الإخوان تصوير ذلك، فهم يفترضون أن أي إنسان متدين لابد وأن يكون من الإخوان، وهم بذلك يستغلون حقيقة أن الشعب المصري متدين بطبعه من قديم الأزل ومنذ آلاف السنين وتشهد على ذلك جدران المعابد الفرعونية التي ما تزال قائمة تروي هذه الحقيقة وتؤكدها.

وفي هذا الوسط الذي يغلب عليه التدين نجد أنه من الطبيعي جداً أنه إذا وقف أي إنسان ونادى في البرّية يا قوم: "الإسلام هو الحل" سيلتف حوله المسلمون البسطاء من أبناء مصر مباشرة دون نقاش وهذا هو سر قدرة الإخوان على الحشد الجماهيري، وقد لمست ذلك بنفسي وخاصة بين عموم الناس من البسطاء، وهو ما يجعل البعض يتوهم أن الإخوان هم أكبر الكتل السياسية شعبية في الشارع المصري، وأرى أن الحكومة هي التي جعلت من القزم عملاقاً، فالممنوع مرغوب وبمجرد أن تجد الأمن يُضيّق على أحد المرشحين من الإخوان تجده يحصد أصوات الغوغاء الذين يجذبهم ذلك الشعار البرّاق، وهذا شيء طبيعي ومتوقع من بسطاء الناس الذين يزحفون خلف من يطلق تلك الشعارات الحماسية التي تلهب مشاعرهم دون أن يناقشوا من يحمل هذا الشعار وينادي به وهل من ثمة مؤشرات على صدق نيته في تطبيق المباديء التي يحمها هذا الشعار، ولولا ذلك التضييق الأمني الساذج على مرشحي الجماعة في إنتخابات عام 2000 ما حصلوا على السبعة عشر مقعداً في مجلس الشعب (البرلمان) وقد شاهدت بنفسي كيف أن البسطاء من أبناء وطني ينساقون بشدة وراء عواطفهم التي يشكلها الدين في الغالب الأعم وذلك بطبيعتهم البسيطة النقية التي لا يشوبها خبث أو مكر وبالتالي لا يتوقعونه من أحد خاصة المرشح الذي يحمل شعار الدين ويبدو وكأنه منقذ البشرية من الضلال المبين.

وهنا أدعو حكومتنا الرشيدة إلى تجربة أسلوب آخر جديد "للفكر الجديد" في التعامل مع تلك الجماعة وأن تترك لهم الحبل على الغارب وأن تمنحهم الحرية في لقاء الجماهير لأن الناس تسمع عنهم الأساطير وهي في نفس الوقت لا تستطيع لقاء هؤلاء الأبطال "المؤمنين" الذي يريدون أن يطبقوا شرع الله وبالتالي يُصدّق الناس ما يسمعونه فقط، كما أن هناك أشكالاً أخرى من العمل الإسلامي الدعوي إذا تم السماح لهم بالعمل في مجال الدعوة بحرية فسوف يكون ذلك إيذاناً بدّق أول مسمار في نعش هذه الجماعة ونهاية تلك الأسطورة التي يروج لها البعض، وأقصد هنا تشجيع وإتاحة الفرصة للجماعات الإسلامية التي تمارس أنشطة الدعوة والتي لم تتخذ العنف أسلوباً ولم تتبناه منهجاً، لأن من يمارس العنف كوسيلة للتغيير ليس له مكاناً بيننا.

ومن المعلوم أن تلك الشعارات التي يطلقها الإخوان هي فقط لكسب أصوات البسطاء الذين تحدثت عنهم فالبراجماتية(المذهب العملي المبني على المنفعة) هي سياسة الإخوان في كل خطاهم وسعيهم الدائم لتحقيق مآربهم التي ليست إلا أهدافاً سياسية بالدرجة الأولى، فهم يستخدمون الدين كسلاح ذو حدين لترهيب المعارضين لهم وإشهاره في وجه كل منتقديهم من ناحية ومن ناحية أخرى تبرير توجهاتهم وحشد الغوغاء خلفهم، فالجماعة بالنسبة لهم فوق كل شيء وقبل كل غاية، ولن أستشهد بكلام أحد من خارج الجماعة وإنما هنا أستشهد بتصريح لأحد أهم أقطاب الجماعة وعضو مكتب الارشاد الدكتور عبد المنعم أبوالفتوح التي أكد فيها أن شعار الاخوان الشهير «القرآن دستورنا» شعار عاطفي لا يعبر عن المنهج السياسي للجماعة (الشرق الأوسط 19 يوليو الماضي).

أضف إلى ذلك الانتهازية واستغلال المواقف لتحقيق مآربهم مهما كان الثمن، فهم يستفيدون من جهد الآخرين لكن لا يستفيد من جهدهم أحداً غيرهم، فقد قطفوا ثمرة كسر حاجز منع المظاهرات مستفيدين بذلك من جهد حركة "كفاية" التي نجحت في ذلك رغم حداثة عهدها، ووجدنا الإخوان يخرجون إلى الشارع "وحدهم" حتى يثبتوا للجميع أنهم "كُثر" وحتى يقوى موقفهم في "الصفقات" التي يبرمونها مع النظام الذي يهاجمونه بكرة وأصيلا !

ولعل آخر مواقفهم "الوطنية" كانت يوم الخميس 14 يوليو الماضي في مظاهرة حركة كفاية ضد البطالة أمام قصر عابدين، فقد أعلن الإخوان قبلها أنهم قد قرروا تأجيل مظاهرة كانوا قد قرروا تنظيمها - في اليوم السابق لمظاهرة كفاية - تحت لواء التحالف الوطني الذي يتزعمونه، فهم لا يعملون تحت زعامة أحد غيرهم فهم يرون أنهم وكلاء الله في الأرض وهم فقط الجديرون بالزعامة وكيف يطمع أحد في الزعامة والمُلك وهم أحق بالمُلك منه !! وقد أعلنوا أن هذا التأجيل هو للتضامن مع حركة كفاية وأعلنوا أنهم سيشاركون في هذه المظاهرة، ولكن عندما جاء يوم المظاهرة كانت مفاجأة للكثيرين – ولست منهم – وهي عدم مشاركة الإخوان فيها، فعدم مشاركتهم في مظاهرة دعت لها كفاية لم تكن مفاجأة بالنسبة لي ولكن المفاجأة كانت ستكون إذا شاركوا فيها لأنهم كما قلت يستفيدون ولا يفيدون.

ولا يبرز على السطح أمام أعين الناس تلك المواقف الماكرة من قِبل الجماعة عبر النقد الواضح في وقت أصبح فيه انتقاد الإخوان من المحرمات وتوجيه أي نقد إلى "كبيرهم" يعتبر رجس من عمل الشيطان! فنحن إذن أمام زمرة من الناس يؤثرون جماعتهم وبقائها وإستمرارها على أي مصلحة أخرى ولو كانت مصلحة الوطن الذي طالما عانى من مناوراتهم وصفقاتهم مع النظام، وهي إن تحالفت مع أحد يكون من منطق الإستفادة ممن يتحالفون معهم.

فكيف بالله عليكم نثق في أمثال هؤلاء ؟ وكيف نحسب أمثال هؤلاء على المعارضة؟ فالمعارضة الحقيقية هي تلك التي تطرح نفسها كبديل عن السلطة الحاكمة وتُسخّر كل جهدها في سبيل تحقيق ذلك وتُظهر بوضوح أمام جموع الشعب مبادئها ومواقفها دون لبس أو مواربة، وأن لا تتوانى في نقد وكشف وفضح نقاط الضعف والقصور في سياسة النظام الذي يحكم، لا أن تساهم بشكل أو بآخر في ستر تلك العيوب والعورات عبر لعب دور "كرتوني" "ديكوري" يساهم في تجميل تلك الصورة القاتمة في مقابل مكاسب دنيوية زائلة في إطار صفقات سرية أو علنية تدهس تحت أقدامها الثقيلة آمال وطموحات وتطلعات الشعوب، وهذا هو الدور الذي أجد تلك الجماعة تقوم به على أكمل وجه.

Thursday, August 25, 2005


الفساد الأخلاقي في الكازينوهات الفضائية

"يجب علينا عدم الترويج لتلك الفضائيات بأعيننا وأيدينا، فالباطل يموت بتجاهله"

كان هذا هو تعليق د.عمر عبد الكافي في برنامجه الإسبوعي الرائع "هذا ديننا" الذي تعرضه قناة الشارقة الفضائية في التاسعة والنصف من مساء الجمعة، وكان هذا تعليقاً على ذلك التكاثر السريع والغريب لتلك الفضائيات التي تروج للخلاعة والعري والإنحلال الأخلاقي عبر مائعات الفضائيات والراقصين والراقصات والمطربين والمطربات تحت مسميات زائفة وأقاويل مضللة مثل الحرية الثقافية والباذنجانية إلى آخره، وما في ذلك من تحقير وتهوين واستخفاف بالمرأة عبر تصويرها بأنها مجرد جسد يُعرض أمام اللاهثين وراء إشباع غرائزهم البهيمية، وهو ما يجعلنا نتساءل في حيرة هل هذه هي المرأة ؟ هل هذا ما يريدونه لها ؟ أين عقلها ؟أين ثقافتها؟ أين كرامتها؟ أين دورها وهي التي أكرمها الإسلام وجعلها كالدّرة المصونة.

ومن خلال قراءتنا لذلك التعليق وهذا الرأي الجامع الشامل للدكتور عمر عبد الكافي أعتقد أننا أمام وصفة ناجعة شافية من ذلك الداء الذي إستشرى في فضائنا وإنتشر مثل النار في الهشيم في شكل كازينوهات فضائية تهدف أولاً وأخيراً إلى مخاطبة الغرائز والإثارة عبر إيحاءات بذيئة مبتذلة، فالحل هو تجاهل تلك القنوات وأن نتوقف عن الترويج لها بأعيننا بالإعراض عنها والتوقف عن مشاهدتها وألا نروّج لها بأيدننا باستخدام جهاز التحكم عن بُعد "الريموت كونترول" أي يجب أن ننتقل إلى قنوات أخرى مفيدة وما أكثرها، وسيكون من الأفضل في كل الأحوال هو حذف تلك القنوات من قائمة القنوات نهائياً، فبهذه الطريقة ستموت لا محالة فالمشاهدين بالنسبة لتلك الكازينوهات الفضائية مثل الماء بالنسبة للنبات، وإذا توقف المشاهدون عن متابعتها ستنعدم أسباب الحياة فيها وستنتهي إلى غير رجعة وستصبح شيئاً من الماضي.

فعندما تقوم تلك الفضائيات الفاسدة في المتاجرة بالعري ومخاطبة الغرائز والعودة بنا إلى عصور النخاسة عبر المتاجرة في أجساد النساء وتقديم سلعة رخيصة مفسدة للمشاهد لا تخرج عن كونها سلعة غرائزية بالدرجة الأولى، فإنها بهذه الطريقة تحتقر المشاهد نعم تحتقره وتستخف به وبعقله وتفترض فيه السذاجة والتفاهة والغباء، وكأنه لا هم له في هذه الدنيا إلا مشاهدة العري كليب أو الفيديو كليب خلاعة، وطالما أن القائمين على أمر تلك الكازينوهات الفضائية ينظرون إلينا نحن المشاهدين هذه النظرة الدونية ويفترضون فينا سفاهة العقول وما أعظمه من استخفاف بذلك الإنسان الذي كرّمه الله، وخاصة عندما تسفه من عقله وتستهين به وهو أمر كما تعلمون عظيم، فالأجدر بنا نحن معشر المشاهدين أن نعاملهم بالمثل وأن نحقّر سلعتهم الفاسدة المفسدة وأن نتوقف عن الترويج لها، فمن يحتقرك عزيزي المشاهد رُدّ له الصاع خمسمائة ألف صاع ولا تُضيع وقتك الثمين لكي يستفيد منه ذلك الذي ينظر إليك باحتقار ويفترض فيك أن كل ما يهمك فقط في هذه الحياة هو النظر إلى المائلات المتمائلات.

وفي النهاية أود أن أقول إنه يؤلمني جداً إصرار تلك القنوات المُنحلة أخلاقياً على الإعلان عن مواعيد برامجها التافهة وأفلامها الخليعة بتوقيت مكة المكرمة أو السعودية.

نداء إلى أسارى الكليبات: إن راحـة البال وصفاء النفس وسمو الذات وسكينة الروح تأتي فقط من الإستماع إلى كلام الله وتدبر معانيه، لا إلي ذلك المغني الراقص أو تلك المغنية المائلة المتمائلة.






Sunday, August 14, 2005

(1) المعارضة المصرية وتجميل الوجه العكر

بين الترويض الاختياري وإبرام الصفقات


مما لا شك فيه أن المأساة التي تعيشها الحياة السياسية في مصر هذه الأيام ليست وليدة اليوم أو الأمس وإنما هي نتيجة تراكمات لأوضاع سيئة دامت لسنوات طويلة بعيدة إلى أن وصلنا إلى ذلك الوضع المتردّي الذي نعيشه الآن، ويرجع ذلك لأسباب عدة يصعب الإلمام بها في مقالة أو حتى في عشر إلا أن غالبية مَنْ يتحدث عن الأسباب تجدهم يتوجهون مباشرة بأصابع الإتهام إلى النظام الذي يحكم البلاد منذ ما يقرب من ربع قرن، ويحملونه هو "فقط" كامل المسؤولية عن تردّي الأوضاع إلى هذه الدرجة من السوء، ولا أختلف معهم في أن السبب الرئيس يعود إلى أسلوب تعامل ذلك النظام مع المسائل السياسية من منطق "ما أريكم إلا ما أرى"، ولكنه على أي حال ليس السبب الوحيد في تلك المأساة لأنني في نفس الوقت أرى أن هناك لاعب أساسي لا أعفيه أبداً من مسؤولية وصول الأوضاع إلى ما هي عليه الآن، ألا وهي المعارضة المصرية.

ولعله يكون من المفيد هنا التذكير بالحقيقة العلمية التي تقول إن "التعميم من أهم أسباب الوقوع في الخطأ"، فإنني هنا ومن باب التذكير أقول إنني أتحدث عن معظم أطياف المعارضة وليس الكل لأنه بالطبع هناك أُناساً كالملائكة ترفّعوا عن مصالحهم الشخصية ونظرتهم ومصالحهم الفئوية الضيقة في سبيل رفعة الوطن الذي هو هدفهم وطموحهم وأملهم وغايتهم وهؤلاء نُكنّ لهم كل احترام وتقدير، فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن حزب العمل قد كافح بشرف من أجل القضايا الوطنية وهو ما نتج عنه تجميد الحزب ومنع جريدته "الشعب" من الصدور، وهو ما جعل الجريدة تخوض معركة قضائية شرسة حصلت فيها على أربعة عشر حكماً قضائياً للصدور ولكنها لم تنفذ، ولعل أبرز معارك جريدة الشعب وأشهرها هي قضية الفساد في وزارة الزراعية وقد تعرض مجدي أحمد حسين الأمين العام لحزب العمل للسجن في عامي 1999-2000 بسبب حملة الجريدة على د/ يوسف والى نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة بسبب السياسات الزراعية التي اتبعها وجلبت الأوبئة للشعب المصري، وأبرزها قضية المبيدات المسرطنة التي أدين فيها يوسف عبد الرحمن مستشار د/يوسف والي والذي حكم عليه بالسجن عشر سنوات وقد أوصت المحكمة في نفس القضية بالتحقيق مع د/يوسف والي ،وهو الأمر الذي يثبت لكل ذي عينين أن جريدة الشعب كانت على حق في تلك المعركة التي خاضتها بشرف ولم تبتغْ إلا رضا الله ومصلحة الوطن، ولكن من يرد الاعتبار لمن تعرض للسجن ظلماً في سبيل قضية عادلة لم يبتغْ منها كسباً ولا مغنماً ؟؟

لكن المعارضة المصرية في معظمها ساهمت بشكل أو بآخر في تجميل الوجه العكر عبر الظهور في شكل كيانات كرتونية أو "ديكور" ساهم بشكل أو بآخر في تجميل الصورة القبيحة أو العمل كـ برواز برّاق لامع يخفي وراءه حقيقة دميمة لذلك الوضع المزدري، وقد ظهر جلياً أن هذه "المعارضة" لا تمثل أدنى قيمة ولا تعدو أكثر من كونها "دمُى" في يد السلطة تحركها كيفما ووقتما تشاء، وتجدها في حقيقتها تمثل الوجه الآخر لتلك العملة الزائفة الكاسدة المعروضة والتي لم تلق رواجاً لدى الإنسان المصري البسيط بعد أن ضاق ذرعاً بالوعود الزائفة وفلسفة تزوير الواقع عبر تصريح براق زائف ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قِبله العذاب، وقد تنوعت وتعددت في ذلك أساليب المعارضة وأغراضها، فمنها من سعى إلى مصالح شخصية ضيقة ومآرب دنيوية زائلة ورضي بالحياة الدنيا على الآخرة، ومنهم من آثر بقاء "جماعته" على أي هدف آخر ولو حتى على حساب مصلحة الوطن، وتجدهم يرفعون الشعارات الحماسية التي يسوقون بها قطعان الغوغاء لكي يظهروا أنهم كُثر ولكي يقوي موقفهم وقت إبرام الصفقات مع الحكومة.

وقبل أقل من عام تقريباً كانت المعارضة المصرية وعلى مدى سنوات تنقسم إلى ثلاثة فئات أولها جماعة الإخوان المسلمين وثانيها أحزاب المعارضة الرئيسية وهي الآن (وبعد تجميد حزبي العمل والأحرار) تتألف من الوفد والناصري والتجمع وثالثها الأحزاب المجهولة التي لا يعلم بها أحداً إلا أقارب ومعارف رؤساء تلك الأحزاب وأصدقاء أبنائهم ومن باب التباهي إن والده أو والدها يمتلك حزباً بمنافعه، وسوف يتركز حديثنا هنا عن الفئتين الأولى والثانية (الإخوان – أحزاب المعارضة الرئيسية) وسنتجاهل الثالثة (الأحزاب المجهولة) لأنه قد رُفع القلم عن النائم حتى يستيقظ.

وطوال تلك السنوات تقريباً كنت تشعر وكأن هذين الصنفين من الأطياف المعارضة تعزف سيمفونية متناسقة متناغمة مع الحكومة وتعيش حالة من الوداعة والترويض الاختياري كل حسب الأسلوب الذي يناسبه في السر أو العلن، إلا أنه وإحقاقاً للحق فإن جريدة العربي الناصري لسان حال الحزب الناصري قد سبقت كل هؤلاء مبكراً إلى حد ما في رفع سقف توجيه النقد للنظام وتخطّت خطوطاً حمراء كانت في السابق تعتبر من المحرمات وكان الاقتراب منها كأنه رجز من عمل الشيطان، إلا أن معارضة السلطة في كل الأحوال لم تزد عن توجيه النقد على صفحات الجرائد ولم تحاول أي فئة ن هاتين الفئتين الخروج إلى الشارع مثلاً، ولم يحدث ذلك إلا بالاتفاق مع الحكومة وفي مكان مغلق مثل المظاهرة التي قام بها الإخوان في إستاد القاهرة بمباركة السلطة احتجاجا على الحرب على العراق.
وبمجرد ظهور حركة كفاية على الساحة السياسية بقوة منذ أقل من عام وخروجها للشارع في تحد صريح للنظام الحاكم وقانون الطواريء الذي يجرم المظاهرات حتى شعرت تلك الأطياف الثلاثة(الإخوان والأحزاب الثلاثة) بأن البساط المهترىء الذي بالكاد يقفون عليه بدأ ينسحب بقوة من تحت أقدامهم المرتعشة أو المشتاقة إلى رضا من يعارضونه "ظاهرياً" فبدأت وكأنها قد استيقظت من ثبات عميق وخرجوا يزيحون عن كاهلهم تراكمات من السلبية والدوران على مدى سنوات طويلة في فلك النظام الحاكم الذي من المفترض أنهم يعارضونه وشرعوا في رفع سقف نقدهم للنظام في محاولة منهم جميعاً الاستفادة من تلك الموجة الجارفة والأجواء الخارجية والداخلية المطالبة بالإصلاح، وما أن نجحت حركة كفاية في كسر حاجز منع المظاهرات وخرجت للتظاهر بالشارع في جرأة تحسب لها حتى سعت حركة الإخوان المسلمين - وكعادتهم دائماً في الاستفادة من جهد الآخرين - لاستغلال هذا المغنم فخرجت الجماعة إلى الشارع في مظاهرات استعراض القوة بعد طول بقاء خلف الأبواب المغلقة، فالفضل يرجع إلى الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية" في تمهيد الطريق أمام المرتعشين الخائفين المترددين المشتاقين.
وفي المرة القادمة بإذن الله تعالى نتحدث عن الدور "الكرتوني" الريادي البارز لجماعة الإخوان المسلمين في تجميل وتلميع تلك الصورة القاتمة.



Sunday, August 07, 2005

سلطـان الذكـرى
لا أعرف كم يحتاج الواحد منا من الأيام والسنين لكي يتمكن من نسيان وطيّ صفحة ماضية من حياته، وكم من الوقت لكي ينسى ما ألمّ به في الماضي من مواقف محزنة وأحداث لا يود أن يتذكرها، وهي بحق أمنية غالية طالما تمنى الواحد منا أن تتحقق، لأن مرور طيف الذكرى محملاً بأحداث وصور تلك المواقف يترتب عليه عذابات لا تُحتمل في حياة مَنْ عانى مرارة الأيام وقسوة السنين على أيدي من توهّم الوفاء فيهم، و مَنْ جاءته الطعنات مِن درعه الذي احتمى به واعتقد – لنقاء سريرته - أنه يقيه ضربات الزمن فإذا به يتحول إلى خنجر مسموم يتوجه في غدر إلى صدره المكشوف ليستقر في أعماق قلبه الذي كان بيتاً وملاذاً آمناً له وحده، وما تلبث حياته أن تتلون بألوان داكنة قاتمة، وخاصة عندما يسلب الله الإنسان نعمة النسيان فيكون ذلك إيذاناً باللوعة والمعاناة في تذكر ما لا يود أن يتذكره وفي سعي دائم إلى نسيان لا يستطيع إليه سبيلاً، وتصل المعاناة ذروتها مع بزوغ فجر "آب"* من كل عام فنجده يردد:"آب" حزين يأبى أن يفارقني مع ذكريات شتى عن معاناتي.
وتتضاعف معاناة ذلك الذي يتناسى ولا يستطيع عندما يتذكر أنه لم يقترف إثماً ولا جريرة، وربما كان قد سعى قدر استطاعته في سبيل تحقيق ذلك الهدف، إلا أن هناك أُناساً غرّهم بُهرج الدنيا الخدّاع في تعجّل غريب ليقضوا بأيديهم على تلك النبتة النضرة التي طالما رواها بأحلامه وأمانيه، ولكن لا أدري لماذا إذن يحزن ذلك النقيّ الذي لم يدّخر جهداً في سبيل تحقيق هدفه رغم الصعاب، فلا يجب أبداً أن يستسلم لذلك الحزن لأنه في الواقع لم يخسر شيئاً ذا قيمة ولكنه قد خسر الوهم وخسارة الوهم مكسب.
كلمات رائعة ومعبرة قرأتها منذ أكثر من عامين للأستاذ الشربيني عاشور وما أزال أذكرها، فقد تحدث عن فكرة خسارة الوهم فقال ".. وهي فكرة يمكن تعميمها على أي شيء يختبره الإنسان ثم يكتشف فجأة أو بعد تجربة أنه لم يكن عند مستوى ما فكرة فيه أو شعر به. ومن ثم فإنه عندما يتنازل عنه أو يرفضه أو يغير فكره ومشاعره نحوه فإنه لا يخسر في الحقيقة شيئاً مهماً. وإنما يخسر الوهم الذي عاشه تحت سطوة الفكر والشعور الخاطئ. فأنت عندما تحب امرأة وتتوله في حبها ثم تكتشف خيانتها أو أنها عبيطة وبشعة من داخلها ولا تقدر قيمة عواطفك نحوها ثم تأخذ قرارك بنفيها من عالمك أو تجفيف مشاعرك نحوها .. عندما تفعل ذلك .. أنت لا تخسر هذه المرأة التي أحببتها وإنما تخسر وهمك فيها .. وهمك بأنك أحببت من لا يستحق.وهكذا .. انظر إلى أفكارك التي اكتشفت خطأها ومشاعرك التي أيقنت أنها صرفت تجاه من لا يستحقها.. انظر إليها بفكرة خسارة الوهم.. ستستريح جداً.. وستبدأ وهماً جديداً.. لكن وفي كل مرة عندما تكتشف وهمك تراجع فوراً وقل في نفسك: إنني خسرت الوهم.. لم أخسر شيئاً ذا قيمة.. لأنك أنت القيمة في الحقيقة وقيمتك تأتي من مشاعرك ونظافتك ومحبتك التي بذلتها حتى لمن كانوا وهماً في حياتك."

نعم، لا يجب أن يحزن الإنسان أو يلوم نفسه على نقائه وطهارته ونبل هدفه حتى لو كان ذلك وبالاً عليه، ولكن على العكس لابد أن يشعر بالفخر والزهو لأنه كان مترفعاً عن كل ما يعكر نقاء الصورة التي حلم بها وسعى جاهداً لكي يرسمها على أرض الواقع بكفاحه وعرقه، وحاول نسج خيوط تلك الحياة التي يتطلع إليه بمثابرته وصبره على ظروف من صنيعة آخرين وجد نفسه فيها ولم تكن أبداً وليدة اختياره، بل إنه سعى بكل ما أوتي من قوة أن يغير تلك الظروف ويتغلب عليها مهما كلفه ذلك في سبيل تحقيق هدفه الأسمى الذي طالما تطلع إليه.

ولكن ذلك كلاماً نسطره بينما يصدع الواقع بحقيقة أخرى وهي أن الأمر ليس بأيدينا فهناك أشياءً خارجة عن إرادة الإنسان ، مثل رمشة العين وخفقان القلب وليس هناك من سبيل للتحكم فيها، فكم تمنى وحلُم هؤلاء الذين يعانون مرارة الذكرى بوسيلة سحرية ناجعة لكي يظفروا بتلك النعمة العظيمة.. نعمة النسيان لكي يتخلصوا إلى الأبد من سطوة تلك الذكريات المريرة، فهل هناك من سبيل إلى تلك الوصفة السحرية وهل هذا ممكناً حقاً ؟

تأتينا الإجابة على ذلك السؤال من تساؤل آخر يطرحه الشاعر أحمد رامي ذو الحس المرهف في قصيدته الرائعة "ذكريات" فيتساءل: "كيف أنساها وقلبي لم يزل يسكن جنبي ؟" فهنا يكمن السر وذلك هو موطن الداء، فطالما أن هناك قلباً يخفق وفؤاداً ينبض بالحياة لن تتحقق غاية النسيان ولن يحصل ذلك الشقي على مراده ولن يتمكن من نسيان تلك الذكريات، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً وتشاء إرادته عز وجل أن يريح هذا الكائن الشقي من تلك الحياة التي لم يتمنْ فيها شيئاً وناله، حتى عندما وجد الحلم يدنو منه توهم أنه قد قبض بيديه النظيفتين على الدنيا وتوهّم أن الله يكافئه عن كل ما لاقى من شقاء في هذه الدنيا الظالم أهلها واعتقد أن وقت الجزاء قد حان لكي يُكافأ على صبره ومثابرته ومعاناته طوال سنوات من الحرمان، ولكنه أفاق من غفوته التي طالما تمنى أن تطول ليدرك أن الأمر لم يكن أكثر من أضغاث أحلام وأن من كُتب عليه الشقاء يلازمه ولا يفارقه إلى أن يغادر هذه الدنيا ربما يجد راحته هناك في دار العدل.

وأختم بهذه الأبيات للشاعر العراقي حسن المرواني :

دَعْ عنك لَوْميْ وَأعزفْ عَنْ مَلامَاتي
إنْي هَويتْ سَريعاً مِنْ مُعاناتي
****
أنا الذي ضاع لي عامان من عمري
وباركت وهمي و صَدّقت افتراضاتي
****
عامان ما رفّ لي لحن على وتر
ولا استفاقت على نور سماواتي
****
عندي أحاديث حزن كيف أسطرها
تضيق ذرعاً بي أو في عباراتي
****
غداً سأذبح أحزاني وأدفنها
غداً سأطلق أنغامي الضحوكات

_____________________________
* "آب" (شهر أغسطس) وهو الشهر الثامن في التقويم الميلادي




Tuesday, July 26, 2005

الخاسر الأكبر في تفجيرات شرم الشيخ

في صباح الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) من عام 2001 وصلت إلى مدينة شرم الشيخ بعد أن قطعت ما يزيد على ستمائة كيلومتراً من قريتي بإحدى محافظات شمال الصعيد لكي ألتحق بالعمل بقسم المكاتب الأمامية(الاستقبال) بإحدى الفنادق التي كان قد تم إنشاؤها حديثاً، وذلك بعد فترة انقطاع عن العمل في مجال السياحة دامت عدة شهور عملت قبلها بمدينة الغردقة الساحرة على ساحل البحر الأحمر.
وفي مساء نفس اليوم الذي وصلت فيه حدثت التفجيرات الإرهابية التي ضربت برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، وتسمّرت أمام التلفاز أشاهد ما لم يخطر على بال أحد من ضرب أهداف تمثل رموز الهيبة الأمريكية ممثلة في الاقتصاد والقوة، وبينما انبرى الكثيرون من حولي يهللون طرباً لتلك الهجمات، كان تفكيري يتناول الموضوع من جانب آخر لا أدري كيف غاب عن فكر هؤلاء العاملين في مجال السياحة وانصرفوا عنه وقلت في نفسي اتركهم فسوف تغيب السكرة وتحل الفكرة ويدركوا حجم الفاجعة والمأساة التي سيعانون منها كنتيجة غير مباشرة لما حدث، وأيقنت وقتها أن فرصتي للالتحاق بذلك العمل الذي جئت من أجله قد باتت شبه معدومة وأنه يجب عليّ – توفيراً للمال والوقت والجهد- أن أعود إلى قريتي الصغيرة، ولكنني آثرت أن أبقى هناك لبعض الوقت أولاً لاعتقادي بأنه ربما يكون هناك بصيصاً من الأمل بأن الأمور قد تستقر ولا يتأثر الوضع هناك وخاصة عندما كنت أفكر في آلاف الكيلومترات التي تفصلنا عن(موقع) الأحداث، وثانياً كنت أود أن أرقب الوضع في أهم الدن السياحية المصرية ومدى تأثرها بتلك الأحداث ومدى تأثر قطاع السياحة الحسّاس بتلك التفجيرات الإرهابية التي حدثت على الجانب الآخر من الأطلسي، وارتأيت ألا أضيع هذه الفرصة لكي أتابع الموقف عن قرب لكي أسجل ما أشهده في ذاكرتي فربما يجيء اليوم الذي أسطر فيه تلك التجربة على الورق وأعتقد أنه قد جاء.

عشرة أيام قضيتها بعد تلك الأحداث تابعت فيها التأثير المفجع الذي تعرضت له صناعة السياحة في هذه المدينة الهادئة التي تعجز الكلمات عن وصف روعتها وسحرها وجمالها، وقبل أن أتحدث عن تأثير ما حدث يكفي أن أقول إن نسبة الإشغال كانت في ذلك الوقت تزيد على ثمانين في المائة وأرجع الكثيرون ارتفاع نسبة الإشغال السياحي في تلك الفترة إلى أسباب عدة منها اندلاع الانتفاضة الثانية وإحجام الكثير من السائحين عن الذهاب إلى إسرائيل بسبب الأوضاع الأمنية الغير مستقرة هناك، ولكن في خلال أيام قليلة بعد الأحداث ظهرت تلك الآثار المفجعة بوضوح فقد هجر السائحون المدينة، وعلمت وقتها أنهم كانوا ينتظرون حجوزات طيران إلى بلدانهم وكانوا يقضون أوقاتهم أمام التلفاز لمتابعة ما قد سوف يحدث، وفي غضون أيام شرعت الكثير من الفنادق في تسريح الكثير من العاملين بها، بينما قامت فنادق أخرى بمنح أكثر من نصف العاملين بها أجازات مفتوحة بدون راتب إلى أن تتحسن الظروف، وذلك بسبب مغادرة السائحين لتلك الفنادق من ناحية وإلغاء الكثير من الحجوزات من ناحية أخرى، مما نتج عنه إغلاق كامل لبعض الفنادق بعد أيام قليلة من التفجيرات، وبعد أن تلاشى بصيص الأمل الذي كنت أتوهم وجوده قررت حزم أمتعتي، وعدت إلى قريتي غضبان أسفاً أصبّ اللعنات على هؤلاء الحمقى الذين ارتكبوا ذلك الفعل الإجرامي فقتلوا الأبرياء وسدّوا مصدر رزق للآلاف من البسطاء الذين لم تسعهم رحابة الوادي الفسيح لأسباب يعلمها الجميع في حين يتجاهلها البعض!
حدث كل هذا في مدينة على ساحل البحر الأحمر تبعد آلاف الكيلومترات عن موقع التفجيرات الإجرامية في نيويورك وواشنطن، وكنت أتساءل وقتها وأنا أرى بصيص الأمل في الالتحاق بالعمل يتلاشى:هل توقّع هؤلاء الحمقى وسفهاء العقول عند التخطيط لتلك الأفعال تأثير تلك الجرائم على إنسان بسيط مثلي والآلاف غيري الذين شدّوا الرحال إلى بلدانهم وقراهم لكي ينالوا نصيبهم الذي ينتظرهم من البؤس والشقاء والحرمان وذلك بعد انقطاع مصدر رزقهم على أيدي ثلة من المجرمين.

لكن لماذا أسرد هذه القصة الآن؟ أقول إنني ومن خلال سردي لتلك القصة أسجّل -كشاهد عيان-ما حدث إبان أحداث الحادي عشر من سبتمبر من تأثيرات مفجعة على قطاع السياحة تابعتها بنفسي، لكي تتخيلوا معي حجم المأساة التي يعانيها آلاف المصريين البسطاء الصابرين الذي يعملون في شرم الشيخ وغيرها من المدن السياحية الأخرى في مصر نتيجة لما حدث صباح السبت الماضي 23 يوليو (تموز) من أفعال إجرامية حقيرة ودنيئة لم يفكر فاعلوها أن الخاسر الأكبر بعد الضحايا الأبرياء الذين فقدوا أرواحهم نتيجة لتلك الأفعال هم العاملون المصريون في المدن السياحية، فهؤلاء المجرمون المأجورون لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، تبت أيديهم وخسيء من يقف وراءهم، ألم يفكر هؤلاء الحاقدون في مستقبل هؤلاء العاملين الكادحين وتلك الأفواه التي يكدون لإطعامها ؟ ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون؟!
والله لقد اعتصر قلبي من الحزن والأسى وأنا أشاهد على شاشة التلفاز أحد الناجين يروي كيف أنه كان يتناول العشاء مع صديقه وتركه لثوان معدودة وعاد فلم يجد رفيقه ويقول في حسرة إن صديقه الذي لقى حتفه متزوج حديثاً، فقد قتله الجبناء وهو يعيش أجمل أيام عمره بعد أن كدّ وتعب وصبر وعانى إلا أن حقق حلمه في تكوين أسرة صغيرة، ويروي آخر كيف أنه انتهى للتو من تجهيز المحل لكي يبدأ العمل به في هذا الموسم السياحي إلا أن الجبناء قضوا على آماله وأحلامه، وأنا أعلم جيداً كم تتكلف تلك التجهيزات والإيجارات المبالغ فيها من ملاك تلك المحلات والتي يستأجرها شباب يبيعون فيها الهدايا والتذكارات للسائحين، ولعل هذان نموذجان يعبران عن حالة الآلاف من الشباب المجتهد الذي لم ينتظر وعوداً كاذبة أو تصريح برّاق زائف، وإنما سعوا جادين مجتهدين في طريق أرزاقهم، وراح الواحد منهم يجابه الصعاب وينحت في الصخر باحثاً عن فرصة عمل وسبب للرزق يقتات منه ويطعم الأفواه التي يعولها وربما تكن سبيلاً لتحقيق حلمه مثل أي شاب في تكوين أسرة بسيطة بعد أن بعد أن أصبح الغالبية العظمى من الشباب يجدون أنفسهم بين مطرقة الظروف الاقتصادية القاسية وسندان المبالغة في تكاليف الزواج المجحفة والمبالغ فيها.
ربما لم يدرك هؤلاء الحمقى الذين ارتكبوا تلك الأفعال الآثمة أمرين هامين أولهما أن المتضرر من جرائمهم تلك ليس مالك فندق "غزالة جاردنز" - الذي أصابه تدمير كلي - والذي يمتلك أيضاً المول التجاري الذي تم استهدافه أيضاً في منطقة السوق التجاري القديم، فمعلوم للجميع أن هذا الرجل المَرضي عنه –ندعوا الله أن يرضى عنا جميعاً - يمتلك عدّة فنادق في شرم الشيخ، فالرجل لن يتأثر كثيراً، ولكن الخاسر الحقيقي هو العامل البسيط الذي هجر أهله في قريته أو بلدته وقطع مئات الكيلومترات لكي يوفر لهم حياة كريمة آمنة ورضيَ وقنعَ بالعيش بينهم أسبوع على الأكثر في كل شهر أو شهرين وربما أكثر، فالمصري إنسان بسيط قنوع يرضى بالقليل وهو في نفس الوقت إنسان مثابر صابر كادح لا يرضخ للظروف إذا ما نجحت في قهره والتغلب عليه فما يلبث أن يعاود الكرّة مرة أخرى، وربما تجده يهجر ذلك المكان الذي مُنيَ فيه بالهزيمة باحثاً عن مكان آخر يستطيع التغلب فيه على تلك الظروف والانتصار عليها متطلعاً إلى أمل جديد وحياة ينسج خيوطها بعرقه وجهده ومثابرته، وكم كنت أشعر بالفخر وأنا أرى أمام عيناي نماذج توحي بالأمل والتفاؤل لشباب نجحوا في قهر تلك الظروف المعيشية القاسية، فأمام تلك التجارب تجد نفسك أسير الإعجاب بتلك النجاحات المشرفة ولا تملك إلا أن تصفق لذلك الجهد والإصرار على تحقيق الهدف مهما بلغت درجة المشقة في الوصول إليه، نماذج مشرفة للإنسان المصري البسيط عندما تتوفر له أقل الإمكانيات، ويا ليت الذين يقضون معظم أوقات حياتهم في الاستمتاع والاستجمام في تلك المدينة الرائعة يدركون هذه الحقيقة جيداً.

الأمر الثاني يتعلق بالرأي القائل إن هؤلاء الحمقى أرادوا إيصال رسالة سياسية لجهة ما بالداخل، وهذا في رأيي دليل آخر على نظرتهم الضيقة للأمور، فمعلوم للجميع أن تلك الجهة المراد إيصال الرسالة إليها لا تلقي بالاً لمثل تلك الرسائل ولا تصغي إليها ولا إلى غيرها سواء كانت بطريقة سلمية أو غير ذلك، فهي تسعى في سبيل تحقيق أهدافها وتطلعاتها وطموحاتها دون اكتراث لأي نقد من هنا أو هناك، فشعارها "ما أريكم إلا ما أرى"، وهؤلاء المجرمون الذين قاموا بتلك التفجيرات قد ساهموا بحماقتهم تلك في تقوية موقف تلك الجهة بدلاً من النيل منها.
رحم الله الأبرياء الذين لقوا حتفهم وهم صابرون مثابرون يسعون في سبيل الرزق على أيدي القتلة الذي لم يفهموا ولم يدركوا قول المولى عز وجل "...مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) المائدة/ 32، وسلمت مصر من كل الشرور ومن كل عدو يتربص بها من الداخل أو الخارج، وسلم أبناء مصر المخلصين الكادحين من كل سوء، فما يستحقه هؤلاء الصابرين ليس القتل والتفجير وإنما يستحقون أن يكونوا وساماً على صدورنا وتاجاً على رؤوسنا.







Thursday, July 21, 2005

الحُجّة والتبيان حول تساؤل مرشد الإخوان

من المسؤول عن مقتل السفير المصري ؟

لم نكن بحاجة إلى هذا التساؤل "الثعلبي" الماكر الذي طرحه المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في تعليقه على مقتل السفير المصري في العراق لكي نعي وندرك ثم نفهم من المسؤول عن وقوع هذه الجريمة النكراء، فالمرشد يتوهم أنه يصدمنا بسؤاله هذا لكي تسوقنا الإجابة عليه – حسب ظنه- إلى الاتجاه الذي يريده "فضيلته" ومن ثم توجيه أصابع الاتهام إلى جهة واحدة بعينها لتكون المسؤولة عن هذا الفعل الشنيع وهي في رأيه الحكومة المصرية لكي نصب جام غضبنا عليها فقط لأن العلاقة بين جماعته والحكومة ليست على ما يرام وأن "التفاهم" المتبادل بينهما لم يعد سيد الموقف هذه الأيام.
نعم، الحكومة المصرية أخطأت عندما أرسلت سفيرها وأحد أبنائها إلى العراق أو لنقل "جهنم الحمراء" في ظل هذه الظروف الأمنية السيئة للغاية، ولا يخفى على أحد أن الأمن سلعة مفقودة في بلاد الرافدين ولا ينعم به أحد حتى قاطني المنطقة الخضراء.
ولكن لم يكن النظام في مصر فقط هو المسؤول الأول والأخير كما يريد أن يقنعنا المرشد بسؤاله، فالمسؤول الأول عن هذه الجريمة في رأيي هو التعصب الأعمى الذي يرتدي عباءة الدين ويتحدث بإسمه وهو منه براء، حيث وجدنا "حجة الإسلام" الزرقاوي قد أجاز قتل السفير دون أدنى اعتبار لقيم أو مبادئ، فهذا الشخص وجماعته يجسدون أحقر أشكال الديكتاتورية والاستبداد على وجه الأرض، وذلك عندما يسمح لنفسه ويجيز لها أن يقبض بيديه الملطختين بدماء الأبرياء على جميع السلطات فهو يشرّع ويحكم ثم ينفذ، ويدّعي أنه يتحدث باسم الإسلام الذي هو بريء منه ومن أمثاله الذين يسيئون للإسلام أيما إساءة.
أي إسلام هذا الذي يجيز قتل إنسان بريء مُسالم أعزل لم يأت من مصر إلى العراق لكي يخطط لاحتلاله بعد أن ينجح الزرقاوي وجماعته في طرد الأمريكان من العراق ! فالزرقاوي وأمثاله عندما يقترفون هذه الأفعال الآثمة إنما يطيلون أمد الاحتلال ويشوهون صورة المقاومة العراقية المناضلة التي لابد أن يكون لها دور واضح ورأي لا لبس فيه إزاء أفعال هذا الزرقاوي التي تسيء إلى القضية العراقية العادلة.
حكومة الجعفري هي أيضاً مسؤولة عن وقوع هذه الجريمة، فهذا التقصير في حماية السفير يكشف أن هواها يتجه شرقاً، وقديماً قالوا "الهوى غلاّب"، ومن المعلوم أن حماية أفراد البعثات الدبلوماسية هي مسؤولية حكومة الدولة المُضيفة هذا إذا كان في العراق حكومة أصلاً.
وقبل كل هؤلاء يأتي دور اللاعب الرئيس ومن له اليد العليا في العراق الجديد وهي القوات الأمريكية التي يزيد عددها عن مائة وخمسون ألف جندي التي لابد أن تحمي البعثات الدبلوماسية التي سيقت إلى الجحيم بناءاً على "طلب" أمريكي، ولكنني سمعت الآن من يقول لي إن أفراد تلك القوات لا يستطيعون حتى حماية أنفسهم من فتك الجماعات المسلحة في العراق فكيف إذن نحملها ما لا طاقة لها به ونطلب منها حماية أفراد البعثات الدبلوماسية؟
إذن نحن أمام مأساة إنسانية بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وليس من اللائق أن تستغل أي جهة أو جماعة هذا المشهد الكئيب لتحقيق مكاسب سياسية وقتيه بطريقة تكشف انتهازية سياسية بغيضة تسعى إلى تحقيق أهداف ومآرب لن تتحقق ولو حتى في أحلام أكثر أعضاء تلك الجماعة تفاؤلاً.
فكيف يتحدث هؤلاء باسم الدين وفي نفس الوقت يطأون بأقدامهم الثقيلة جثمان شهيد ومشاعر أُناس فقدوا عائلهم الوحيد، كل ذلك في صراع "وقتي" بينهم وبين طرف آخر تجدهما في أغلب الأحيان في حالة "تفاهم مشترك".




Thursday, July 07, 2005

! غلابة على باب السفارة

تصدّعت جدران قلبي من الحزن والأسى وأنا أقرأ في الراية عن مأساة ثلاثة من العمال قهرتهم الظروف مثل الكثيرين غيرهم واستكثرت عليهم العيش حياة كريمة وسط أهلهم وذويهم فآثروا الهروب من ذلك الواقع المرير إلى المجهول خارج حدود الوطن علّهم يجدون مفراً من ذاك القدر التعيس، ولكن يبدو أن من كُتب عليه الشقاء لن يسعفه قطع الأميال واجتياز الحدود وتبديل الأوطان، فهو قدرٌ محتوم لا مفر منه، فأمثال هؤلاء قد اعتادوا على المآسي في هذه الدنيا وحياتهم ما هي إلا مأساة دائمة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، ويتحولوا إلى مجرد أرقام في سجل الوفيات وعندها ينتبه الجميع أن هناك آدمي كان يعاني بينهم ويتألم قد أرادت مشيئة الله أن تريحه من همّ الدنيا وشقائها، وهم مع كل ما يعانون يعلمون جيداً أن القدر يحمل لهم في جعبته الكثير ويخفيه لهم في طيّات الزمن الذي لا يرونه إلا مراحل متتابعة من البؤس والشقاء، ولا يملك الواحد منا إزاء هذه المآسي الإنسانية إلا أن يردد ما قاله المنفلوطي، رحمه الله، إن الأشقياء في الدنيا كثير وليس في استطاعة بائس مثلي أن يمحو شيئاً من شقائهم، وخاصة إذا كانت حصته من الشقاء لا تقل كثيراً عن نصيب هؤلاء التعساء، وعندما يعجز المرء منا ويقف ساكناً أمام مأساة كهذه لا يملك إلا صوته وربما قلمه ليصدع بصرخة مدوية علّها تخترق الحُجب لتصل إلى كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

فقد تعسفت معهم الشركة التي يعملون فيها لدرجة أنها ترفض طلبهم العودة إلى بلدهم في مقابل تنازلهم عن كافة حقوقهم ! ولكن القائمين على الشركة يريدون في أن يتركوا هؤلاء العمال هكذا حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر من باقي العاملين بالشركة، وإُنتزعت الرحمة من قلوب مسؤولي تلك الشركة حتى إنهم أصروا على موقفهم هذا رغم علمهم بأن والدة أحد هؤلاء العمال في غيبوبة الموت نتيجة علمها بالمشكلة التي يواجهها فلذة كبدها وحيداً خارج الحدود، وساءت ظروفهم للغاية حيث أنهم موقوفين عن العمل ويعانون ذل السؤال في سبيل لقمة العيش !! وقد ذكر هؤلاء العمال إنهم وبعد أن سُدّت أمامهم كل السبل لجأوا إلى سفارة بلدهم وطلبوا مقابلة السفير ولكن موظفي السفارة – على حد قولهم – لم يسمحوا لهم بذلك !! ويتساءل العمال كيف يحدث ذلك في سفارة من المفترض أن تكون بيتنا الأول !!
فقد تصوّر العمال وافترضوا – ربما بسبب فداحة المشكلة – أن الوضع في سفارة بلدهم ربما يكون مختلفاً وستفتح أمامهم الأبواب لمقابلة سعادة المسؤول ولن تعيقهم تلك التعقيدات الروتينية العقيمة المتّبعة هناك على أعتاب السادة المسؤولين في بلدهم، ولهذا تجرأوا وتطلعوا وقفزوا بخيالهم وسوّلت لهم أنفسهم "الأمّارة بالسوء" طلب مقابلة سعادة المسؤول !!

ولكن لا عجب عندما نكون إزاء نموذج مُصغّر لآخر أكبر تغرق كافة مؤسساته في بيروقراطية عفا عليها الزمن، فالعالم كله يتغير ولكننا ما نزال نقبع في نفس الخندق الضيق العفن المتمثل في تجاهل ونكران أبسط حقوق المواطن عبر أسلوب روتيني رجعي جعلنا نتخلف عن ركب الأمم، فالإنسان هو الثروة الحقيقية لأي أمة وهو وقود تقدمها وازدهارها وهو المحرك الرئيسي لأي نهضة تبتغيها، ومراعاة حقوق وكرامة وإنسانية هذا الآدمي والسهر على راحته وتذليل ما يواجهه من صعوبات هو الطريق الأمثل نحو تحقيق طموحات وآمال وتطلعات الأمم، فإذا أرادت أمة ما أن تنهض من غفوتها - التي طالت- فعليها احترام مواطنيها وحفظ كرامتهم والتكفل بمراعاة حقوقهم وتيسير شؤونهم أينما كانوا ،لا أن تتركهم حتى يصل هم الحال أن يطلبوا "التنازل" عن حقوقهم في مقابل السماح لهم بالعودة إلى بلدهم، فهذه في رأيي ليست مجرد مأساة نفر من المواطنين المغتربين عن بلدهم بل إنها أعم من ذلك وأكبر.


Tuesday, June 21, 2005


أماني وأحـلام

أحلم بالرخاء في بلادي وأتمنى ألا تكون أضغاث أحلام، أحلم أن يجتهد البسطاء فيجدوا ثمرة جهدهم ما يكفي لسد رمق من يعولون، أحلم لهم بحياة كريمة لا تُمتهن فيها كرامتهم ولا يصيبهم القهر الذي يقصف أعمار الرجال ويجعلهم يموتون فعلياً وهم مازالوا يسيرون على ظهر الأرض بين الخلائق، أتمنى أن يجد من درس وسهر وإجتهد له مكاناً كريماً ووضعاً يليق به داخل حدود وطنه لا أن تقهره الظروف مثل كثيرين غيره وتنكر عليه أن يعيش عيشة كريمة وسط أهله وعلى تراب وطنه فيؤثر الهروب من ذلك الواقع المرير إلى المجهول خارج حدود الوطن، أحلم بالمساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات، أحلم أن تطال التنمية المهمشين الذين لا يذكرهم أحد إلا رقماً في سجلات الوفيات بعد أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً وعندما تشاء إرادته عز وجل أن يريحهم من ذلك العناء والبؤس والحرمان، ولا يدري هؤلاء المهمشون المنسيون ما الذي يخفيه لهم القدر في طيّات الزمن، أأكثر من هذا معاناة وألم وحرمان؟ ولم لا وهم يعانون من أقدارهم هذه ليل نهار، أحلم بالحرية لكل من يُخلص في حب وطنه، أحلم أن تتاح الفرصة لكل مشعل مضيء لكي ينير الطريق أمام التائهين الضائعين اللاهثين خلف متع الدنيا وملذاتها الزائلة، لا أن يتم حجب تلك المشاعل المنيرة خلف دوائر النسيان، أحلم أن ننفض عن كاهلنا ثقافة الخوف التي توارثناها جيلاً بعد جيلاً حتى صعُب علينا التخلص منها رغم نتائجها المدمرة لنا ولمستقبلنا، أحلم بأن نتحرر من وصاية الآخرين علينا، أحلم بأن نتخلص من عقدة مراقبة قاطني الجانب الآخر من المحيط لنا وإستجداء رضاهم وطلب العفو منهم والتقرب إليهم زلفى عبر وكلاؤهم المجاورون لنا، فنحن أكرم من أن يصيبنا الذل إلى من لا قيمة لهم ومن هم أحقر أهل الأرض، أحلم أن نتمكن من أن نلقم حجراً لكل من يتجرأ ويتهجم على هويتنا ويخوض في ركائز عقيدتنا أو يطعن في ديننا فهو أعز ما نملك، أحلم أن نعود إلى تعاليم ديننا ونطبقها في جميع مناحي حياتنا، فعزتنا ونصرنا لن يأتي إلا بالتمسك بهذا المنهاج الذي يتوافق مع الفطرة السليمة ولا يتناقض معها، كلمة خالدة قالها الصحابي الجليل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عني حيث قال "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن إبتغينا العزة في غيره أذلنا الله " صدقت يا صحابي رسول الله، نعم منّا من طلب العزة في المال وتجاهل دينه فأذله الله ، ومنّا من طلب العزة في الإنغماس في الملذات فأذله الله إلى ما يسعى إليه، ومنّا..ومنّا...، حقاً إنه البعد عن طريق الله، فنحن أعزاء كرماء وعزتنا وكرامتنا تأتيان فقط من كوننا مسلمين ملتزمين بديننا ولا شيء آخر، فالتمسك بديننا وأوامر ربنا ورسوله هو طريق الخلاص وطوق النجاة من الغرق القادم لا محالة.
وأتساءل هل هذه الأحلام قابلة للتحقيق أم أنها من قبيل المعجزات التي يستحيل تحقيقها ؟ أفيدوني أفادكم الله.





Tuesday, June 14, 2005

أحـزان علي سـالم

في كثير من الأحيان يعجز الواحد منا عن تصور تلك الجرأة التي يتمتع بها البعض في الإعلان عن شذوذ غريب في الرأي يتنافى بشدة ويتعارض مع قيم ومباديء ومشاعر المجتمع الذي يعيش فيه، وتجد الواحد من هؤلاء لا يخجل من إعلان تلك الرؤى والأفكار الشاذة ويدافع عنها بإستماتة وبكل ما أوتي من قوة وكلما أتيحت له الفرصة للترويج لسلعته الرديئة والمعيبة.

من بين تلك السلع الرديئة التي يروج لها أصحابها بشدة وبجرأة يحسدون عليها هي بضاعة التطبيع الفاسدة المفسدة، فرغم ما يتعرض له إخواننا في فلسطين من تنكيل وتشريد وهدم وتجريف على أيدي العدو الصهيوني الذي يمارس أقسى أنواع العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني الشقيق؛ إلا أننا نجد نفر من أبناء جلدتنا يدعون بكل وقاحة إلى التطبيع مع هذا العدو الذي ظلم أهلنا في فلسطين وإغتصب الأرض وإنتهك العرض.

يأتي على رأس هؤلاء الكاتب على سالم المعروف بحماسه الشديد للتطبيع مع العدو الصهيوني في كافة المجالات، وقد بدأ دعوته بالتطبيع الثقافي وممارسته الفعلية له والذي نتج عنه قرار فصله من إتحاد الكتاب المصريين في مايو 2001 ، وقد إستمر في دعوته هذه رغم إستنكار الكثير من الشرفاء لهذا الموقف الشاذ، وما يزال يدافع عن تلك الدعوة المهينة على صفحات الجرائد وعبر وسائل الإعلام المختلفة،آخرها مقالاً كتبه لجريدة الراية ،في السادس والعشرين من الشهر الماضي ،يخاطب بجرأة من يدعو لمناهضة التطبيع ويستنكر ذلك الموقف المعادي للتطبيع ويدّعي زوراً أن غالبية الشعب المصري يؤيد التطبيع!!

في أواخر مايو الماضي أعلنت جامعة بن غوريون الصهيونية عن منحها شهادة الدكتوراة الفخرية للكاتب على سالم تقديراً لمواقفه المؤيدة للتطبيع من العدو الصهيوني ! فكتب مقالاً-الذي أشرنا أليه سالفاً - يؤيد فيه التطبيع ويدافع عنه ويبرره وأرسل المقال إلى جريدة الراية لينشر في اليوم التالي لسفره إلى تل أبيب وهو الخميس السادس والعشرين من الشهر الماضي موعد نشر مقاله الإسبوعي بالراية، وقد كان يتوقع أن يقرأ الناس مقاله المؤيد للتطبيع وهو في تل أبيب يتسلم شهادة الدكتوراه الفخرية،وشد الرحال يوم الأربعاء الخامس والعشرين من مايو الماضي – اليوم السابق لنشر المقال- فرحاً وطرباً لكن فرحته لم تكتمل، فقد حاول السفر إلى تل أبيب عبر منفذ طابا ولكن لم يُسمح له بذلك، فعاد إلى القاهرة وحاول أن يسافر عبر مطار القاهرة ولم يتمكن أيضاً نظراً لمنعه من السفر بسبب عدم حصوله على تصريح السفر حسب إدارة المطار، فعاد إلى بيته غضبان أسفاً.

بعد هذا الموقف طالعتنا الأنباء أنه يعيش في حالة من الكآبة بسبب عدم تمكنه من الذهاب إلى أرض الأحلام الموعودة ! وفي 7 يونيو الجاري نشرت الحياة اللندنية له مقالاً بعنوان "تعامل مع أحزانك برقّة" أعتقد أنه أول ما كتب بعد قرار منعه من السفر، ورغم أن ظاهر المقال يبدو كأنه روشتة ونصيحة لكيفية التغلب على الأحزان إستعرض فيه بعضاً من المواقف المحزنة في حياته إلا أن سطور المقال تقطر حزناً على حرمانه من "الأملة" التي كانت تنتظره في جنة المطبعين في الأرض ! فقد بدا حزيناً تعيساً لأنه يا ولداه لم يتمكن من أن يكون وسط أصدقائة وأحبائه الصهاينة الذين طالما دافع عنهم رغم كل ما يقترفون من جرائم بحق إخواننا في فلسطين، و قد طلب من "صديقه" عاموس عوز، أحد أشهر الأدباء الصهاينة، أن يتسلم بدلاً منه الدكتوراه الفخرية، بينما تفرغ هو لكي يتعامل مع أحزانه "برقّة" كما ورد في عنوان مقاله بجريدة الحياة !
أقول للكاتب على سالم إذا كانت تلك هي الأحزان بالنسبة لك فإنني أدعو الله ألا تكون آخر الأحزان.

Tuesday, June 07, 2005


فلسفة تزوير الواقع

تحدثت في مقال سابق عن فلسفة تزوير الواقع عبر تعبير برّاق زائف ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، وضربت مثالاً على ذلمك بالتعبيرات التي يطلقها وبرع في نحتها السيد صفوت الشريف وزير الإعلام السابق والرئيس الحالي لمجلس الشورى المصري.

اليوم نحن على موعد مع نوع آخر من تزوير الواقع ولكنه في هذه المرة أكثر جرأة ،ففي الوقت الذي توقف فيه مثالنا السابق عند حدود إطلاق التعبيرات فقط، إلا أن نموذجنا الذي نحن بصدده اليوم يتجاوز حدود القول ليقفز إلى حيز التنفيذ على أرض الواقع الذي يصبح مزوراً ،وهذا أكثر خطراً من النموذج السابق الذي لم يتخطى حاجز الكلام وإطلاق التعبيرات الرنّانة.

حدث في الإسكندرية وأثناء زيارة قرينة الرئيس الأمريكي السيدة لورا بوش لمجمع لمدارس البنات إسمه مجمع أم القرى وهو مدرج علي قوائم الجهات المستفيدة من المعونة‏ الأمريكية لتطوير التعليم في مصر ، فقد حدث أن تم تبديل "تزوير" طالبات وإدارة المدرسة وإستبدلهم "تزويرهم" بإدارة أخرى وطالبات أخريات "ولاد ناس" يتحدثن لغة العم والسيد الأمريكي حتى يثبت القوم لسيدة أمريكا الأولى أنهم يسيرون على الدرب وقد ورد أنه من سار على الدرب وصل !

فعلاً معهم حق ! فطالبات المدرسة الأصليين لا يصلحن للقاء السيدة لوار فهن يرتسم على وجوههن البؤس والفقر والحاجة والعوز الذي لا تعرفه السيدة لورا ولا حتى سيدة مصر الأولى التي تريد أن توهم ضيفتها أن الوضع على ما يرام وأن الصورة وردية وزي الفل، والأهم من ذلك هو أن الكثيرات من هؤلاء الطالبات يرتدين الحجاب كما أن هناك رجالاًَ من إدارة المدرسة الأصليين ملتحيين، وهذا يتنافى ويتعارض مع النظرة الأمريكية للشرق الأوسط الذي يجب أن يكون متحرراً من كل شيء حتى اللباس، وليس مجرد التحرر من الأخلاق والقيم والمباديء التي تنبع من ديننا الحنيف، فقد إستشعر القائمين على الأمر أن سيدة أمريكا الأولى لن يروق لها رؤية "التطرف" ممثلاً في هؤلاء الفتيات المحجبات وهؤلاء الرجال ذوي اللحى، لأنها تتطلع إلى رؤية أثر المعونة الأمريكية ظاهراً جلياً في شعر الفتيات المرسل وملابسهن وألسنتهن التي لابد أن ترطن بلغة ولي النعمة الذي جاد وفاض بكرمه على أبناء مصر البسطاء!

ما أثار إستغرابي حقاً في هذا الموضوع ليس عملية التزوير التي حدثت ولكنني تعجبت أن الجميع ظهروا وكأنهم قد صدمتهم المفاجأة التي في نظري ليست مفاجأة بالمرة،فمن خلال متابعتي لتداعيات الموضوع وجدت أن الجميع قد تفاجأوا بهذا الفعل لدرجة أن كاتباً أحترمه قال عن تلك الواقعة إنها " من النوع الذي يحدث ولا يكاد يصدق" ، فالجميع تناولوا الموضوع بصورة توحي كأن هذا حدث للمرة الأولى أو أنها سابقة شاذة عن المجتمع التعليمي في مصر أو كأن هذه حالة إستثنائية أقدم عليه أشخاص شاذين لا يمثلون السواد الأعظم من المجتمع التعليمي في مصر وكأن غالبية هذا المجتمع التعليمي في مصر لا يزورون الواقع ! ولكن الأمر غير ذلك تماماً وبشهادة من عاش لسنوات في الوسط التعليمي في مصر.

وكأن هؤلاء الذين صدمتهم المفاجأة لا يعلمون أنه بمجرد علم إدارة أي مدرسة أن هناك لجان مراقبة تمر على المدارس لمتابعة أدائها حتى تعلن حالة الطواريء في المدرسة وتجد المدرسة وكأنها مدرسة أخرى من حيث النظافة والنظام والإلتزام وحرص كل مدرس على تواجده في فصله بين الطلبة مع إلتزامه بتجهيز كل ما قد يطلب منه إذا ما دخل عليه الفصل أي من أفراد تلك اللجنة المنتظر وصولها ، وبمجرد أن تنتهي هذه اللجنة من عملها وتنصرف من حرم المدرسة تعود ريمة لعادتها القديمة ! وهنا وأود أن أتساءل: ما الفرق بين ما حدث في الإسكندرية وبين عمليات الغش المنهجية المنظمة التي تنتشر في الكثير من المدارس ؟ أليس كلا الأمرين تزوير فج للواقع ؟

أقول إن هذا يحدث عندما تسمع إدارة المدرسة أن هناك لجاناً قد تمر على المدارسة لمتابعة أدائها، وهذه اللجان مهما كبرت أو صغرت لن تزيد عن مجموعة موظفين يؤدون دورهم الروتيني فما بالكم بالسيدة الأولى في العالم عندما تقرر زيارة مجمع مدارس هنا أو هناك؟

وفي النهاية أود أن أتساءل: من المسؤول عن هذه النزعة البائسة إلى التجمل عبر تزوير الواقع؟ ولماذا نتهرب من مواجهة الآخرين بعوراتنا وما أكثرها ؟ وهل ما يهمنا فقط هو نظرة الآخرين لنا ؟ ولماذا نشعر بالخزي من الحالة التي وصل إليها السواد الأعظم من أبناء الوطن ونحاول جاهدين إخفائها خلف ستار شفاف مهتريء ؟ ومتى تظهر على السطح مصر الأخرى التي يعرفونها وينكرون وجودها؟

Thursday, May 19, 2005

سعد الغامدي.. ذلك الصوت الملائكي

قبل قرابة العام والنصف تقريباً لم أكن أعرف أو أستمع إلى صوت الشيخ سعد الغامدي في تلاوة القرآن، إلى أن حدث أن كنت ذات مرة أتحدث مع أحد الأصدقاء عن أي المقرئين يفضل كل منا أن يستمع إلى القرآن بصوته، فكان رأيه أنه يفضل صوت الشيخ سعد الغامدي وإقترح عليّ أن أستمع إلى القرآن بصوت الشيخ على أن أقول له رأيي بعد ذلك.
فقمت على الفور بتحميل القرآن كاملاً بصوت الشيخ سعد الغامدي من على موقع طريق الإسلام على الإنترنت وبدأت أستمع إلى هذا الصوت الملائكي في تلاوة القرآن، وأيقنت أن صديقي عندما تحدث مادحاً هذا الصوت العذب لم يوفيه حقه، فهو فعلاً صوت مختلف، صوت يؤثر فيك، صوت يفتح أمامك آفاقاً روحانية لا حدود لها تقودك إلى تدبر معاني هذا القرآن العظيم، فقد وجدته صوت يخترق جدران قلبي المتحجر، فشعرت أنني أستمع إلى القرآن لأول مرة ،فما أشعر به وأنا أستمع إلى القرآن بصوت هذا الشيخ الجليل لا يمكن أن أصفه فهو إحساس وشعور يفوق كل الكلمات.
وبدأت أكرر الإستماع إلى نفس المقاطع ونفس السور التي تصادف أن إستمعت إليها في البداية إعتقاداً مني أن صوت الشيخ مؤثر ورائع في هذه الآيات وتلك السور فقط، فقد كنت دائم الإستماع إلى صوت الشيخ في سورة التوبة وغافر والشوري والزخرف والقصص وص، ولكن بعد أن إنتقلت إلى الإستماع إلى سور أخرى أيقنت أن جمال صوت الشيخ وعذوبته في كل السور لا يمكن وصفه، وأنا على يقين أنك سوف تشعر بهذا الإحساس وتنعم بهذا الشعور الطيب الذي لا يوصف بعد أن تستمع إلى القرآن بصوت الشيخ سعد الغامدي الذي أدعو الله أن يجزيه عني وعن كل المسلمين خير الجزاء.

نداء إلى أسارى الكليبات: إن راحـة البال وصفاء النفس وسمو الذات وسكينة الروح تأتي فقط من الإستماع إلى كلام الله وتدبر معانيه، لا إلي ذلك المغني الراقص أو تلك المغنية المائلة المتمائلة.